|
الخوف والقسوة والإرهاب الفكري والسياسي ودوره في بسط ثقافة الجبن والتردد في المجتمع الإسلامي
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5258 - 2016 / 8 / 18 - 01:06
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من العلل التأريخية التي أثرت في أهتزاز الشخصية العربية والإسلامية عامة والعراقية خاصة وحالت دون أن تتحرر هذه الشخصية من الأثار السلبية لحالة اللا توازن والأضطراب هي مسألة الحوف والقلق من السلطة برمزيتها وشخوصها ، البعض يصف هذه الحالة بالرهبانية أو متلازمة الإرهاب المستتر في اللا وعي الجمعي نتيجة التراكم التأريخي التي تجذر بالذاكرة البعيدة والتي من الصعب على الإنسان تجاوزها ما لم يتمتع بأكسير عقلي مناقض ومزيل لها طبيعيا، ففي حالة الخوف من القسوة المفرطة التي أستخدمتها كل النظم السياسية ضد الإنسان في المجتمع والإصرار على أن يكون التعامل البيني بين السلطة والشعب على طريقة السادة والعبيد ولدت شعورا سلبيا ذاتيا عند الناس أن السلطة فعلا يجب أن تكون كذلك كي تكتسب المهابة وتطبق القانون، وهناك مثل في العراق يتناول القضية من جانبها النفسي (الإمام الي ما يشور محد يزوره) بمعنى أن أصحاب المقامات الدينية التي لم تظهر لهم خوارج ومعاجز لا يعترف بهم حتى لو كانوا على مستوى عال من الإيمان والتدين. الأمر الذي يمكن تأشيره ومن خلال الواقع التأريخي لهذه القسوة المفرطة والظلم الممنهج تبدو ملامحه الأولى ومن بروز أول مظاهر الصراع الإسلامي _ الإسلامي وتنازع الطرفين على الواقع الأجتماعي في محاولة للسيطرة عليه وتسخيره للأهداف والغايات الحزبية ، وأستخدام أقسى أنواع التنكيل ضد الخصوم والأنصار ومن وقائع التاريخ الذي تشهد ذلك واقعة كربلاء عام 60 للهجرة ضد الإمام الحسن بن علي وعائلته وأنصاره، وما رافقها من خوف وحزن متجدد يشير بشاعتها إلى أختلال في الشخصية المحاربة وتخليها عن النبل والفروسية والشهامة، وبعدها وبذات المنهج واقعة الحرة في المدينة ثم نكبة مروان الحمار على يد العباسيين ونكبة البرامكة على يد هارون الرشيد ونكبة الفاطميين في مصر، والكثير من الحوادث التاريخية التي مورست فيها أقسى أنواع التنكيل والتعذيب والقسوة المفرطة في التعامل مع الخصوم. لم تنتهي سياسة التخويف وفرض سلطة السلطة الغاشمة عند الخصوم السياسيين بل وصلت حتى لرجال الفكر والعقيدة والثقافة والفن والفلسفة، ولا ننسى قضية الحلاج وغيرها من الحوادث التاريخية التي أسست إلى وعي منهزم أمام السلطة وأمام جبروتها، الذي يقف خلف منهجها صناعة وعي ديني زائف ومنهزم ومضطرب تحت مقولة (كن مظلوما ولا تكن ظالما) لتبرير ما يعرف بالقبول السلبي بالظلم الواقع، الذي يجب أن يكون شعاره الحقيقي (لا تكن ظالما ولا تقبل بالظلم لك وعليك)، هذه الثقافة السلبية وجدت من يسخرها من رجال الدين وأعمدت الكهنوتية حين تم ترويج فكرة الخنوع والرضا بما يسمى القدر (أصبروا وصابروا وأنتظروا فرج الله) ومقولة (الله يمهل ولا يهمل)، وبالتالي تم سرقة الوعي من دائرة المقاومة والكفاح لرفع الحيف والظلم إلى دائرة الرضوخ والصمت والقبول بهما، في عكس حكم رباني محكم يشير إلى قضية أهمية العمل الإيجابي في مقاومة الظلم والظالمين (أعملوا وسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين )، العمل الذي جعله الإسلام وخاصة الإيجابي المتعلق بالخيرية والأحسنية هو أعلى درجات العبادة، من هنا كانت البداية وأنتهاء بممارسة سياسة تكميم الأفواه بواسطة منهج ديني مزيف إلى فرض سياسة الحرام والقداسة ضد رموز السلطة الغاشمة ولليوم. لقد تحولت سياسة الخوف والتخويف والإرهاب والقسوة إلى واقع يومي مقبول ومتعارف عليه بين الظالمين والمظلومين