المجلس الوطني للنهج الديمقراطي
يؤكد في دورته العادية " دورة شهداء جنين "
- انعدام أي تغيير جوهري في بنية النظام السياسي واستمرار الطابع المخزني للدولة
- يقرر عقد المؤتمر الوطني الأول للنهج الديمقراطي في بحر سنة 2003.
عقد المجلس الوطني للنهج الديمقراطي دورته العادية " دورة شهداء جنين " يومي 8 و 9 يونيو 2002 بقاعة أنوال بالدارالبيضاء، وهو المجلس الذي حضرته اغلبية فرةع تيار النهج الديمقراطي بمختلف مناطق المغرب.
ولقد سادت أشغال المجلس نقاشات عميقة حول التقرير السياسي الذي ألقاه الرفيق مصطفى براهمة نائب الكاتب الوطني باسم الكتابة الوطنية. حيث اتجه النقاش في المزيد من التحليل السياسي لمجمل اوضاع البلاد، والتدقيق في متطلبات المرحلة وما يستلزمه من مهام ولينتهي المجلس صبيحة الأحد التاسع من يونيو، بعد أن تمت تلاوة البيان العام والمصادقة عليه، وهذا هو نص التقرير السياسي المقدم للمجلس.
أيتها الرفيقات، ايها الرفاق،
ينعقد اليوم المجلس الوطني للنهج الديمقراطي، في دورة جنين، رمزالصمود والتضحية في وجه الهمجية الصهيونية المدعومة من طرف الامبريالية، وخاصة الامريكية، وفي وجه التخاذل والصمت والعجز العربيين الرسميين؛
ينعقد هذا المجلس الوطني والشعب الفلسطيني البطل صامد في نضاله المشروع، صامد في مقاومته رغم المجازر التي يتعرض لها والتدمير الذي يطال المدن الفلسطينية في الضفة والقطاع، رغم حرب إبادة بشعة أدت إلى سقوط آلاف من الشهداء من المواطنين والكوادر والقادة؛
ينعقد هذا المجلس الوطني والشعب الفلسطيني يتعرض لأبشع مؤامرة تريد تحويل سلطته الوطنية إلى مجرد أداة طيعة في يد الصهيونية والامبريالية. لكن الشعب الفلسطيني وقواه المناضلة الذين واجها عشرات المؤامرات التي استهدفت كيانه وحقوقه الوطنية المشروعة، في بناء دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، قادرون على إجهاض هذه المؤامرات.
لذلك، فإن دعم شعوب العالم العربي واستمرار التعبئة والمساندة من طرفها تعد مسألة ضرورية ومهمة لتقوية هذا الصمود.
ونحن، في النهج الديمقراطي، من خلال مجلسنا الوطني هذا، نعاهد اخواننا في فلسطين أننا لن نذخر جهدا لدعم نضالهم وسنظل أوفياء للقضية الفلسطينية التي نعتبرها قضية وطنية.
I- المستوى السياسي العام :
أيتها الرفيقات، أيها الرفاق،
ينعقد مجلسنا هذا وشعبنا يناضل من أجل تحقيق مهامه التاريخية المرحلية المتمثلة في حل التناقض الأساسي في المغرب بين الشعب بكل طبقاته الوطنية من جهة والطبقات السائدة من جهة اخرى. ذلك ،
أن الطبقات السائدة في المغرب تتشكل بالأساس، من ملاكي الأراضي الكبار ومن البورجوازية الوكيلة المرتبطة مصالحها أوثق ارتباط بالاميريالية وترتكز على اقتصاد الريع المبني على احتكار الأرض وثرواتها الباطنية وخيرات البحر، وعلى الاستغلال المكثف للطبقة العاملة، بالخصوص في إطار صناعات SOUS-TRAITANCE وعلى نهب ميزانية الدولة.
وغني عن البيان أن طبيعة هذه الطبقات وعلاقاتها مع الامبريالية أدت إلى بناء اقتصاد هش مرتكز إلى قسمة متخلفة للعمل على المستوى الدولي أخذ ينهار تحت ضربات العولمة الرأسمالية وعجز الطبقات السائدة والنظام المخزني الساهر على مصالحها عن إصلاح أوضاعها (الحد من اقتصاد الامتيازات ومن النهب الذي يمارسه ملاكو الأراضي الكبار بفضل الريع الذي ينتزعونه ومن الاستغلال المكثف للطبقة العاملة).
إن هذا الواقع ينعكس في شكل أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة تؤدي ثمنها الطبقات الشعبية، بما في ذلك السواد الأعظم من الطبقات المتوسطة. ويعمق من هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تراجع دور الدولة في الميدان الاجتماعي والاقتصادي والتي لم تعد تتوفر على الحد الأدنى من الامكانيات لتقديم المسكنات للوضع الاجتماعي المتفجر.
