|
الطائفية... محاولة لتحديد المفهوم
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 5268 - 2016 / 8 / 28 - 10:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يكن تيودور هرتزل متديناً بل كان ملحداً لم يمنعه إلحاده من أن يكون طائفياً. وأتت صهيونية هرتزل كرد فعل على انهيار ميوله الإندماجية كيهودي في الآخر الأكثري ضمن المجتمع الأوروبي القائم إثر ما شاهده من نزعة عداء لليهود في باريس أثناء قضية دريفوس التي اتُهم فيها عام 1894 ضابط فرنسي يهودي بالتجسس لمصلحة الألمان ثم ثبتت براءته. قاده هذا إلى الكتاب التأسيسي للحركة الصهيونية «الدولة اليهودية» عام 1896. كان الإحساس بالذات الطائفية عند هرتزل، وبالتالي صهيونيته، غير ناتجة من تدين بل من وعي بالذات الجماعية الخاصة لليهود كجماعة خاصة قاده إليه «الآخر». كان مؤسس الصهيونية واعياً لذلك، وهو الذي كان يقول: «يتطلب مشروعي استخدام قوة موجودة بالفعل. إنها محنة اليهود. قوتنا تنمو مع ازدياد الضغط الذي نتعرض له» («يوميات هرتزل»، المجلد الأول، طبعة نيويورك، ص237). وبالتالي، ينبع وعي الذات الطائفية من ضغط «الآخر» ورفضه لليهودي وعدائه له. في باكستان، التي أُسست كدولة قبل اسرائيل بتسعة أشهر، كان المؤسس محمد علي جناح مختلفاً عن هرتزل، لا يشعر بضغط الأكثرية الهندوسية على المسلمين بل بتمايز تفوقي للمسلمين في الهند التاريخية التي حكمها المسلمون رغم كونهم أقلية ولكن كبرى تصل إلى الثلث منذ القرن الثالث عشر حتى مجيء البريطانيين في القرن الثامن عشر. كان جناح أيضاً غير مـــتدين بل كان علــمانياً، ولكنه أراد التمايز الطائفي للمسلمين عن الهندوس في دولة خاصة بهم. كانت طائفــيته لا تتحدد عبر «الآخر» ومن خلال ضغطه، بل عبر نزعة تمايزية واعية لذاتها وتأتي ليـــس من خلال اضــطهاد بل من خلال شعور عند أقلية ذات وضع تمايزي – تفوقي، بحكم تاريخ مديد في الحكم والسيطرة، تجاه الأكثرية. هنا، كانت طائفية هرتزل دفاعية - سلبية فيما الطائفية عند جناج هجومية - تمايزية. ويمكن أن يكون البطريرك الماروني الياس الحويِك الذي ذهب لإقناع مؤتمر الصلح في فرساي عام 1919 بدولة لبنان الكبير حالة وسطى بين تيودور هرتزل ومحمد علي جناح: احساس تمايزي عند موارنة ومسيحيي جبل لبنان منذ نظام المتصرفية عام 1864 مع شعور أقلوي ضمن المحيط الإسلامي الواسع قادا إلى ما سماه كمال جنبلاط عام 1975 «النزعة الإنعزالية». عند الأصولية الاسلامية، بشكليها السني الإخواني والشيعي الخميني، هناك حالة رابعة من الإحساس بالذات الطائفية: وعي ذاتي بالجماعة الطائفية، لا دفاعي ولا هجومي- تمايزي ولا انعزالي، لتأكيد هوية ايديولوجية سياسية يراد إلباسها للجماعة عبر «طليعة مؤمنة»، وفقاً لتعبير سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق»، أو مفهوم الخميني عن «ولاية الفقيه». حالات طائفية أخرى هناك حالات طائفية أخرى: حزب البعث الذي حكم في العراق بين عامي 1968 و2003 الذي رغم أيديولوجته العروبية أقام نظاماً طائفياً تمييزياً ظهرت أبعاده في أعلى الهرم السلطوي (حتى عام 1977 لم يكن هناك شيعي واحد (الشيعة 63 في المئة من مجموع السكان والسنة العرب 14 في المئة والأكراد 18 في المئة والباقون مسيحيون وتركمان وآخرون) في مجلس قيادة الثورة الحاكم وفي الجيش. ولعل هذا يعود إلى التركيب المختلف لحزب البعث عن ذاك الذي حكم العراق بين 8 شباط (فبراير) و18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 حين كان في القيادة القطرية أربعة من الشيعة من أصل ثمانية وثلاثة من العرب السنة وكردي شيعي من الفيلية. ولكن كل الضباط الذين قادوا البعث إلى السلطة يوم 8 شباط كانوا من العرب السنة، كما أن القاعدة الاجتماعية للحزب كانت أساساً من العرب السنة في الفترة 1952-1963. وفي القيادة القطرية التي تشكلت في كانون الأول (ديسمبر) 1966، ووالت القيادة القومية للحزب ضد قيادة 23 شباط 1966 في دمشق، كان حزب البعث العراقي بقيادة قطرية محصورة في العرب السنة، كما أن الأساسيين الذين قاموا بانقلاب 17 تموز (يوليو) 