|
ثقافة الرأسمالية ومستقبل الاشتراكية .. عناصر أولية
أحمد زوبدي
الحوار المتمدن-العدد: 5258 - 2016 / 8 / 18 - 21:13
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ثقافة الرأسمالية ومستقبل الاشتراكية .. عناصر أولية
بقلم : د. أحمد زوبدي باحث في الاقتصاد السياسي من المغرب
وصل النظام الرأسمالي في الوقت الراهن إلى وضع صنفه أحد المفكرين المرموقين بالهمجية. المفكر اللبناني جلبير الأشقر ذهب بعيدا ردا على أطروحة هنتغتون عن صدام الحضارات معتبرا الصدام هذا هو صدام بربريات . وهو ما يدعو إلى ثورة ثقافية تؤسس لأشكال جديدة للثقافة تحل محل ثقافة الرأسمالية التي أدت وظيفتها التاريخية كما تفسر الاحتجاجات والثورات الشعبية بكل أشكالها معلنة اهتلاك الأنظمة الاستبدادية وشيخوخة النظام الرأسمالي بالمعنى الذي يعطيه له سمير أمين . هيمنة الاقتصاد الذي يتحكم في السياسة هو الحاجز الرئيسي الذي يقف حجر عثرة أمام التطور والتقدم. بمعنى أن كل شيء أصبح يخضع لقانون القيمة بما في ذلك الضروريات. الشيء الذي أدى إلى توسيع رقعة التهميش أي التخلص من كل شيء لا يخضع لقانون السوق والبضاعة. النظام الرأسمالي، كما تفسر الأحداث المأسوية، أصبح لا يطاق على جميع الأصعدة : اقتصاديا، كما نرى من خلال هيمنة اقتصاد احتكارات القلة إلى حد العسكرة ؛ سياسيا، كما تترجم ذلك الديمقراطية التمثيلية التي أبانت عن بؤسها لأنها أفدت إلى الفئوية والبيروقراطية بإقصاء القواعد الشعبية ؛ اجتماعيا، عبر التهميش والفقر والبطالة وكل أشكال التفقير.النظام الرأسمالي أصبح فاسدا أي يتغذى على علاقات إنتاج غير شفافة منها الخداع والزبونية والفئوية واللصوصية والغش والتزوير ... على المستوى الدولي، الرأسمالية لم تعد تكتفي بفرض هيمنة امبريالية على الشعوب، فهي اليوم تعيش حالة فوضى انتهت بها إلى فرض شكل من الهيمنة الفاشستية كما يؤكد على ذلك سمير أمين .الرأسمالية تتـآكل اليوم وتدنو من الانهيار. بداية انهيار الرأسمالية سيؤدي بها حتما إلى الزوال تدريجيا. الرأسمالية هي نظام هيمني دون منازع، يكتب له الاستمرار بطابعه الامبريالي وبالسيطرة عبر شبكاته المتعددة من حكومات وشركات متعددة الجنسية ومؤسسات مالية عالمية (كمؤسسات بروتون وودز والأبناك المركزية والبورصات العالمية ...) وغيرها التي فرضت على دول الجنوب برامج أدت إلى المس بسيادة هذه الدول كما يلاحظ من خلال وصفات تسوق للحكامة الجيدة والحكامة الشاملة تسعى من ورائها إلى التفكيك التدريجي للمكاسب الاجتماعية كالمرافق العمومية تحت ستار التدبير المفوض والتشطيب على مجانية التطبيب والتمدرس ... هذه الأوجه التي تتناقض مع القيم التي يفترض أن تكون هي السائدة أي قيم التضامن والمصالح المشتركة. تجاوز نظام اجتماعي ينبني على الامبريالية دون حدود وعلى عسكرة الاقتصاد واحتكارات القلة وبمباركة اليسار الغربي الذي يطبق السياسات النيوليبرالية دون تردد و يسوق للأممية الاشتراكية في زيها السوسيال-امبريالي ، يتطلب تعبئة شاملة لكل قوى التغيير والاحتجاج والمناهضة الرافضة للوضع القائم ولكل أشكال الظلم والاستبداد والغطرسة والاستعباد في أفق تحريك ميزان القوى لصالح شعوب دول الجنوب والطبقات الشعبية في الغرب. وهو ما يستدعي من جهة أخرى يؤكد مفكرو الامبريالية والتخلف إقامة قوى منظمة عالميا تتحرك وتعمل محليا ووطنيا لبناء جبهة مشتركة تناضل وتقاوم من أجل إقامة عالم متعدد الأقطاب.