أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن بيقي - الشريعة،الأمة والتاريخ















المزيد.....


الشريعة،الأمة والتاريخ


حسن بيقي

الحوار المتمدن-العدد: 5276 - 2016 / 9 / 5 - 09:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الشريعة،الأمة والتاريخ
بقلم:محمد الطالبي
ترجمة:حسن بيقي
إن الشريعة هي مسألة ذات أهمية كبرى حيث يعسر على المرء أن يعالجها في مجرد كلمتين. لهذا فإنه من الحري أن تفحص من زاوية التوافق بين الدين والسياسة.
يعد الماوردي رجلا من رحالات الفكر، كان له الفضل في رسم نظرية تتوخى التوفيق بين السلطة الأخلاقية للخليفة والسلطة الفعلية.وقد تمكن من إيجاد مفاهيم وقواعد كان في حاجة ماسة إليها من أجل إرساء معالم نظريته والتي ستؤول منهلا لمعاصريه في الأدبيات الدينية المكتوبة والشفاهية. وسعيا منه إلى إضفاء الشرعية نظريا لدولة الواقعة -خليفة محروم من سلطانه وأمراء اغتصب سلطانهم بالقوة- كان يتوسل إلى المفارقات التاريخية كآلية من آليات الإسقاط على الحاضر وقائع مبتورة من الموروث الإسلامي تعود تاريخيا إلى ما يزيد على ثلاثة قرون. وكان دأب الفقهاء الاعتماد على الحيل الفقهية كعملة رائجة في عصرهم بغاية التوفيق بين دولة الواقعة وأحكام قانون يستحيل الاستغناء عنه. ونطلق باصطلاح زمننا المعاصر على هذه النظرة بالواقعية للأشياء. فعلا كان للفقيه رؤية واقعية من حيث انصياعه لمتطلبات الحياة. ومن جهة أخرى كانت الحركات السياسية التي تتحدث عن الإسلام بوصفه دينا ودولة، قد ولدت عددا كبيرا من المفكرين المعارضين لفكرة كون الإسلام دين ودنيا كالمفكر المصري علي عبد الرزاق الذي عارض بشدة، زمنئذ، هذا التحديد للإسلام، معتبرا أن الأمر يتعلق بمجالين منفصلين. بيد أن محاولته العلمانية باءت بالفشل حتى وإن استطاع أن يترك تلاميذ لمشروعه الفكري، بل إن رؤيته العلمانية وجدت من ينفذها بالضرورة وبشكل ضمني في العالم الإسلامي. لهذا يمكن اعتبار فشل محاولة علي عبد الرزاق موصولة بالسياق التاريخي لعصرها. لأن أطروحة فصل الدين عن الدولة كانت بمثابة بدعة في المؤسسة الدينية الأزهرية، بل أثارت غضبا شديدا لدى علماء الأزهر. لهذا يمكن اعتبار المشروع الفكري عموما، كما هو الشأن عند الماوردي، الذي يضفي شرعنة بعدية لدولة الواقعة، ثمرة تطور تاريخي.هاهنا إذن نجد تمظهرا للسلوك البشري الذي ينطوي على خلق شرعية غير موجودة بالضرورة.
هذا ولكوني مؤرخا لا فقيها لا يصح لي أن أدلي بتصريح علني باسم الإسلام، ولا أملك تقويضا من الله للإنجاز ولا أستطيع أن أثبت ما يصح قوله في هذه القضية من تلك. فليس انتماء لأي اتجاه ينطق باسم الإسلام. بل أذهب أبعد من ذلك : من بإمكانه أن يزعم بلوغه مقام رفيع من العلم والعصمة يمنح لنفسه الحق في الجهر بالحقيقة للناس؟ إن مثل هذا أمر لا يصح التصديق به. لهذا، لابد لكل واحد منا أن يتحلى بشيء من التواضع والاحترام للأخر. فلتعودوا من باب التذكير إلى ما سبق أن قلناه عن فكرة التسامح. وسيرا على هدى هذه المبادئ فإني لا أسمح لنفسي بإقصاء أي شخص مهما كان. الشيء الوحيد الذي يشغل بالي، وبنعمته أكون على قدم المساواة مع الغير، هو أن أكون قادرا على التعبير بما يجول به عقلي من فكر في ظل مناخ حر يسعفني أن أتقاسمه مع مخاطبي. فأنا أعبر عن رأيي مثلما أن مخاطبي يعبر عن رأيه دون أن ينسب أي شخص لنفسه موقع نفوذ أو أن يكون ناطقا رسميا لاعتقاد معين أو السماح لنفسه بحق متغطرس لم يخوله له أي أحد. أنظر إلى الفيلسوف: أثناء تفكيره في شيء ما من حيث كونه فردا، فهو لا يتحدث كناطق رسمي عن جميع الفلاسفة. إذا كان لا ينتسب إلى مدرسة فكرية فهو ليس مجبرا على ترديد نفس المذهب الفكري لهذه المدرسة، لأن الفيلسوف تظل ذاته حرة، والحرية هي القاعدة لكل الأشياء.