في أختلال واقعي وحقيقي لطبيعة الإنسان، لقد أتقن رجل الد-ين السلطوي والمعارض تدجين المجتمع على القبول بهذه الظاهرة وتعاون الإثنان طبعا وكلا له أهدافه الخاصة أن تتحول ظاهرة الخوف والجبن إلى ثقافة دينية ، الكهنوتي الرسمي رسمها كي يسهل لولي نعمته السلطان أن يحول المجتمع الإسلامي إلى قطيع أبقار وأنعام دون مقاومة وتحت ستار أطاعة أولي الامر منكم أطاعة لله والخروج عن إمام الزمان خروج عن الملة كلها، والكهنوتي المعارض أستخدمها بتبرير الحفاظ على كيانه الفكري أنتظارا لتبدل الظروف على أن يتبادل الدور لاحقا مع الظالم والكهنوتي الرسمي وتحت شعار لا يصلحها إلا إمام أخر الزمان أشارة للفكرة المهدوية، وهكذا صارت الظاهرة جزء من الملامح الرئيسية لهوية المجتمع الإسلامي الذي ينتظر من السلطان ويخافه أكثر مما ينتظر من الله ويخافه. في هذا الجو الذي يتداخل فيه الديني مع الحضاري مع الثقافي بالاجتماعي يكون من الصعب جدا تحرير الوعي من ظاهرة الخوف ومن دائرة الجبن الذاتي والقلق، ففي كل مرة نشهد فيها إنقلابا لموازين القوى نرى أن المظلوم الذي كان يعاني من ويلات الظلم والظالمين يتحول بفعل الكبت وحب الأنتقام إلى وحش كاسر ضد الأخر ومن ينتمي لهويته حتى لو كان هذا المنتمي شريكا طبيعيا بالمأساة ومظلوما من وجه أخر، لقد بقيت سياسات الثأر والأنتقام وحب القصاص تشكل واحدة من أهم مميزات الشخصية الإنفعالية المسلمة والعربية وخصوصا في العراق ونحن نقرا ونسمع في كل مكان وفي كل زمان مثلا (يا لثارات الحسين)، المشكلة ليست هنا وهذا معروف ومشخص ومدرك لدى المختص والنخبوي أضافة للإنسان البسيط، المشكلة في إيجاد منظومة الحل الطبيعي والعلمي والعملي الذي يتناسب مع خطورة هذا الميل الإنحرافي المؤدلج والتأريخي في الشخصية الفردية والجماعية، ما لم يخضع المجتمع لعلاج جذري من حالة الخوف الساكن في اللا وعي والقلق المسيطر على أنفعالات النفس من السلطة ورمزيتها المتمثلة بالشرطي البسيط، وأنتهاء بسياسة الفرض القسري السلطوي المدعوم بالأيديلوجية والفكر التكفيري والرافض للأخر من جميع الفرق الإسلامية بلا أستثناء، لا تقوم لهذه المجتمعات قائمة حقيقية ولا أمل بالشروع برؤية علاجية جذرية يمكنها أن تنقله من حالة الوعي المخدر بالثأر والأنتقام الغير نبيل ولا إنساني إلى الوعي الحر الإرادي الذي ينسى الإساءة ويقابل الأخر بروح القبول والتسامح ويعي أن السلطة في تجبرها وظلمها لا تمثل مذهبا ولا تعبر عن روحية دينية حقيقية.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقهى عبد ننه ... قراءة في تأريخ مدينة يسكنها وهج السياسة ويت
...
-
الحاكمية السياسية في الإسلام ... وهم القراءة وتخريج بلا مخرج
...
-
الحاكمية السياسية في الإسلام ... وهم القراءة وتخريج بلا مخرج
...
-
الحاكمية السياسية في الإسلام ... وهم القراءة وتخريج بلا مخرج
...
-
قالها ومضى
-
الحق بين الله ورجل الدين
-
المعرفة الدينية وإشكالياتها التأريخية وأثرها في فشل الإنسان
...
-
العرب والأعراب وتاريخهم المتناقض
-
أنا ورائحة البحر
-
رجالٌ هُويتُهم وَطَن ... قراءة نقدية في قصيدة الشاعر عبد الج
...
-
الدين الإنساني وتحولات الوعي المتجدد
-
العراق وخيارات المرحلة ح2
-
العراق وخيارات المرحلة.ح1
-
مقهى عبد ننه ... قراءة في تأريخ مدينة يسكنها وهج السياسة ويت
...
-
من أفسد نواب الشعب
-
الأيديولوجيا القذرة
-
النقد الديني بين ضرورة المعيارية النقدية ووحدة الهدف من المم
...
-
غضب .... ليس على وقع الجمر _ قصة قصيرة
-
الدين الأجتماعي وقضية الحرية في المجتمع الإسلامي
-
حروف للقاء ..... لقاء أخر بيننا
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|