وهي الصيغة المثلى للانتقال إلى الاشتراكية التي تتطلب مرحلة طويلة. شروط الانتقال إلى عالم يتحرك وفق كتلتين تتحرك هي الأخرى وفق ميزان قوى لصالح الكتلة الرافضة للهيمنة والسيطرة قد بدأت تتبلور، والدليل على ذلك الأزمة الاقتصادية البنيوية والنظمية المتعددة الجوانب التي تعصف بالرأسمالية القائمة بالفعل . وهو ما أكدته الاحتجاجات المكثفة للحركات الاجتماعية المناهضة لكل أشكال الاستعمار الجديد الذي خلفته السياسات النيوليبرالية . وهو ما كشفته كذلك الهزات الاجتماعية للربيع العربي التي أسست لا محالة لخريف الرأسمالية و لأممية الشعوب رغم كل ما يقوله مروجو اليأس والاستسلام . للإ شارة هناك من يسوق لأفكار أقل ما يمكن نعتها أنها مبتذلة مثل أن الربيع العربي كانت وراءه الدول الامبريالية أي أنها هي التي قامت بزعزعة الوضع في الدول العربية وليس الشعوب التي قامت بالانتفاضات والثورات. عكس ذلك هو الذي حصل فالامبريالية هي التي ركبت على هذه الثورات وقامت بخلط الأوراق وزرع الفتنة بين مكونات القوى التي دشنت الانتفاضات . لكن بالمقابل على أصحاب الفكر المبتذل الذين يروجون للاستسلام والجبن والمهادنة أن يعلموا أن الربيع العربي دشن مرحلة جديدة في تاريخ هذه الشعوب وتبلور معها القطع مع مرحلة تاريخية وبداية مرحلة أخرى تستجيب لقوانين التاريخ و تمرحله كما أكد ذلك مهدي عامل في كتابه " في تمرحل التاريخ". تجاوز الرأسمالية القائمة بالفعل يقتضي توفير شروط الانتقال إلى الاشتراكية. لقد عشنا تجربة اشتراكية وليست اشتراكية انتهت بقيام رأسمالية الدولة وانضمت بهدوء إلى الرأسمالية العالمية. ما أريد قوله بعجالة وهذا موضوع شائك لا يمكن نقاشه في بضعة سطور أن الانتقال إلى الاشتراكية من رحم الرأسمالية وليس بالقطع معها (وهو السيناريو المحتمل جدا) يتطلب مرحلة طويلة كما هو الأمر لمرحلة الانتقال من الفيودالية إلى الرأسمالية التي انطلقت من القرن 11 حتى نهاية القرن 15 مع المرحلة المركنتيلية .اليوم تعيش المنظومة-العالم بمفهوم سمير أمين و فالارشتين نوعا من الفوضى لكن في ذات الوقت هناك الشعوب تتحرك وتنتفض وهناك أيضا قوى أخرى تخوض معارك أخرى فضلا عن الثورة المعلوماتية ، الكل في اتجاه فرض نموذج مرحلي، يطلق عليه سمير أمين التحالف الوطني الشعبي، متجاوز الرأسمالية القائمة بالفعل ومدشنا للإشتراكية . في ما يتعلق بمستقبل الاشتراكية، قلت أن الانتقال من رحم الرأسمالية إلى هذه التشكلة الاجتماعية يمتد على مرحلة طويلة يتم فيها تجاوز الرأسمالية القائمة بالفعل والمتهالكة . تتميز هذه المرحلة بما يلي :
- صعود الحركات الاجتماعية ووعي الشعوب بمناهضة كل أشكال الاستبداد والظلم ؛ - موت الأحزاب ومنها أحزاب اليسار التي أدت وظيفتها التاريخية ولا يمكن لها أن تفرض الانتداب على الشعوب التي أصبحت قادرة على أخذ زمام أمرها بنفسها ؛ - اندماج مناضلو ومثقفو اليسار والتقدميون في الحركات الاجتماعية حيث تعرف السياسة شكلا آخر غير الشكل المتداول حاليا يتجاوز المصالح والتوافقات الموسمية وتأخذ بعدا ثقافيا وفكريا يخدم علاقات اجتماعية تترفع عن الفئوية والوصولية . اليسار سيبقى يناضل داخل الحركات الاجتماعية أو قل أن اليسار سيدمج في الحركات الاجتماعية ؛ - تأخذ السياسة وظيفة تدبير المجتمعات وليس تدبير الممكن و المصالح. تدبير المجتمعات من خلال لجان شعبية تقوم بالسهر عليها الحركات الاجتماعية وكل الهيئات المهتمة بالشأن العام. هذا الشكل من التدبير يسمح بالانتقال بالمجتمعات من وضعية الانتداب التي تفرضها الأحزاب إلى وضعية تسمح للسكان بمشاركة شعبية