إن تغيير الأوضاع الحالية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يعتبر ضرورة لا مفر منها. لكن الصراع الجاري، الآن، هو صراع حول مضمون هذا التغيير: هل هو تغيير يسمح للطبقات السائدة والنظام المخزني بالاستمرار عبر التأقلم مع ضرورات العولمة الرأسمالية وذلك على حساب الجماهير الشعبية، ومن ضمنها الأغلبية الساحقة من الطبقات المتوسطة ؟ أم هو تغيير يؤدي إلى بناء نظام ديمقراطي على المستوى السياسي وأقل ظلما وإجحافا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي على طريق الاشتراكية ؟
إن مرحلة المخاض الحالية مفتوحة على العديد من الاحتمالات. ولكونها مرحلة مخاض وتبدل سريع، فإن دور العنصر الواعي يتمثل في وجود الفاعل السياسي الذي يتوفر على أكبر قدر من الوضوح حول المرحلة، والقادر على طرح الشعارات والمهام الملائمة وتحويلها إلى واقع ملموس، عبر تعبئة وتنظيم طاقاته ولف قوى أخرى حولها، بفضل بناء التحالفات المناسبة. ذلك أن دور التنظيم السياسي القوي بفكره وتنظيمه المحكم وعلاقاته مع الجماهير الشعبية دور أساسي في رسم ملامح التطورات المستقبلية.
ولعل ما سبق هو ما يفسر أن كل القوى الموجودة تعرف الفرز، وأن قوى جديدة تتشكل، بسرعة، وكأننا في سباق مع الوقت.
فما هي استراتيجيات النظام والطبقات السائدة وما هو واقع الطبقات ا لمتوسطة والشعبية ؟ وما هي مهام النهج الديمقراطي ؟
1- النظام :
نستطيع، الآن، بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات، من "العهد الجديد" ، القول أنه يمكن ايجاز استراتيجية النظام كمحصلة للتناقضات التي تخترقه فيما يلي :
- عدم القبول بتغيير الدستور والحفاظ على الدور المركزي للملكية وتركيز أهم السلطات بيدها وتحكمها في الوزارات الأساسية (الداخلية، الخارجية، العدل، الأوقاف والشؤون الإسلامية) وفي الإدارة الترابية وفي الأجهزة الأمنية والعسكرية، الشيء الذي يسمح لها بتحديد الاختيارات الاساسية في جميع الميادين والتوفر على الادوات لتطبيقها مركزيا ومحليا.
- تحديد الحقل السياسي بشكل دقيق. بحيث يتم تهميش القوى الرافضة لشروط اللعبة السياسية الحالية وتوفير الترسانة القانونية لقمعها اذا وجب ذلك. وفي هذا الاطار، يمكن فهم رفض اعطاء وصل الإيداع للنهج الديمقراطي وتحضير قوانين الحريات العامة والاحزاب وتمرير قانون الصحافة، وفرض التصويت باللائحة…
- تراجع التدخل السافر للإدارة في تحديد الخريطة السياسية وفي الانتخابات لفائدة اعطاء الوسائل للقوى السياسية المرغوب فيها للتأثير في المواطنين (الدعم المباشر والغير مباشر للاحزاب والصحف والجمعيات ووضع الاذاعة والتلفزة رهن اشارة قوى دون اخرى..) وذلك في محاولة لاعطاء المصداقية للمؤسسات "الديمقراطية" المزعومة.
- الاعتماد على القوى الاجتماعية الديمقراطية في الحكومة كواجهة ولزرع البلبلة وتقسيم صفوف الشعب، وذلك دون التخلي عن الاحزاب الادارية وعبر دعم بروز قوى يمينية جديدة.
- مواجهة الحركات الاحتجاجية والمنظمات المكافحة (المعطلون، الجمعية المغربية لحقوق الانسان…) وقد ساعده، في ذلك، مواقف أحزاب الكتلة المتواجدة في الحكومة وتراجع الخطاب والضغوطات التي كانت تمارسها أوربا الغربية وامريكا من أجل الديمقراطية (وهو خطاب منافق وانتقائي) لفائدة الخطاب حول مواجهة الارهاب ( خاصة بعد 11 شتنبر 2001 ).
- هكذا، اذن، ومن خلال ما سبق، يتم رسم الملامح العامة "للعهد الجديد" الذي يؤطره الدستور اللاديمقراطي، لسنة 1996، ومشاريع القوانين التي مررت أو تم تحضيرها والسياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة. وتثمتل بايجاز كبير، اهم سمات " العهد الجديد" في استمرار نفس بنيات العهد القديم مع تهميش المعارضة الفعلية عن الحقل السياسي بدون اللجوء المنهجي للقمع وتوظيف القوى الاجتماعية – الديمقراطية للتشويش على القوى المناضلة، وزرع البلبلة وسط الشعب ومحاولة ارضاء الحركة الاصولية (أو جزء منها) عبر اشراكها في المؤسسات والتضحية بحقوق المرأة وتقديم بعض التنازلات الاخرى، وفتح المجال أمام قوى منحدرة من اليسار الجديد للالتحاق باللعبة السياسية بعد أن قبلت شروطها.
غير أن هذه السياسات تصطدم بالحدود التالية :
- أنها لا تستجيب للحد الأدنى من المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للجماهير الشعبية وبالتالي تساهم في تزايد السخط الشعبي ضد النظام الذي عمقه عجز أنظمة العالم العربي، وضمنه النظام المغربي، على تقديم دعم حقيقي سياسي واقتصادي واعلامي للانتفاضة الفلسطينية الباسلة ولجوء الأنظمة إلى القمع والمناورة والاحتواء.
