|
دور النظام السياسي الحاكم في الأزمة السورية
ملهم جديد
الحوار المتمدن-العدد: 5269 - 2016 / 8 / 29 - 05:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اليسار تحرير – سلام – اشتراكيّة علميّة نشرة غير دوريّة يصدرها الحزب الديمقراطي الاجتماعي- قيد التأسيس بقلم الدكتور يوسف سلمان دور النّظام السياسي الحاكم في الأزمة السورية مقدّمة 1 - " أوّل التّجديد، هو قتل القديم بحثاً، ودون قتل القديم بحثاً، ليس هناك تجديد، بل تقليد " – عبارة قالها المتنوّر الشّيخ أمين الخولي في القرن الماضي، تمثّل خير استهلال لمراجعتنا النّقديّة الموجزة،لكنْ المكثّفة، لتجارب الحكم المتعاقبة في سوريّة بعامّة،و في العقود الخمسة الأخيرة، بخاصّة، ونريدها أنْ تكون مراجعةً مفتوحة دائماً على كلّ إيجابيٍّ جديد . 2– تبرز في اللّحظات الحرجة من تاريخنا،وفي الأزمات الكبرى كالّتي نعيش الآن في سوريّة، حاجة ماسّة لإجراء مراجعةٍ جذريّة - عبر حوارٍ جدّيٍّ بين السلطة الحاكمة من جهة، وممثّلين عن كافّة أطراف المعارضة الوطنيّة والمجتمع المدني والمثقّفين والفاعلين الاجتماعيّين من جهةٍ أخرى-، لأسس اجتماعنا السياسي والاجتماعي الرّاهن، وإعادة صياغتها على قواعد ونواظم ديمقراطيّة جديدة، تلبّي مصالح الأغلبيّة السّاحقة من أبناء شعبنا وتضمن مشاركتها حقيقةّ وفعلاً في تقرير أمورها ومستقبلها ومستقبل بلدها بأيديها . يقتضي هذا منّا بالضرورة، تغييراً عميقاً في بنية الدّولة، لتصبح مؤسّسة المؤسّسات،وإعادة الاعتبار لسلطة مؤسّساتها وفق قواعد محدّدة، يرسمها دستور ديمقراطيّ علمانيّ عصريّ، يضمن حرّيّات المواطنين وحقوقهم وواجباتهم على حدٍّ سواء،بديلاً من دولة السلطة، الّتي احتكرتْ كلّ شيء وألغت دور المجتمع ومؤسّسات الدولة العميقة،وسلبتْ المواطنين حقوقهم وحرّياتهم وأرغمتْهم على خدمة مصلحة الحاكمين وجيوبهم، دون أنْ ينالوا من حقوقهم إلاّ الفتات . 3– إنّ أيّة محاولةٍ جادّة لوضع الأمور في نصابها الصّحيح، تقتضي منّا نوعاً من رؤيةٍ تاريخيّةٍ موضوعيّة لا يدّعيها أحد لنفسه ببساطة،فالتاريخ هو علم العلوم – كما كان حال الفلسفة سابقاً -، لأنّه يجسّد منطق الصيرورة والتقدّم ومنطق الواقع ببعديْه الوطني- القومي والعالمي . يدفعنا هذا إلى القول،بأنّ إنجاز هذه المهمّة (نعني الرّؤية التاريخيّة الموضوعيّة)، يمثّل شرطاً لازماً لتجديد البنى الفكريّة والاجتماعيّة والحقوقيّة والسياسيّة لاجتماعنا السياسي المقبل . 4 – في أعقاب الحرب العالميّة الأولى، بدأتْ مرحلة الكفاح من أجل الاستقلال باندلاع ثورة 1920 في سوريّة واستمرّتْ مرحلة الكفاح تلك، حتى انهيار الحكم المدني، الّذي يطلق عليه تسمية " التجربة اللّيبيراليّة " وظهور هيمنة العسكريّين على الحكم . 5 – تمحور النّضال الوطني في المرحلة الكولونياليّة على مطلبيْ الاستقلال الوطني والحياة الدستوريّة. في هذه المرحلة الّتي اتّسمتْ بالتّأخّر والتبعيّة، ظهرتْ الأحزاب السياسيّة والصحافة والنّقابات والمنتديات والجمعيّات والبرلمان وغيرها من إرهاصات مؤسّسات المجتمع المدني . 6- جاءت المرحلة اللّيبيراليّة في أعقاب الاستقلال غير النّاجز وبرزتْ فيها المسألة الاجتماعيّة مسألةً محوريّة، ملازمة للمسألة القوميّة ( الوحدة العربيّة وفلسطين ). وبرزتْ في هذه المرحلة جدليّة السلطة والمعارضة، أي وحدتهما التناقضيّة، وهذه نقطة إيجابيّة غاية في الأهمّيّة، لأنّها كانت تفسح في المجال لنوعٍ من مشاركةٍ سياسيّةٍ مفتوحة على إمكانيّة تداول السلطة سلميّاً، رغم توالي الانقلابات العسكريّة، الّتي كانت تعكّر صفو الحياة السياسيّة . وتوفّرتْ في هذه المرحلة مساحة من حرّيّة الرأي والتعبير ونشاط الأحزاب السياسيّة المختلفة وقيام حوارٍ ضمنيٍّ وصريحٍ فيما بينها . 7 – لكنّ النّخبة الحاكمة، المكوّنة من كبار التّجّار وملاّك الأراضي عجزتْ عن حلّ المشكلة الاجتماعيّة، خاصّةً التوزيع العادل للثروة والدّخل القومي وتبنّي سياساتٍ تنمويّة عقلانيّة،بسبب تعارض ذلك كلّه مع مصالحها الطبقيّة، إضافةً إلى عجز النّخب الحاكمة عن مواجهة التحدّيات القوميّة ( الوحدة العربيّة وقضيّة فلسطين )،وهو ما انعكس إيجاباً على أحزاب الطبقة الوسطى . 