فعلية. في هذا الباب لا وجود لليسار دون الحركات الاجتماعية ودون تعبئة الشارع لأنها هي الضمانة الأولى للنضال لأن الأحزاب من جهة أدت وظيفتها التاريخية كما أشرت وأصبح الانتداب الذي تفرضه على الجماهير متجاوزا بحكم خروج هذه الأخيرة إلى الشارع باستمرار سواء في شكل احتجاجات أو انتفاضات شعبية لمناهضة الاستبداد و الاحتلال ؛ - يلعب المثقف الملتزم والمستقل وليس المثقف الحزبي الذي يكون غالبا مقيدا بإيديولوجية الحزب الذي ينتمي إليه دورا رائدا في هذه السيرورة المعقدة لكن الفاتحة لآفاق تقدم اجتماعي ملموس. يصبح إنتاج المعرفة عبر إنتاج الفكر النقدي الذي يحتكم للعقل والحركية الاجتماعية هو الأداة لتجاوز كل أشكال التناقضات التي تقف حجر عثرة أمام تطور المجتمع . في خضم هذا التحول الكبير تأخذ السياسة كما جاء على لسان سمير أمين بعدا ثقافيا أي أن العامل الثقافي هو الذي سيصبح مهيمنا وليس العامل الاقتصادي كما هو عليه في النظام الرأسمالي أو هيمنة العامل السياسي كما عرفتها الأنظمة ما قبل الرأسمالية ؛ - الثورة التكنولوجية والرقمية التي غيرت بشكل غير مسبوق بنية العمل حيث تراجع الطلب عن العمل اليدوي لفائدة العمل المؤهل مع بلورة شروط إدماج اليد العاملة غير المؤهلة في هذه المرحلة الانتقالية الاجتماعية الشعبية الطويلة كما يسميها مرة أخرى المفكر العربي سمير أمين والتي تبدأ فيها الاوليغارشيات المهيمنة في التفتت لصالح الفئات الاجتماعية المهمشة والفقيرة والمتوسطة. للإشارة فالثورة المعلوماتية لا يجب أن ينظر لها على أنها هي الحل السحري لكل المشاكل التي يطرحها روح العصركما تروج لذلك بعض الأقلام بل كوسيلة تقتصر على الجانب الفني وما يتعلق بالحركية والدينامية ككل فهي من مهام القوى الاجتماعية الوحيدة التي لها الأهلية للتأثير على حركة التاريخ . المرحلة الانتقالية هذه تدشن مرحلة جديدة تتميز بتآكل البنية القديمة أي الرأسمالية ونمو البنية الجديدة أي ما بعد الرأسمالية. هذا الانتقال الطويل يعرف أشكالا من المنعرجات تارة في شكل هزات اجتماعية خفيفة وأحيانا عنيفة تهيئ لنقلة نوعية يسميها أصحاب الفكر ثورة التي قد تكون مرادف القطيعة أو تأخذ فيها البنيات الجديدة شكل ولادة عسيرة من رحم البنيات القديمة ؛ - يصبح للثقافة وللكفاءة دور مركزي في حياة المجتمعات وتصبح الشواهد مرهونة بهذين المعيارين أما أصحاب الشواهد والدبلومات غير المؤهلين الذين أنتجتهم الثقافة الرأسمالية من خلال تسليع المعرفة فسيعرفون تبخيسا غير مسبوق ؛ - بلورة الشروط الأولية لاضمحلال قانون القيمة (المعولم)( الذي يجعل الاقتصاد يتحكم في كل مناحي الحياة )التي يمهد لمجتمع الوفرة الذي سيميز الشيوعية التي يستغني فيها الإنسان عن العمل لجلب ضرورات الحياة كما أكد على ذلك كارل ماركس وفنده في الوقت الحاضر أندري غورز في كتابه " نهاية العمل ".
#أحمد_زوبدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- البريكسيت- .. هل هي الدرجة الصفر للاتحاد الأوروبي ؟
-
عزيز بلال .. مناضل في الحياة وشهيد في الموت
-
لغة الأرقام
-
هل بلور الربيع العربي شروط بناء الدولة الوطنية المستقلة بدول
...
-
عزيز بلال وبعض أنصار التغيير
-
أي انكماش اقتصادي يعرفه المغرب ؟
-
- السكتة القلبية - للاقتصاد المغربي في قاموس المركز المغربي
...
-
بؤس الاقتصاد المغربي وبؤس الاقتصاديين المغاربة
-
على هامش جائزة نوبل للاقتصاد 2014 : قوة الأسواق في ضبط الاقت
...
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|