|
البوركيني وثقافة الملابس
عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 5258 - 2016 / 8 / 18 - 10:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الملابس وتصفيف الشعر وحلاقة الذقن لا شأن لها إطلاقا بأي دين، لأنها إنتاج ثقافي محض يعبر عن البيئة ويتغيّر مع تطور الثقافات. من خلال هذه الحقيقة الانثروبولوجية التي تفسر أساليب حياة وسلوك الانسان، يمكن ان نفهم زي المرأة في تمثال الحرية على مدخل مرفأ نيويورك، لأنه لا يمت للثقافة الأميركية بتاتا، فقد صمم فريدريك بارثولدي نموذجا مُصغر لتمثال يمثل سيدة تحمل مشعلا، وعرضه على الخديوي إسماعيل ليتم وضعه في مدخل قناة السويس التي بدأ العمل فيها في16 تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1869، لكن الخديوي اعتذر عن قبول اقتراح بارثولدي بسبب تكاليفه الباهظة التي يتطلبها. التمثال لا يمت للثقافة الأميركية بصلةٍ لأن بارثولدي الفرنسي صممه مستوحيا زي الفلاحة المصرية سافرة الوجه في ذلك الوقت، ولم يغيره حتى بعد تبني اميركا لمشروعه. موضوع حلاقة الذقن يرتبط ارتباطا وثيقا باختراع وتطور شفرات الحلاقة عبر التاريخ، وتأمل صور ملوك ورؤساء العالم حتى الربع الأول من القرن العشرين يثبت انهم جميعا أصحاب لحى، بل ان حلاقة ذقن الرئيس أبراهام لينكون هي ما يُقال عنه إنه سُنّة نبوية، لأن الرئيس لينكون كان يحلق شاربه ويطلق لحيته، وهو تقليد يهودي كان يعتز به لينكون الذي تحوّل جده إلى الكنيسة المعمدانية (وهي شديدة القرب من اليهودية وتُقرأ فيها اسفار العهد القديم أكثر من الانجيل) التي كان ينتمي إليها الرئيس. واضح ان طريقة إطلاق الذقن لم يبتكرها الإسلام، بل ورثها بسبب عدم وجود شفرات حلاقة في ذلك الوقت وليس بسبب الايمان، فقد كان المشركون أيضا أصحاب لحى، وهذه التركة الثقافية واضحة تماما حتى اليوم عند السلفي والحاخام. اقتبس اهل الجزيرة العربية أيضا عن الحضارة الاشورية ما أطلقوا عليه إسلاميا "الحجاب"، وهو ما يقول عنه المستفيدون من الإسلام حاليا "زي إسلامي"، رغم أن المشركين والمسلمين كانوا يرتدوه، فهذا الزي كان منتشرا في العصور منذ ما قبل المسيح حتى ما بعد القرن السادس الميلادي، ومريم العذراء وهي امرأة فلسطينية كانت ترتديه، وأشار إليه بولس الرسول في رسائله وأمر المرأة ان تحتشم به. ثم ان البيئة تلعب دورا في الثياب، فرجال قبيلة الطوارق محجبون ونساؤها سافرات، لأن الرجال أكثر عرضة لرمال الصحراء بسبب عملهم، بينما النساء في الخيم لا يعملن. الامر نفسه نجده في الأسماء العربية التي يقولون عنها إسلامية، فخالد ونوفل وصفية ومحمد وعمرو وفاطمة وغيرها، هي أسماء عربية تسمّى بها يهود ومسيحيون، ومازال الناس غير المتخصصين حتى اليوم يعتقدون من أسماء بعض الشعراء العرب الذين عاصروا بدايات الاسلام انهم مسلمون بسبب أسمائهم العربية، لكنهم يهود أو مسيحيين، ومنهم السموأل وزهير بن أبي سُلمى وامرؤ القيس والنابغة الذبياني. وأول زوجة للرسول كان اسمها خديجة بنت خويلد بن أسد وكان ابن عمها بطريرك مكة اسمه ورقة بن نوفل، وهي أسماء عربية، وحتى كلمة بن فلان أو ابن فلان، ما زال اليهود يستعملونها. يقول أهالي حضارات البحر المتوسط العرب السلام عليكم، وكان يقولها المسيح نفسه كما ورد في الانجيل، وما زال اليهود حتى اليوم يقولوها لكن بالعبرية: شالوم عليخم. البوركيني والنقاب الضجة المفتعلة حول ما يُسمى بالزي الإسلامي أو الاخلاق الإسلامية أو قوانين الشريعة، هي نتيجة أنماط وأساليب حياة وسلوك واخلاق وقوانين الناس ما قبل الادبيات الابراهيمية، ولم يبتكرها الإسلام بل تبناها كما هي بما فيها رجم المرأة الزانية، والضجة المفتعلة أخيرا حول منع البوركيني على شواطئ فرنسية بسبب علمانية الدولة، ما هي الا قنبلة إعلامية غير إسلامية، وتدل على محاولة فرض أساليب حياة صحراوية على أساليب حياة مدينية ليس إلاّ. البيكيني نفسه زي تطور من