8 – اتّسمتْ الفترة الّتي أعقبتْ الحرب العالميّة الثانية، بأنّها كانت فترة تسييسٍ وتجذيرٍ للصراع الاجتماعي في سوريّة،تزامنتْ مع الحرب الباردة الّتي أدّتْ إلى استقطابٍ إيديولوجيٍّ بين اليمين واليسار على مستوى العالم،الأمر الّذي انعكس بوضوح، على البلاد العربيّة ومنها سوريّة طبعاً. في هذه الفترة برز الدّور السياسي للأحزاب المعبّرة عن مصالح الطبقات الوسطى والفقيرة في الرّيف والمدينة،الّتي ازداد دورها أهمّيّةً من خلال دخول فئةٍ مثقّفة ميدان العمل السياسي تنتسب في أصلها الاجتماعي إلى هذه الفئات، في وقتٍ ظهر فيه العجز الإيديولوجي والسياسي لأحزاب البورجوازيّة، وساعد انتشار الصّحافة والسياسة على نطاقٍ واسع، على تعبئة فئاتٍ واسعة من السكّان في مواجهة الأحزاب البورجوازيّة التقليديّة . 9- اقترن قيام الوحدة السوريّة – المصريّة وإعلان الجمهوريّة العربيّة المتحدة بالإجهاز على مكتسبات المرحلة "الليبيراليّة "، فقد تمّ حلّ الأحزاب والبرلمان وتعليق الدّساتير والاستيلاء على الدّولة بالكامل : على الوزارات وأجهزة الحكم المحلّي وأجهزة القمع والقضاء والجامعات والصّحف والإعلام المرئي والمسموع . ما يلفت الانتباه على الصعيد السياسي بعد قيام الوحدة، هو صيغة "الاتّحاد الاشتراكي" الّذي اقترح، بوصفه التنظيم السياسي الوحيد المسموح به . 10- أغفلتْ صيغة التنظيم الوحيد هذه في عهد الوحدة ،الالتفات إلى " الإمكان التاريخي"، الّذي يمكن أنْ يحصل لتنظيمٍ سياسيٍّ واحد،في ظلّ هيمنة جهاز الدّولة التسلّطيّة،وما يمكن أنْ يمارسه من احتكارٍ وتكديسٍ للثروة من قبل المراكز النّافذة في السلطة، إضافةً إلى إمكانيّة استخدامه غطاءً لإنشاء مراكز قوى . 11- لعلّ ما كشفتْه هزيمة 5 حزيران 1967 قد فتح ملفّ هذا " الإمكان التاريخي ". زدْ على ذلك، إنّ المبالغة في رفض البرلمانيّة، من خلال ما آلتْ إليه تلك التجربة في العهد المتأخّر من حكم أسرة محمّد علي، لا يمكن أنْ يلغي إيجابيّات التعدّديّة الحزبيّة والسياسيّة الّتي زخر بها المجتمع المصري والّتي قضتْ عليها التجربة الجديدة. كما أنّ تنوّع الآراء والأفكار وغناها على مستوى الإبداعات الفكريّة، الّتي أضحتْ جزءاً أساسيّاً عضويّاً من معطيات الفكر العربي المعاصر، ما كان لها أنْ تنمو وتزدهر بغياب الحرّيّات، في ظلّ التنظيم الواحد والإيديولوجيّة الرسميّة الواحدة . 12- وإذا كانت التجربة النّاصريّة قد تعثّرتْ على هذا الصّعيد أو ذاك،فإنّ ذلك،لا يفقدها دلالاتها ودروسها وإيجابيّاتها الغنيّة والمتعدّدة على الصعيديّن : الاجتماعي والوطني- القومي . وفي هذا السّياق،لا بدّ أنْ نشير إلى أنّ الاستعمار الحديث فشل في تطويع مصر النّاصريّة وتحويلها إلى دولةٍ تابعة فما كان منه إلاّ أنْ التفّ عليها، ليضربها بواسطة "إسرائيل " في 5 حزيران 1967، حيث كانت الهزيمة المدوّية، الّتي لا نزال نعيش آثارها المدمّرة حتّى يومنا هذا. 13- كان الزّعيم الوطنيّ الرّاحل جمال عبد النّاصر يملك من الشّجاعة ما يكفي، كي يخرج إلى الملايين المحتشدة في الساحات والشوارع في القاهرة، ويعلن أمامها مسؤوليته عن الهزيمة واستقالته من منصبه، لكنّ الجماهير المحتشدة أصرّتْ بأنّها لن تغادر الساحات والشوارع حتّى يعدل الرئيس عن قراره ويعود لممارسة واجباته وصلاحيّاته، وهذا ما كان . وكرّس الرّاحل جهوده المضنية حتّى آخر يومٍ من حياته، بعد عودته عن الاستقالة، بالعمل ليل نهار على كافّة الأصعدة : السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة والشعبيّة، لخوض حرب الاستنزاف وإزالة آثار العدوان . 