|
سبينوزا و مفهوم الديمقراطية
يوسف الصفار
الحوار المتمدن-العدد: 5267 - 2016 / 8 / 27 - 12:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سبينوزا ومفهوم الديمقراطية ليست كل حضارة إلا توازناً وتجاذباً بين غرائز الأنسـان سـاكن الغابة، وقيود القانون الاخلاقي فإذا وجدت الغرائز، دون القانون الأخلاقي، قضي على الحضارة، واذا وجدت القيود دون الغرائز، قضي على الحياة، فالمشكلة التي تواجهها الأخلاق ،هي تنظيم القيود، بحيث تحمي الحضارة دون أن توهن الحياة .. ــ يول ديورانت ــقصةالحضارة
حين يوضح لنا (هيجل) ،إن مهمة السياسة توحيد الأفراد داخل الدولة، لاينكر كون بكل مرحلة يوجد تناقض وتعارض ،لا يقوى على حلـه سوى صراع الاضداد... لكن (شـبنهور) يتحرك باتجاه مخاطبة الانسان عن طريق ما يريد ويرغب ،موضحاً إن عقل أغبى إنسـان ،يتحول الى ذكاء مرهف عندما تكون المسـألة المطروحة متمشية مع رغباته ،بينما يسخر (فولتير) من كوننا سنرث العالم كما وجدناه في سخافته وشره وفساده ،وان كل فكرة عن تقدم العالم ليست سوى مجرد خداع. (سـبينوزا ) يتخذ موقفاً آخر لمعنى جديد للجبرية، التي لا مفر منها ،كون الانسـان يعتقد بأنه حر حتى في أعماله الفردية، وبامكانه أن يكون شخصا آخر، ولكن التجربة تدله على إنه ليس حراً، وإنه خاضع لحكم الضرورة ، وان ُسخطنا ولومنا للعالم ليس سوى أحكام بشرية لا تتناسب في ألأغلب اذا طبقناها على البقية ..يعتقد (سـبينوزا) ان الفلسفة السياسية تنبع من التميز بين النظام الطبيعي والأخلاقي ،وبعبارة أوضح بين حياة الانسان البدائية قبل تنظيم المجتمعات، وبين حياته بعد تنظيم المجتمعات، وهو يرى ان الناس قبل نشأة المجتمع في فوضى بغير قانون أو تنظيم اجتماعي ، ولم يكن لهم مفهوم من الخطأ أو العنف والظلم، وكانت القوة عندهم هي الحق ،وتستطيع أن تلمس قانون الطبيعة هذا (قانون الغاب ) في سلوك الدول مع بعضها أذ لاوجود لمحبة الغير بين هذه الدول، لأن القانون والاخلاق لاتوجد ألا في ظل نظام متفق عليه ،وهذا يعني وجود سلطة مشتركة معترف بها ..لكن حاجة الناس بعضهم لبعض استدعت تبادل المساعدة فيما بينهم، وهذا ادى اسـتبدال الحالة الطبيعية التي كانت السيادة فيها للقوة، الى حياة المجتمع المنظم الذي يسـود فيه القانون والحقوق . لان حياة العزلة بعيداً عن المجتمع تثير في الناس الخوف، فليس للا نسان القوة الكافية للدفاع عن نفسه وتأمين ضرورات معيشته إذا عاش في عزلة عن مجتمعه، وهذا ادى به الى اقامة مجتمع منظم ليحمي نفسه ،وتبادل المساعدات بينه وبين الناس، ويستطرد(سبينوزا) كون النزعة الفردية تسود معظم الناس ،وهي متأصلة في قلوبهم، وان في نفوسهم ثورة على القانون، والعرف والتقاليد ،وان الغرائز الاجتماعية اضعف من الغرائز الفردية ومتأخرة عنها ، فهي تحتاج الى من يقومها ويعززها ،وهو لا يذهب الى ما ذهب اليه ( روسو) على اساس الانسان خيّراً بطبيعته فهو يؤكد على إننا نحب من هو على شاكلتنا وننجذب الى من يشبهنا وعلى هذا الاساس ينشأ الضمير لدينا فهو ليس فطرياً وانما مكتسباً ،ويختلف باختلاف الزمان والمكان ،وهو الذي أدى الى تنازل الفرد عن جزأ من قوته وسيادته الفردية الى الجماعة المنظمة، مقابل توسيع مدى ما تبقى له من القوة والسيادة ..وعلى هذا الأساس فأن غاية الدولة ليست التسلط على الناس وكبح قدراتهم، وإنما غايتها هي أن تحرر الفرد من الخوف، كي يعيش ويعمل في جو تام من الطمأنينة والأمن، وعلى الدولة أن ترشد الناس الى حياة تسودها حرية الفكر والعقل، كي لا يبددوا قواهم في الكراهية والغضب والغدر، لذا فإن غاية الدولة هي الحرية، فالدولة ينبغي ألا تحد من قوة مواطنيها، الا اذا أدت هذه القوة الى إلحاق الضرر والأذى بأفراد المجتمع .. الحرية أذن في نظر (سبينوزا) هي الهدف النهائي للدولة، وهي ما يتوقف عليها ترقية النمو والتطور، ولكن ماذا يفعل الناس لو كبتت قوانين النمو وخنقت الحرية، وماذا يفعل الناس لو اتجهت الدولة الى إيثار مصلحة الطبقة الحاكمة والتسلط على الشعب واستغلاله، وسعت الى الاستئثار بالمناصب والكراسي، وعدم إفساح المجال لغيرهم ..