وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 5274 - 2016 / 9 / 3 - 11:12
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
استكمالا لمقالنا السابق المنشور على الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=529946
نكمل استعراض مذكرات سفير الولايات المتحدة الامريكية في العراق فالديمار غالمان للسنوات من 1954 – الى 1958 والذي تمت ترجمته ونشره تحت عنوان :
( عراق نوري السعيد :انطباعاتي عن نوري السعيد بين سنة 1954 – 1958 )- دراسة وتقديم وتحقيق المؤرخ العراقي البروفيسور سيار الجميل – ط1 – 1965 – ط1 المحققة – 2015 –الناشر: دار ميزوبوتاميا – بغداد –شارع المتنبي .
اتفاق المساعدة العسكرية الامريكية الى العراق :
امكن التوصل الى اتفاق المساعدة العسكرية بين الولايات المتحدة والعراق بتبادل مذكرات . واستندت المذكرات الى بدورها الى قانون السلامة المتبادل الذي يخول الحكومة الامريكية تقديم المعونة العسكرية ضمن قيود معينة .وحين وجه انتقاد شديد لذلك الاتفاق اثناء محاكمة الجمالي في 1958 , اجاب الجمالي ان ليس في ذلك اي سوء , ولم يكن سريا . وبموجب بنوده يستطيع العراق ان يتخلى عنه في اي وقت .
واضاف انه كان يرتاي عرضه على مجلس الامة للمصادقة عليه ,ولكن رئيس الوزراء الذي جاء بعده تغاضى عن هذا الاجراء .كانت بعثتنا العسكرية التي تقوم بادارةالمعونة في العراق صغيرة نبيا , فكانت تتالف من حوالي خمسة عشر ضابط وضابط صف .والذين يشتغلون في اعداد احتياجات الجيش , وفي بداية فترة الاتفاق قدم الينا العراقيون خطة ذات مرحلتين وعلى تفاصيل التجهيزات التي فكروا انهم بحاجة اليها .
وكانت غايتهم اعداد جيش لمخلتف الاغراض مجهز للمحافظة على الامن الداخلي وصد العدوان الخارجي , ودعم جهود الدفاع عن المنطقة .وفي المرحلة الاولى كان مقررا اكمال تجهيز الفرقتين العراقيتين آنذاك , وفي المرحلة الثانية يتوجب تجهيز فرقة ثالثة ..
وخصصت خمس مراحل لانجاز ذلك .ولم نجد اي اعتراض على هذه الخطة . وحاولت بعثتنا في بغداد ان تؤمن حاجات العراق برغبة صادقة وبسرعة ,الا انها لم تحقق نجاحا تاما . وكانت امتعاضات من الجانب العراقي . كانت بعثتنا تجابه مصاعب من جهات عديدة .قبل كل شيء كان عليها العمل في مخصصات سنوية معينة .لذلك تعذر وضع خطة بعيدة المدى من الجانبين .
حتى وبعد ان صادق مجلس الامة الاميركي على ميزانيتنا السنوية , مر وقت طويل لتحديد المخصصات اللازمة لنا , من بين مخصصات كانت تشمل خمسين قطرا تتسلم منا معونة , ثم ان الفروق بين السنتين الماليتين زادت في عدم الدقة وجعلت التخطيط المنظم اكثر صعوبة.
اثناء بقاء بعثة ريشارد في بغداد في نيسان 1957 قال نوري لريتشارد ان خمسين بالمئة من النجاح في تثبيت الامن كان يعزى الى الاثر الحسن الذي تركته عند الشعب العراقي والجيش الاسلحة الواردة من الولايات المتحدة .
وصادفت ذكرى تاسيس الجيش العراقي السادسة والثلاثين يوم 6 كانون الثاني – يناير 1957 . واذاع نوري عشية تلك الذكرى خطابا على الامة , واعلن انه خلال العرض العسكري في معسكر الرشيد صباح اليوم التالي ,ستعرض بعض التجهيزات التي استلمها الجيش وهي من احدث التجهيزات .
وبين الاسلحة التي سترى في العرض مالايوجد منه الا لدى الولايات المتحدة وبعض الوحدات البريطانية.وقد انهى كلماته بنهاية سمها ماشئت , ولكن يشتم منها كره الحرب , اذ قال :
(ندعو الله الا نضطر الى استعمالها , وبان يسود السلام وهدي العقل محل الحرب ).
وفي اليوم التالي ظهرت على نوري علائم الاعتزاز واضحة , خاصة حين مرت في العرض الدبابات ومدافع القوس من عيار 8 عقدة التي اعطيناها للعراق .ومع هذا ,كان صبر نوري ينفد احيانا , ولاسيما في قضية الحاجة المتكررة بطلب حماية جوية افضل ..وقد خمن احتياجات العراق لهذا الغرض باربعة اسراب من الطائرات المقاتلةعلى الاقل . وكان يرى انه اذا دعي العراق للدفاع عن جاراته العربية , فالجيش لايمكنه التنقل بثقة خارج الحدود لان الحماية الجوية غير متيسرة .
وبعد سنتين من الحاح نوري ..امكنني ان اخبره في آيار – مايس 1958 باننا سنزود العراق ببعض الطائرات النفاثة من نوع ( ف 86 ف ) . وستكون الدفعة الاولى مؤلفة من ست طائرات لاغراض التدريب مبدئيا ,ثم تاتي بعدها اعداد اكبر . اجاب نوري بانني جئته اخيرا باخبار طيبة, وحسب عادته في عدم اظهارحماسة اكثر مما يلزم .. استطرد قائلا :انا لااعرف الكثير عن ذلك النوع من الطائرات النفاثة . آمل ان تكون قادرةعلى تحدي طائرات ميغ 17 . ولكن آيار –مايس انقضى وكذلك حزيران – يونيو دون ان تصل النفاثات .