14– استمرّ مبدأ " التنظيم الواحد " الّذي أسّستْه تجربة الوحدة في سوريّة، عقوداً طويلة في مراحل زمنيّة تالية، امتدّتْ منذ حركة 8 آذار وحتّى الآن، حيث تمّ الاستيلاء على مصادر القوّة العدديّة كالنقابات والاتحادات والتنظيمات المهنيّة الأخرى. وفي عهد الوحدة وبعد وصول الجيش إلى الحكم في سوريّة باسم البعث في عام 1963، جاءت قوانين السيطرة على النّظام الاقتصادي (تأميم البنوك والمؤسسات التجاريّة والخدميّة)، لتحقّق الاحتكار الفعّال لمصادر القوّة في السلطة والمجتمع وقيام الدّولة التسلّطيّة المعاصرة . 15- ينبغي الاعتراف بأنّ أحزاب الطبقات الوسطى والبورجوازيّة الصغيرة قد حقّقتْ في فترة الصعود إنجازاتٍ هامّة على الصّعيد الاجتماعي . لكنّ إلغاء الأحزاب وغياب الديمقراطيّة السياسيّة وحرّيّة التعبير والاعتماد على جهاز الدولة البيروقراطي والأمني، وشيوع الفساد ونهب المال العام،واعتماد سياساتٍ اقتصاديّة تلبّي وصفات صندوق النّقد والبنك الدوليّيْن على مدى سنواتٍ طويلة في النّصف الثاني من الثمانينيّات وخلال التسعينيّات، قوّض تلك الانجازات وهمّش الحياة السياسيّة . 16- أدّى الاحتكار الفعّال لمصادر القوّة والسلطة في المجتمع إلى تفريغ معظم القضايا الحيويّة ومشكلات التنمية وجهود التحرّر من محتواها السياسي، كخطوةٍ نحو استيعاب عمليّة التسييس والسيطرة عليها . 17- في غياب ساحة العمل السياسي، تطوّرت النّزعات الطائفيّة والعشائريّة والقبليّة والعائليّة والجهويّة، وحلّ مبدأ التجييش محلّ مبدأ التسييس وتمّ تحويل المجتمع والشعب إلى مادّةٍ أو موضوعٍ للسلطة السياسيّة وكفّتْ السياسة عن كونها فاعليّة مجتمعيّة حرّة، وأصبحت فاعليّة سلطويّة ضيّقة. ولم يتعدّ مفهوم السياسة، إدارة شؤون الحكم وتنسيق بنى المجتمع، بما يتناسب وأهداف السلطة . 18- تنكّرت الأحزاب في سوريّة كافّة، بعد قيام " الجبهة الوطنيّة التقدّميّة "، لحقيقة أنّها جزء من المجتمع، وألغت نقسها عمليّاً في السلطة ذاتها، بعد أنْ أتى بها الجيش،إثر استلامه مقاليد الحكم تحت عنوان "حزب البعث العربي الاشتراكي"،لإدارة شؤون السلطة وقضاياها اليوميّة بتفويضٍ منه، فتكون بقبولها القيام بهذه المهمّة قد ألغتْ نفسها عمليّاً في السلطة ذاتها،الّتي لم تكن قائدة لها،بل منقادةّ وتابعةً لأجهزتها الأمنيّة والبيروقراطيّة . وهكذا تكون السياسة قد تحوّلتْ بالنسبة للأحزاب المشاركة في الحكم،إلى مجرّد تنسيقٍ لبنى السلطة وخدمة مصالح أهلها والنّافذين فيها. وصار أمراً طبيعيّاً أنْ يغيب عن هذه الأحزاب مفهوم الإنسان وحقوقه، ويحلّ مكانه مفهوم المنفعة الحزبيّة الضيّقة والمصالح الشخصيّة لأعضاء الأحزاب المشاركين في هذا الموقع السلطويّ أو ذاك، الأمر الّذي أدّى إلى إلغاء الطابع العام للدولة ونزع السياسة من المجتمع . نودّ أنْ نشدّد هنا على أنّ قراءتنا النقديّة هذه لتجارب الماضي، إنّما تنطلق من مقولةٍ هامّةٍ في السياسة : " من تجاربنا وأخطائنا نتعلّم". قراءة تحليليّة نقديّة في سياسات السلطة السوريّة لنبدأْ من الإيجابيّات 1- نودّ أنْ نشير بدايةً إلى أنّ مواقف السلطة السوريّة وممارساتها على صعيد السياسة الخارجيّة،اتّسمتْ بصورةٍ عامّة، بمناهضة المشروع الأمريكي – الصهيوني في المنطقة والعالم وبتعزيز تحالفها إقليميّاً مع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ،العدو الرئيس لأمريكا و " إسرائيل " والغرب في المنطقة والدّاعم الأساسيّ للمقاومات العربيّة في فلسطين ولبنان والعراق . 2- عارضت السلطة السوريّة بشدّة، العدوان الأمريكيّ على العراق ورفضت الإملاءات الأمريكيّة التي حملها كولن باول إلى دمشق ودعمتْ قبل ذلك وبعده، بسبلٍ ووسائل مختلفة ومتعدّدة، المقاومة اللبنانيّة في نضالها المسلّح، الّذي تكلّل بتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي بلا قيدٍ أو شرط في 25أيّار من عام 2000 ،الأمر الّذي يحدث للمرّة الأولى منذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين العربيّة . 