- أنها تستهدف استقطاب النخب السياسية وغيرها. وهي، بذلك، تعمق عزلتها عن الجماهير الشعبية وهمومها وبالتالي لا تمكن من حل اشكالية المشروعية.
- ان النظام قد عجز على ايجاد حل لقضية الصحراء. فبعد الترويج لاقتراب حل هذه المسألة، عبر ما سمي بالحل الثالث، لا زال ملف الصحراء يراوح مكانه معرقلا أية امكانية لبناء المغرب الكبير الضروري أمام التحديات التي تواجه المنطقة.
2/ الطبقات السائدة :
تعاني الطبقات السائدة من ضعف وأزمة التمثيل السياسي. فقد كانت تعتمد، في السابق، على النظام لتمثيلها سياسيا. وكان النظام يشكل الاحزاب الادارية ويضمن هيمنتها على المؤسسات التمثيلية. أما الآن، ومع التراجع النسبي للتدخل المباشر للمخزن، وفي هذه السيرورة، ومع بروز ضعف وعدم مصداقية الاحزاب الادارية، فان الطبقات السائدة تسعى الى بناء أجهزتها السياسية. لكن ظهر ضعفها السياسي لعدم توفرها على أطر سياسية تتوفر على تجربة سياسية وعلى المصداقية. وقد تلجأ الى استقطاب اطر تربت وسط اليسار.
ان الاحزاب الادارية تستعد للانتخابات عبر بناء التحالفات فيما بينها.. لكنها عرفت عدة انشقاقات (الحركة الوطنية الشعبية، التجمع الوطني للاحرار…) ولم تستطع (لا هي ولا الاحزاب الجديدة) بناء حزب أو حزبين يمينيين (مثلا حزب ليبرالي قد يمثل البورجوازية العصرية. ويبقى السؤال هل يستطيع حزب "القوى المواطنة" أن يكون قادرا على لعب هذا الدور ؟ وحزب محافظ قد يمثل مصالح ملاكي الاراضي الكبار بالأساس).
ان تشكل قوى سياسية يمينية واضحة المعالم مهيكلة ومن صلب الطبقات السائدة سيتطلب الوقت. وذلك عامل من ضمن عوامل متعددة أخرى التي قد تدفع النظام الى اللجوء الى القوى الاجتماعية الديمقراطية لتشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات.
3- الطبقات المتوسطة:
يكتسي فهم اوضاع الطبقات المتوسطة اهمية بالغة لكونها الطبقات التي، بتحالفها مع الطبقات السائدة او استسلامها لها او تحالفها مع الطبقات الشعبية الكادحة والتحاقها بنضالها، تعدل ميزان القوى في المجتمع لصالح هذا الطرف أوذاك، كما أن أهميتها تأتي من كونها، وخاصة الشرائح المتعلمة منها، توفر اغلبية الاطر السياسية والنقابية والجمعوية.
وباختصار، يمكن القول ان الاغلبية الساحقة من الطبقات المتوسطة تعاني، منذ ما يقرب من العشرين سنة (أي منذ انطلاق برامج التقويم الهيكلي في سنة 1983)، من أزمة اقتصادية خانقة أدت بشرائح واسعة منها الى الاندحار والالتحاق بالطبقات الكادحة على مستوى واقعها الموضوعي. لكن اختلال ميزان القوى لصالح الطبقات السائدة والايديولوجية البورجوازية السائدة وسط أغلب شرائح وفئات الطبقات المتوسطة وغرقها في تناقضات مجتمع الاستهلاك الذي دفعت اليه من طرف النظام، عبر توفير القروض، وفتح البلاد أمام البضائع المستوردة، بشكل قانوني أو غير قانوني، تجعلها تحن، دائما، إلى الماضي الذي كانت تنعم فيه بوضع اجتماعي أحسن.
اضافة الى هذا الواقع الاقتصادي والاجتماعي المأزوم، أدى عدم قدرة الاحزاب التي يفترض انها تمثلها (الاتحاد الاشتراكي، بالأساس، ولكن، أيضا، حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية) على الدفاع على مصالحها بل تمخزن الفئات المتنفذة داخلها واستسلامها للنظام وتطبيقها للسياسات الليبرالية المتوحشة وإلى ازمة التمثيلية السياسية لهذه الطبقات. فإذا كانت الفئات التي تعتقد أنها تتوفر على حظوظ ومؤهلات التسلق الاجتماعي ستستمر في هذه الأحزاب، فإن الأغلبية الساحقة من الطبقات المتوسطة أصبحت تشعر بأن هذه الأحزاب لا تمثل مصالحها. وقد أدى بها ذلك إلى اتخاذ المواقف التالية :
- السخط على السياسة وعلى الأحزاب. وهذا ما يعمق ويقوي الخطاب الذي أصبح متداولا حول عدم جدوى العمل السياسي. ونجد أصحاب هذا الرأي إما يتخلون عن كل نشاط مجتمعي مكتفين بمحاولة تحسين أوضاعهم المادية بشكل فردي، وإما يجدون ضالتهم في العمل في -المجتمع المدني-، ويصبحون من اشد أعداء عمل وتواجد القوى السياسية في هذه المجالات بدعوى الاستقلالية. وغالبا ما يطبعون عمل الجمعيات بالنخبوية إن لم يكن الفردية، وذلك لاستخدامها لأغراض التسلق الاجتماعي في غالب الأحيان.
