أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - غمكين ديريك - تأهيل الشرق الأوسط الكبير















المزيد.....


تأهيل الشرق الأوسط الكبير


غمكين ديريك

الحوار المتمدن-العدد: 1408 - 2005 / 12 / 23 - 07:44
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    



يتفق العلماء والمستشرقين والمؤرخين على حقيقة واحدة وهي أن الإنسانية والمجتمعاتية والفكر واكتشاف وسائل الإنتاج وتقنياتها بدأت في منطقة الشرق الأوسط, بالإضافة أنها كانت مركز أولى الآلهات والإيديولوجيات, وهي التي بنت أولى القرى والمدن في التاريخ وقامت بتدجين الحيوانات. وبالنتيجة هي المنطقة الأولى على هذه الكرة الأرضية التي ظهرت فيها الحضارة وتطورت فيها المجتمعات البشرية, وأصبحت منبعاً للعلوم والفكر والفلسفة.فلماذا يقوم كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية اللتان استقيتا من التراكم الحضاري والذهني الإنساني من هذه المنطقة وتعرفتا على أسس التطور الاجتماعي والذهني لهذه المنطقة بعد انتشارها بأساليب متعددة وصولا إليهم بعد أكثر من 2000 سنة ومن أوروبا إلى أمريكا في الثلاث قرون الماضية محاولتين وبشتى الوسائل تطبيق الأفكار والمفاهيم اللتان ترغبان في تطويرها والتوجه إلى سياسة التأهيل وفرضها على المنطقة فهل الواقع الاجتماعي المعاش والوضع السياسي الراهن حقق ذلك..؟ وهل هي مؤهلة للتجاوب معها من جهة اخرى...؟ وهل يعيش الشرق الأوسط ما يستحقه الآن من تخلف وانحطاط وجهل وبعد عن ركب العصر ومعايشة الوهن والخمول ..؟ ما هو التطور الحضاري الاوروأمريكي الذي لايناسبها التخلف والجهل المحيط بالشرق الأوسط ..؟ من جهة أخرى ما هي البدائل التي تقدمها البنية الاجتماعية في الشرق الأوسط وما هو الطرح المضاد لأنظمة الشرق الأوسط والتي نستطيع به مواجهة كل هذا الزخم الحضاري والتراكم الثقافي، التي تمركز الآن في الغرب؛ فأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تتزعمان الان الحضارة الديموقراطية.



هل هو الاعتماد على الماضي العريق ـ بالرجوع إلى منابع الحضارة التي غيرت من مسارها وتمركزها الى القارة البيضاء ـ ام هوعدم الاعتراف بهكذا تغير في المسار، وعدم الاعتراف بالواقع الموضوعي الموجود والرضوخ له. ان المسألة الأساسية في التطور الحضاري تنبع أو تستند على التطور الاقتصادي و نوعيةالعلاقة بين وسائل الإنتاج وعلاقات الإنتاج من جهة ومن جهة أخرى تحقيق المفهوم الاجتماعي في المجتمع البشري والعيش الحر عن طريق سيادة العدالة الاجتماعية والإخاء والمساواة والمحبة وذلك عن طريق الايديولوجيات والمفاهيم الفلسفية والتي تهدف إلى حماية الكون كمسكن لجميع البشر وحماية المجتمع كثمرة لتطور الحضارة الإنسانية وتطوير الفرد وحماية حقه كدعامة وركيزة أساسية لتطور كل من المجتمع والحضارة. وبمعنى آخر تكريس البنية الثقافية والبنية التحتية على حد سواء في خدمة ارتقاء الإنسان والطبيعة، كمفهوم إنساني؛ سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وتشكيل الذهنية الكونية في الارتقاء و السمو به وصولا الى اعلى أشكال الحضارة تطورا. كمفهوم إنساني وفلسفي قابل للتطبيق والتطور،هل نستطيع القول بأنها حقيقة واقعة يعيشها الشرق الأوسط اوتعيشها القارة البيضاء وأمريكا ,وايهما أجدر بالتحليل الموضوعي لتطوره الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي ..؟ بإلقاء نظرة سريعة على القارة الأوربية,يتبين لدينا أسباب وعوامل التطور والتخلف,الحضارة والانحطاط ,لكل من الشرق الأوسط وأوربا معا ,لأن كلا المنطقتين مرتبطتان ببعضهما البعض مسترفدتان من الارث الحضاري والميراث الإنساني والتراكم الثقافي للسير قدما نحو الامام.