3- لعبت السلطة السوريّة دوراً إيجابيّاً في دعم المقاومة العراقيّة وتصدّيها الباسل لقوات الاحتلال الأمريكي وإجباره على الرّحيل. 4- أثناء العدوان الصهيوني على لبنان ، وعلى المقاومة اللبنانيّة تحديداً عام 2006، كان لسوريّا دور إيجابيّ ملحوظ في دعم المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة وتمكينها من الصمود في مواجهة العدوان الصهيوني- الأمريكي ومساعدتها في تحقيق انتصارها، الّذي تجسّد في كسر قدرة الجيش الصهيوني وعجزه عن تحقيق أهدافه العدوانيّة، رغم وقوف أمريكا وأوروبا والرجعيّة العربيّة إلى جانب الكيان الصهيوني . 5- احتضنت السلطة السوريّة أنشطة منظّمتيْ "حماس" و "الجهاد الإسلامي"على الأراضي السوريّة في الوقت الّذي كانت تمتنع فيه الدول العربية كلّها عن القيام بذلك كما قدّمت كلّ المساندة للفصائل الفلسطينيّة العشر ودعمت نشاطاتها على الأرض السوريّة . وإبّان العدوان الصهيوني على غزّة، قدّمت السلطة السوريّة كل الدعم والمساعدات الممكنة على أكثر من صعيد، لمساعدة حركات المقاومة الفلسطينيّة على الصمود في مواجهة قوات الغزو الصهيوني. 6- أقامت السلطة السوريّة علاقاتٍ وثيقة مع الاتحاد السوفياتي سابقاً، ومع دول البريكس لاحقاً، بقيادة روسيا والصّين، الأمر الّذي انعكس إيجاباً على النّضال العربي التحرّري ومثّل عنصر مواجهةٍ غاية في الأهمّيّة، منع التحالف الأمريكي- الصهيوني من تحقيق أهدافه، وهذه مواقف وسياسات ندعمها ونؤيّدها بكلّ تأكيد . 7- يجدر بنا أنْ نشدّد هنا على أنّ مواقف السلطة السوريّة وممارساتها الإيجابيّة على صعيد السياسة الخارجيّة، يجعلها الوحيدة بين دول المنطقة كافّة، الّتي تنتهج سياسةً ً تنسجم مع مصالح الشعوب العربيّة ومع قضايا التحرّر والتقدّم في منطقتنا، وتتعارض بوضوح مع مصالح وأهداف ومرامي المشروع الأمريكي- الصهيوني العدوانيّة ضدّ شعوبنا، وهذه أمور تتّسم بأهمّيّة فائقة . أمّا على صعيد السياسة الدّاخليّة، وهنا تكمن المفارقة للأسف، فإنّ سياسات النّخبة الحاكمة ونهجها كانتْ تسير بالضدّ من سياستها الخارجيّة، الأمر الّذي يدفعنا إلى الاعتقاد بأنّها اتّخذت من إيجابيّات تلك السياسة ستاراً وغطاءً للتّمويه على ممارساتها السلبيّة داخليّاً . و كم يحتاج الموقف المعادي للتحالف الأمبريالي- الصهيوني على صعيد السياسة الخارجية، إلى تحصين الدّاخل سياسيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً، لمواجهة تحدّياته العدوانيّة، والعمل بشتّى السبل والوسائل لتحقيق وحدة وطنيّة حقيقيّة، بالوعي،لا بالإكراه،من خلال الدّفاع عن حرّيّة المواطن وكرامته وحقوقه السياسيّة والفكريّة وحماية المال العام من النّهب وضرب الفساد والفاسدين وتأمين مستلزمات العيش الكريم لمواطنينا، كي تصبح السياسة الخارجيّة عندئذٍ تتويجاً لسياسةٍ داخليّةٍ متينة، تغلق المنافذ والثغرات في وجه الأعداء و تعمل على توفير الحرّيّات السياسيّة والفكريّة والتوزيع العادل للثروة وبناء دولة المواطنة،الّتي تحمي بلدنا وشعبنا ومجتمعنا من الاختراق الخارجي الاستعماري- الصهيوني- الرّجعي العربي، لتتحقّق من خلال ما تقدّم، وحدة السياستيْن الداخليّة والخارجيّة، وهو ما يعتبر معيار الوطنيّة الحقّة الصّادقة . لكنّ هذا الهدف لم يتحقّق للأسف، وبقيتْ الهوّة تزداد بينهما اتّساعاً حتّى اللّحظة الرّاهنة . السياسة الداخليّة 1- تشكّلتْ في سوريّة بعد عام 1970 جبهة صوريّة قليلة الفاعليّة، والأصحّ، عديمة الفاعليّة، استخدمتْ ستاراً لحكم أجهزة بيروقراطيّة السلطة المختلفة . وسلكتْ النّخبة الحاكمة في ظلّ حالة الطوارئ والأحكام العرفيّة، الّتي تحرّرها من أيّة رقابة، نهج النّهب والفساد وإفقار الشعب، ممّا زاد في قهر المواطن وقمع حرّيته وكرامته. وتحوّل مجلس الشعب إلى مؤسّسةٍ شكلانيّة يعيّن أعضاؤها، في الغالب الأعمّ، بقوائم مسبقة، لا تمرّ إلاّ بموافقة أجهزة السلطة الحاكمة، وفق نظامٍ انتخابيّ بعيدٍ عن الديمقراطيّة . وانعدمتْ استقلاليّة القضاء ونزاهته، بعد أنْ تحكّمتْ القوانين الاستثنائيّة وأجهزة السلطة فيه وساد الفساد والرّشوة بين قضاته . 