أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - فلسطين الصابرة















المزيد.....

فلسطين الصابرة


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 5265 - 2016 / 8 / 25 - 20:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



فلسطين الصابرة

جواد بولس

ماذا لو لم يقرر مكتب "وحدة التنسيق لشؤون المناطق" في جيش الاحتلال الإسرائيلي نشر صورة الضابط الدرزي هادي الخطيب برفقة الفنان صابر الرباعي في تلك اللحظة التي عرّت، مجددًا، جيفة حاضرنا في هذا الشرق الأخرق؟ كيف كانت ستنطلق وحدات "الفسابكة" الغاضبة وتتدافع إلى جانبها قوات "التواترة" في حملة هي وما سبقها من حروب العرب والعرب أغرقت سهوب فلسطين بالضحالة، وأعادت إلى فضاءاتنا زمجرة الصدى الأغبر الآتي من حناجر العدم.

ما هذه الحكمة الناقصة دومًا في ربوعنا؟ ولماذا نبرع في احتكار الهزائم وتسجيل الأهداف القاتلة في شباكنا؟

ما ضر الجميع لو تريثوا، ولو لمدة شهقة، ليتحققوا في مصلحة من ستكون الهجمة على صابر وزيارته إلى فلسطين المحتلة، لا سيما والجميع كان يعرف أن جيش الاحتلال كان من وراء نشر تلك الصورة اليتيمة؟ ما ضرّهم لو أجلوا "الهيصة" ليتساءلوا، ولو برفقة رشفة، لماذا نشرت الصورة في وقت كانت أصداء الحفلة تدوي في سماء فلسطين المقحلة، وتجتاح نشرات الأخبار في فضائيات العرب والعجم وهي تعرض مشهدًا حضاريًا مقاومًا ينبض من قلب أرض، لا يريدها الأعداء إلا أن تكون دامية باكية بائسة عزلاء ومنسية، وتقارير الصحافة تستعرض صور آلاف من أبنائها التواقين للفرح والمتأهبين لمعارك الحرية والكرامة كلما استفزتهم حنجرة التونسي وهو يحيي تراب فلسطين ويصوب نحو قدسهم ويتوعد أصحاب النار بالفجر وبالثار.

وكي لا أفتح على نفسي مزاريب جهنم المجهزة في حواضرنا والجاهزة دومًا، أعرف بأن الكتابة عن الزيارة ومحطاتها كانت علي أسهل وأسلس بكثير لو لم تنشر إسرائيل تلك الصورة أو لو لم يوافق صابر الرباعي على التقاطها، حتى مع كل تخيلي لتداعيات تلك اللحظات المتسارعة وتفهمي للظرف الذي حصل- وكما جاء في البيان الصادر عن مكتبه؛ ولذلك تجدني اليوم آسف على وجودها، فناشرها كان على يقين أنها ستقلب الموازين التي بدأت وزناتها تميل لصالح شعب أرادوه أن يعيش في ظل الذل واليأس والخسارة، وهم كخبراء في قهر العزيمة العربية قدروا أن نشرها سيستدعي تفريغ تلك الصدور من غبطتها والأمل وملأها بالغضب والأسى، فعندها، هكذا رسموا وخططوا، سيصير الانتصار الصغير هزيمة كبرى؛ إنها مهارات العرب المزمنة التي أدمنوها من زمن نكسة وأجادوها في عصر نكبة، كما وانهم يجيدون العوم على شبر ماء والسباحة في برك التخوين والتشكيك والتخدير.

ويبقى "التطبيع" هو القضية القديمة الجديدة التي باسمها علل كل المزايدين والمقرعين والموبخين والمسفهين والمنتقدين والعاتبين والناصحين والغيورين، مواقفهم ضد زيارة الفنان التونسي الوسيم لفلسطين، فما هو هذا الشعار الملتبس وما المقصود منه وقد صار في مواقعنا يستل، على حين نزوة، كورقة "الجوكر"، لتتحول بيد ممسكها إلى عصا سحرية يُضرب بها رأس من يُستفرس في تلك اللحظة الحبلى فتشج رأسه.