القارة الأوربية ذاعت صيتها كتشكيلة حضارية أخذت تزيد تأثيرها منذ أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد، فبعد الصراعات الشديدة و الطويلة بين الأقوام و القبائل والجماعات في هذه المنطقة والتشرب الهائل من الحضارة الشرقية(حضارة المصريين الفراعنة والسومريين ) وذلك عن طريق التجارة وأسباب أخرى أدت لاتساعها وانتشارها بشكل متتالي ومتعاقب وصولا إلى هذه القارة التي استطاعت تشكيل طرح حضاري منسق ومطابقة رائعة وفق ظروفها وتطوير الفلسفة والمثيولوجيا و تحريكها وتسخيرها لخدمة المجتمع والفرد وتطورهما الحر بدلا من خدمة الآلهة وتطوير اللاهوت و التعمق في المثالية والخيال. فنجد التطبيق المثيولوجي في هذه القارة هي نسخة طبق الأصل من المثيولوجيا الشرقية مع تحريف بسيط في المهام، فالأسماء و السمات والصفات هي نفسها مع اختلاف بعض الخواص والتي ظهرت نتيجة تطور الحرية الفردية والوجودية (فمثلا عشتار تحولت إلى أفروديت ، ومردوخ تحول الى زيوس ، أنكي تحول الى كرونوس ، آن تحول الى اورانوس ). وتمثيل الثنائيات الآلهية أساس كافة الثقافات البشرية( عشتار ـ دموزي، آسيس ـ أوزيريس، أفروديت ـ أدونيس، كيبالا ـ اتيس) وهي ثقافة ربة الأم الآتية من العصر النيولوتي. وتوجه رجال الدين والكهنوت إلى تطوير الفلسفة وعلم الفلك والاعتماد على الخواص المرئية والملموسة وكان ذلك توجها ماديا . في حين كان رجال الدين والكهنوت في الشرق يتعمقون في الفلسفة المثالية واللاهوت والاعتماد على الخواص المعنوية.والحفاظ على سلطة الكاهن او الملك كممثل شرعي للآلهة ومنبع كافة السلطات.

المسألة مرتبطة بالبيئة والظروف الطبيعية للمنطقة والمنابع الغنية للمواد الأولية والطبيعة المعطاءة للمنطقة فمثلا بإلقاء نظرة على الظروف البيئية للمنطقة وخصوصا أحواض النيل والدجلة والفرات (التي تطورت فيهم الحضارة) ,نجد أنها تتمتع ببيئة معتدلة الحرارة ووفرة المياه وغزارة الامطاروخصوبة التربة بالإضافة إلى سهولة التنقل للقوافل التجارية البرية والنهرية . فبينما القارة الباردة "أوربا" ذو مناخ بارد نسبيا وتقل فيها المواد الأولية الضرورية للعيش والتي تكون من الأسباب الرئيسية للصراعات والمنازعات والاقتتال والتنافس والذي أنعكس بشكل مباشر على التكوين الاجتماعي والتشكل الذهني للفرد . فالتنافس والاقتتال من اجل كسب المزيد من الإنتاج يعطي للفرد والمجتمع البحث عن مقومات الاستمرارية عن طريق تطويرنوعية الإنتاج وذلك بالتنظيم و العمل المبرمج والاعتماد على الفرد، وكدحها وبالتالي الوصول إلى الشخصية العاملة والمجتمع المنتج . بينما في الشرق الأوسط الفرد يستطيع التطفل على المجتمع والمجتمع بدوره يستطيع التطفل على الفرد. في هذه المنطقة الفرد يستطيع تأمين قوته السنوي من الطبيعة بجهد بسيط وناتج وفير وفائض الانتاج يبقى شحيحاولم يجد الضرورة في ملء شحه بتطوير الإنتاج أو النوعية، بل يتجه إلى اللاهوت والميثولوجيا والمثالية لملء هذه الفجوة منغرقا في الخيال والمثالية أيماناً منه أو وصولا إلى الأيمان بان الطبيعة هي التي تطعمه وتضمن له استمرارية الحياة. .وواجبه هو رفع الشعارات و وتقديم القرابين تشكرا منه للطبيعة والالهة، فبيما في الغرب التوجه إلى الخيال والمثالية لن تنقذه وترحمه، لا الطبيعة ولا المجتمع لذا يبقى مضطرا للعمل والاجتهاد والاعتماد على كدحه والادخار والتقنين في الصرف والاستهلاك.