2- اندمجتْ السلطات الثلاث التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة في أجهزة السلطة الحاكمة وتحوّلت النّقابات تحت سيطرة أجهزة السلطة، إلى منظّماتٍ شبه حكوميّة نفعيّة مترهّلة، لا تخدم مصالح الطبقات الّتي تمثّلها، بل مصالح السلطة الحاكمة . 3- ازدادت قبضة السلطة الحاكمة شدّةً، بعد فشل العصيان المسلّح والاغتيالات الطائفيّة الّتي نفّذها التنظيم الإرهابي لجماعة الإخوان المسلمين في سوريّة وتسيّدت أجهزة الحكم على الحياة في سوريّة بالكامل، وأمسكت بجميع مفاصلها وسادت ثقافة الخوف وغاب دور المجتمع بهيئاته وأحزابه ونقاباته واتّحاداته وصحافته الحرّة عن الوجود، كما غاب أيضاً مفهوم المواطن الحرّ المستقلّ، ممّا أضعف الانتماء الوطنيّ وأخلى السّاحة لبروز الانتماءات ما قبل الوطنيّة من طائفيّة وعشائريّة وإثنيّة وجهويّة وحوّلها إلى تناقضاتٍ كامنة، قابلة للانفجار، ما لم يتم ّ تفعيل دور المجتمع وبناء دولة المواطنة، دولة الحقّ والقانون، الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة العلمانيّة، التعدّديّة سياسيّاً . 4- خلقت السياسات الاقتصاديّة الليبيراليّة التي مارستها السلطة السوريّة على مدى سنواتٍ طويلة، ثغراتٍ سلبيّةً كبيرة في البنيان الدّاخلي للمجتمع والدولة على حدٍّ سواء . وأدّت هذه السياسات الخاطئة والجائرة بحقّ أعدادٍ كبيرة من سكّان الأرياف وأطراف المدن وبحقّ الأغلبيّة الساحقة من الفئات الشعبيّة، إلى توسيع أحزمة الفقر والبؤس في الأرياف وأطراف المدن وخلق بيئةً مناسبة لنشاط الخلايا الوهّابيّة المتطرّفة . 5 - ترافق هذا كلّه مع تشديد النّظام الحاكم قبضته على النّشاط السياسي الوطني التقدّمي، أكثر من تشديده ومتابعته لأنشطة الخلايا المتطرّفة، ما نجم عنه وقوع الأرياف وأحزمة الفقر في المدن في قبضة المقاولين المحلّيّين للحرب الدوليّة بالوكالة . المواطن يئنّ من عدوان الخارج وفساد الدّاخل 1- أدّت السياسات الاقتصاديّة الليبيراليّة الّتي جاء معظمها تنفيذاً لتوصيات صندوق النقد والبنك الدولبّيْن إلى تورّط أوساط واسعة من النّخبة السوريّة الحاكمة في عمليّات فسادٍ كبيرة، فكوّنتْ ثرواتٍ طائلة وبرزت لديها طموحات التخلّص من القطاع العام، بعد أنْ استنزفتْه وأفرغتْه من مضمونه والتوجّه نحو الخصخصة وإنهاء سياسات الدعم الاجتماعي لقطاعاتٍ شعبيّة واسعة، والانتظام في إطار الرأسماليّة الكومبرادوريّة . 2- إنّ بروز هذه التوجّهات، هو الّذي وقف وراء تشجيع سياسات الانفتاح على الغرب وممالك وإمارات الخليج وتركيا. الحديث يدور هنا عن تكوّنٍ داخلي لفئات وشرائح اجتماعيّة ذات طابعٍ كومبرادوري من بيروقراطيّة الحزب وجهاز الدولة النّافذ، وهذه الفئات، هي التي شكّلت وتشكّل حاضنة الاختراقات الأمنيّة والتردّد في الدفاع عن سوريّة، وهي التي تخشى الحلّ السياسي والتغيير الوطني الديمقراطي السلمي الشامل، مثلما يخشاهما الإرهابيّون التكفيريّون . 3- ينبغي التأكيد بدايةً،على أنّ الأزمة السوريّة الّتي نعيش، هي أزمة مركّبة الأبعاد، لها بعد داخليّ، وآخر دولي وثالث إقليمي ورابع عربي. إنّها تمثّل نموذجاً للتكامل، يجمع من جهة، بين بنية نظامٍ تسلّطيٍّ شموليٍّ حاكم،فشل في تحقيق الوحدة الوطنيّة، بسبب تشديد قبضته في الحكم وتهميش المجتمع عقوداً مديدة، وما رافق ذلك من ظلمٍ وفسادٍ وسوء توزيع الثروات والدخل، وبين وجود مخطّطٍ خارجيٍّ من جهةِ أخرى، يستهدف ضرب المنطقة وتدميرها، وفي مقدّمتها سوريا الدولة والوطن والشعب، والعمل بشتّى السّبل والوسائل،على تنفيذ مشروع " الشرق الأوسط الجديد أو الكبير"، لا فرق، لتفتيت بلداننا وتثبيت مبدأ " يهوديّة الدّولة " في فلسطين المحتلّة. 4- تعيش سورية منذ عقود، أزمة وطنية بنيوية عميقة – سياسياً واجتماعياً واقتصادياً – ناجمة عن طبيعة النظام الشمولي الحاكم وآليات عمله، الّذي همّش المجتمع و ألغى دور الدولة وهو ما طرح على جدول أعمال اجتماعنا السياسي بإلحاح،منذ ثمانينيات القرن الماضي، ضرورة إعادة صياغة أوضاعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية على أسسٍ ونواظم جديدة ديمقراطيّة، لكنّ النّظام الحاكم رفض السير في هذا الاتجاه، رغم حاجة مجتمعنا الماسّة لإعادة صياغة تلك الأوضاع . 