فمثلًا، منع الرئيس الجزائري بوتفليقة في العام 2010 زيارة وفد من عرب ال 48 كان يرأسه رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية وبمشاركة مجموعة من الأسرى الأمنيين، الدخول إلى بلاده ليشاركوا في مؤتمر للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين، وكانت الحجة رفضه للتطبيع مع حملة جواز السفر الإسرائيلي! بينما لم تعتبر مشاركة وزير الطاقه الإسرائيلي، في حينه، عوزي لنداو في مؤتمر دولي كبير في دولة الامارات تطبيعًا. وقد نعود ونذكر بعشرات من الحالات التي أنتجها صندوق التطبيع العجيب، فعندما قرر الدرويش زيارة الكرمل عيبت زيارته من بعضهم ودمغت على كونها تطبيعًا! وحين علا صوت القاسم في وسط تل ابيب وتمنى: "قاب قوسين لا قاب قوس وأدنى يا حبيبي وعدنا" أفتى بعض سدنة ذلك الصندوق على ان القاسم يطبع! والحالات عديدة وكثيرة لا مجال لحصرها هنا.

ولكن بعودة إلى قضيتنا سنجد أن صابرًا لم يكن أول من اتهم من الفنانين والمبدعين والأدباء بالتطبيع، فلقد سبقه إلى تلك القائمة كثيرون واجهوا نفس الرماح لمجرد انهم قرروا ملامسة الوجع من داخل الجرح الفلسطيني، فعندما زارت الفنانة هند صبري فلسطين اتهمتها مجموعات كثيرة في العالم العربي بالتطبيع، وحين زارها ابنها الروائي الكبير ابراهيم نصرالله عاب عليه بعض الراصدين زيارته لحضن الأم ووجهوا عليه قاذفات الكلام المر. إنهم كغيرهم من عشاق فلسطين لم يكتفوا بالهتاف من خلف الجدار، فجاءوا إلى من يربون الحصى في حواكيرهم وزرعوا معهم سنابل الأمل وحدائق النور.

التطبيع ليس حالة معرفة بشكل حسابي دقيق أو ببديهية مطلقة. ولا شعارًا مستقلًا يرفع من دون قرينة تبدده أو تبرره أو تحظره؛ فاذا حيدنا تطبيع الحكومات والأنظمة العربية والاسلامية مع حكومة إسرائيل، كاستقراء لواقع تعيشه هذه الدول منذ سنوات، وبعد أن أفرغ هذا الشعار (لا للتطبيع) بشكل عملي من محتواه الأصلي والأصيل بسبب ما آلت إليه أوضاع هذه الدول بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو، وإذا ما استثنينا وضع وواقع المواطنين العرب في إسرائيل وذلك لخصوصية وضعهم القانوني والمعيشي، فعن أي تطبيع نحن نتكلم؟

فبعد إبعاد تلك الحالتين يبقى التطبيع العربي والدولي المحظور محصورًا في المفاعيل المدنية لتلك المجتمعات ومرهون بمسؤولية محركاتها الأساسية: مؤسسات مدنية أو نقابات مهنية على تنوعها أو معاهد أكاديمية وأشباهها وما إلى ذلك من أطر تمثيلية جامعة تتعهد بتنفيذ سياسة تحريم التطبيع وتطوير مواقفها لترتقي بها إلى مواقع حقيقية ومستويات من شأنها أن تؤثر على إسرائيل وسياساتها القمعية الاحتلالية.

ولكن بعيدًا عن محاولة وضع مفاهيم شاملة لقضية التطبيع، وهي مسألة كتب فيها القليل بشكل علمي ومسؤول وشوّش فيها أكثر، ومن دون الدخول في تفصيل دقيق أو في محاولة لوضع قوائم مغلقة تجمل لمجموع الأفعال التي قد تحتسب تطبيعًا مع الاحتلال أو لا، ومع التأكيد على حصر موقفي في هذا المقال من الأفعال الفردية أوكد أنه من الضروري أن نرهن كل فعل يمارس على الأرض المحتلة إلى مصلحة الشعب الفلسطيني، فاذا وجدنا أن العائد من ممارسة ذلك الفعل لا يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني بشكل واضح وحاسم أو إذا كان يخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي بشكل واضح أو محتمل، عندها يعتبر ذلك الفعل عملية تطبيعية جديرة بالإدانة والرفض. فالمسطرة يجب أن تبقى خاضعة لامتحان المصلحة العامة وفوقيتها على كل مصلحة أخرى سواء كانت فئوية أو تجارية أو حزبية، والاحتكام إلى تلك البوصلة من شأنه أن يمنع المزايدات والمهاترات والمغالطات ويمنع حتى الوقوع في فخ العواطف الصادقة النبيلة التي قد تثور وتجيش على بريق صورة مغرضة أو إشاعة مسمومة أو نبأ مدسوس أو مبتور.