- الاستمرار في العمل السياسي، لكن في إطار قوى أخرى (مثلا القوى المنسحبة من الاتحاد الاشتراكي أو المتواجدة في اليسار الاشتراكي الموحد). وذلك لكونها على يسار أحزاب الكتلة الديمقراطية المتواجدة في الحكومة وفي نفس الوقت تريد الحفاظ على علاقة معها ومع المخزن، الشيء الذي قد يتلاءم مع التدبدب واللخبطة التي تعيشها العديد من فئات الطبقات المتوسطة.
- الالتحاق بالقوى الاسلاموية بحثا عن حل وهمي لخطر الاندحار الطبقي في ظل تراجع القطب اليساري المناضل.
- الالتحاق بالمشروع الاشتراكي الأصيل، مشروع انعتاق الطبقات الكادحة لإيمان هذا الجزء من الطبقات المتوسطة بأن الخلاص لن يتم بمعزل عن خلاص الأغلبية الكادحة والمضظهدة من شعبنا. غير أن هذه الفئات تبقى أقلية في ظل موازين القوى الحالية، لذلك يجب على القوى الاشتراكية الحقيقيةـ، أن تسعى بكل قوة، إلى الارتباط بالطبقات الكادحة، وتواجه في نفس الوقت الايديولوجيا البورجوازية وتعبيراتها الخاصة بالطبقات المتوسطة. فهذا هو السبيل لضرب تدبدب الطبقات المتوسطة عوض مجاراتها في ممارستها وأوهاما وطموحاتها التسلطية، لأن هذا الطريق مسدود في ظل التطورات التي يعرفها المغرب في إطار العولمة الرأسمالية. وهذا ما يدفعنا إلى الكلام عن الطبقات الشعبية.
4- الطبقات الشعبية :
بالإضافة إلى التردي المريع للأوضاع المادية والمعنوية، والذي يزيد منه انسداد امكانية الهجرة إلى الخارج، بعد أحداث 11 شتنبر 2001، وصعود اليمين المتطرف في أوربا الغربية، ونتيجة للقمع الذي يمارس ضدها ولأربعين سنة من تزوير إرادتها وفقدانها للثقة في القوى السياسية التقليدية وانكشاف زيف ما سمي ب " التناوب" و" العهد الجديد"، فإن جزءا من الطبقات الشعبية يتعامل بانتهازية مع السياسة، ومن ضمنها الانتخابات، بينما الجزء الأكبر يتهرب من السياسة، ويرفض الحزبية، ويركن إلى موقف سلبي. بل لقد أصبح كل من يعمل في الميدان السياسي متهم بالانتهازية، خاصة إذا ما دخل الى الانتخابات.
وإذا كانت الجماهير الشعبية قد فقدت الأمل، في أن تتغير، أوضاعها، نحو الأحسن، بفضل المؤسسات التمثيلية المزورة المنخورة، بالرشوة والمحسوبية والزبونية، فإنها تناضل بفضل أدوات أخرى. فأوضاعها تفرض عليها اللجوء إلى التنظيم والنضال. هكذا تنتظم الطبقة العاملة، وإن بشكل جزئي، في المركزيات النقابية الأساسية وتخوض النضالات الدفاعية، بكثرة وبكثير من الإصرار والتضحية. وكذلك الأمر بالنسبة لفئات أخرى من الكادحين (حرفيون، فلاحون…) بينما أصبح العديد من سكان الأحياء الشعبية ينظمون صفوفهم للدفاع عن حقوقهم (ضد فواتير الماء والكهرباء، ضد غياب أو ضعف النقل العمومي، ضد خوصصة الشواطئ مثلا …) علما بأن أعدادا متزايدة من الشباب حاملي الشهادات أصبحت تناضل، بقوة واستماتة، من أجل حقها في الشغل …
وما هو ملفت للنظر هو أن هذه الفئات الشعبية، المتعلمة في الغالب، أصبحت تفهم أهمية الوحدة والتنظيم والنضال، الشيء الذي يعني ان هناك طاقات هائلة تنتظر من يؤطرها ويوحد نضالاتها في بوثقة واحدة تستهدف القضاء على هذا القديم الذي لا يريد أن يموت لكي يولد الجديد الذي طال مخاضه.
انطلاقا من هذه التوجهات العامة للواقع الطبقي، يجب علينا الآن، أن نحاول فهم تمظهرات هذه التغيرات، في الفترة الراهنة، على المستوى السياسي، ويمكن إيجاز اهم التمظهرات كما يلي :
- فرز متسارع داخل القوى السياسية القائمة وبروز قوى سياسية جديدة وتشكل اصطفافات لا زالت لم تأخذ شكلها النهائي. ويهم هذا الفرز، بالخصوص، القوى اليسارية لارتباط بعضها تاريخيا بفئات من الطبقات المتوسطة تعيش زلزالا على مستوى أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
- تبلور حركة قوية للنضال من أجل الديمقراطية تغذيها القوى الديمقراطية، وخاصة اليسارية والحركات الاجتماعية (حركة جقوق الانسان، الحركة الأمازيغية، الحركة النسائية …) .
- نمو حركة احتجاجية قوية .