5- رفض النظام الشمولي الحاكم طيلة مراحل حكمه،جملةً وتفصيلاً دعوات الإصلاح السياسي الموجّهة إليه، الصادرة عن شخصياتٍ وأطرافٍ معارضة، لم يعترف يوماً، بشرعية وجودها أصلاً . 6- معلوم أنّ الإصلاح لم يكتب له النّجاح الحقيقي في أيّ بلدٍ عربي، لأسبابٍ متعدّدة، نذكر من بينها سبباً واحداً داخليّاً، نظنّه رئيساً، هو أنّ الإصلاح لم يكن يحمل معنىً واحداً بالنسبة للسلطة والشعب. بالنّسبة للسلطة،كان الإصلاح يعني تقوية سيطرتها وسطوتها، متذرّعةً بلوازم محاربة الأعداء. في هذه الحال، لا يمثّل الإصلاح قطيعةً مع الماضي أو تجاوزاً له، بل يعني بالعكس، تثبيت النّظام القديم بمميّزاته الجوهريّة . 7- لكنّ الإصلاح من وجهة نظر ممثليّ الشعب، يعني القضاء على أسباب الانحطاط وفي مقدّمتها الاستبداد، الّذي أدّى إلى الجور والاستئثار بالخيرات . إنّ السبيل الوحيد لمواجهة العدو،هو تقوية المجتمع بالعدل المنافي للاستبداد . 8- مثّلتْ التظاهرات الاحتجاجية السلمية التي انطلقت في منتصف آذار من عام 2011 وما رفعتْه من مطالب مشروعة ومحقّة بالحرية والكرامة والعدالة، بصرف النّظر عن المآل الّذي انتهتْ إليه، بدايةً واعدة ومهمّة جدّاً لتحقيق الهدف المنشود في بناء نظامٍ ديمقراطيٍّ مدنيٍّ تعدّديٍّ سياسيّاً، الأمر الّذي أثار مخاوف النّخبة الحاكمة، لأنّها وجدتْ فيها تهديداً لاحتكارها وهيمنتها . 9– استطاعتْ تلك التظاهرات، بغضّ النّظر عن تداعياتها اللاّحقة، أنْ تكسر حاجز الخوف وتدشّن حراكاً شعبيّاً مستقلاًّ، خلق لأوّل مرّة منذ عقودٍ، نوعاً من التوازن بين المجتمع والسلطة، لترسي بذلك، الأسس الواقعية لممارسة السياسة في أوسع حدودها، بوصفها فاعليّةً مجتمعيّةً بامتياز،بعد أن اقتصرتْ ممارستها على مدى عقود مضتْ، في أضيق حدودها، بوصفها ممارسةً لسلطةٍ حاكمة، كانتْ ترفض بإصرار استخدام مصطلح " المعارضة " في التداول السياسي. 10– يكمن تركيزنا على البعد الداخلي للأزمة السورية من أجل تسليط الضوء تاريخيّاً على ما ألحقه نظام الاحتكار من أضرارٍ بحقوق شعبنا،ا لأمر الذي يطرح بحيويّة على جدول أعمال القوى الوطنية في أيّ موقعٍ كانت، الحاجة الماسّة لإعادة صياغة أوضاعنا السياسيّة سلميّاً، عبر مرحلةٍ انتقالٍ متّفقٍ عليها، ترسي الأسس الكفيلة ببناء نظامٍ ديمقراطي علماني تعدّديّ سياسيّاً . وأصبح معلوماً، أنّ النظام السوري ما انفكّ يحاول طيلة السنوات المأساويّة الماضية، على أنْ يقتصر الحديث على البعد الخارجي للأزمة فقط ، كي يعفي نفسه من أية مسؤولية إزاء المآسي والتجاوزات الخطيرة المتراكمة على صعيد السياسة الداخليّة، للاستمرار في نهجه الاحتكاري السابق، مع إدخال بعض التعديلات الشكلانيّة، التي لا قيمة حقيقية لها . 11– إنّ تركيزنا على البعد الداخلي للأزمة، لا يمكن أنْ يصرف اهتمامنا بحالٍ من الأحوال، عن البعد الخارجي لها وعن الدور التخريبي، الذي تمارسه بعض الأطراف الدولية والإقليمية والعربية وتزويدها الجماعات الإرهابية المتطرفة،التي تمارس قتل السوريين وتهجيرهم وتدمير ممتلكاتهم، بالمال والسلاح والإعلام والدعم اللوجستي وتجنيد المقاتلين و تدريبهم . 12- في هذا السياق، لا بدّ من الإشادة بالدور البطولي وبالتضحيات الجسام، الّتي قدّمها الجيش العربي السوري والقوى الصديقة الرّديفة، الّتي تصدّتْ ببسالةٍ نادرة لقوى الإرهاب والتكفير والتدخّل الخارجي وحمت بلدنا وشعبنا من كوارث أكبر، كان يمكن أنْ تحلّ بهما، رغم فداحة ما حدث، لو تمكّن النّاتو عبر حربه بالوكالة،من حسم الحرب في سوريّة على أيدي التكفيريّين لمصلحته. كما ينبغي أيضاً، أنْ نشيد بالمساعدة العسكريّة الجوّيّة الفعّالة، التي قدّمتْها روسيا الصّديقة وما قدّمتْه إيران و قدّمه حزب اللّه وقوىً أخرى لشعبنا وجيشنا و بلدنا من تضحياتٍ لا تقدّر بثمن . 