أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - فاطمة ناعوت - يومي الأول بالمدرسة














المزيد.....

يومي الأول بالمدرسة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5270 - 2016 / 8 / 30 - 00:39
المحور: بوابة التمدن
    


عامٌ دراسي جديد يبدأ هذه الأيام. ومع بدايته كل عام، أتذكّر يومي الأول بالمدرسة، كأنه بالأمس فقط. كلما تذكرته ملأ أنفي مزيجٌ من روائحَ متباينة: رائحة دهانات الحوائط بالأبيض والديسكات الملونة بالروز والأزرق والأخضر، والأستيكة (الممحاة) التي لها رائحةُ الفواكة (لم أحب رائحتها يومًا؛ لأنها مخادعةٌ تحمل شذًا لا يخصّها)، رائحة ألوان الشمع (ماركة: ألوان اللخبطة بتشخبط شخبطة)، روائح الشجر المغسول الذي يُطلُّ علينا من شباك الفصل، روائح حقائب الأطفال المدرسية الجديدة التي كنّا نتبارى لتكون الأجمل والأكثر لونًا وبريقًا، وسرعان ما ستختفي ألوانُها الزاهية مع الأيام وتتحول جميعُها إلى لون التراب من فرط سوء معاملتها في حوش المدرسة واستعمالها كـ دُشَمٌ حربية في معاركنا الوهمية مع إسرائيل (ونحن نهتف: هانحارب، هانحارب، إسرائيل الأرانب)، والأجمل، رائحة رمل الحوش الشاهد على شقاواتنا ومشاكساتنا مع الدادات الطيبات اللواتي لم يقدرن أبدًا على استيعاب كوارثنا الصغيرة، حين نخرّب كل النظام الذي صنعنه في الصباح الباكر، فيتحول مع نهاية اليوم إلى فوضى وعبث.
لم أكن طفلة مطيعة أو هادئة. عذّبتُ أمّي كثيرًا برفضي استيعاب فكرة عجيبة لم أرها منطقية أبدًا: أن تتركني ماما في مكان غريب (المدرسة)، ثم تمضي! كنتُ أملأ الدنيا صراخًا بمجرد أن تُسلّمني للدادا وتهمّ بالرحيل. أجبرتها على المكوث معي حتى نهاية اليوم الدراسي الأول، جالسةً على الديسك الأخير الشاغر في آخر الفصل. وفي اليوم الثاني رفضت إدارةُ المدرسة هذا "التهريج"، فانتقل كرسي المسكينة ماما من داخل الفصل إلى الكوريدور الخارجي، على أن أجلس أنا داخل الفصل على الديسك المجاور للشباك المطل على الكوريدور لأرقبها بين البرهة والأخرى وأتأكد أنها هناك. وكلما حاولتِ التسللَ ماضيةً إلى عملها، يُعيدها إلى كرسيها "صاغرةً" صراخي بالصوت "الحيّاني". مع اليوم الرابع تنازلتُ وقبلتُ فكرة أن يحلّ محلَّ أمي، الصبيّ الريفيّ (عبده)، الشغال الذي كان يعمل عندنا، (أهو حاجة من ريحة البيت والسلام). إلى أن دخلتْ الفصلَ يومًا عميدةُ المدرسة العبوس، ميس لولو، والشررُ يتطاير من عينيها وهي تنظر لي آمرةً بحسم: "مفيش ماما، ومفيش عبده، وهاتقعدي في الفصل هادية مؤدبة زي زمايلك لغاية الحصة الأخيرة! أنتِ بنت كبيرة وأمورة وبتسمع الكلام." وفجأة شعرتُ أني "بنت كبيرة وأمورة ولازم أسمع الكلام". لا أنسى نظرة ميس لولو، التي كان يسميها الأولاد الخبثاء: "جولدا مائير"، وهي ترمقني بنظرة اشمئزاز من "الدلع الماسخ". تلك النظرة التي حولتني فجأة إلى "بنت كبيرة"، رغم أنني كنت الأصغر في الفصل لأن أمي أدخلتني وشقيقي المدرسة مبكرًا عن السن القانونية عامين كاملين، وكان هذا أيسر على أيامنا.
أجمل لحظات بداية العام الدراسي، حين يأتي أبي بأفرخ جلاد الكراسات ذي الألوان المبهجة، ثم يجلد بحرفية شديدة الكراسات النحيلة. أما الكشاكيل الضخمة فكان لابد أن يقصّ منها تجويفًا بسُمك الكشكول، ثم يلصق تيكيت، ويكتب بخطه الجميل: اسمي، وتحته اسم الفصل، ثم اسم المادة: عربي، إنجليزي، خط، موسيقى، حساب.
متى مرّت السنوات، وتعاقب الأساتذةُ والفصول والمواد الدراسية التي ازدادت تعقيدًا؟ متى تحول الماريول الطفولي ذو الكولة الحمراء إلى دريل ثم تايور أزرق، ثم فساتين ملونة في الجامعة؟ متى تحول ديسك المدرسة الروز إلى لون الخشب البُنّي الوقور، ثم إلى بنش الكلية في المحاضرات، ولوحة الرسم في قاعة التصميم المعماري بهندسة عين شمس، ثم إلى هذا المكتب من خشب الأرو المصقول في بيتي، ثم إلى مكتب جديد في بلد يحترم الإنسان، عليه أكتب مقالي الآن؟!
إنها معجزةُ الزمن، التي لن نفهمها.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خرج م الطابور يا خروف!
- احنا آسفين يا مُغير
- فانتازيا
- من أجل صليب وجرس
- لماذا لا يرفع المسيحيون علينا دعاوى ازدراء أديان؟!
- نأخذ من كل -رجلا- قبيلة
- كيف يتصيدنا المحتسبون؟
- النبات لا يخون
- ثم تولوا إلى الظل
- قطعة سكر واحدة
- كيف يتصيّدُنا الُمحتسبون؟
- ڤان ليو …. صائد الجميلات والفرسان
- لماذا الساخر؟
- !احنا آسفين يا مُغير
- أشوف فيك يوم يا نبيه!
- أنا أسخرُ …. إذن أنا موجود
- |حروب عادية | اللص الذي سرق الله| أشرف ضمر
- أخي المسلم السويّ هذا المقال ليس لك
- لماذا كانوا وسيمين؟ لماذا كنّ جميلات؟
- احنا عايشين في نار يا ريّس


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- حَمّاد فوّاز الشّعراني / حَمّاد فوّاز الشّعراني
- خط زوال / رمضان بوشارب
- عينُ الاختلاف - نصوص شعرية / محمد الهلالي
- مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة / فاروق الشرع
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4 / ريبر هبون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - فاطمة ناعوت - يومي الأول بالمدرسة