- بروز القوى الاسلاموية.
5- الفرز داخل القوى السياسية :
أيتها الرفيقات ، أيها الرفاق،
تعرف العديد من القوى السياسية مخاضا أدى الى انقسامات داخلها وبروز قوى جديدة من بينها او من صلب المجتمع. هكذا، فالبنسبة للقوى الإدارية، عرفت الحركة الوطنية الشعبية والتجمع الوطني للأحرار الانقسام، بينما انضافت إلى المشهد السياسي قوى بورجوازية جديدة نخص بالذكر منها " القوى المواطنة " التي تعبر عن مصالح الباطرونا العصرية الأقل اعتمادا على الريع والاستغلال المكتف واقتصاد الامتيازات والتي تحاول الافلات من وصاية المخزن
ولعل اليسار لا يشد عن هذه القاعدة العامة، بل إنه يواجه تحديا كبيرا لأن هويته أصبحت مضببة بعد انهيار تجارب البناء الاشتراكي البيروقراطي والهجوم الشرس على الفكر الاشتراكي العلمي وانتشار الفكر الاشتراكي الديمقراطي. غير أن ما يقع الآن، في أوربا حيث فشل الاشتراكية الديمقراطية بل تحملها للمسؤولية، ولو جزئيا، من صعود اليمين المتطرف، قد يؤشر أن مرحلة جديدة انطلقت ربما يرجع فيها البريق للفكر الاشتراكي العلمي، خاصة إذا ما استفادت الحركات التي تحمل هذا الفكر من تجاربها وأخطائها وسعت إلى تأصيل فكرها في تربتها الخاصة.
هكذا، إذن، يعيش اليسار مرحلة فرز متسارع. هذا الفرز الذي لا زال مستمرا رغم انه أدى إلى تشكل توجهات غير مكتملة وغير قارة تتأثر بالصراع السياسي والفكري الدائر في المجتمع وبتطور دينامية الحركة النضالية في البلاد. ويمكن، بشكل عام، تقسيم اليسار ( أو على الأقل ما كان يسمى يسارا ) إلى ثلاثة توجهات:
- توجه اجتماعي – ديمقراطي يلف حول الاتحاد الاشتركي كلا من حزب التقدم والاشتراكية والحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وهذا التوجه يزعم انه توافق مع المخزن من أجل انتقال البلاد نحو الديمقراطية لكنه يخدم في الحقيقة، المشروع المخزني الذي يهدف إلى الحفاظ على جوهره الاستبدادي مع تغيير جلده. ويخدم، أيضا مصالح الطبقات السائدة التي تريد التأقلم مع العولمة الرأسمالية دون تغيير اقتصاد الريع والامتيازات. وهذا ما اكدته تجربة – "التناوب" – منذ أزيد من أربع سنوات . وقد حسم الاتحاد الاشتراكي هذا التوجه، في المؤتمر السادس، حيث تخلص نهائيا، من جناحه النقابي وشبيبته التي يقترب واقعها الاجتماعي من الفئات الشعبية الكادحة والمعطلة وتحمل طموحا تغييريا أكيدا ومن مناضليه المثقفين الديمقراطيين الجذريين وأصبح حزبا حكوميا.
- توجه اشتراكي يتشكل من النهج الديمقراطي وحزب الطليعة الديمقراطي الاشترلكي وتيارات غير منظمة ومناضلين وسط الأحزاب اليسارية الأخرى. هؤلاء يتبنون الاشتراكية العلمية ويعملون على بناء الأداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة والكادحين وبناء تحالف كل الطبقات ذات المصلحة في التغيير. وذلك من أجل إنجاز المهام المرحلية المتمثلة في بناء نظام ديمقراطي كخطوة نحو حل التناقض الأساسي في المجتمع.
- وبين هذين التوجهين الواضحي المعالم نسبيا، تتأرجح القوى اليسارية الأخرى كتعبير عن تأرجح فئات من الطبقات الوسطى بين مطامحها في الارتقاء الاجتماعي وأفقها المسدود موضوعيا وتجسد منظمة العمل هذا التوجه بامتياز فهي حريصة على علاقاتها مع الكتلة وتحاول في نفس الوقت، استقطاب مناضلين من اليسار الجديد الذين كانت مواقفهم رافضة للعبة السياسية.
في هذا الإطار، يتشكل حزب –" اليسار الاشتراكي" بالارتكاز على بناء فوقي، وبخلفية انتخابية، وهيمنية من طرف منظمة العمل، وفي ظل غموض ايديولوجي (بل لقد طرح بعض أقطاب منظمة العمل عدم أهمية الجانب الايديولوجي)، ينظر لطغيان السياسة السياسوية والتكتيك على حساب المبادئ.وهذا ما يؤدي إلى تدبدب سياسي بين الكتلة واليسار الجديد والاسلامويين..
ان انزلاق هذه القوى نحو مواقف يمينية يجد تفسيره العميق في التحليل الذي طرحناه حول تطورات الطبقات المتوسطة. وإذا كان الصراع السياسي والفكري مهم لمواجهة هذا الانزلاق، فإن الأهم هو أن تتقوى الحركة الاشتراكية الاصلية عبر انغراسها وسط الكادحين.