بكلمة مختصرة نستطيع القول؛ اعتماد الشرق الأوسط على المثالية والخيال والتعمق والاندماج المثيولوجي مع الطبيعة والاعتماد عليها،وترك الإنسان (الفرد)كقوة أساسية في التطور الاجتماعي وبنائه والغوص في اللاهوت وتطوير الطقوس الدينية وتقديم الخدمات للآلهة وتسخير الإنسان في خدمة الآلهة ,أدى مع التطور الاجتماعي إلى الركود وحالة من السكون في التطور التقني والمعرفي وبالتالي التطور عكسياً ومعايشة وضع الانحطاط والتخلف الاجتماعي كانت القارة الأوربية على خلاف ذلك حيث قامت بتسخير الالهه والمثيولوجيا والفلسفة والعلم في خدمة الإنسان والمجتمع , وكانت النظرة إلى اللآلهة على أساس أنها رمز القوة وليست القوة ذاتها أو كل القوة محصورة فيها أي ؛ القوة البنائة تكمن في الإنسان صانع الحضارة والمجتمع .واستطاعت بذلك التطور والازدهار تشكيل حضارة عريقة يشهد لها التاريخ ، وبالطبع يعتبر هذا من أهم الأسباب وليست كلها ، لأن الحضارة تنتشر وفقا لما تقتضيه الظروف الاجتماعية والتطور الاقتصادي ومدى تقبل المجتمع للتطور الذهني والتقني وهي كحركة تصاعدية مستمرة اتساعها وانتشارها تشبه أمواج البحر، إلا إن مركزها تتغير من مكان الى أخر لتبدأ بإنتشار وأتساع جديد وإنتقال مركز الحضارة إلى مكان ما يؤدي إلى الانحطاط في المركز القديم نسبة إلى المركز الجديد . لذا نجد الشرق الأوسط في قمة الحضارة والازدهار بينما تقبع أوربا في أحلك مراحلها التاريخية وعندما تحول المركز الحضاري إلى أوربا فان الشرق الأوسط كانت ترزخ تحت نير العبودية والتخلف والجهل والظلام .ومع التحول الحضاري التي عاشتها المنطقة في النصف الثاني من الألفية الأولى بعد الميلاد استطاعت ان تتحول الى مركز للحضارة. كانت اوربا تعيش حالة من الانقسام والتشتت والنزاعات والصراعات الرجعية والتخلف والجهل ,إلا أن أوربا استطاعت أن تتحول مرة أخرى إلى مركز حضاري في نهاية الألفية الثانية بعد الميلاد بينما الشرق الأوسط تعيش مرحلة يرثى لها من التخلف والجهل والصراعات الطائفية والقومية والمذاهبية والطرائقية.

ما يهمنا هنا هي؛ الحضارة المعاصرة (الحضارة الديموقراطية) والتي بدأت بالتطور مع الثورة البرجوازية استمدت جذورها من أقدم الحضارات الأوربية وخصوصا ديموقراطية أثينا مركز الحضارة اليونانية ومركز التطور الديموقراطي كفكر ومفهوم سياسي لإدارة الدولة والمجتمع والمكان الأول التي تم تطبيق هذا المفهوم فيه حيث وصلت إلى قمة الرقي والازدهار في التطبيق الديموقراطي في عهد الفيلسوف الكبير ورجل الدولة الديموقراطي (بيركليس) إلا إنها بدأت بالتراجع والانحسار مع فقدان الحضارة الأوربية للمعانها، واخذت نجمتها بالخفوت والذبول.وقد انتشرت فكرة الديموقراطية أو المفهوم الديموقراطي في أوربا و منها إلى الأصقاع المتفرقة من العالم عن طريق الاستعمار.و كمفهوم سياسي نظري فإن تطبيقاته وممارساته العملية والفعلية بقيت حصرا على بعض الدول ، أو بقيت بشكل ما معلقة التنفيذ ولم تتطور إلا في العقود الأخيرة من القرن العشرين.

