غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1406 - 2005 / 12 / 21 - 10:48
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أرى في دمشق خلط في الفهم النظري بين الممارسة الأيديولوجية والممارسة السياسية في حمولة أيديولوجية متكلسة , تتكئ على راحة الضمير وراحة من الاجتهاد في الفعل السياسي , وقبل الدخول على الآخر المرتاح لحمولته الأيديولوجية , سأدخل على حمولتي الأيديولوجية نفسها !!
مقدمة حول اليسار السوري والتغيير الديمقراطي :
لم يكن اليسار السوري في يوما ما موحدا ومتماسكا , ولازال هذا اليسار حتى هذه اللحظة من عمر الوطن يسارا يرى في نفسه بديلا عن السلطة السياسية القائمة , ومهما اختلفت تكتيكاته وممارساته الأيديولوجية والسياسية !! لهذا ترى خطابه مشحونا دوما بمفردات البديل الأخلاقي ـ سياسيا ـ للسلطة القائمة , دون أن يوضح بالملموس أين تكمن مصلحته الفعلية في تغيير هذه السلطة , ولماذا أخلاقية بالدرجة الأولى ؟
لأن هذا اليسار لم ينطلق في معاركه السابقة سوى من حلم أيديولوجي مباشر وله الدور الأكثر فاعلية في إنتاج خطاب تحريضي يخلو من توضيحا لمصالح هذا اليسار في تغيير السلطة . وإذا كان هذا الحلم الأيديولوجي حاضرا دوما وأبدا لدى معظم البشر الباحثين عن العدالة والمساواة والحرية , فإنه يجب أن يمر بالضرورة في المعركة الحالية نحو الديمقراطية : بمصالح واضحة ومباشرة , مصالح تعبر عن قوى اجتماعية قائمة على الأرض , وتريد هذه الديمقراطية كي تحقق شيئا من هذه المصالح أو كل هذه المصالح إن أمكنها ذلك !! وبالتالي من أهم وجوه مأزق اليسار السوري أنه : لم يجد حتى هذه اللحظة حاملا شعبيا لبرنامجه / الحلم / لعدة أسباب أهمها وعلى رأسها بالطبع هو القمع العاري والمعمم الذي تعرض له هذا اليسار على مدار أربعة عقود , ثم أن هذا اليسار يتنافس على نفس البؤرة الأيديولوجية مع السلطة وعلى نفس المادة الجماهيرية ..الخ لذا نجد ان خطابه لازال هو خطاب السلطة نفسها !! لنلاحظ الموقف من المقاومة العراقية والفلسطينية وحزب الله , والمجتمع الدولي والمشروع الأمريكي ..الخ كان اليسار في السابق يناهض هذه السلطة ـ يساريا ـ والتي هي سلطة أيضا يسارية وفق منطق خطابها العلني والتجييشي . والآن بدأ التفارق خصوصا بعد انهيار المعسكر الاشتراكي : والتفارق وفق خطاب هذا اليسار يتمحور الآن حول الشعار الديمقراطي !! وبنفس المنطق القديم ولكن مع فارق واحد هو: أنه بدأ قسم من هذا اليسار يعترف بأن هذا الشعار الديمقراطي هو شعارا برجوازيا بالدرجة الأولى , وبهذا الخطاب لابد من الاعتراف أن من بين هذه الفصائل اليسارية كان السبق لحزب الشعب الديمقراطي ـ المكتب السياسي سابقا ـ في فهم الحاجة للديمقراطية البرجوازية .. خصوصا بعد نشر تنظيرات المرحوم المبدع ياسين الحافظ . مع العلم أن الخطاب السياسي المباشر بقي يدور في نفس الفضاء اللفظي لكافة قوى هذا اليسار .