6- حركة النضال من أجل الديمقراطية :
تشهد بلادنا تبلور حركة قوية من اجل الديقراطية تغذيها القوى الديمقراطية الجذرية والقوى الاشتراكية. وتتشكل هذه الحركة، بالإضافة إلى قوى اليسار الجذري، من الحركة الحقوقية التي تلعب دورا مهمــــا فـــي
النضال من أجل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، غير أن الحركة المناضلة من أجل الديمقراطية والحركة الحقوقية غير متجانسة حيث يتجاذبها قطبان :
- قطب يلتف حول النظام ويريد احتواء النضال الديمقراطي في مجموعة من المؤسسات يهيمن عليها ويستعملها، متى يشاء، وبالشكل الذي يريده (المؤسسات التمثيلية، المجلس الاستشاري لحقوق الانسان …) ويضع للنضال من أجل الديمقراطية خطوطا حمراء بعضها معلن والآخر ضمني (مثلا عدم طرح مسألة محاكمة الجلادين، عدم طرح مسألة كشف الحقيقة عن الاختطافات والاغتيالات السياسية، عدم طرح مسألة تغيير الدستور…)
- قطب يناضل من أجل الديمقراطية على كل المستويات ودون الالتزام بأية خطوط حمراء أو غيرها. ويعمل على تفكيك البنيات المخزنية الفاسدة ويركز بالخصوص، في المرحلة الراهنة، على المافيا المخزنية. وهي الفئة وسط الطبقات السائدة الأكثر فسادا ونهبا واستبدادا والأكثر معاداة لأي تقدم ديمقراطي فعلي في بلادنا وفي هذا الاطار يلعب شعار عدم الافلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية دورا هاما في عزل المافيا المخزنية.
- وبين هذين القطبين، تتواجد قوى ديمقراطية متدبدبة إما لارتباطها بأحزاب حكومية. وهذه القوى عادة ما تناهض التوجه الديمقراطي الجذري. لكن، هناك أيضا، قوى ديمقراطية أخرى يتجلى تدبدبها في طرحها لمواقف متقدمة مع الاحجام على النضال الجدي من أجلها لكي لا تتعرض لقمع النظام أو سخطه عليها
بالاضافة إلى الحركة الحقوقية التي تطورت وتقوى عودها، هناك الحركة الأمازيغية التي عرفت نموا هاما. وقد تشكل هذه الحركة رافدا مهما للنضال الديمقراطي، رغم تواجد قوى مخزنية وشوفينية داخلها، شريطة أن تتحمل القوى الاشتراكية والديمقراطية الجذرية مسؤوليتها في تطوير وتصحيح وتفعيل هذه الحركة.
أما الحركة النسائية والتي يمكن أن تشكل مكونا مهما من النضال الديمقراطي، فإنها تعاني من غياب إطار نسائي جماهيري قوي غير تابع لهذا الحزب أو ذاك. إن الوضع الحالي المتميز بتواجد تنظيمات نسائية ملحقة بهذا الحزب أو ذاك يؤدي إلى ان فعل هذه الحركة يكون رهينا باتفاق الاحزاب أو عدمه. وهو ما تحاول الجمعية المغربية للنساء التقدميات العمل على تكسيره من خلال حرصها على تفعيل عملها النضالي المتنوع ليشمل مجالات عديدة ومن أجل فئات نسائية كادحة مما يجعل عملها لا يخضع للسياسة العامة للأحزاب ولتوافقاتها مع المخزن.
7- الحركات الاحتجاجية :
تقاوم الطبقات الشعبية هجوم الرأسمالية المتوحشة على أوضاعها المعيشة وعلى ما تبقى من مكتسبات اجتماعية. فالطبقة العاملة والشغيلة تواجه، بقوة، وتخوض نضالات متكررة (اضرابات، اعتصامات، مسيرات ...) غير أن النتائج عادة ما تكون هزيلة بسبب سلبيات التقسيم النقابي والممارسات البيروقراطية السائدة وضعف التنقيب وطبيعة العديد من المقاولات (مقاولات العمل من الباطن) التي تقفل أبوابها عندما يلجأ العمال إلى الاضراب وتنتقل إلى بلد آخر، ضعف ربط نضالها بالنضال ضد العولمة على المستوى العالمي.
كما أن الجمعية الوطنية لحملة الشهادات وباقي المعطلين من مكفوفين وغيرهم يناضلون بكافة الأشكال المتاحة من أجل حقهم في الشغل. لكنهم يتعرضون لقمع شرس، وقليلا ما تكلل نضالاتهم وتضحياتهم بالنجاح.
وتنفجر في العديد من المدن والقرى، نضالات احتجاجا على هذا المشكل أو ذاك لهذه الفئة أو الشريحة الاجتماعية أو تلك (نضالات تهم الحق في السكن أو الماء أو النقل أو التعليم أو الصحة أو غير ذلك…). وإذا كانت هذه الاحتجاجات تعاني من الحصار الأمني، فإنها غالبا ما تتميز بالجرأة والاستماتة وتستطيع فك الحصار الاعلامي. لكنها تظل مشتثة وذات أفق محدود.
وقد عاشت بلادنا حركة نضالية قوية مساندة للانتفاضة الفلسطينية الباسلة (مظاهرات، خاصة مسيرة 7 ابريل، مسيرة المليونيين، مهرجانات، دعوات لمقاطعة البضائع الامريكية والاسرائيلية).
