|
علاقة المشروع الاستعماري ببعض أوجه العلاقة السورية اللبنانية
عمار ديوب
الحوار المتمدن-العدد: 1406 - 2005 / 12 / 21 - 10:46
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
إن تزمين الأحداث المتلاحقة بين سوريا ولبنان ، يبرز عشرات الحوادث ، يربط البعض بينها بشكل ميكانيكي ، سبب ونتيجة ، مما يدعم رأي بعض اللبنانيين ضد سوريا باعتبارهم كلاً مشتركاً " نظاماً وشعباً" سبباً في المصير _ النتيجة _ المشئوم الذي آلت إليه تلك الأحداث ، ولا يقل رأي بعض السوريين جسارةً في تصويرهم بعض اللبنانيين " موارنة وسنة" باعتبارهم قليلي الحياء والوطنية وعبيد مأمورين ، خانوا النضالات الوطنية والعروبة القومية ،وحتى هذا التافه هسام هسام أراد إعطاء دروس في الوطنية لبعض البنانيين ، حيث قال بأن من يريد تعلم الوطنية في لبنان عليه الذهاب إلى الضاحية الجنوبية وتحديداً إلى حزب الله والى حسن نصر الله ، ولا عجب فقد سبقه معلمه ،نائب رئيس الجمهورية سابقاً ، وفق ما زعم البعض في تصنيفه للبنانيين ، إن معيار وطنية أي لبناني هو في علاقته مع سوريا؟! هذه العقيلة الثأرية التي تجرم الأخر لمجرد كونه ليس من ذات القبيلة والتي تعود لمرحلة القبائل البدوية القديمة وأخلاقياتها لا تدعم العلاقة بين الشعبين ، ولا تقوي إلا بعض الزعماء في الطرفين ، فيصير كل زعيم أو رئيس لطائفة ما أو لدولة ما، زعيماً وطنياً بالمطلق وحامي الحمى والرجل الذي لا ينطق إلا بالحق ولصالح شعبه وضد أعداء الوطن المعرض للغزو الخارجي ؟ الحقيقة التي مراء فيها أن النظام السوري قد اعترف على لسان رئيسه ببعض الأخطاء في لبنان وهذا أمر إيجابي وإن لم يعدد تلك الأخطاء ومآلاتها وأسبابها ، إلا أنه عاد ونقض كلامه عندما وجه لرئيس حكومة لبنان " السنيورة" أسوأ الصفات . وأن بعض المسئولين اللبنانيين حاولوا تلطيف الأجواء بين الشعبين وعبر المسارعة لرفض أي تهديد لسوريا ولكن البعض هدد حتى بإسقاط النظام واستخدم بعض الصفات التي لها بالضرورة مآلات خطيرة .. المشكلة التي لا تقارب بشكل عقلاني من النظام السوري والزعماء اللبنانيين ،هي المخاطر التي تتعرض لها المنطقة العربية ، حيث أسوأ مخطط استعماري جديد" أمريكي امبريالي صهيوني " ينفذ على أرض الواقع ، وقد يحدث تغييرات تقضي على معظم الأنظمة العربية – وليست هذه المشكلة – ولكنها ستقضي على الدول التي تقودها هذه الأنظمة عبر إحداث تقسيمات عمودية بين أفراد هذه الشعوب بما يعيدها ملل ونحل وطوائف ومناطق وهنا تكون المشكلة كبيرة .. هذه الصورة "الواقعة العراقية واللبنانية والأفغانية" هي الهدف المراد وبالتالي كل ما يدور من أحداث متلاحقة ومتزامنة تعتبر حركة بيادق لا أكثر ولا أقل إزاء هذا المخطط ، فالخروج من عقلية القبيلة ضرورة حاسمة ،والامتناع عن كيل التهم المتبادلة بطريقة متهورة وفاسدة أمر لابد منه ، واعتبار قتل المثقفين كارثة حقيقية، وإن تجاهل هذه القضايا والمشروع المشار إليه هو بمثابة العيش خارج العصر وانطلاقاً من واقع مضى وانقضى ولذلك علينا التخلص منه ومن أوهامه ،لان الواقع الذي نعيشه هو الأساس ، وهو أخطر بعشرات المرات لأننا ببساطة نعيش فيه وهو ليس كله عظيماً وممتازاً كما أشرت ولا يعكر صفو السوريين إلا جنبلاط والشهيد جبران تويني ولا يعكر صفو جنبلاط إلا الرئيس السوري .. الشيء المؤكد إلى الآن أنه لا توجد لأية قضية في لبنان ولاسيما مقتل الحريري أو الآخرين مستندات أو أدلة ، تُحمل سوريا المسئولية وتجرمها ، وما دام التحقيق لم يثبت شيء، فالسؤال على ماذا تبني التهم والخطابات والأفكار ، و لأجل ماذا يتم تسميم الأجواء بين السوريين واللبنانيين ، وحتى لو ثبت التورط السوري في القتل ، فعلى الشعبين أن يوجدا المخرج من هذا الوضع المعقد وتحميل المسئولية للأشخاص وليس للدول والشعوب ، ولكن من العبث تجاهل كمية الأخطاء والكوارث التي جلبها دخول النظام السوري إلى لبنان والتي تحصل عند دخول أي جيش إلى بلد أخر .. يحق لنا نحن السوريون واللبنانيون والعرب رفض هذه التجاذبات والاتهامات واعتبارها لا تصب إلا في خانة محددة هي ،إما تدعيم النظام السوري المأزوم وإما تدعيم الزعماء اللبنانيين الطائفيين . ومن ورائهما تسييد المخطط الاستعماري على المنطقة.. أما حالة الشعب الفقير في كلا البلدين فإنها تزداد سوأً من يوم لأخر ، وهو ينظر بخوف وقلق إلى المستقبل ،الذي بتدهوره ، وهي إحدى الاحتمالات في سوريا أو لبنان لن يكون إلا هو الخاسر الأكبر ،والوقود التي بدونها لا يمكن إشعال النيران الطائفية أو النيران الاستعمارية . هذا الوضع يفترض رفض عقلية الاتهام والزعامات التقليدية الاستبدادية وتبني العقلية الديمقراطية الحوارية النقدية لكل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومآلات مصير بلداننا إزاء هذا المشروع الاستعماري الجديد .. إذن لا يمكن السماح باستمرار العلاقات بين السوريين واللبنانيين ولا يمكن الموافقة على الشكل الحالي من العلاقات ولا بد من حل كل الإشكاليات العالقة وتحديدها بجرأة ووضوح ، وإسهام كل من يعتقد أنه خارج المخطط الأمريكي في هذه المهمة ، وعدم جعل بعض القضايا كقميص عثمان ، يتناقلها البعض ويعتبرها قضيته المصيرية ، مما يؤجج المشاعر المشوهة لتلك العلاقة والتي قد تبنى على شيء صحيح ، هذا يعني أن على النظام السوري أن يغلق كل الملفات اللبنانية ومهما كانت النتائج وأن يغير معاملته مع اللبنانيين وان يتم اعتبارهم متساوين تماماً مع السوريين والابتعاد عن عقلية الوصاية وإلغاء الأخر والهيمنة عليه واعتباره لا ينتمي للعروبة أو لا يعي خطر الخارج وأن يتعاون وبنفس الإطار والعقلية مع التحقيق الدولي وأن يعتمد النزاهة وكل الأساليب القانونية والدعم الدولي ولكن بدون ادعاءات بالوطنية والسيادة كجزء من التخطيط لعدم التعاون .. وبنفس السوية على اللبنانيين أن يكفوا عن هذه الهيصات العديمة الفائدة العدائية ضد سوريا وان يصلوا لحلول فعلية تخص اللبنانيين أنفسهم وبدون احتكار المقاومة لفئة من السكان أو تفتيت السلطة اللبنانية إزاء أية مشكلة ،فيها اختلافات كبيرة كالانقسام الأخير في الحكومة اتجاه مسألة تشكيل محكمة ذات طابع دولي من أجل كشف قاتلي جبران تويني والشهداء الآخرين واعتماد الأسلوب الدستوري في الاحتفاظ بالرأي أو رفضه أو تأييده . لاشك أن النظام العربي المأزوم والمرعوب يحاول إصلاح ذاته ليتوافق مع المشروع الاستعماري ولا تشذ أطراف النظام اللبناني عن ذلك وكذلك النظام السوري وهو ما يظهر بوضوح من خلال تبني هذه النظم سياسات الخصخصة والقوانين الليبرالية وبالجملة، وإدخال الإخوان المسلمين عبر مشورةٍ أمريكية كطرف أساسي في معادلة النظام المصري يؤمن له الخروج من أزمته والدخول الواسع في مرحلة ليبرالية طائفية تعد جديدة على المنطقة ولكنها تخدم المصالح الإمبريالية من جهة أخرى وتؤبد استمرارها وهو ما حصل في العراق وما سيحصل في سوريا بعد حصوله الأخير في لبنان . وإذ صحت تحليلاتنا السابقة فإن استمرار النظام السوري في إغلاقه الحوار مع شعبه وتأخيره لانجاز المستحقات الديمقراطية واستمرا إقصاء قوى المعارضة عن حرياتها ولعبها دورها الديمقراطي الوطني في هذه المرحلة المصيرية فإنه يحكم على نفسه بالموت والتفتت والتشرذم والمللية وبالتالي لا تخدم المواقف العلنية المتشددة إزاء الخارج أو الداخل النظام ولا تؤمن الاستقرار ، بل ربما ستزيده هشاشةً وضعف ،فهو بخسارته الأطراف الخارجية والدول العربية لا يبقيّ من حوله إلا مصاصي الدماء من اللذين أبتليَ الشعب السوري بهم طويلاً ،وبالتالي ضرورة انفتاحه على شعبه والمعارضة والقوى الديمقراطية ولبنان تخدم