يؤكد (سبينوزا) في إجابته على هذه الأسئلة ، بوجوب إطاعة القوانين حتى لو كانت جائرة ، مادامت الحكومة لا تمنع الناس من حرية الكلام والاحتجاج فالنقد في النهاية ،سيؤدي الى تغير الاوضاع بالوسائل السلمية الى الأفضل ... لكن ولو زادت الحكومة في مكافحة حرية الكلام وخنقها، لزاد عناد الشعب في مقاومته لها وسوف نجد أولئك الناس الذين تدفعهم، ثقافتهم ،وأخلاقهم، وفضائلهم الى إعتناق الحرية، هم الاكثر تصدياً من اولئك اصحاب المال والشره والطمع فمثل هؤلاء عموماً جلبوا على محاربتها. ونجد (سبينوزا) يتكلم بلغة العصر، حين يؤكد بقوله (لو جعلنا الاعمال وحدها أساس المقاضاة والمرافعة، وتدخل القانون وأطلقنا الحرية للكلام والنقد، لكنا قد جردنا التمرد من جميع مبرراته ومسوغاته) ،وبرأيه إذا نال الناس الحرية، فلن يضيرهم أي نوع من انواع الحكومة ، سواء كانت ديموقراطية أو ارستقراطية او ملكية او غيرها .وبالرغم إنه يميل الى تفضيل الحكومة الديموقراطية، فهو يؤكد ان أي نوع من أنواع الحكومة تفي با لغرض ما دام يستهدف تربية الفرد وتوجيهه الى تفضيل الحكومة الى تفضيل حق المجتمع على مصلحته الخاصة وهو يصف الحكومة الملكية بأنها قادرة لكنها قد تكون مستبدة وظالمة وعسكرية ،وهو يعارض وضع السلطة في يد رجل واحد .. وهو يقول (يظن الناس إن وضع السلطة كلها في رجل واحد ،يؤدي الى السلام وتوطيد الامن وتوحيد الصفوف في الدولة ) .وهو بهذا يقارن الرجل الواحد برب الأسرة الذي له الحق وحده في توجيه أسرته وأدارته لا فراد الاسرة كأنهم عبيد، وهو من هنا يوضح لنا ان وضع السلطة في يد رجل واحد يؤدي الى العبودية لا السلام ،لذا فهو يعتبر الديموقراطية أفضل انواع الحكم لان الحكومة الديموقراطية تمتد سلطانها الى أعمال الناس الى عقولهم وتفكيرهم ،ولكون الناس يختلفون من حيث المبدأ بطرائق تفكيرهم فان صوت الأكثرية في هذه الحالة هو القانون الذي يجب ان يسود .. يبين (سبينوزا) على ان النظام العسكري في الدولة الديموقراطية ، يقوم على اساس الخدمة العسكرية العامة (الخدمة الالزامية)، وإن النظام المالي قاعدته هي الضرائب، ولكنه يستدرك موضحاً ان احد عيوب الديموقراطية ،هو( ميلها لوضع الطبقات العامة في السلطة) ، ولتجاوز هذه الاشكالية يتطلب حصر المناصب في الدولة في اصحاب الكفاءات المؤهلات والخبرة والبراعة وبهذا يكون له السبق بالتنبأ باقامة حكومة التكنوقراط، لأن الحكمة ليست في كثرة الناس . فقد ينتخب الشعب مجاميع لا تتمتع بمؤهلات كافية لقيادة المجتمع وتنميته ، لا لشيْ سوى مقدرتهم على تملق الجماهير والضرب على أوتار عواطفها كما ان هذه الجماهير قد تكون متقلبة في ميولها وأهوائها ،وهذ التقلب يدفع أصحاب الرأي والخبرة الى القنوط واليأس ،لكون العواطف هي التي تسوق الجماهير، وفق اهوائها وليس العقل ..بهذا تصبح الحكومات الديموقراطية بيد مجموعة من الجهلة والمنافقين الذين يسايرون مشاعر الناس مما يجعل أصحاب المواهب والمقدرات الى الابتعاد عن مراكز السلطة ،فيتحولون بذلك الى أقلية.. والتاريخ ينبئنا بكثير من الشواهد التي تسوق الديموقراطية بالتالي الى أرستقراطية، ثم الى حكم الفرد، وبالنهاية نجد ان الناس يفضلون حكم الطاغية على الفوضى. ان المساواة بين الناس في السلطة امر صعب التحقيق، وينقصه الاستقرار، لأنهم بطبيعتهم غير متساوين، وعلى الديمقراطية معالجة هذه الاشكالية وذلك بحصر الترشيح في الانتخابات بأصحاب المواهب والمقدرة والعلم والخبرة. هذا مجمل ما طرحه سبينوزا في المسألة السياسية لكن ولسوء حظ البشرية اختطفته يد الموت وهو يكتب فصلآً عن الديموقراطية ................................................أنتهت
#يوسف_الصفار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اغتيال الثقافة
-
حينما تسقط الثقافة
-
اخرج من اللعبة ياولدي22
-
أخرج من اللعبة ياولدي1/2
-
العقل الغيبي والعقل العلمي
-
المحقق والدلال
-
الثنائيات وازمة ضمير
-
التاريخ والرؤية الاحادية
-
نوستالوجيا المسلم وبداهة الغرب
-
صباح تموزي
-
14 تموز والصناعات الثقيلة ..الاسكندرية نموذجا ً
-
انفجار الكرادة والتحليلات المتضاربة
-
الله في الميزان
-
موروث شعبي , تعنت فقهي واضطراب سياسي
-
اللامنتمي الثوري
-
الاعلام والرؤية العوراء
-
الدين والاخلاق
-
داعش والكائن الخرافي
-
الفلسفة والانسان 4/4
-
الفلسفة والانسان 3/4
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|