أما الآن اليسار يترنح تحت ضغط السلطة الديكتاتورية من جهة وضغط العامل الخارجي من جهة أخرى ..والأهم من كل هذا هو : افتقاد هذا اليسار لمادة جماهيرية متفارقة في مصالحها مع السلطة . والديمقراطية المطروحة في سوريا ليست ديمقراطية يسارية ! بل هي ديمقراطية برجوازية !! لأن اليسار ليس لديه نموذجا حقيقيا لديمقراطية يسارية !! وهذه ليست شتيمة بل هي واقع حال على اليسار الإقرار به والتعاطي معه وفق منطق سياسي جديد . وفق خطاب سياسي من نوع مختلف وبراغماتي إلى حد كبير . الديمقراطية في سوريا هي مصالح لقوى حقيقية لم تعبر عن نفسها بعد بشكل واضح ولم تدخل حلبة الصراع الحقيقي بعد !! لأن لديها ما تخاف عليه في حال خسارتها لهذا الصراع , وهي قوى السوق الداخلية وبارتباطاتها السلطوية والخارجية , ارتباطات مصالحها وليس ارتباطات تآمرية كما يحلو لبعضهم تصوير ذلك . أما القوى الأخرى فهي القوى التي تعبر عن مصالح ميزان القوى الدولي والتي لازالت تعبيراتها الداخلية ضعيفة جدا لذا تجد : أن ما طفى على السطح في السنوات الأخيرة هو ما عرف بمعارضة الخارج لتعبر عن مصالح هذه القوى , عبر هياكل متعددة ومبادرات فردية من المنفيين والمغتربين ..الخ والتي اتهمت ولازالت تتهم مباشرة بالعمالة للخارج عموما ولأمريكا خصوصا . وبدأت إشكالية يسارية من نوع جديد هي محاربة هذا اليسار التقليدي لمعارضة الخارج , معتمدا حسب قراءته لتجربة المعارضة العراقية !! والتي هي قراءة لاديمقراطية من حيث الجوهر بل هي قراءة من منظور : خطاب السلطة أو خطاب السلطة البديلة على الطريقة اليسارية القديمة . ونسأل هنا مباشرة : متى كانت الديمقراطية البرجوازية هي مشروع سلطة لليسار !! وخصوصا في عالمنا العربي ؟ أليس اليسار العالمي كله خاض معاركه حول الديمقراطية وهو يعرف أن من سيأتي إلى البرلمانات الديمقراطية هي : قوى السوق الرأسمالية على اختلاف مصالحها , وقوى المجتمع الأهلي ـ سواء كانت دينية أو عشائرية أو حتى طائفية ..الخ ـ لأنها الفرصة الأولى للمجتمع كي يعبر عن واقعه وليس ليعبر عن كل طموحاته : وهذا ما حدث في العراق وسيحدث حتى تتجذر المسألة الديمقراطية فيه . وستتقدم القوى التي تمتلك عمقا مصلحيا وجماهيريا وهذه القوى لم تدرس في سوريا من قبل اليسار بعد . ماهي طبيعتها وتوجهاتها ومصالحها وثقافتها ..الخ ولن ابتعد كثيرا خير مثال على تفتت القوى والمجتمع هو : تشرذم هذا اليسار نفسه وتفتته المرضي .!لهذا على اليسار السوري أن يقتنع أنه ليس سلطة بديلة بل هو مشروع ضمير للمستقبل السوري الديمقراطي والمدني , وممارساته السياسية يجب أن تطل على كامل المشهد السوري داخليا ودوليا ..الخ وهو بالتالي يحصن الفضاء المدني والعلماني والقانوني للتغيير وليس لكي يكون على رأس أول سلطة ديمقراطية !! فهذا الأمر ليس مطروحا على أجندة التاريخ الواقعي للمستقبل السوري . قدر اليسار هو السعي لديمقراطية دون أن يكون المستفيد الأول منها / سلطويا / . وعليه أن ينفتح على نفسه قبل أن ينفتح على الآخرين !! عليه أن يحسم أمره في كونه مادة أساسية للتغيير الديمقراطي ,وليس مشروع سلطة بديلة : لهذا كانت مبادرة رياض الترك تضرب على هذا الوتر التاريخي للتغيير بوعي أم بدونه . على اليسار أن يقتنع أنه يخوض معركته نيابة عن قوى السوق الحقيقية , كي يعبر المجتمع عن نفسه في وضح النهار وفيما بعد يبدأ مشروع أو مشاريع هذا اليسار في الهيمنة السلمية على المجال العام يستطيع أو لايستطيع هذا بحث آخر . ليعطي هذا اليسار تجربة واحدة في هذا العالم أتى فيها اليسار إلى السلطة بعد تغيير سلمي أو عنفي نحو الديمقراطية ودون أن يكون محمولا على عامل دولي نيكارغوا والتشيلي من قبل ؟
العامل الدولي عموما والأمريكي خصوصا :
لازال الحديث عن دور العامل الدولي وحضوره في عملية التغيير الديمقراطي في سوريا يواجه بخطاب شبه موحد بين السلطة واليسار السوري , خصوصا بواجهته الأمريكية لهذا وتبعا لما طرحته في الجزء الأول من هذا المقال أطرح الآن جملة من التساؤلات حول دور هذا العامل وكيفية التعاطي معه كي لانبقى ندور في حلقة مفرغة من التخوين والتخوين المتبادل .. خصوص بعد سياسة الحشود التي تصر السلطة على استخدامها وتفعيلها , رغم خطورتها على مستقبل سوريا .