والديموقراطية تعني حكم الشعب نفسه بنفسه أي؛ حكم القانون والدساتير والتشريعات الاجتماعية المنبثقة من المنظمات التمثيلية ،التي تشترط المشاركة الفعالة لكافة المنظمات الشعبية والجماهيرية، التي تمثل كافة فئات وشرائح المجتمع وتأخذ مصلحة الفرد. والمجتمع في اولوياته عن طريق بناء فرد متحرر ومجتمع متطور يسوده التكامل والمساواة وتعريفها بالعدالة الاجتماعية (ضمان الحقوق الفردية والاجتماعية) سياسيا واقتصاديا وثقافيا، كمفهوم سياسي ونظام حكم، وإدارة الدولة تعتبر الديموقراطية من انجح الأشكال السياسية والاجتماعية التي تحقق التطور والرقي الاجتماعي والاستقرار السياسي وهو بحد ذاته يعني التكامل والتكافل(الضمان)الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، لكافة الشرائح الاجتماعية والأطياف والمذاهب والقوميات.

إن مشروع الشرق الأوسط الكبير والذي اقترحته الولايات المتحدة الأمريكية على قمة الدول الغنية " مجموعة الثمانية " يأخذ من التطور الاجتماعي والديمقراطي أساساً له عن طريق الحكم الصالح, ومعنى الحكم الصالح هو الحاكم أو السلطة "دولة أو حكومة" تأخذ مصلحة الفرد والمجتمع في أولويات مهامها, وهذا الحكم الصالح في المنطقة وإن كان من العملة الصعبة إلا أنها نادرة وفي طور التبرعم.أن الأرضية الأساسية التي تهدفها " الديمقراطية" هو؛ المجال الاقتصادي الذي يعتبر الركيزة الأساسية للتطور الاجتماعي, حيث تعتبر هذه المنطقة مركزاً واحتياطاً عالمياً للمواد الأولية والأساسية كالبترول والمياه والثروات المعدنية.ولو ألقينا نظرة سريعة على بعض الإحصائيات نجد:

ــ المجموع الإجمالي للدخل المحلي لبلدان الجامعة العربية هو أقل من نظيره في أسبانيا مثلاً أي؛ أن المنطقة تعيش ركوداً اقتصادياً مخيفاً, ودخل الفرد في أغلب بلدان المنطقة هو أقل من مستوى الفقر باستثناء بعض دول الخليج, والبطالة في أوجها, حيث أكثر من مليون شاب سيدخلون سوق العمل بحلول عام 2010 و 100 مليون بحلول عام 2020, كما أن هناك حاجة لخلق وإيجاد ما لا يقل عن 6 ملايين وظيفة جديدة لإمتصاص هؤلاء الوافدين إلى سوق العمل, وإذا استمرت المعدلات الحالية للبطالة سيبلغ معدلها في المنطقة إلى 25 مليوناً بحلول عام 2010, حيث يعيش ثلث المنطقة على الأ قل بدخل يومي يعادل الدولارين, ولتحسين مستويات المعيشة يجب أن يزداد النمو الاقتصادي إلى أكثر من الضعف من مستواه الحالي الذي هو دون 3%.

أن المنطقة تعيش ظروفاً مروعة من التخلف والحرمان من العلم والمعرفة وعدم المساواة بين الجنسين, بالإضافة إلى الحرمان من الحقوق السياسية والاقتصادية, وفي تقرير الكّتاب العرب للأمم المتحدة تم تحديد ثلاثة نقاط أساسية للإصلاح والتطورالتقني في الشرق الأوسط وهي " الحرية, المعرفة وتمكين النساء", والإحصائيات تؤكد أن حوالي 40% من العرب البالغين 65 مليون شخص أناس أميون؛ وتشكل المرأة ثلثي هذا العدد كما عبر 51% من الشباب العرب الأكبر سناً عن رغبتهم في الهجرة إلى بلدان أخرى وخصوصاً إلى أوربا وفق تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2002, وتعكس هذه الإحصائيات أن المنطقة تقف على مفترق طرق ويضاف كل عام المزيد من الشباب المفتقرين إلى مستويات لائقة من العمل والتعليم والمحرومين من حقوقهم السياسية.

ــ نسبة تمثيل المرأة في المقاعد البرلمانية في البلدان العربية هي 5,3 %.