13– يجب أنْ تتركّز الجهود على وقف العنف ونزيف الدم السوري وإجراء المصالحات الوطنية بين السوريين، كي يشارك الجميع في بناء دولة المواطنة، الدولة الديمقراطيّة العلمانيّة التعدّديّة سياسيّاً، دولة المواطنين الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن الدين والعرق والجنس والطائفة والمذهب والعشيرة،إضافةً إلى الحقوق الثقافية واللغوية للأقليات والجماعات القومية في سوريا، خاصّة الكردية وغيرها . 13– إنّ سبيل الخروج من الأزمة المأساوية السورية، هو سياسي بامتياز، يحققه السوريون بأنفسهم عبر حوارٍ ندّيّ، دون شروطٍ مسبقة (يشارك فيه المسلحون السوريون، الّذين يقبلون الحوار والحل السياسي والخيار الديمقراطي ) بعد تسليم أسلحتهم، على أنْ يتمّ برعايةٍ مناسبة، تضمن تنفيذ نتائج الحوار، شريطة أنْ تكون دول البريكس طرفاً رئيساً راعياً للحوار الندّيّ وضامناً لتنفيذ مخرجاته . 14– قبل شنّ الحرب الدوليّة بالوكالة على سوريّا في عام 2011 ، كان البعد الدّاخلي على مدى عقود،هو أساس أزمة اجتماعنا السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والثقافيّ، القائم على التسلّط وإلغاء الآخر المختلف، وعدم الاعتراف أصلاً، بمفهوم المعارضة في الحياة السياسيّة والثقافيّة السوريّة حيث أصبحنا نعيش في ظلّ دولة السلطة، لا في سلطة الدولة ومؤسساتها، وهو ما يحتاج إلى مراجعةٍ جذريّة تعيد الأمور إلى نصابها . 15– معلوم أنّ دولة السلطة الّتي نعيش في كنفها منذ عقود، تضع الأفراد فوق المؤسّسات، التي تغيّبها تماماً،لتحرّر نفسها من أيّة قيودٍ أو ضوابط تحدّ من هيمنتها، وهو ما يؤدّي إلى فتح النّوافذ والأبواب لشيوع الفساد بدرجةٍ مخيفة، الأمر الّذي ينعكس بصورةٍ سلبيّةٍ جدّاً، على المستوى الاجتماعي وعلى حياة النّاس ومعاشهم، وهذا ما حدث في سوريّا . 16– ازداد الهدر والفساد في القطاع العام وفي النّشاط الاستثماري وفشلتْ الخطط الموضوعة لإحراز نموٍّ ملموس في الدّخل الوطني، كما مارستْ السلطة سياساتٍ غير عادلة في إعادة توزيعه، وفرضتْ سياسة ضريبيّة جائرة بحقّ الأغلبيّة السّاحقة من الشعب . وقد عمدتْ إلى اقتطاع الضرائب المباشرة من ذوي الدّخل المحدود والضرائب غير المباشرة من عموم المواطنين، في الوقت الّذي كانت تحابي فيه أصحاب النّفوذ والرّساميل والدّخول المرتفعة وتصون مصالحهم وتغضّ النّظر عن تهرّبهم من دفع الضرائب المستحقّة عليهم . 17- كان من نتائج ما تقدّم،معاناة شديدة في حياة المواطنين، فازداد الفقر وعمّت البطالة واتّسعت الهوّة من جهة، بين قلّةٍ قليلةٍ من الأغنياء،الّذين نمت ثرواتهم الأسطوريّة،بفعل آليات نهب الدّولة والمجتمع والمضاربة والتجارة والمقاولات، من خلال العلاقة الوثيقة مع مراكز القرار، وبين أغلبيّة المواطنين السّاحقة من جهةٍ أخرى. نتيجةً لذلك، عمّ الفقر قطاعاتٍ واسعة من المواطنين،بفعل ارتفاع الأسعار والتضخّم النقدي وزيادة أسعار المحروقات بصورةٍ متكرّرة وما كانت تسبّبه كلّ زيادة من ارتفاع تكاليف المعيشة من غذاءٍ وسكنٍ ولباس، إضافةً إلى تخلّي الدّولة المتدرّج عن دورها الرّعائي في حقولٍ عديدة، انسجاماً مع الوصفات الاقتصاديّة والاجتماعيّة اللّيبيراليّة الجديدة. 18- انعكس هذا كلّه على مدى سنواتٍ طويلة، في علاقاتٍ اقتصاديّة متميّزة للسلطة الحاكمة مع كبريات الدّول الرأسماليّة في أوروبا الغربيّة، مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وغيرها من الدول الأوروبيّة، وهو ما كان يتعارض مع السياسة الخارجيّة للنّظام الحاكم ، الّذي كان حريّاً به ،انسجاماً مع سياسته الخارجيّة،أنْ يتحوّل في علاقاته الاقتصاديّة،خاصّةً بعد الاحتلال الأمريكي للعراق،إلى الشرق،أي إلى روسيا والصّين والهند ودول أمريكا اللاّتينيّة. لكنّ مصالح أهل الحكم كانت تقتضي إقامة أفضل العلاقات الاقتصاديّة مع الدول الرأسماليّة الأوروبيّة، خاصّةً أنّ شبكةً متينةً من العلاقات الزّبائنيّة،كانت قد توثّقتْ على مدى عقود، بين بورجوازيّة السلطة الحاكمة في سوريّة من جهة، وبين الشركات الرأسماليّة الغربيّة في