وفي 9 تموز , اي قبل الانقلاب بخمسة ايام وقبل وفاته بستة ايام كان لايزال يلتمس تامين الغطاء الجوي ورجاني في ذلك اليوم ان نسرع في تسليم النفاثات. وصلت النفاثات الستة لغرض التدريب خلال بضعة الايام التالية كاملة مع طياريها المدربين.وبقي الملاحون بعد الانقلاب ينتظرون الاشارة للبدء بالعمل , ولما اتضح ان الموافقة لن تاتي ابدا , عاد الطيارون الى بلادهم واستحوذ قاسم على النفاثات.
كان تاريخ 14 تموز – يوليو 1958 بداية انتهاء اتفاق المساعدة العسكرية . اذ لم تكد تمضي ساعة واحدة على الهجوم الذي وقع على القصر وعلى بيت نوري حتى ظهرت القطعات العسكرية في السفارة فاحاطتها , وبدات بتفتيش كل من يريد الدخول او الخروج . وبعد ذلك فتشت البناية القريبة من مفصل الطرق امام السفارة . وكنا قد اتخذناها مكتبا لبعثتنا العسكرية , ثم ختمت واقفلت ولم يستؤنف العمل فيها مطلقا .
ولم تبدر من قاسم في الاشهر التالية بادرة تنم عن استعداد عهده للمشاركة في اتفاق المساعدة العسكرية . وبوصول المعونة العسكرية السوفياتية في كانون الاول – ديسمبر ,ولعدم الحصول على اشارة توضح اغراض قاسم , ادركنا ان الوقت قد حان لسحب بعثتنا العسكرية.وتم ذلك فعلا , الا ان الجمهورية العراقية لم تبلغنا رسميا قرارها بانهاء الاتفاق الا في 30آيار – مايس 1959 .
ان تايخ معونتنا العسكرية في العراق لم يكن تاريخا سعيدا على وجه العموم . وقد بسطنا الصعوبات الادارية التي جعلت تنفيذ الميثلق صعبا .وهناك نواقص مهمةعرقلت تعهداتنا ,اولها الاختلاف على تفسير قانون الامن المتبادل بالرغم من وضوح نصوصه .
فقد كان في واشنطن التباسا حتى على طريقة تطبيقه بالنسبة الى العراق . وظهر هذا الاختلاف خلال الايام الحرجة من سنة 1956 حين ظهر ان العراق قد يرسل قواته للاردن . وقد نص القانون على ان التجهيزات والمواد التي تمنح تستخدم فقط لصيانة امنه الداخلي والدفاع عن النفس , او ضمن ترتيبات دفاع اقليمي , او اجراءات تنسجم مع ميثاق الامم المتحدة .
كان منهاجنا يستهدف بصراحة دعم نوري سياسيا , ولكن عقبات مهمة عرقلت تسليمه اسلحة رائعة وحديثة وبوقت مضبوط .ورغم تلك العقبات كان بامكاننا اعطاء العراق كمية من الاسلحة الحديثة اكبر مما اعطينا .وبمواعيد ادق لو كانت لدينا حرية العمل التامة .الا اننا لم نتمتع بتلك الحرية.
كان الجيش العراقي مجهزا منذ البداية باسلحة بريطانية . وبدانا منهاج المساعدة بقبول هذا الواقع , فاستخدمنا اكثر الاعتمادات لشراء التجهيزات البريطانية من البريطانيين.
ان رايي الاخير في المهاج هو اننا لم نساعد نوري كثيرا,ان في داخل العراق , او خارجه, كما اننا لم نرفع سمعتنا ولو بمقدار ضئيل , لا بين العراقيين ولا بين جيرانه . كانت المعونة الفنيةعقدنا الثالث والاخير مع نوري وقد حاولنا ان نوازن بين معونتنا العسكرية ومعونتنا الاقتصادية .
وكانت المعونة الاقتصاديةالتي قدمناها على الاكثر من نوع التعاون الفني واتفاقية التعاون الاساسية اصبحت نافذة المفعول يوم 2 حزيران – يونيو 1951 ثم اتسعت من اتفاقيات تلتها واخرها اتفاقية نتجت عن زيارة بعثة ريتشارد للعراق في نيسان- ابريل 1957 .
في بداية 1956 قلت لواشنطن ان لنا في نوري صديقا فعالا ,جديرا بحسن ظن الغرب .. وعبرت عن شعوري بضرورة دعمه بعدة طرق ومنها في اصلاحاته الداخلية. وفي استطاعتنا , بل من واجبنا ان نعزز جهوده بمده بالخبراء الذين يحتاج اليهم بين وقت واخر وبسرعة.
الاعتراف الاخير للسفير الاميركي
ان قصة علاقتنا بالعراق من 1954 حتى 1958 كانت قصة فاشلة من حيث الاساس . لقد وجدنا في نوري صديقا ثابتا متفهما لنا . وكان يناصرنا جميعا , معشر الغربيين في العراق وفي البلاد العربية بصورة عامة .
وكان مقتنعا بان الاسلوب الغربي هو خير اسلوب لشعبه . وكان يتحلى بالشجاعة عندما كان يعبر عن شعوره هذا علنا .وسط اصوات الاستياء من الكثيرين من ابناء وطنه , وفي النهاية قتله شعبه.
فهل ساهمنا نحن في هذا النهاية الفاجعة؟
لقد فعلنا ذلك !
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