وعليه فأنا أتكلم انطلاقا من إيماني وآرائي، ولا أروم التستر عليهما. أتكلم كمؤرخ وكمسلم في آن معا : وبما أني مؤرخ أضع الحركات الإسلامية المعاصرة ذات المسحة السياسية في سياقها التاريخي وضمن المؤشرات التاريخية. ومن هذه الرؤية أعتبرها أشبه بإخوان لحركات لا تحصى سبقتها منذ فجر الإسلام، أي منذ موت النبي وما تلاه من خلاف بين الصحابة، حتى وإن رسموا السمات المميزة لسياق عصرنا. إنها بهذا المعنى حصيلة توترات ليست كلها ذات طابع ميتافيزيقي بل لها كذلك أبعاد اقتصادية،سياسية واجتماعية. لهذا من الأنسب أن من تحلل من زوايا متنوعة بغرض فهمها على نحو علمي وموضوعي وضمن أقصى حد ممكن. وبما أني مسلم لا أنتمي إلى أي اتجاه خاص، فإني أعتبر أن الأمة هي واحدة في الصلاة وفي العبادة، لكنها أمة منقسمة في مظاهر أخرى منه خدمة الباري. لقد كان بمقدور هذه الخلافات أن تعطي أكلها لو دبرت في مناخ قائم على الاحترام المتبادل. ذلك أني على يقين أنه الموقف الوحيد الذي يسمح بالتغلب على التوترات وعلى كافة أشكال التعصب التي لا تفعل إلا على تمديد الفتنة الكبرى كما هو الحال في الحركات الإسلامية التي تبجل العنف.
يمكن القول إذن في الوقت الراهن أن الصراع أضحى متجليا عبر صدام بين اتجاهين كببرين: اتجاه علماني يعاني أساسا من تأثيرات غربية، والتي هي في مجملها عبارة عن إسقاطات دخيلة.وفي المقابل، هناك اتجاه معارض يرمي إلى إعادة إحياء الوحدة السياسية للأمة، بإسقاطات أخرى، وبتسويغات أخرى، ولو أن التحليل يقدم الدليل- هو في نظري دليل غير قابل للدحض- على أن الوحدة السياسية التي نزعم أننا أرسينا صرحها هو مجرد وهم ضارب الجذور في عقولنا حتى أنه أضحى بديلا عن الواقع. يكفي للمرء أن يلقي نظرة على تاريخ العالم الإسلامي مند حكم الأمويين ليتأكد مما ذهبنا إليه. إن أولئك الذين يتغذون من هذا الوهم ينطلقون من مبدأ مفاده أن الإسلام يشكل لحمة تتيح لهم إرساء وحدة سياسية للأمة. بطبيعة الحال لم يستطيع الاتجاه المضاد للنزوع العلماني أن يحقق تفوقا عليه،لأنها محاولة كانت مؤسسة على سند أسطوري، واتخذت فعلا ، في ضوء الحاضر، مسارا مضادا للتيار. لنتأمل فكرة الجامعة الإسلامية التي سكنت فكر جمال الدين الأفغاني (1838-1897)فهي عبارة عن خليط من الحنين والخيال. يكفي التذكير بمواقف دول العرب في حرب الخليج التي شلت خلافتهم المتضاربة منظمة المؤتمر الإسلامي (OCI) حتى نقيس مدى نأيها عن أرض الواقع. وانطلاقا من نزوعهم نحو وحدة روحية، تعتبر فكرة الأمة أصلا مرتعا للصدامات والانقسامات السياسية. فكيف يمكن لهذه العينة من تاريخنا أن تكون مهمازا لوحدة سياسية في الوقت الذي لم يسبق لها أن تحققت على أرض الواقع منذ أزيد من ألف سنة؟ فضلا عن أن أربعين في المائة 40% من أعضاء الأمة الإسلامية تعيش في الشتات ضمن بلدان تشكل فيها أقليات إلى حد ما مهمة، كما هو الشأن في روسيا والهند وألبانيا وألمانيا وبريطانيا وأمريكا. أما في البلدان الأخرى ذات نسب أعلى تجد أعضاءها يتعايشون مع أعضاء غير مسلمين كما في لبنان وسوريا والعراق ومصر والسودان حيث سببت المشكلات الطائفية حربا مدنية مازالت رحاها قائمة إلى حدود الآن. هكذا، ففي ضوء هذه الصورة الفسيفسائية التي ما تنفك تزداد تعقيدا، نتساءل عن الكيفية التي يمكن أن يتحقق بها حلم الوحدة الإسلامي. لهذا السبب أعتقد أن فكرة كون الإسلام دين ودولة، وكون الجهود الرامية كلها لإحلال السياسة، وتنظيم السلطة وحبائلها في منظومة إسلامية وحيدة، هي جهود غير واقعية إطلاقا. وبالرغم من وجود مثل هذه المنظومة، لأسباب خاصة، في إيران وفي العربية السعودية، فهذا لا يعني أنها جائزة في أي مكان. لكن مع ذلك يمكن أن تحدث ظروف تاريخية تغيرا في إيران والعربية السعودية.