فسؤالي إلى جميع من هاجم الزيارة وخاصة أولئك المنفلتين بهستيرية مزعجة بعد نشر تلك الصورة، كيف يمكن قراءة الزيارة بشكل عام والحفل الغنائي الرائع المميز بشكل خاص، كنشاط تطبيعي وأين مصلحة الاحتلال الإسرائيلي فيه؟

وبعيدًا عن ثورة العاطفة ، وإن كانت حقيقية ومحقة، وردة فعل أصحابها بعد رؤية وسماع فنانهم وهو يغني في الليل في كامل نغاشته وحلو أصالته وبريق وسامته وتحليقه ووطنيته، يقف في الصباح إلى جانب من يرمز للاحتلال الإسرائيلي البغيض، يبقى الحدث كله فلسطينيًا بامتياز وحضاريًا بشكل استفز إسرائيل أولًا وكل من راهن على "همجية" العرب وبساطة الفلسطينيين وقصور الفقراء، وحفلًا ناجحًا بجميع المعايير الفنية واللوجستية بصورة خيبت آمال من راهنوا على فشله؛ وكل من كان هناك شهد ليلة حاكت فيها فلسطين نجوم السماء وأرقصتها، فالفضاء كان يعج بالفرح والأمل كان يتنطنط بين الجبال الضاحكة، و"يا طير الطاير" شقت العتمة التي زرعها الاحتلال بخبث وبمثابرة منهجية شيطانية، وطرزتها أقمارًا من وجد وجوى وشوق لا يمكن لشعب يسعى للحياة واثقًا أن يمضي إليها من دون أن تضيء حنايا صدور أبنائه.

لم يتوقع الاحتلال ذلك الزحف الهادر من آلاف عشاق الحياة والسهر، وهو الذي افترض أن قمعه قد قضى على عشق الغناء عند هؤلاء البشر. لقد راهنوا على ليلة قد توازي في أحسن أحوالها عرسًا في حاكورة البلد فصدموا حين اكتشفوا أن القدس كانت في كل الروابي عرائس وكانت جارة القمر.

إنه الفرح المقاوم أيها العرب، فجرحنا في فلسطين مكابر وعلمنا أن نهزم الهزائم بالقبضة، نعم، وبقلوب مؤمنة بالبسمة والمطر. إنه النشيد أيها العرب والمواويل رماح والحب الذي كالسيف، فمن لا يطير مع قلبه ليلحق "بزينة الزينات" لا يعرف من أين تمضي دروب الحرية ومن لا يعشق "أجمل النساء" لن يهتدي لا لغمده ولا إلى قدسه.

إنها المقاومة الآدمية الأساسية ضد كل محتل مارق: أن نعيش حياتنا الإنسانية بطبيعيتها اليومية وكما تتمناها العذارى ويمتطيها أجمل الفرسان، هكذا، صدقونا، سنصمد وسنهزم اليأس والاحتلال.

لقد كنت هناك وأحسست بتلك النغزة دقت في خاصرة العنجهية الاحتلالية. نغزة صحت عقولهم وألجأتهم إلى أم الوسائل، إلى الخديعة، فهم يعرفون أن العرب "فوّارو الدم" وطيّاشون "على شبر ماء" أو غرقى في طشت وهم.

لقد كان الانتصار في الروابي صغيرًا لكنه كان فلسطينيًا فأبقوه كذلك ومزقوا هتافات السراب والصورة الخديعة!

يتبع عن الروابي



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بعد بيان العلماء
- الصليب الأحمر ليس عدوًا
- ليلة القبض على عبدالقادر السلوادي
- حديث المقاهي في الناصرة
- وكان عرس في الجليل
- بسيخوطني 3 : في القيادة والفراغ
- فرسان الحرية وتقرير اللجنة الرباعية
- تركيا: فلسطين يوك اسرائيل يس
- هرتسليا بين المقاطعة والمقارعة
- صنّاع المناخات أصحاب القرارات
- القدس في حزيران ومر الكلام
- نضال فيسبوكي مجرّم
- دروس في الفاشية
- قصة كلب اسمه عنتر
- عماد الفيزيائي
- لنا في كفركنا لواء
- أم الفحم تصرخ: أنا الشعب فأين المعجزة
- عرب: وحدة وقاصمها المشترك
- حزب جديد وصحيفة المتلمس
- خطبة القضاء وانتظار القدر


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - فلسطين الصابرة