|
أيَة دولة إسلاميَّة تلك التي تريدون؟
سعود قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 5262 - 2016 / 8 / 22 - 09:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تقول الجماعات الوهَّابيَّة، التي تقتل الناس بالجملة والمفرد، في مختلف أنحاء العالم العربيّ، والتي فُرِّخَتْ جميعها، بالمناسبة، من رحم «الإخوان المسلمين»، ومعلّموها الأساسيّون هم مِنْ أبرز رموز «الإخوان المسلمين»: سيّد قطب، وعبد الله عزّ َام وأبو الأعلى المودوديّ.. الخ - تقول إنَّها تقتل كلّ هؤلاء الناس، بهذه الأساليب البشعة، وتدمّر وتخرّب، لكي تعيد بناء الدولة الإسلاميّة!
ماشي! ولكن – بعد إذنكم – أيّة دولة إسلاميَّة هي تلك التي تريدون بناءها؟
هل هي الدولة الأمويّة التي كانت هي الأساس في قيام العهد العربيّ الإسلاميّ كلّه؟
حسناً! تلك الدولة كان معظم جيشها (جيش الفتح الإسلاميّ، بالمناسبة) مكوَّناً من المسيحيين؟
أم هي الدولة التي بلغت الحضارة العربيَّة الإسلاميّة في زمنها أوج ازدهارها، في القوّة والهيبة والتقدّم العلميّ والحضاريّ؛ أعني بذلك، الدولة العربيَّة الإسلاميّة في عهد المأمون، والمعتصم، والواثق بالله؟
أولئك، جميعاً، كانوا من فرقة المعتزلة، التي كانت تعلي مكانة العقل، وتشجّع التفكير العلميّ. وطوال عهود هؤلاء، كان ابن حنبل، رائد التشدّد الدينيّ، في السجن. وهذا ما سمَّاه المتشدِّدون، لاحقاً، بمحنة «ابن حنبل»، الذي أدخلت آراؤه الدينيَّة الأمَّةً كلَّها في محنة؛ مِنْ يوم ذاك وحتَّى يومنا هذا. فابن تيمية سار على منهاجه، ومحمدّ ابن عبد الوهَّاب سار على منهاج ابن تيمية ومنهاجه، وحسن البنا وسيّد قطب سارا على منهاج محمّد ابن عبد الوهّاب وابن تيمية ومنهاجه.. الخ.
أم هي دولة القرامطة التي دامت مائتي سنة، وكانت عاصمتها الإحساء في البحرين، وامتدّ نفوذها إلى الشام والعراق ومصر، بل كان لها نفوذٌ في قصر الخليفة العبّاسيّ في بغداد.
يَعُدّ الكثير من المؤرّخيّن والباحثين دولة القرامطة أوَّل دول اشتراكيّة في التاريخ، وقد دامت – بالمناسبة – أكثر من الاتّحاد السوفييتيّ بحوالي مائة وعشرين سنة. وحسب روايةٍ للشيرازيّ الذي زار عاصمتها في أوج مجدها، فقد كان يحكمها مجلس للحكم منتخبٌ، نصف أعضائه من النساء، وكان الحكّام (أي أعضاء مجلس الحكم)، يرتادون الأسواق بأنفسهم لشراء حاجيّاتهم وحاجيّات بيوتهم، مثلهم مثل سائر المواطنين. طبعاً هذه التجربة جرتْ محاولات هائلة لطمسها والتشنيع عليها مِنْ قبل الحكّام المسلمين المستبدّين.
ويقول ابن رازم بأنَّ القرامطة كانوا يقولون ما معناه أنَّ الشرائع لم تُسن إلا لتقييد العامَّة وصيانة المصالح الدنيويَّة الخاصّة للفئة الحاكمة.. أمَّا المثقَّفون فلا حاجة لخضوعهم لها.
وكتب القرامطة على راياتهم: «ونريد أنْ نمنّ على الذين اُستُضعِفوا ونجعلهم الأئمَّة ونجعلهم الوارثين».
أم هي الدولة الفاطميّة التي كانت دولة شيعيّة (قبل تحوّل إيران إلى دولة شيعيَّة بقرون، طبعاً).
