أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - اسم الصليب عليكِ!













المزيد.....

اسم الصليب عليكِ!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5269 - 2016 / 8 / 29 - 20:57
المحور: المجتمع المدني
    


نشأتُ في أسرة لا يصيبُها الهلعُ إن جاءت طنط إيڤون جارتنا وحضنتني وهي تقول: “باسم الصليب عليكي كبرتي وبقيتي عروسة!". أو حين تقولها طنط آنجيل لأمي إن شاهدتها في فستان جديد جميل. أو حين يقولها جارنا أنكل وسيم لأبي، المتصوف حافظ القرآن، حين يخبره أنني حصلت على الدرجات النهائية في الامتحان.
أول مرة في حياتي أسمع هذه العبارة الطيبة كانت في الصف الثاني الابتدائي. كانت ميس راشيل تدور بيننا في الفصل ونحن نكتب ما تُمليه علينا. توقفت جوار مكتبي وأمسكت كراستي. طُرق بابُ الفصل ودخلت معلّمةٌ أخرى لأمر ما. فهتفت ميس راشيل: “تعالي شوفي يا عايدة. البنت شولة، بس اسم الصليب عليها خطّها حلو خالص.” وقتها اندهشت جدًّا كيف عرفت ميس راشيل أنني "شولة"! كنت أظنّه سرًّا عائليًّا لا تعرفه إلا أمي! وقتها لم أكن أعرف أن "شولة" تعني "عسراء"، أي أكتب بيدي اليسرى. كنت أسمع أمي تقول للناس بدهشة: “فافي شولة بس خطّها جنان!” وفهمت أنه مرضٌ داخلي لا يعرفه أحدٌ إلا أمي. رفعتُ بصري إلى ميس راشيل التي تعرف أسرار الأسرة، فبدت في عينيّ كإحدى ربّات الحكمة فوق جبل الأولمب. من وقتها وضعتُ كلَّ المعلمين في مرتبة فوق البشر باعتبارهم علماءَ وسحرة. فور عودتي للبيت حكيتُ لأمي ما حدث، فابتسمت وحضنتني. لم ترتعب من كلمة "صليب" كما يرتعب المرضى ضعاف الإيمان. نحن المسلمين نؤمن بأن السيد المسيح عليه السلام رُفع من الصليب وصعد إلى السماء قبل إتمام الصلب، وصُلب الإسخريوطي عوضا عنه عقابًا على خيانته. والمسيحيُّ يؤمن أن السيد المسيح صُلب لكي يفتدي البشرية الآثمة، فيحقق معادلة العدل والرحمة، اللذين لا يجتمعان إلا بدم السيد المسيح المصلوب. اختلاف في فلسفة عقيدتين لا يستوجب التقاتل ولا الهلع، لكم دينكم ولي ديني. الهلع يشير إلى نفس مهزوزة فقيرة الإيمان. كانت أمي رحمها الله تُهدي المعلّمات المسيحيات في مدرستي تماثيل للسيدة العذراء في أعياد المسيحيين، وكان جيراننا المسيحيون يهدون جيرانَهم مصاحفَ جميلةً لسياراتهم الجديدة.
تلك البيئة الصحية التي نشأ فيها جيلي وما سبقتنا من أجيال، جعلت قلوبَنا نظيفة، وعقولنا مستنيرة. أحزن حين أسمع ما يجري اليوم في بعض المدارس من عنصريات وشقاقات يبثُّها بعض الأهل قليلي الوعي في قلوب الصغار البُرعمية، فينشأون مهشمين روحيًّا ونفسيًّا، ويكرهون كل مختلف عنهم، ويهدمون بدلا من أن يبنوا مستقبل هذا البلد الحزين.
لم أر مسيحيًّا انزعج حين يسمع منّا نحن المسلمين العبارة المقابلة: “اسم النبي حارسك وصاينك". بل كثيرٌ منهم يقولونها بمحبة وبساطة. وحين يُلحفون في طلب يقولون: “والنبي!” كما نفعل نحن المسلمين. المسيحيون تشرّبوا أدبياتنا الإسلامية اليومية من طول عشرتنا معًا، دون هلع، ولا نفور، ولا استعلاء. أي هلع يصبُ مختلا من صليب هو رمزٌ لدى المسيحي وجوهر إيمانه؟!
مازلت أذكر بفرح ذلك الصليب الأزرق الصغير المرسوم بالوشم على رُسغ يد قدّمت لي حبّة تمر لأكسر بها صيامي في رمضان يوم 26 يوليو 2013 أمام قصر الاتحادية. ولا أدري لماذا خطر على بالي الآن بيتٌ في قصيدة أحمد شوقي للجنرال إدموند ألِنبي: “يا فاتحَ القدسِ خلّ السيفَ ناحيةً..... ليس الصليبُ حديدًا كان بل خشبا.” وأيُّ هلع من جرس كنيسة كان هو السبب في اختراع السلّم الموسيقي الذي صنع لنا ملايين السيمفونيات والسونتات والألحان الجميلة، كما علّمنا التاريخ؟! عن نفسي أحبّ صوت جرس الكنيسة وأستمتع به حزينًا كصوت ڤيولين شجيّة تملأ قلبي بالشجن، وفرِحًا كما صوت عصفور يشقُّ حُجُبَ الصمت صادحًا يقول: هنا حياة!” قلبُ المؤمن يتسع لكل البشر على اختلاف أعراقهم وعقائدهم وألوانهم، أما القلبُ المهترئ فلا يسع حتى نفسَه.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يومي الأول بالمدرسة
- خرج م الطابور يا خروف!
- احنا آسفين يا مُغير
- فانتازيا
- من أجل صليب وجرس
- لماذا لا يرفع المسيحيون علينا دعاوى ازدراء أديان؟!
- نأخذ من كل -رجلا- قبيلة
- كيف يتصيدنا المحتسبون؟
- النبات لا يخون
- ثم تولوا إلى الظل
- قطعة سكر واحدة
- كيف يتصيّدُنا الُمحتسبون؟
- ڤان ليو …. صائد الجميلات والفرسان
- لماذا الساخر؟
- !احنا آسفين يا مُغير
- أشوف فيك يوم يا نبيه!
- أنا أسخرُ …. إذن أنا موجود
- |حروب عادية | اللص الذي سرق الله| أشرف ضمر
- أخي المسلم السويّ هذا المقال ليس لك
- لماذا كانوا وسيمين؟ لماذا كنّ جميلات؟


المزيد.....




- الجمعية العامة للأمم المتحدة تتبنى قرارا داعما للأونروا
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قراراً يدعو لوقف إطلاق نا ...
- الأمم المتحدة تعتمد مشروعي قرارين لوقف إطلاق النار بقطاع غزة ...
- الأمم المتحدة تتبنى قرارا بوقف إطلاق النار في غزة فورا
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب بوقف إطلاق النار في غزة ب ...
- المرصد السوري: نحو 105 آلاف شخص قتلوا تحت التعذيب بالسجون خل ...
- تونس: المفوضية الأوروبية تعتزم وضع شروط صارمة لاحترام حقوق ا ...
- وسط جثث مبتورة الأطراف ومقطوعة الرؤوس... سوريون يبحثون عن أق ...
- مسئول بالأونروا: ظروف العمل في غزة مروعة.. ونعمل تحت ضغوط لا ...
- جمعية الإغاثة الطبية بغزة: أكثر من 70% من سكان القطاع بلا مأ ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - اسم الصليب عليكِ!