مصالحه بالذات . أما المعارضة الداخلية فإن لها دور ستتحمله لاحقاً – في إطار بناء نظام سياسي طائفي كولونيا لي - إن لم تعي شروط الواقع وتعقيداته المشار لجزئها الخارجي أعلاه،وبالنسبة لعملها الداخلي فإن ضرورة صياغة برنامج وطني ديمقراطي علماني أمر ضروري وحاسم وبعيداً عن هوامش السلطة أو أحلام الدعم الخارجي أو إمالة بعض أطراف السلطة أو إمالة الإسلاميين الطائفيين وبالتالي المطلوب منها والواضح أمامها هو مد نفوذها إلى الطبقات الشعبية والتعبير عن مصالحها وإعادة النظر بمشروع " إعلان دمشق" الملغم بأكثر من فكرة لا تخدم مستقبل ديمقراطي في سوريا إلا على الطريقة العراقية .. هذا يعني أن انفتاح النظام السوري على الشعب وإعادة نظر المعارضة بمشروعها وإعلانها يؤمن إقامة علاقات صحيحة مع الشعب اللبناني وتوافق في السير المستقبلي ضد المشاريع الاستعمارية . بدون فهم ما يحصل في هذا الإطار ستنحكم المنطقة لرؤية متطرفة وقاصرة وعديمة والمسئولية تتجدد مع أي حدث في لبنان وسوريا وكذلك العراق تؤدي مباشرة إلى تدويل الوضع اللبناني ومن ورائه الوضع السوري ليقع البلدان بمصيدة شروط الخارج الاستعماري بالتحديد وبدون أية أوهام ليبرالية أو تحقيقات دولية . لابد إذن من معالجة كل المشكلات العالقة بين الشعبين وفتح كل الملفات كما أشرت ، وإلا ستعدُ الشرعية الدولية؟ لسوريا ولبنان ولحزب الله وللعلاقة بين الشعبين أسوأ الاحتمالات . وبالتالي لن يساعدنا المشروع الاستعماري الجديد لان مصالحه هي الأساس، وسنساعد أنفسنا كثيراً إن اعتمدنا على أنفسنا كثيراً، فإعادة صياغة أفكارنا ومواقفنا وسياساتنا هي الأمر المطلوب ، وعندها سنكون قادرين على مجابهة المشروع الاستعماري ورفضه وتحطيمه وربما سنكون قادرين على إقامة أفضل الصلات بين الشعوب العربية باتجاه توحيدهم باعتبارهم أمة واحدة مستهدفة، أي فاعلين في الأحداث المتتالية ، لا منفعلين بها ، تأخذنا معها ، وتحدد لنا أدورانا، كما تشاء..
#عمار_ديوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا بين أنصار السلطة وأنصار المعارضة
-
علاقة الحوار المتمدن بالمشروع اليساري
-
علاقة المسألة القطرية بالمسألة القومية
-
علاقة الديموقراطية بالوطنية في سوريا
-
أزمات النظام السوري وأخطاء المعارضة الديموقراطية
-
قراءة في كتاب خدعة اليون
-
مأزق النظام السوري أم مأزق الدولة السورية
-
من المستفيد من إعلان دمشق
-
نقد نص رزاق عبود ورثة تقاليد أم نتاج سياسات امبريالية
-
الإسلام وأصول الحكم كتاب لكل مكتبة
-
ما هو دور ميلس في التغيير الديموقراطي السوري
-
جريمة هدى أبو عسلي بين العلمانية والطائفية
-
الزرقاوي مذيعاً للأخبار
-
مخاطر تبني الضغوط الخارجية
-
عماد شيحة في موت مشتهى
-
العلمانية والديموقراطية والمساواة الفعلية
-
مقاربة أولية لافكار برهان غليون بخصوص الليبرالية والديموقراط
...
-
هل من خيار لموريتانيا
-
ديموقراطية عبد الله هوشة أم ليبراليته
-
توصيات المؤتمر التاريخي
المزيد.....
-
الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس
...
-
الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو
...
-
غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني
...
-
انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
-
خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
-
عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ
...
-
روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا
...
-
عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
-
مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات
...
-
السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية!
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|