1968 من الضباط البعثيين كانوا من التكارتة (أحمد حسن البكر، حردان التكريتي، حماد شهاب) ومن سنة بغداد (صالح مهدي عماش) والرمادي (سعدون غيدان). أما في حالة بعث العراق 1968-2003 فكان للطائفية طابع وظيفي: استخدام طائفة على قاعدة الولاء الأسهل لعوامل مختلفة للحاكمين (قرابات عشائرية – مناطقية). ولكن ذلك قاد إلى انشاء نظام طائفي ولو بأيديولوجية غير طائفية (حنا بطاطو: «العراق: الشيوعيون والبعث والضباط الأحرار»، الكتاب الثالث، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1992، ص332، ص400- 404). ويمكن أن تضاف إلى الحالات الطائفية حالة جديدة، فالرهاب من الاسلاميين يقود إلى حالة شبيهة بحالة الرهاب تجاه الشيوعيين في أميركا المكارثية في خمسينات القرن العشرين أمام صعود المد الشيوعي، حيث تتحدد ذات طائفية عبر رهاب الآخر ومن خلاله تحديداً عند الكثير من العلمانيين واليساريين بل و «الملحدين» من أبناء الطوائف الإسلامية غير السنية، أو عند أقليات من غير المسلمين وليس عبر موقف أيديولوجي سياسي مضاد تمايزي كما عند عبدالخالق محجوب والحزب الشيوعي السوداني ضد حركة الاتجاه الاسلامي بزعامة حسن الترابي في الستينات، أو كما يوجد الآن عند الشيوعي في بغداد سواء كان شيعياً أو سنياً من حيث المولد العائلي تجاه حزب الدعوة أو الحزب الاسلامي العراقي، أو عند الشيوعي التونسي حمة الهمامي تجاه راشد الغنوشي. في الحزب الشيوعي العراقي كانت القيادة في الفترة 1955-1970 تعكس التركيب الوطني العراقي، ولكن كانت القاعدة الاجتماعية للحزب ذات طابع ثنائي شيعي-كردي. وقادت طائفية حزب البعث إلى ارتماء معظم شيعة العراق في النصف الثاني من السبعينات في أحضان حزب الدعوة، وظهر هذا واضحاً عامي 1979 و1980 عندما تحولت ضاحية الثورة شمال بغداد، وأهلها مهاجرون فقراء من محافظات الجنوب منذ 1958، من الشيوعية إلى الشيعية السياسية. واستمر ذلك في فترة ما بعد نيسان 2003 فتحولت قاعدة للتيار الصدري وسميت «مدينة الصدر». أيضاً قاد اضطهاد البعث للأكراد لانفضاضهم عن الشيوعيين نحو حزبي البرزاني والطالباني في السبعينات، وهو ما جعل الحزب الشيوعي العراقي هيكلاً عظمياً في مرحلة ما بعد نيسان 2003. وكان تسيد الأحزاب والحركات الشيعية السياسية في انتخابات برلمانات 2005 و2010 و2014 الوسط الشيعي العراقي تعبيراً عن طائفية ارتكاسية نحو الذات الفئوية بتأثير رد فعل على طائفية النظام السابق عند الوسط الاجتماعي، وعن طائفية واعية لذاتها أيديولوجياً عند تلك الأحزاب والحركات التي لم يرَ ذلك الوسط الاجتماعي منصة ثانية غيرها للتعبير عن ذاته. في الأول من أيار (مايو) 1959 أنزل الحزب الشيوعي مليون شخص إلى شوارع بغداد في بلد لم يكن سكانه يتجاوزون العشرة ملايين. في ذلك العام كتب السيد محمد باقر الصدر كتاباً أيديولوجياً عنوانه «فلسفتنا» هو عملياً سجال فكري ضد الماركسية من أجل تحديد الذات الأيديولوجية السياسية وبنائها عبر ضدية وظيفية. ويمكن في مرحلة 2003-2016 مقارنة وضع سكرتير الحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى بوضع حزب الدعوة من خلال رئيسي الوزراء نوري المالكي وحيدر العبادي...
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورات الفاشلة
-
الموجة اليمينية العالمية
-
ديموقراطية المكوِّنات
-
باراك أوباما في مدينة هوشي منه
-
لماذا أتت روسيا إلى سورية؟
-
مسار الحركة الشيوعية العربية:محاولة للمراجعة
-
- السوريون في الأزمة -
-
نموذج الحزبي الشيوعي
-
الماركسيون السوريون
-
بناء السياسة بدلالة مركز خارجي
-
صعود القوى الإقليمية يواكب انكفاء واشنطن عن الشرق الأوسط
-
المنتصرون عام 1989... وتداعي قوة أفكارهم
-
سطحية الإلحاد العربي الحديث والمعاصر
-
فلاديمير بوتين وروسيا الجريحة
-
نزعة الاستعانة بالخارج: عن «الجلبيين» العرب
-
كم دبابة عند بابا الفاتيكان؟
-
أربعة أعوام من أداء المعارضة السورية
-
لا خرائط جديدة
-
فكر القتل
-
الوظيفية السياسية للتيار الماركسي العربي
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|