وبالمناسبة، فحتَّى مجيء الصليبيين، كان حوالي ثمانين بالمائة مِنْ سكّان بلاد الشام مسيحيين، في حين كان العشرون بالمائة الآخرون مسلمين شيعة. لذلك، كما يذكر كثيرون، كانت جدّاتنا المسلمات يتبنين في الحقيقة موروثات شيعيَّة؛ فكنّ – على سبيل المثال – إذا وقع طفلٌ على الأرض، يقلن ملهوفات: الله وعلي معاك! (وما إلى ذلك).
أم هي دولة سيف الدولة، التي كان مِنْ أبرز رموزها الثقافيَّة أبو الطيّب المتنبِّي وأبو فراس الحمدانيّ؟
تلك كانت دولة علويّة، ذادت سنين طويلة عن ثغور العرب والمسلمين في مواجهة الدولة البيزنطيّة. وكلّنا قرأنا قصيدة أبي فراس الحمدانيّ، ابن عم سيف الدولة، عندما أُسِر في إحدى المعارك مع الدولة البيزنطيّة، فقال:
«أقول وقد ناحت بقربي حمامةٌ أيا جارتا هل تشعرين بحالي؟
معاذ الهوى.. ما ذقتِ طارقة النوى ولا خطرت منكِ الهموم ببالِ»
أم هي دولة صلاح الدين الأيوبيّ؟
ذاك كان صوفيّاً.
وكذلك، عبد القادر الجزائريّ كان صوفيّاً؛
وعمر المختار كان صوفيّاً؛
وعزّ الدين القسَّام كان صوفيّاً..
والصوفيّة - لمن لا يعرف - تُعتَبَرُ من البِدَع.. بالنسبة للجماعات الوهَّابيَّة التكفيريَّة، بما فيها «جماعة الإخوان المسلمين».
وفي مصر، الآن، حوالي أربعة عشر مليون صوفيّ، وهم يقفون ضدّ الخلط بين الدين والسياسة؛ وبالأحرى ضدّ توظيف الدين لأغراض سياسيّة؛ مقابل بضع مئات الألوف من «الإخوان المسلمين»؛ لكنّ مع فارق أنَّ «الإخوان المسلمين» منظَّمين في حزب سياسيّ؛ في حين أنَّ الصوفيين لا حزب لهم، بل هم منصرفون عن العمل السياسيّ كلّه ومتفرّغون لعبادة ربّهم.
هل نستمرّ في التعداد والتفصيل؟
في الواقع، أظنّ أنَّه لا حاجة لذلك. كما أنَّنا نعرف جيّداً أنَّه لا يمكن استعادة التاريخ إلا على شكل مأساة أو مهزلة.
وباختصار، الدولة «الإسلاميَّة» التي تريدها الجماعات التي تقتل الناس، الآن، بالجملة والمفرد وبأبشع الطرق، ليست سنيَّة، ولا شيعيَّة، ولا علويَّة، ولا صوفيّة، ولا درزيّة؛ بل هي – سواء قالت ذلك صراحة أم لم تقله – على نموذج الدولة الوهَّابيَّة السعوديّة القائمة الآن، التي كان وراء تأسيسها (وتأسيس عقيدتها الوهَّابيّة) ضبّاط مخابرات بريطانيّون.. ابتداءً بمستر همفر، وليس انتهاءً بـ«عبد الله» فيلبي ومسز بِل.
#سعود_قبيلات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تسقط غرفة «الموك».. والعار للمتورّطين فيها
-
«سيريزا» اليونانيّ والعودة إلى الجذور
-
قرار مشين!
-
منذ المتوكِّل وحتَّى يومنا هذا
-
المسلمون أيَّام الرشيد كانوا يحتفلون بالأعياد المسيحيَّة
-
«حيثما مرَّ يعقوب زيَّادين»*
-
الذين يتلعثمون لدى تعريفهم للإرهاب
-
خطاب سياسيّ متعدِّد الوجوه
-
لنكن واضحين.. ولنضع النقاط على الحروف
-
فاتن حمامة أيقونة الستينيَّات.. وما أدراك ما الستينيَّات!
-
طويل اللسان.. محمَّد السنيد!
-
خاب ظنّهم!
-
الأمازيغي.. حارس المعبد
-
بُركان متنقِّل
-
مشهدا إعدام.. مِنْ يوميَّات سجين
-
استرداد الصورة الغائبة
-
التاجر الشهم الطيِّب والفلَّاح الماكر اللئيم!
-
الحَبُّ والمِكيال
-
فهد العسكر والاستثناء الذي يصنع القاعدة
-
ما جرى لأسد محمَّد قاسم.. قبل «داعش» و«النصرة»
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|