1ـ المستوى الطبقي : أمريكا الرأسمال لاتختلف عن أي دولة لهذا الرأسمال في العالم , وبالتالي فأن الموقف الطبقي من أمريكا يجب أن يمر بالضرورة عبر الموقف من الرأسمال العالمي وخاصة الجشع منه ..وهذا ما أوضحته في أكثر من مقالة ..والسؤال هل موقف المعارضة السورية من أمريكا : وخصوصا الرفاق في حزب العمل الشيوعي هو موقف طبقي أو يستند إلى موقف طبقي فقط أم أن هنالك مرجعيات أيديولوجية أخرى ؟؟ إذا كانت هذه المرجعيات قائمة : فما هي ؟؟ هل في هذا المستوى الأيديولوجي ما يمنع الحوار السياسي المباشر بين أمريكا الخيار الدولي السلمي في المنطقة وبين كافة صنوف المعارضة السورية ؟ وإذا كان الخيار العسكري في العراق هو خيارا شعبيا عراقيا أيضا وليس أمريكيا فقط !! وليس خيارا شعبيا أقلاويا بل هو خيار أكثرية الشعب العراقي الذي خرج في بغداد يستقبل الجنود الأمريكان .أما ماحدث لاحقا فهو نتاج سياسيات خاظئة أمريكية وأقليمية وعراقية وإسلاموية..الخ
2ـ المستوى القومي : هل السياسة الأمريكية في تحقيق مصالحها العليا / هي مصالح قومية صرفة ؟ أم أنها جزء من مصالح الرأسمال العالمي الذي لم يعد يقيم وزنا كبيرا لهذه الحمولات القومية أو الدينية أو حتى الثقافية ؟ بالتالي هل السياسة الأمريكية في المنطقة العربية والتي طفت على السطح بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بسنوات أي في بداية الخمسينيات هي التي منعت الوحدة العربية ؟ وتحقيق الحلم القومي العربي في الوحدة ؟ وأظن أن الممانعة الأمريكية لمشاريع الوحدة العربية لم تكن موجودة لأن هذه المشاريع لم تطرح على الشارع العربي أصلا !! لأن النظام العربي الرسمي والذي هو نتاج التركة البريطانية الفرنسية ..كان ولازال نظاما فاسدا ولا تعنيه مشاريع الوحدة إلا من زاوية تجديد سيطرته على الدول القطرية العربية !! لذلك عندما دخلت أمريكا عبر بوابة النفط العربي : كان النظام العربي الرسمي قد تجذر فسادا في سلطاته ..وأيضا هل هذا المستوى الأيديولوجي يمنع الحوار والجلوس مع الأمريكان ..؟
3ـ على المستوى الوطني السوري : ما الذي فعلته السياسة الأمريكية في سوريا ؟ هل كان لها رساميل مستثمرة في سوريا أفقرت الشعب السوري مثلا ؟ هل فعلت في سوريا كما فعلت في أمريكا اللاتينية ؟ ومع ذلك كل قوى أمريكا اللاتينية جلست مع أمريكا على طاولة المفاوضات والساندينست النيكاراغويين ليس آخرهم , ولنأتي سريعا لخيار شافيز : لماذا أمريكا لم تجتاح فنزويلا عسكريا ؟ خيارا أحترمه لأنه خيار الشعب الفنزويلي ديمقراطيا ..ولكن ما يدور الآن من أخذ ورد بين شافيز وأمريكا هو لإنتاج حزمة من الاتفاقيات السياسية والأمنية والاقتصادية .الخ
وليس الأمر محصورا في سلطة استبدادية لاتسمح بوجود منافسين آخرين لها ولبرنامجها وهذه من أهم فضائل التجربة الفنزويلية في عهد شافيز لوجود معارضة علنية ومنافسين انتخابيين يريدون برنامجا نقيضا لبرنامج شافيز فلا يعتقلهم ولا يخونهم أو يتواطئ على اعتقالهم .. بينما نجد عندنا أن المعارضة والسلطة تمنع وتحاول منع أي برنامج سياسي يمكن أن يطرح تقاربا مع أمريكا من خلال : السلطة التي تزجه في السجن وهذا ماحدث مع كمال , وبين معارضة تتهمه علنا أو سرا بالخيانة العظمى ! لايمكننا أن نبقي الخطاب المعادي لأمريكا على أرضية ماحدث ويحدث في العراق ..