المايوه العادي مع الزمن، ولم يكن مسموحا بارتدائه في الولايات المتحدة حتى بدايات ستينات القرن العشرين، لأن اميركا بلد محافظ! كان المسموح به المايوه العادي، وجميع نجمات هوليوود حتى الخمسينات لم يرتدينه، ثم كسر هذه القاعدة بعض الفتيات اللاتي ظهرن مع جيمس بوند في افلامه، وهكذا صار البيكيني أسلوبا على الشاطئ. ولأن المرأة المسلمة انثى تملك جسدا بحاجة إلى الشمس والبحر والهواء، اخترعت لها بيوت الأزياء الغربية زيا للبحر جمعوا فيه اسمين متناقضين هما البرقع والبيكيني، فصار البوركيني بالكاف وليس القاف، لأن بداية انطلاق الزي كانت على شواطئ تركيا (التي تكتب بالحرف اللاتيني وليس فيه ما يعادل القاف لفظا) التي تحتضن السياحة الحلال، وتتغاضى الدولة نفسها على اقمارها الاصطناعية عن قنوات البورنو غرافيك! بيت القصيد البوركيني ليس زيا أشوريا كما البرقع والحجاب، وليس زيا عربيا كما العباءة، بل هو زي هجين جمع مضمونين متناقضين أحدهما رمز الخوف من التلصص والرهبة من الجسد سبب المعاصي، بينما الثاني رمز التحرر والتباهي بالجسد واختفاء مفهوم المعاصي بسبب حلول فكرة مخالفة القانون، ولا أدرى حقيقة لماذا تنادت الجمعيات السلفية الإسلامية في فرنسا، وقررت اللجوء للمحاكم لتحارب القرار العلماني الفرنسي الذي يحفظ كرامة المرأة المسلمة من زي يلتصق بجسدها ويكشف أكثر ما يستر ويغري أكثر ما يحجب، لأنه يستر عيوب الجسد ويبرز تضاريسه الجنسية. من شروط الاحتشام عند المسلم تجنب الوقوع في الاغراء وغض النظر، والشواطئ الفرنسية العلمانية بها الكثير من الاغراءات، فما بال السلفي والوهابي والاخواني لا يخشون على زوجاتهم رؤية ما أشد بالنسبة لهن، وهو بروز أعضاء الرجال الجنسية بوضوح من أزياء البحر الرجالية¬¬¬¬¬¬¬¬، وتبادل المرأة والرجل للقبلات الخفيفة أو الطويلة على هذه الشواطئ، إضافة إلى عدم إمكانية غض نظر الرجل المسلم الورع عن اللحم الابيض الذي يتهادى بعشرات البيكيني امامه، وتظهر منه أحيانا شقوق مؤخرات النساء أو اثدائهن بوضوح. هل هناك إغراء أكبر من ذلك بالتفكير، على أضعف الايمان بالأمور المحرَّمة شرعا، وبيئة شبه عارية لها تأثير في غاية السلبية على الأطفال المسلمين. لماذا لم يفكر هؤلاء السلفيون والوهابيون والاخوانيون بمقاضاة الراقصات اللاتي ظهرن بملابس الرقص وعلى رؤوسهن براقع، سخرية من اللامعقول والتناقضات التي تحدث في عالم السلفيين وبعض منازل امرائهم الفخمة في "دور الحرب". كيف يحاول هؤلاء غزو الدنيا ونشر دينهم بالبروباغندا والتلفيقات والتناقضات الواضحة؟ ولماذا يتهمون الآخر عندما يدرك تناقضاتهم وخبث ما يضمرونه؟ ولماذا يختصمون الاخر في محاكم علمانية هم لا يؤمنون بها من الأساس بدلا من التزامهم شريعتهم فقط، وترك الآخر حطبا لنار جهنم.
#عادل_صوما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عالم كيمياء وفقيه كلام
-
البابا فرنسيس يؤسس اخلاقيات تخالف الموروثات الابراهيمية
-
أتنادون باالخلافة وتبخلون على خليفة رسولكم بجزيرتين؟!
-
في معضلة تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم
-
يعيش يعيش حكم المرشد
-
هل أفلست الاديان شكلا ومضمونا؟
-
افراط البطش الذي يتجاهل القرآن والاحاديث
-
تعدي مؤسسة على صلاحيات الله المطلقة
-
-موال الهوى-: رواية تعبق بثقافات البحر المتوسط
-
المسلمون المتنورون والصم المسيحيون
-
ختان العقل ووأد الروح واستهجان الاستنارة
-
تحت خط الفقر العلمي
-
التمييز والعنصرية والتقية ومصادر التمويل
-
الازدواجية الاخلاقية في الضمير الجهادي
-
ليته يستقيل قبل تشرين
-
الفرق بين رجال السياسة وبائعي التمائم
-
تحديث الخطاب الديني مهمة العلمانيين
-
قراءة في فقه المستفيدين من الاسلام سياسيا(8)
-
قراءة في فكر المستفيدين من الاسلام سياسيا (7)
-
قراءة في فقه المستفيدين من الاسلام سياسيا (6)
المزيد.....
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|