|
القرآن من تسامح النبي الى تعصب المسلمين
جلال مجاهدي
الحوار المتمدن-العدد: 5270 - 2016 / 8 / 30 - 09:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في العهد النبوي كان النبي يقرأ القرآن على العرب على اختلاف ألسنتهم و كانوا أيضا يستظهرون ما حفظوه أمامه لكن ليس بلسان قريش بل بلسان قومهم و كان النبي يثبت حفظهم و يقول بأن القرآن نزل على سبعة أحرف و الحرف هو لسان القوم و حدث ان استظهر شخصان نفس السورة امامه لكن بلسانين مختلفين و كان كلما انتهى احدهما من القراءة يقول له هكذا أنزلت و لم يكن يتعصب للغة قريش بل اعتبر ان القرآن يقرأ بمعناه و ليس بحروفه و من تم لم يخطأ أي كان و للحفاظ على معاني القرآن كان الناس يكتبون الآيات و السور و الى جانب ذلك كانوا يدونون احاديثه و هو الامر الذي تنبه له و امرهم بالإبقاء فقط على ما دونوه من القرآن و كان عمر ابن الخطاب بعد توليه الحكم قد نهى عن تدوين الحديث و حسب الرواة فان هذا الاخير امر من يملك شيئا من الحديث المكتوب بالإتيان به و كان الناس يكتبون على اللوح و العظم و الرقاع و امر بها فأحرقت ومرد ذلك الى تخوف النبي السابق من تداخل المكتوب من القران مع حديثه و روي عنه أنه قال "لا تكتبوا عني ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه" و من خلال ما سبق ذكره يتضح جليا ان النبي وسع من دائرة التعامل مع القرآن و رخص للناس بقراءته بمعناه طبقا للسانهم و لم يشدد عليهم كما اعتبر أن أحاديثه و سيرته غير ذات أهمية مقارنة بالقرآن وجعل المحورية للقرآن و ليس للسنة و لم يجعلهما في مرتبة واحدة و لم يتعصب لحديثه و لا لسيرته و حتى القرآن نفسه كان يتفاعل مع الاحداث و يتطور مع تطورات الوقت فنسخت آيات آيات أخرى و حلت محلها لتقرر أحكاما مغايرة لكن بعد وفاة النبي و بداية عهد التدوين ظهر التعصب فبعد ان بدأت حروب الردة، وكان أشدها معركة اليمامة التي قتل فيها قرابة الألف من أصحاب النبي وكثير منهم من القراء وحفظة القرآن، اقترح عمر بن الخطاب على الخليفة أبي بكر جمع القرآن في مصحف واحد، خشية ضياعه بوفاة المزيد من القراء، ووافق الخليفة على المقترح بعد طول تردد، وانتدب لجنة للقيام بذلك العمل برئاسة زيد ابن ثابت و اشراف عمر ابن الخطاب و كان المصحف الذي جمع فيه القرآن عند الحاكم أبي بكر ، ثم عند الحاكم عمر ثم عند ابنته حفصة لكن هذا المصحف الرسمي لم يكن الوحيد المعتمد فكان الناس يكتبون عن عائشة و عن ابن مسعود و ابي ابن كعب وعن علي ابن ابي طالب و ابي موسى الأشعري و غيرهم من الحفظة و كانت كل طائفة تتعصب للقران المكتوب عن حافظ ما بدعوى انه الاصح حتى قاربوا على الاقتتال و بلغ عدد القرائين المكتوبة في عهد الحاكم عثمان ابن عفان اثنى عشر قرانا انتشرت في الافاق و امام اختلاف حروفها و الفتنة التي احدثت و منازعة المتعصبين في النسخة الرسمية امر باعتماد لجنة مرة اخرى تكونت من زيد ابن ثابت و عبد الله ابن الزبير و سعيد ابن العاص و عبد الرحمان ابن الحارث و امرهم باعتماد نسخة ابي بكر التي كانت عند حفصة كمرجع و عند الاختلاف بكتابة القران على لغة قريش و ليس على قراءة زيد ابن تابت المدني و تمت اضافة اية مفقودة الى سورة الاحزاب وجدت مع خزيمة