هكذا تلجأ الحركات الإسلامية إلى استخدام الشريعة دون اعتبار للحقيقة ويوظفون التاريخ من خلال بناء وهمي بعدي. لهذا السبب تجدهم يجدفون ضد تيار حركة التاريخ، ويضعون أنفسهم في اصطدام عنيف مع أولئك الذين يحيون في معاشهم حياة واقعية. صحيح أنه توجد في حياة الإنسان انتصارات وانكسارات، لكن لا يمكن لهذه ولا تلك أن تكون نهائية. فلن يتاح لنا الخروج من هذه الحلقة المفرغة إلا باستئناف بناء الفكر الإسلامي على النحو الذي دعا إليه المفكر الباكستاني محمد إقبال(1). وعليه أليس من الضروري توجيه بحثتا الفكري صوب أصوات فكرية أخصب وواقعية؟ إذن لابد للمفكرين المسلمين كافة وبلا إستثناء أن تصوب تأملاتها في سياق هذا المنحى:بدءا من سيد قطب إلى حسن البنا(2)، ومن فرج فودة مرورا من المودودي وعلي عبد الرزاق إلى فاطمة المرنيسي. إن الشرط الجوهري في هذا كله هو أنه لا يحق لأي شخص أن يدعي أنه"أنا الإسلام"بل أن يقول كل واحد منا :"أنا مجرد مفكر مسلم متواضع أعطي رأيي بغاية إيجاد حلول لمشكلات عصرنا دون إرهاب فكري أو فيزيائي". كيف نقنع الناس كافة بضرورة أسلوب الحوار؟ أما من جهتي، فأنا لا أمارس الإقصاء على أحد. مثلا أصدر محمد الغزالي في الآونة الأخيرة مؤلفا ذا حمولة فكرية معتدلة دون أن يصرح جهرا أنه ينطق باسم الإسلام. إن مثل هذا الموقف يعمل على تعزيز أسلوب الحوار الذي من شأنه أن يتيح لنا الخروج شيئا فشيئا من المعضلات التي تواجه عصرنا،وذلك بالتموضع في صلب التعددية كجزء لا يتجزأ من مستقبلنا.
الهوامش:
1-علي بن محمد الماوردي(450-364, 974-1058). اسمه مستقى من ماء الورد، مذهبه هو أقرب إلى مذهب الشافعي مع ميل للمذهب المعتزلي.شغل أمر القضاء لمرات عدة في عهد الخلفاء العباسيين. له مؤلف مشهور بعنوان "الأحكام السلطانية"
2-محمد إقبال ) 1876- 1938) شاعر مغمور. مؤلفه الأساس هو" القراءات الست لبناء الأديان من خلال الإسلام، "تجديد الفكر الديني في الإسلام".
3- حسن البنا داعية مصري،عاش ما بين (1906-1948). تلقى تكوينا تعليميا من مدرسة المعلمين، أسس حركة الإخوان المسلمين سنة 1928. أقام علاقة مع عدد من الضباط كأنوار السادات الذي سيتولى في المستقبل رئاسة الدولة المصرية. ستعرف حركته صدامات مع السلطات القائمة، مريدوه سيغتالون رئيس الحكومة المصرية في 28 ديسمبر(كانون الأول)1948.بدوره سيتم اغتياله في ظروف غامضة من قبل أجهزة السلطة بحسب حد أقوال اتباعه. له مؤلفات عدة.
-Mohamed Talbi , (Réflexion d un musulman contemporain) Editions Le Fennec Casablanca



#حسن_بيقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية، التعددية والديمقراطية


المزيد.....




- الرئيس بزشكيان: على الدول الاسلامي التعاون ووضع الخلافات جان ...
- هل أحاديث النبي محمد عن الجيش المصري صحيحة؟.. الإفتاء ترد
- المكتبة الخُتَنيّة.. دار للعلم والفقه بالمسجد الأقصى
- “خلي أطفالك مبسوطين” شغّل المحتوي الخاص بالأولاد علي تردد قن ...
- قوات جيش الاحتلال تقتحم مدينة سلفيت في الضفة الغربية
- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن بيقي - الشريعة،الأمة والتاريخ