كما شهدت الفترة الأخيرة بروز أشكال من التضامن بين الحركة الاحتجاجية نعتبرها جد ايجابية (تنسيقات في النضالات بين نقابات، شبكة لدعم الحركات الاجتماعية، التفاف قوى سياسية وجمعوية على مستوى بعض المدن لمواجهة مشكل ما : اعتقالات، تعسفات، …).
8- الحركة الاسلاموية :
إن الحركة الاسلاموية ليست بمعزل عما يعتمل في المغرب وفي العالم من تطورات، لذلك، فإنها، أيضا، تعيش مخاضا.
ويمكن، بشكل عام، اعتبار أن هناك عاملين لعبا دورا في هذه التطورات:
أولا : أحداث 11 شتنبر أدت إلى انقسام الحركة الاسلاموية إلى من يؤيد التوجه الجهادي ومن يعارضه. ولعل اتخاذ العدل والاحسان لموقف معارض لتوجه ابن لادن قد أدى إلى بروز قوى تتبنى العنف وتناصر مواقف ابن لادن وخارجة عن سيطرة القوى الاسلامية التقليدية. ولا شك ان تأثيرات ما جرى، في أفغانستان وما يجري في فلسطين، قد تظهر، شيئا فشيئا، في شكل انشقاقات واصطفافات وسط الحركة الاسلاموية
ثانيا : إن النشاط ذي الطابع الدعوي الديني قد استنفذ أمام خطورة الواقع المعيش. كما ان امكانية العمل الاحساني قد تكون نضبت بسبب تغير مواقف الممولين (السعودية …).
وأمام الاحساس بالاستهداف من طرف النظام، بدأت جماعة العدل والاحسان تركز على العمل الجماهيري والعمل السياسي (الالتحاق بالنقابات والجمعيات..، البحث عن حلفاء في العمل الميداني، اتخاذ مواقف ذات طابع سياسي مباشر كالموقف من الانتخابات…).
- ان النظام يسعى الى تقوية حزب العدالة والتنمية واستعمال بعض الرموز كعبد الكريم مطيع لمواجهة تأثير العدل والاحسان. كما سيحاول تعميق الهوة بين الاسلامويين، وخاصة بين الاتجاهات التي تلجأ إلى العنف أو تناصر الاتجاهات التقليدية.
- ان الحركة من أجل الأمة والبديل الحضاري، رغم طرحها الحوار مع الديمقراطيين، لم يتخليا عن مشروع بناء دولة تيوقراطية لا يمكن إلا أن تكون مناهضة للديمقراطية.
- وفي اعتقادنا، فإن تغير هذه القوى نحو مواقف وقناعات ديمقراطية ليس مرتبطا بتعاملنا المرن معها أو دخولنا في تحالفات معها، بل بمواجهتنا الصارمة لمشروعها المجتمعي ولفكرها المضاوي وبتحولنا إلى قوة وازنة في الساحة.
II- النهج الديمقراطي :
أيتها الرفيقات، أيها الرفاق،
والآن، وبعد هذا العرض المركز جدا للواقع في البلاد، يطرح علينا كنهج ديمقراطي أن نحدد مهامنا بوضوح ودقة، أن نكون في مستوى الدور الذي يجب أن نلعبه كفصيل اشتراكي مناضل متشبث بالاشتراكية العلمية وبمواقفه السياسية الجذرية وبتوجهه الكفاحي.
ان النهج الديمقراطي يعتبر ان الطبقة العاملة وعموم الكادحين لا يتوفرون على اداتهم السياسية المستقلة، المعبر الأمين عن مصالحهم ومطامحهم. ان المهمة الاساسية التي يضعها النهج الديمقراطي على عاتقه هي المساهمة في بناء هذه الأداة بجانب كل القوى الاشتراكية الحقيقية، ولم يأل النهج جهدا وبصبر وأناة وعبر عمل ذؤوب للارتباط بالطبقات الكادحة والمساهمة في أن تنظم ذاتها على جميع المستويات. وفي نفس الآن، فإن النهج الديمقراطي لن يتوقف عن بذل المجهودات من أجل بناء القطب الديمقراطي الجذري كتحالف لكـــل
الطبقات الشعبية ذات المصلحة في التغيير الديمقراطي الحقيقي، وذلك لانجاز المهام المرحلية الضرورية لانعتاق شعبنا من سيطرة الطبقات السائدة في بلادنا.
وانطلاقا من هذه الأهداف، يطرح على النهج الديمقراطي أن يحدد مهامه الآنية، ونعتقد أن من الممكن تلخيصها كما يلي :
إن انجرار فئات واسعة من الطبقات المتوسطة ومن النخبة المثقفة نحو اليمين ونحو القوى الاسلاموية المناهضة للديمقراطية والاختلالات التي تعرفها الحركات الجماهيرية، خاصة الاختلالات التي يشهدها الوضع النقابي وغياب تواجد وسط الشباب التعليمي، تطرح علينا مهاما جسيمة يجب أولا أن نعيها بشكل جماعي وأن نحدد السبل لانجازها بفضل صقل وتطوير طاقاتنا وتطعيمها بمناضلين (ت) جدد وتطير خطنا السياسي والفكري.