الانصاري {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} و كانوا اذا تنازعوا في اية من اي القران يبعثون للصحابي الذي سمعها من النبي مباشرة فيستبثونها على حفظه و بذلك اصبحت النسخة الاولى التي كانت مع حفصة غير معتمدة و تم نسخ خمسة نسخ جديدة من القران بعثت للأمصار لتكون النسخة المعتمدة الا ان هذه النسخ لم ترق كلا من ابن مسعود و عائشة و بعض الصحابة حيث كانت عائشة تذكر بان القران العثماني منقوص وورد عنها أنها قالت لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها. هذا الحديث رواه الإمام ابن ماجه 1/625 والدارقطني: 4/179 وأبو يعلى في مسنده 8/64 والطبراني في معجمه الأوسط 8/12 وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث، وأصله في الصحيحين، وأورده ابن حزم في المحلى 11/236 وقال هذا حديث صحيح و معنى كلامها ان عشر ايات من القران لم تلحق به , هذا الحديث لكونه صحيحا بالنسبة للمسلمين و مخرج في صحاحهم خلق لهم معضلة طالما انهم يدعون ان القران محفوظ وكالعادة كثرت التبريرات و التاويلات للخروج من المأزق و كلها واهية لكن يبقى تاويل النسخ هو الاصح اي ان الايات نسخت عمليا فلم تطبق على عهد النبي و نصيا طالما ان الصحابة و باقي الحفظة لم يتبتوها لكن عائشة استمرت في تعصبها لقرآنها و كانت تطبق اية رضاعة الكبير عمليا و ترسل الرجل الذي تريده أن يدخل عليها وهي بغير حجاب إلى أختها أو زوجة أخيها فترضعه خمس رضعات فيصير محرماً و كانت عائشة من بين اكبر المعارضين لقرآن عثمان و سمت عثمان بعد احراقه لقرآنها بنعثلة و بالنسبة لابن مسعود فإن تعصبه لقرآنه و معارضته لقران عثمان كانت الاشد حيث بلغ التعصب شانا جعله يأمر الكتبة عنه بإخفاء مصحفه عن عثمان و عسكره كما رفض تسليم مصحفه له و جاء في مسند أحمد من رواية خمير ابن مالك قوله لهم "من استطاع منكم ان يغل مصحفه فليغله" وكان يقول " قرأت من في النبي سبعون سورة افاترك ما سمعته من في النبي " وعلى سبيل الذكر من بين الاختلافات اللسانية قراءته "والليل إذا يغشى و النهار إذا تجلى و الذكر و الأنثى" بدلا من "و ما خلق الذكر و الأنثى" كما جاء في الجامع الصحيح 3742 و " إني أنا الرزاق ذو القوة المتين " بدلا من " إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " كما جاء في صحيح الترمذي و سنن ابي داوود و صحيح الموارد والصحيح المسند و جاء عن القرطبي و عبد الرزاق وابن المنذر والطبراني و الأعمش ان ابن مسعود كان يقرأ " ووصى ربك ان لا تعبدوا الا اياه " بدلا من " و قضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه " و اختلافات لسانية حرفية غير ذات بال كقوله " فامضوا الى ذكر الله " بدلا من" فاسعوا الى ذكر الله " و ما الى ذلك كما أن ابن مسعود كان يقسم بان القران الذي يحفظه هو الصحيح و ان الذي جمعه عثمان غير ذلك و كان يعير زيد ابن ثابت و يقول انه تلقى سبعون سورة من في النبي مباشرة بينما كان زيد يلعب مع الصبيان و بخصوص المعوذتين فكان يقول بانهما مجرد ادعية و كان بتعصبه لقرآنه يحكهما من أي مصحف وجده , اما الحفظة عن أبي ابن كعب و أبي نفسه فلم يستسيغوا تغيير قرآنهم لتطابقه الكبير و قرآن ابن مسعود وقرآن علي لكونه