أو على أرضية بقايا الأيديولوجيا المستقاة من أيام الحرب الباردة .. هل حاولت أمريكا فرض اتفاقيات سواء سياسية أو اقتصادية ..الخ على شافيز بقوة السلاح !!!؟ وهل تدخلت أمريكا عسكريا ضد نظام ديمقراطي بعد نهاية الحرب الباردة ؟ أمريكا تدخلت ضد طالبان وضد صدام فقط ؟ هل تدخلت عسكريا ضد سلطة منتخبة ديمقراطيا ؟ ومع ذلك دعونا من كل هذا التحليل والأسئلة : لماذا قسما من المعارضة السورية يقبل الجلوس والحوار مع عسكر الفساد في دمشق ـ وهذا أعتبره أمرا ضروريا لسوريا أن تبقى قنوات الحوار مفتوحة بين السلطة والمعارضة ـ ويخون القوى والشخصيات التي ترى أن مصلحة سوريا تكمن في إعادة أنتاج علاقة سورية أمريكية جديدة تأخذ مصالح البلدين بعين الاعتبار ؟ وهل الحوار وحده والخوف منه يمكنهما أن يجعلا المعارضة توافق على كل ما تطرحه أمريكا ؟ والسؤال الآن هل أمريكا توافق على الممارسات السياسية لقادة الأحزاب الشيعية في العراق والعكس صحيح أيضا : لأننا لازلنا نرى أن خيار الفدرالية المطروح عراقيا هو خيار أمريكي صرف بينما هو في الواقع : خيار أغلبية الشعب العراقي ؟ وسنرى أن الأحزاب الشيعية التي تبنت مشروع الفدرالية هي التي ستفوز في الانتخابات العراقية المقبلة ؟! وهل أمريكا هي من فرضت دستورا دينيا أو من حاولت فرض دستورا دينيا أم هي القوى الدينية العراقية ؟؟ والتي تمثل غالبية الطيف العراقي ؟
حتى في الجانب ـ المقاوم لا تأخذونا يعني أحزاب وقوى دينية !! زرقاوية وخلافه وقوى ظلامية طائفيا !! ـ
4ـ نحن كلنا بتنا في عالم رأسمالي والدولة الرأسمالية الطبيعية فيه ليست سوى مشروع انجاز كي تجدد مشروعيتها , وتمنح السلطات المنتخبة شرعيتها , لغة الحرب في التفاوض الرأسمالي هي لغة أزيلت من كل بقاع العالم ماعدا البؤر الفاسدة والديكتاتورية هنالك في العالم اكثر من 190 دولة , هل كل هذه الدول الديمقراطية قديما وحديثا تابعة لأمريكا لأنها لاتقاطع أمريكا ..؟ أم أنها دولا طبيعية غايتها الجدوى لمجتمعاتها والشرعية لسلطاتها عبر العلاقة الطبيعية سياسيا مع القوى الدولية والدول الأخرى : وهل كل هذه الدول تستطيع أمريكا أن تفرض عليها اتفاقيات اقتصادية بقوة العسكر ..؟ لماذا هذا الخطاب المعادي لكل رائحة أمريكية لايوجد إلا في الدول التي يعمها الفساد والديكتاتورية ؟؟
5ـ بعض النخب اليسارية في العالم المتطور هي ضد السياسات الأمريكية , وبعضها ساندت أمريكا في إسقاط صدام !! أم أن هذه القوى كلها خائنة ؟ هي ضد السياسات الأمريكية المتحركة لذا يكون موقفها السياسي أيضا متحركا كحال العلاقة السياسية بين دول أوروبا وأمريكا وبالتالي هي ليست ضد أمريكا على طول الخط ولا تخون من يرى عكس ذلك !! ولا تقاطع الحوار مع أمريكا أو مع القوى التي ترى في العولمة حلا لأزمات الشعوب السياسية والاقتصادية !! إنه المستوى السياسي المتحرك ؟ والذي يحتاج في هذا العصر أكثر من أي عصر آخر للفصل النسبي والمتحرك للهوامش بين الأيديولوجي وبين السياسي ؟ وحده البرنامج الديمقراطي والذي جسد إعلان دمشق شيئا منه ومتطلباته داخليا ودوليا يجب أن يكون حصان طروادة بين الأيديولوجي والسياسي ..وللحديث بقية ..
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