ــ نسبة استخدام الإنترنت 6,1% وهو أقل رقم مما هو عليه في أية منطقة في العالم بما فيها أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى, وحسب هذه الإحصائيات يتضح لنا بأن المنطقة بعيدة عن الديمقراطية المنشودة والتي تحاول كل من أوربا وأمريكا فرضها على المنطقة. فهل رفض ديمقراطية كهذه هو لصالح المنطقة وشعوبها أم قبولها سيؤدي بها اللحاق بركب العصر والتماشي وفق متطلباتها وحرية مجتمعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية...؟ فأن كان الرفض هو الجواب فما هو البديل أو الطرح الشرق الأوسطي في التحرر السياسي والاجتماعي والاقتصادي ...؟ وما هي الظروف والأجندة التي تقام عليها طرح كهذا؟, وإن كان القبول هو الأساس فما هي خصوصية الشرق الأوسط ومميزاته الاجتماعية والثقافية, وأين هو الطابع الشرق الأوسطي المتداخل والمتمازج وأين التراكم الثقافي الهائل لشعوبها ومجتمعاتها؟.

إن الحكومات والأنظمة السلطوية في مأزق للإجابة على مشروع كهذا, وهي أن الموافقة هو الخنوع حسب قولهم وعدم الموافقة هو الابتعاد عن العصر والغرق في الانحطاط, وخصوصاً لا يوجد طرح بديل للإصلاح والتطور الاجتماعي وتوسيع الحريات الاقتصادية والفردية, وتبقى المسألة عالقة فالحريات مفقودة, حيث حصلت البلدان العربية " على الدرجة الأولى من بين سبع مناطق في العالم على أدنى مستوى " من تقرير فريدوم هاوس لعام 2003 وبالطبع كانت إسرائيل البلد الوحيد في المنطقة الذي صنف بأنه " حر", كما أن الوعي والمعرفة في أدنى مستوياته, حيث يستطيع فقط 6,1 % من الأفراد استعمال الإنترنت، حسب الإحصائيات التي أوردناها في الأعلى. ولا تنتج هذه البلدان سوى 1,1% من مجموع إجمالي الكتب في العالم, حيث يهاجر ربع خريجي الجامعات إلى الخارج, كما أن المنطقة لا تأخذ من الثقافات المجاورة ولا تستفيد منها عن طريق اللغة أو الكتب, حيث بلغ عدد الكتب المترجمة إلى اليونانية خمسة أضعاف ما تم ترجمتها إلى العربية, بالإضافة إلى أن وسائل الأعلام بشكل عام تعمل تحت سيطرة الدولة والسلطة الحاكمة أو ملك لها ولا يوجد إعلام مستقل باستطاعته تطوير البنية السياسية والاجتماعية عبر البرامج التحليلية وجلب الأنظار على المسائل المهمة, ولذلك نجد صعوبة في مواكبة العصر وفي تطوير العقلية والذهنية الديمقراطية والفكر الديمقراطي عن طريق نشر الأفكار والآراء المختلفة, وتسليط الأضواء على ممثليات المجتمع المدني ودورها في دمقرطة المجتمع.

أن المسألة في الشرق الأوسط وتعقيداتها تكمن في السلطة أو الحكم الذي يمثل عقدتها الكأداء, ونتيجة التراكم الثقافي و الحضاري للمنطقة- وأن وجدت مجموعات أو حركات أو أشخاص يناضلون في الطريق الديمقراطي- إلا أنها تبقى غير مؤثرة وأكثر فترات تأثيرها تمر في مراحل المد والجزر ولم تصل إلى الأستقرارية, لا بل تلد ميتة, فالحاكم أو الرئيس هو الآمر الناهي وهو أفضل من يعلم, ومحاربة الرئيس هي محاربة الدين والدولة والمجتمع, حيث أن هذا المفهوم متجذر في الذاكرة الإنسانية في المنطقة, فمثلاً ملك البحرين يحّرض النساء على لعب دورهن في المجتمع, ويبني لهن المؤسسات النسوية وتنظيمات المجتمع المدني وبقرار ومرسوم ملكي, ألا أن النساء في البحرين قدمن شكرهن للملك وقررن أن عملهن في المنزل كان أفضل, ولا يردن الاختلاط مع مشاكل الديمقراطية والسياسة, وحسب الإحصائيات التي أجرتها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أن حوالي 65 % من النساء لم ينتسبن في يوم من الأيام إلى حزبٍ سياسي وإنّ 944 % ليس لديهن النية في الانتساب إلى أي حزب. ومثال آخر: لا يختلف اثنان على أن صدام حسين ديكتاتور وسفاح وتسبب في قتل أكثر من مليون من أبناء شعبه, ولكن عندما تم القبض عليه قامت مظاهرات واستنكارات مؤيدة لصدام في جميع جامعات العراق " مع العلم بأن الجامعات هي أكثر الأماكن علماً ومعرفة وهي قدوة المستقبل" لأنه كان رمز النخوة العربية ضد الاحتلال الامريكي والغربي، مع العلم بأنه لم يكن يملك طرحاً بديلاً يحافظ من خلاله على تطور المجتمع والفرد.

