|
مغزى تجاورضريح محمد بن أبى بكروضريح مارجرجس
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5264 - 2016 / 8 / 24 - 13:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أليست الأضرحة والموالد ظاهرة مصرية ولم يعرفها العرب؟ لمذا منح شعبنا صفات إيزيس للسيدة زينب؟ فى شهر أغسطس كل عام يحتفل أهالى قرية (ميت دميس) مركز أجا بالدقهلية بذكرى ميلاد محمد بن أبى بكر(والى مصر فى عهد على بن أبى طالب) وعلى بعد عدة أمتار من ضريحه يوجد ديرالشهيد مارجرجس الذى يـُـحتفل بمولده فى نفس الشهر(أهرام12/8/2016) إنّ ظاهرة الموالد المصرية لها دلالات مهمة فى خصوصية الثقافة القومية المصرية : أولا: أنها توحـّـد بين أبناء شعبنا ، ولعلّ أدق دليل على ذلك حالة (الولع) الشديد بالموالد لدى المسيحيين والمسلمين، بل تواجدهم (المُـتبادل) حيث يذهب المسلمون إلى موالد المسيحيين ويذهب المسيحيون إلى موالد المسلمين. ثانيـًـا : أنها كرّستْ للتعددية حيث يذهب أبناء طنطا لمولد الحسين فى القاهرة ، ويذهب القاهريون لطنطا لمولد السيد البدوى. ويذهب السكندريون لمولد سيدى أبوالحجاج بالأقصر. وهكذا فى كل الموالد المصرية. ومغزى ذلك أنّ لا أحد يعترض ولا يـُـكفــّـر الآخر الذى يحتفل بمولد الولى المحلى. ثالثــًـا : أنها انتقلتْ من مصر القديمة ، حيث كان أتباع (آمون) يحتفلون مع أتباع (أوزير) إلخ ثم انتقلتْ عبر التاريخ من الاحتفال بالآلهة إلى الاحتفال بالأنبياء والقديسين والأولياء ، كما ذكر د. سيد عويس وغيره. رابعًـا : وليس أدل على (توحد) شعبنا أنّ الطقوس فى الموالد المسيحية والإسلامية واحدة ، من حيث مظاهر الاحتفال (مراجيح الأطفال، عربات الحمص، الإبداع الشعبى من رقص وغناء..إلخ) الاختلاف الوحيد هو كلمات المديح للقديس أو الولى، ومع ملاحظة أنّ الموسيقى مستمدة من الموسيقى المصرية القديمة وخاصة مرحلتها القبطية كما لاحظ سليمان جميل وغيره. سادسـًـا : درس احتضان شعبنا للوالى العربى (محمد بن أبى بكر) ودفنه فى مصر. ولم يهتم شعبنا بظروف حياته ولا ظروف مقتله التى سردتها كتب التاريخ العربى/الإسلامى، فهو قد اشترك فى حصار الخليفة عثمان ، ومنع الماء والطعام عنه وعن أهله، وأحد قاتليه السافحين لدمه (وهناك روايات مختلفة حول دوره فى اغتيال عثمان) بينما أكد ابن عبدالبر على مشاركة محمد بن أبى بكر فى دم عثمان. كما يـُـثير دوره فى الاغتيال بعض الأسئلة : ماذا يقول أبوبكر لعثمان عندما يقابله فى الجنة وكيف يعتذر له ؟ خاصة أنّ أبى بكر وعلى وعائشة مضمونة لهم الجنة ، فكيف ينعمون بنعيمها وابن الأول وربيب الثانى وأخى الثالثة تشويه نار جهنم ؟ وبعد قتل عثمان جاء دور الانتقام من محمد بن أبى بكر، حيث لاحقه خصومه للأخذ بالثأر. وكما كان قتل محمد بن أبى حذيفة بأمر مباشر من ابن خاله والصحابى مثله وهو ابن أبى سفيان ، كذلك كان قتل محمد بن أبى بكر على أيدى صحابة مثله ، وزادوا على ذلك بأنْ أفحشوا وتجاوزا كل الحدود حتى الحدود الدنيا. وذكر اليعقوبى ((كان محمد بن أبى بكر على الرجالة يوم الجمل ثم تولى ولاية مصر فقتله معاوية ابن جديح صبرًا)) وسرد ابن الأثير الجزرى الطريقة بالغة البشاعة فى وصف قتل محمد بن أبى بكر، وعلــّـق دمه فى رقبة صحابييْن : عمرو بن العاص ومعاوية بن حديج فكتب ((ولما تولى محمد بن أبى بكر مصر سار إليه عمرو بن العاص فاقتتلوا وانهزم محمد ودخل خربة فأخرج منها وقـُـتل وأحرق فى جوف حمار ميت. وقيل قتله عمرو بن العاص صبرًا)) وأسهبتْ كتب التراث العربى/ الإسلامى فى وصف المشهد التراجيدى الذى تعرّضت له أسماء بنت أبى بكر، عندما ذهب خصوم أخيها إليها وأبلغوها بأنّ أخاها مدفون فى جوف حمار ميت . وهو مشهد لم يخطر على بال مؤلفى المسرح التراجيدى من سوفكليس إلى شكسبير. والسؤال الذى حوله الكثير من الغموض هو : لماذا لم تأمر أسماء بنت أبى بكر أو أختها عائشة بنقل جثة أخيهما من مصر إلى جزيرة العرب ؟ ومن الذى شيـّـد ضريحه فى مصر؟ وأليست ظاهرة الأضرحة ظاهرة مصرية بنسبة100%؟ وألا يعنى ذلك أنّ أجدادنا المصريين - بفطرتهم الإنسانية - هم الذين بنوا ضريحه ، وأنّ الأجيال التالية ظلــّــتْ تحتفظ بذكراه ، بمراعاة أنه ابن الصادق الأمين الذى وقف مع نبى الإسلام فى بداية دعوته. وألا يدل كل ذلك على أنّ شعبنا لا ينشغل بأمور السياسة وألاعيبها ، وإنما ينصرف اهتمامه بالعلاقات الإنسانية أكثر من أى شىء آخر، كما حدث من احتضان شعبنا للسيدة زينب وشقيقها الحسين ؟ اللذيْن يحتفل بهما فى مصر بينما العرب لا يعرفون ولا يعترفون بتلك الظاهرة بالغة الأهمية فى نسيج الثقافة القومية المصرية. وكان الباحث روبير الفارس غاية فى الدقة عندما لاحظ أنّ الإبداع الشعبى المصرى متأثر بالحضارة المصرية ، سواء فى الموسيقى أو فى التراتيل أو فى شعر الحكمة أو فى الأساطير، وبصفة خاصة فى التشابه الواضح بين صورة مارجرجس وهو يقتل التنين (حيوان خرافى) وصورة حورس فى الأسطورة المصرية وهو يطعن (ست) رمز الشر، بالحربة والموجودة فى المتحف المصرى (الفولكلور القبطى - هيئة قصور الثقافة - عام2007- أكثر من صفحة) وهكذا استمرّتْ الحضارة المصرية بلا انقطاع، عندما أخذتْ تـُـضفى خصائصها الثقافية القومية على الوافد من أماكن أخرى ، ومن بين الأمثلة على ذلك أنّ شعبنا منح صفة إيزيس (الطاهرة، رئيسة الديوان.. إلخ) إلى السيدة زينب، ومنح شقيقها الحسين صفات (أوزير) سيد الشهداء. وهكذا تجاور ضريح محمد بن أبى بكر، وضريح القديس مارجرجس. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما حقيقة موقف سارتر من الصهيونية ؟
-
العلاقة بين المجتمع والنص الدينى
-
نوال السعداوى والقمنى والفاشية الدينية
-
حملة التضامن مع سيد القمنى
-
إحنا المصريين بنتكلم مصرى
-
أهمية الاحتفال بذكرى ميلاد فرج فوده
-
شخصية اليهودى المُتدين والنزعة العدوانية
-
هل يوجد فرق بين لفظ العرب ولفظ (الأعراب)؟
-
تضامن ناهض حتر
-
الملياردير فى منظومة الفساد إبداعيًا
-
بخصوص الحملة ضد الإسلاميين المجرمين
-
الدولة الاستبدادية والمؤسسات الكهنوتية
-
التطبيق العملى للإيمان بالحضارلة المصرية
-
هل عرفت مصر القديمة ألعاب القوى؟
-
هل سيدخل غير المسلمين الجنة ؟
-
هل كان زويل سيحقق طموحه العلمى لو بقى فى مصر؟
-
ما هدف عودة الخلافة الاسلامية ؟
-
لماذا يرتدى رئيس الدولة عباءة شيخ الأزهر؟
-
علم السعودية والدونية القومية
-
الحلم بمسرح مصرى عالمى
المزيد.....
-
المشاركون في المسابقة الدولية للقرآن الكريم يلتقون قائد الثو
...
-
استهداف ممتلكات ليهود في أستراليا برسوم غرافيتي
-
مكتبة المسجد الأقصى.. كنوز علمية تروي تاريخ الأمة
-
مصر.. حديث رجل دين عن الجيش المصري و-تهجير غزة- يشعل تفاعلا
...
-
غواتيمالا تعتقل زعيما في طائفة يهودية بتهمة الاتجار بالبشر
-
أمين عام الجهادالاسلامي زياد نخالة ونائبه يستقبلان المحررين
...
-
أجهزة أمن السلطة تحاصر منزلا في محيط جامع التوحيد بمدينة طوب
...
-
رسميًا “دار الإفتاء في المغرب تكشف عن موعد أول غرة رمضان في
...
-
ساكو: الوجود المسيحي في العراق مهدد بسبب -الطائفية والمحاصصة
...
-
هآرتس: إيهود باراك مؤسس الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|