1- الموقف من الانتخابات :
ان ما سنواجه به، في الفترة المقبلة، هو الموقف من الانتخابات. لذلك لا بد أن نوحد موقفنا وأن نبنيه بشكل مثين للدفاع عنه ليس أمام الجماهيرالشعبية التي علمتها تجربتها المريرة خلال أربعين سنة أن كل استحقاق انتخابي يكون اسوأ من سابقه، من حيث التزوير والتي لا تعير هذه الاستحقاقات، في الغالب، أي اهتمام فحسب، بل أيضا أمام الفئات المتعلمة التي تحتاج أكثر الى الاقناع.
ان الموقف من الانتخابات ليس موقفا لا يتغير، بل بالعكس، لكونه يهم التكتيك، فانه يتحدد بالجواب على السؤال التالي : في ظرف معين، من له الامكانية والقدرة على الاستفادة من الانتخابات، هل النظام القائم ؟ هل الشعب المغربي وقواه المناضلة ؟
ان الشعب المغربي يتوفر على تجربة أربعين عاما من الانتخابات التي كانت مزورة ولم يستفد منها الشعب بل استفاد النظام لتقوية أركانه، والانتهازيون للثراء بل استطاع المخزن ان يستقطب جزءا من القوى الديمقراطية بفضل مؤسساته التمثيلية المزورة. هذه التجربة أدت إلى عزوف الجماهير عن المشاركة في الانتخابات. ولا يظهر أن هناك اجراءات قوية قد ترجع الثقة للجماهير للمشاركة (تحسن ولو نسبي لاوضاعها الاجتماعية، ظهور قوى تتوفر على مصداقية بفضل انغراسها وسط الشعب ونضالها بجانبه تدعوه إلى المشاركة، لجوء النضال الى اجراءات على مستوى كشف حقيقة ما سمي ب "سنوات الرصاص" ومواجهته للجلادين وللمسؤولين عن تزوير الارادة الشعبية…).
هل توفر الحملة الانتخابية امكانية اللقاء بالجماهير ؟ نعم، لكن في حدود بسبب كون الحملة محدودة زمنيا وبالاساس لعزوف الجماهير عن الحضور الى المهرجانات. وعلى كل حال، فان المساهمة بشكل أو بآخر، إما عبر الدعوة للمقاطعة او المشاركة قد توفر نفس شروط الالتقاء بالجماهير في بلد ديمقراطي حقيقي أي بعبارة أخرى يمكن لمن يقاطع أن يلتقي بالجماهير كما هو الحال بالنسبة لمن يشارك. والاختلاف هو مضمون ما يطرحه هذا أو ذاك. وليس المرور في التلفزة خلال بضع دقائق هو الذي سيجعل هذا الحزب أو ذاك يرتبط بالشعب. بل إن هذا يبرر استفادة الرجعية من الامكانات الاعلامية.
هل يوفر البرلمان امكانية خوض الصراع ضد النظام والرجعية ؟ لا نعتقد ذلك، لأن الاعلام، وخاصة السمعي-البصري، في يد النظام والرجعية وحلفائهما ولأن البورجوازية قننت عمل البرلمان الى حد أنه أصبح حتى في البلدان الديمقراطية الغربية يلعب دور غرفة تسجيل لا أقل ولا أكثر نهيك عن الدستور الحالي الذي يقنن باستبداد المخزني والحكم الفردي المطلق للملك، وينفي أية امكانية للتأثير انطلاقا من البرلمان على سياسة الدولة. هل من الممكن الاستفادة من البرلمان عبر ارسال مناضل صلب قادر على اتخاذ مواقف متقدمة. ولعب دور "المشاغب" في قبة البرلمان ؟ فاننا نعتقد أن ذلك غير مفيد اذا توفر في غياب تواجدنا القوي في الساحة وفي الاعلام لاستثمار نضال مناضلينا. وسيصبح نضاله نوعا من الدونكشوطية.
اضافة لما سبق ليس من الصعب التنبؤ ان الانتخابات ستكون مزورة وان استعمال المال وغيره من الاساليب الاغرائية والتخويفية سيكون سيد الموقف. وفي هذا الاطار، تم رفض استعمال البطاقة الوطنية للتصويت ورفض تخفيض سن التصويت الى 18 سنة وغيرها من الاجراءات.
ان عدم مشاركة العدل والاحسان في الانتخابات عامل مهم يجب ايضا ان نأخذه بعين الاعتبار في تحديد موقفنا من الانتخابات.
أما فيما يخص الانتخابات المحلية، فبالاضافة الى ما سبق ذكره حول الموقف الشعبي الرافض، فإن سيطرة وزارة الداخلية على الجماعات المحلية لا يسمح بخوض تجارب لصالح المواطنين، كما أن القوى الرجعية والمصالح المافوية تضع عراقيل خطيرة أمام استفادة الجماهير الشعبية منها
ان ما يجب ان نعطيه الاهمية ليس تحديد الموقف من الانتخابات لان هناك شبه اجماع داخل النهج الدديمقراطي على المقاطعة، لكن يجب ان نفكر في كيفية تصريف موقف المقاطعة لكي يكون مناسبة لطرح مواقفنا وبرامجنا لتتعرف علينا الجماهير الشعبية.