أن التحدث عن الدور التاريخي للشرق الاوسط لخلق الحضارة في المرحلة المقبلة لن يكون واقعياََ، مع زيادة التصحر وارتفاع الحرارة وشحة المياه جغرافياَ بالاضافة الى الدور السلبي الذي لعبته ثروة النفط في الآونة الأخيرة، وتحت تأثير العقلية المهترئة والمعتمدة على السلطة والتحكم لإشباع الرغبات، بالأضافة الى الظروف الثقافية للشرق الاوسط والتي فقدت أصالتها بعد دخولها مرحلة الانهيار بين أعوام 1000 ـ 1500 م. ولكن يجب إن لا نقيم هذا الوضع بشكل سلبي، بل الأصح أن نقّيمه كإمكانية من أجل الخروج من الأزمة والرأسمالية التي أصبحت شاملة ودائمة، والتي قد تتحول الى فاشية على الطراز الديمقراطي أو تطوراً مشابهاَ لذلك وهذا يشكل خطراً بالنسبة للإنسانية، وتكون بذلك نهاية التاريخ. والتناقض هنا يكمن في عدم تحديث التراث الثقافي الشرق الاوسطي عبر تحليل نفسه إذ تحول بعض العوامل الداخلية والخارجية دون تفعيل القوة الكامنة في المجتمع الشرق الاوسطي وتبقى الجذور القومية التاريخية رادعاَ للاحتواء الخارجي، وتكون النتيجة تعمق المشكلة وتشابكها ودخولها في مآزق. أما أمكانية تحليل الشرق الاوسط مرتبط بأمكانية أقامة روابطه الصحيحة مع الحضارة الأوروبية والقيام بتعريق الحضارة الأوروربية بشكل صحيح لأجل تكوين أطروحته المضادة حسب هذه المرحلة، وهنا يلوح في ذهننا سؤال: هل يمكن لكيان الشرق الاوسط التاريخي والثقافي المبني على الانطلاقات الكبيرة إن ينتقل الى المستقبل بأضافة حلقة جديدة واحياء نفسه كما كان عبر التاريخ مثل" أنطلاقات كلكامش وسارغون وابراهيم وموسى وزرادشت وعيسى ومحمد"...؟

إن المراحل التاريخية أصبحت ذاكرة المجتمع وملكاً لكافة أفراده ، دون النظر إلى " الطوائف " القومية والدينية والمذهبية. ومرحلة الشخصيات " عصر البطولات" قد ولت وأنتهت وتحولت إلى مرحلة المجتماعات مع تطوراتها الديمقراطية. وأصبحت المجتمعات هي التي تدمغ التاريخ بطابعها عن طريق العدالة الاجتماعية وتطور المجتمع المدني ومؤسساتها وتلائم التركيبة الاجتماعية والسياسية والثقافية وتداخلها، في المساواة والإخاء وبناء المجتمع السليم، بالتطور المتوازي لهذه الأطياف والفئات، دون تطور إحداها علىحساب الأخر أو عن طريق رد وإنكار الأخر، بل الاعتراف بحقوق الفرد والمجتمع وواجباتهما المتبادلة، والسمو والرقي إلى المجتمع الإنساني الذي يستطيع فيه كل" فرد- فئة– مذهب – دين – قومية " التطور المستقل على أساس هويتها ومميزاتها الخاصة .




#غمكين_ديريك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- افتتاحية جريدة الوفاق العدد 22
- الانظمة تخلق حفارة قبرها


المزيد.....




- آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد ...
- الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي ...
- فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
- آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
- حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن ...
- مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
- رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار ...
- وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع ...
- -أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - غمكين ديريك - تأهيل الشرق الأوسط الكبير