كان أحفظهم و لم يكن يخرم حرفا مما يحفظه و مصحف أبيّ بن كعب فقد كان منتشراً في بلاد الشام، وهو يختلف عن المصحف العثماني بزيادة سورتي الحفد والخلع و هما دعاءين قصيرين كان يقنت بهما النبي في الصلاة. وقد روى البيهقي أن عمر بن الخطاب قنت بهما، وأن علياً كان يعلّمهما الناس، وكانوا يقرأون بهما في حضرة عبد الملك بن مروان لكن لم يقل أي منهم أنها من القرآن لذلك كان تعصبه للدعاءين على اساس انهما من القرآن واهيا ويختلف مصحف أُبيّ عن غيره أيضاً في أن سورتي الفيل وقريش فيه سورة واحدة، لا سورتان كما في مصحف عثمان، وكذلك سورتا الضُّحى والانشراح و هو بذلك خالف جمهور الحفاظ و كان عليه مطابقة ما عليه الباقي و من بين الاختلافات ما أخرج أحمد بن حنبل في مسنده: “حدثنا عبد الله ثنا خلف بن هشام ثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بـهدلة عن زر عن أبي بن كعب أنه قال: “كم تقرؤون سورة الأحزاب؟ قلت: ثلاثا وسبعين آية. قال: قط! لقد رأيتها وأنّها لتعادل سورة البقرة وفيها آية الرجم! قال زرّ: قلت وما آية الرجم؟ قال:(الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم)”. مسند احمد 5/123 حديث 21245. والاتقان 2/25. لكن كما تقدم فآية الرجم و آية رضاع الكبير نسختا نصيا و لم يتبتهما باقي الصحابة و القرآن ليس نصا عاما كنصوص القانون تطبق بصفة عامة على أية نازلة يقع تكييفها القانوني ضمن إطارها فآي القرآن لا ينظر إليها مجردة عن أسباب نزولها فهي تتحدث عن أمر معين في حد ذاته و تقتصر على النازلة التي نزلت بخصوصها زمانا و مكانا فقط دون أن تتعداها إلى غيرها من النوازل التي قد تكون مشابهة فالقرآن عندما يدعوا للحرب و القتال فهو يقصد زمنا و مكانا و قوما معينين و حينما يدعوا للسلم فهو يقصد ايضا زمنا و مكانا و قوما معينين و بذلك فان التعصب للجهاد و الحرب و اعتبار النصوص نصوصا ذات سياق عام هو خلل في القراءة و الفهم و أدى إلى ظهور داعش و أخواتها كما أن نصوص القرآن تقبل إسقاط العمل بها حسب الظروف فعمر ابن الخطاب أسقط حد قطع يد السارق في عام المجاعة كما أن النبي نفسه كان يعتبر الحدود مجرد ادوات وقاية لا علاج و كان اذا قدم احدهم يعترف بالزنا او السرقة يعرض عنه ثلاثا و حتى ان بدأوا في اقامة الحد عليه و تراجع يوقف تطبيقه و كان يقول ادرأوا الحدود بالشبهات و لم يكن يتعصب لأقامة الحدود او كما يقول الدواعش تطبيق الشريعة و بالتالي فإن المغالاة و التعصب للقرآن و السنة و التشبت بحروفهما دون معناهما و خارج سياقهما هو من فرق المسلمين شيعا و من أخرج لنا خوارج العصر داعش الوهابية و من على نسقها .
#جلال_مجاهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرابين البشرية و المنابع النصية للفكر الارهابي
-
حزب العدالة و التنمية المغربي ليس حزبا إسلاميا
-
حزب الأصالة و المعاصرة المغربي وانعدام الهوية
-
إحراق الجسد :الاسباب و الدواعي
-
الإنسان بين الأصل السماوي و الجيني
-
الطعن في قرارات عزل قضاة الرأي المغاربة بين الإمكانية القانو
...
-
قراءة نقدية للقانون رقم 127.12 المتعلق بتنظيم مهنة محاسب معت
...
-
الماضويون و الفصام الزمني
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|