عديد الدول الأوروبيّة من جهةٍ أخرى. 19- لم تستطع الأحداث الدّمويّة المأساويّة،الجارية في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، أنْ تقلّص من حجم الفساد وشيوعه . على العكس من ذلك، وجد الفاسدون وتجّار الحروب، رغم حساسيّة المرحلة وآلامها وويلاتها وما خلّفتْه الحرب من حصارٍ على شعبنا وتدميرٍ لبنى الدّولة التحتيّة ونهبٍ وتفكيكٍ للمصانع وتعطيلٍ للإنتاجيْن الصّناعي والزّراعي، وما تركه ذلك كلّه من تأثيراتٍ سلبيّة على الواقع الاقتصادي السّوري ومعاش النّاس وحياتهم، وجدوا على الرّغم من هذا كلّه، فرصةً سانحةً لهم، للأسف،لتكديس الثروات على حساب قوت الشعب ودماء الشهداء . فازداد المواطنون فقراً، ووصلوا إلى مرحلةٍ يستحيل فيها العيش بأدنى حدٍّ من الكرامة،بسبب سرقة مداخيلهم، جرّاء السياسات الاقتصاديّة الظالمة، الّتي مارستْها الحكومات المتعاقبة ضدّهم، التي تمثّلتْ في زيادة الضرائب بصورةٍ كبيرة، وزيادة تعرفة أجور الهاتف والماء والكهرباء والنّقل بدرجةٍ جنونيّة، ورفع أسعار المحروقات والغاز بصورةٍ متكرّرة، والتي كان آخرها في 16 حزيران من عام 2016، وما رافقها في كلّ مرّة، من ارتفاعٍ جنونيٍّ في أسعار السلع والخدمات ووسائط النّقل، إضافةً إلى التلاعب والمضاربات بقيمة الليرة السوريّة بالنسبة إلى الدولار، وانعكاس ذلك كلّه سلباً، على ما تبقّى في سوريّة من صناعةٍ و زراعة في المناطق الآمنة نسبيّاً. 20- إنّ زيادة الرّواتب بنسبةٍ ضئيلةٍ محدودة،لا تغني ولا تسمن من جوع، وهو ما يتمّ عادةً، إثر كلّ زيادةٍ في أسعار المحروقات، كانت تشعل، هي الأخرى، أسعار السلع، دون رقيبٍ أو حسيب، وتسرق لقمة خبز الأغلبيّة السّاحقة من النّاس. وكانت تتمّ تغطية هذه الزيادات الضئيلة عادةً،عن طريق التضخّم، وليس عن طريق القضاء على الهدر والفساد والاحتكار والمضاربات وعلى التهرّب الضريبي من جانب الأثرياء، أو عن طريق زيادة الإنتاج المادّي في الصناعة والزراعة، وهو الهدف،الّذي كانت تقضي عليه وعلى أيّ أملٍ بتحقيقه، زيادة أسعار المحروقات المتكرّرة، في المناطق والمحافظات الآمنة نسبيّاً في سوريّا 21– لم تحدث الحرب الكونيّة بالوكالة، التي تشن على شعبنا وبلدنا وجيشنا منذ أكثر من خمس سنوات، أيّ تغييرٍ على السياسات الاجتماعيّة والاقتصاديّة لتحالف الفاسدين في السلطة وخارجها ضدّ شعبنا. فبدلاً من انتقال البلاد إلى اقتصاد الحرب،استغلّ السماسرة وتجّار الحرب والمحتكرون والمضاربون ظروف البلد الصّعبة،ليزيدوا ممارسة الهدر والفساد والرّشوة والنّهب والتهرّب من دفع الاستحقاقات الضريبية الحقيقيّة، المترتّبة عليهم إلى خزينة الدولة، ليحقّقوا بشتّى السّبل والوسائل جني الثروات الطائلة،على حساب لقمة عيش المواطن و دماء الشهداء . إنّ الّذين أوصلوا سوريّا إلى حافّة الانهيار الاقتصادي وشعبنا إلى ما تحت خطّ الفقر، هم من جهة، الجماعات الإرهابيّة التكفيريّة المسلّحة وواجهاتها السياسيّة السوريّة، بقيادة الدول الرّاعية للعدوان الخارجي : أمريكا وأوروبا و"إسرائيل" وتركيا والأردن والسعودية وقطر وبعض دول الخليج الأخرى ، ومن جهةٍ أخرى، تحالف الفاسدين في السلطة وخارجها . سنبقى محكومين بالأمل، رغم كلّ ما جرى وسيجري من آلام . لتتوحّدْ كلّ الجهود المخلصة من أجل اختصار درب الآلام وإنجاز الحلّ السياسي، الّذي يكرّس سوريّة دولةّ ديمقراطيّة علمانيّة تعدّديّة سياسيّاً
#ملهم_جديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصغيرة و الحرب
-
وداعاً يا قرطاج/ قصة قصيرة
-
في مكتب السيد الرئيس / قصة قصيرة
-
قصة قصيرة
-
حكاية ليست للروي / قصة قصيرة
-
على الجبهه الشمالية
-
على باب السيد الرئيس / قصة قصيرة جدا
-
الحبل
-
الرأس المقطوع
-
الشرق
-
العاشق / قصة قصيرة
-
القنَّاص
-
حدث في الأسبوع الماضي /قصة قصيرة جداً
-
تلك الرائحة
-
المعارضة السورية و دور الضحية
-
المؤامرة و المؤامرة ....ثم المؤامرة
-
رائحة ثقيلة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|