سلمان رشيد محمد الهلالي
الحوار المتمدن-العدد: 5257 - 2016 / 8 / 17 - 14:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الكتاب الذين اقتبسوا افكار علي الوردي
ساهمت عملية تهمش الدكتور علي الوردي ومشروعه الفكري الليبرالي في العراق من قبل الحكومات القوميه الاستبداديه والانتلجنسيا الثورية التابعه لها الى انكفاء اطروحاته التنويريه وارارءه الاصلاحية ضمن نطاق محدود في البلاد , وعدم انتشاره عربيا واقليميا , رغم انه يعد الرائد في اغلب مجالات المعرفة (الابستمولوجيا) والحفريات (الاركيولوجيا) , مما ساهم في قيام بعض الكتاب العرب والاجانب باستعارة الكثير من تلك الاراء والمتبنيات التي نادى بها الدكتور الوردي واقتباسها دون الاشارة اليه , ضمن طرائق وأليات متعدده , قد لاتكون من خلال النقل الحرفي والكامل لبعض النصوص والكتابات , وانما استعارة المنهجيه والافكار التي طرحها الوردي وتطويرها الى مديات اخرى دون الاشارة اليه كرائد في هذا المجال . ويمكن الاشارة الى اهم الكتاب والمنظرين بحسب الترتيب الاتي :
1 – الكاتب والمؤرخ الامريكي حنا بطاطو : ان اول تساؤل يثير الشك عندنا في كتاب حنا بطاطو (الطبقات الاجتماعيه القديمه والحركات الثوريه في العراق) والذي ترجم بمجلداته الثلاث باسم (العراق) من قبل (عفيف الرزاز) هو اغفال ذكر اسم الوردي في مؤلفه هذا , او حتى غيره من الكتابات الاخرى, رغم ان الكثير من الموضوعات الاجتماعيه التي كتب عنها بطاطو سبق ان ذكرها الوردي قبله , لاسيما تلك التي تعنى بالبنى الاجتماعيه التقليدية و الفاعله كالقبيله والطائفة والاثنية والمائلية والمحلاتية والشيوخ والساده وغيرها . فقد نشر الاخيرمؤلفاته في الخمسينات والستينات ( عدا كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث في السبعينات ), فيما نشر بطاطو كتابه اعلاه عام 1978 , وهذا يعني اطلاعه حتما على مؤلفات الوردي الرائجه في العراق انذاك , وتاثر بها كثيرا , وبخاصة تبيان دور البنى الاجتماعيه في التحكم والتاثير بالشخصيه العراقيه واعتبارها المرتكز الدلالي الاول فيها . كما اشار الدكتور الوردي الى ظاهرة الانقسام الاجتماعي والمذهبي في العراق بصورة اكثر من غيره , وتابعه بطاطو في ذلك في عنوان مستقل لاحد فصول كتابه وهو (حول تباين العراقيين وتخلخل مجتمعهم وتقدمهم في العهد الملكي باتجاه بنيه سياسيه متماسكه) , فضلا عن موضوعات اخرى لايمكن حصرها الا ضمن دراسه مستقله واهمها قضية (تشيع) القبائل العربيه في العراق في القرون المتاخره , التي يعد الدكتور الوردي اول باحث او كاتب اشار الى هذه الظاهره بالدراسه واعطى مقاربات عامه حول اسبابها الاجتماعيه والاقتصادية والنفسية في كتابه (دراسه في طبيعة المجتمع العراقي) عام 1964 , وتابعه في ذلك كتاب اخرون اهمهم اسحق النقاش في كتابه (شيعة العراق) , الا ان الملفت للنظر هو امتداح بطاطو لكتاب شاكر مصطفى سليم عن (الجبايش) ومطالبته بتاليف كتب ودراسات متشابهه له , رغم انه لم يقارن من حيث المضمون والابتكار والرياده بمؤلفات الدكتور الوردي , التي تغطي مساحة اوسع من تاريخ العراق الاجتماعي الحديث والمعاصر .
ولم يكن تاثر بطاطو بالدكتور الوردي منحصرا بالمفردات الفرعيه او البنى الاجتماعية فحسب , بل ان ذلك يتعدى في اختيار المنهجية المعتمده في دراسة تاريخ العراق الاجتماعي , فقد ذكر الوردي في كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي)(ان اصح طريقه لدراسة المجتمع العراقي هى تلك التي جاء بها العالم الالماني المعروف ماكس فيبر .... فهى ملائمه لطبيعة مجتمعنا وظروفه الخاصه) , فيما اكد بطاطو على منهجبة كارل ماركس وماكس فيبر في تحليل المجتمعات العربية – ومنها العراقية - حتى انه ميز بين الطبقه Class و الوجاهه اوالمكانه Status , حيث تتحدد الطبقه من خلال الاقتصاد والملكية , فيما تتحدد المكانه او الوجاهه من خلال النسب والتعليم والانحدار الديني والعرقي . ونجد هذا ظاهرا في منهجية الوردي في تاكيده على البنى الاجتماعية والطبقات القديمه , وليس على التراتبيه الطبقيه التي اعتمدتها النظرية الماركسيه , والسائده بقوة عند الانتلجنسيا العراقية الثورية والمؤدلجة في الخمسينات والستينات , الا ان بطاطو اضاف الى منهجية ماكس فيبر في دراسة الطبقات القديمه وماركس في تحليل الجوانب الاقتصاديه الفاعله والمؤثره في تلك الطبقات , معادلة التاثير السياسي والايديولوجي والحزبي على تلك المؤثرات والفاعليات (وهو مالم يعتمده الوردي) الذي ابتعد عن الجانب السياسي , اما رغبة بالتمايز عن السديم الثقافي العراقي المتماهي كليا بهذا الشان , او خوفا من الملاحقة الحكوميه من جانب والغوغائية من جانب اخر .
2 – علي شريعتي : ان الاطروحة التي ذكرها الدكتور علي شريعتي في كتابه الشهير (التشيع العلوي التشيع الصفوي) والتي تناول فيها التمييز بين التشيع الاصلاحي والثوري الذي نادى به علي بن ابي طالب والحسين والائمه من بعدهم وبين ارتكاسه الى التشيع التقليدي او الكهنوتي الذي تبلورة خطوطه العريضة من قبل الدولة الصفوية , التي تاسست في ايران في القرن الخامس عشر والمتماهي كليا مع الطقوس الحسينية والعاشورية الفلوكلورية , هذه الاطروحة سبق ان ذكرها الدكتور علي الوردي في كتابه (وعاظ السلاطين) بنصها وروحها , وكالعادة لم يشر الدكتور شريعتي الى الوردي كاول باحث على مستوى العالم اجمع في تبيان هذا الفرق الشاسع بين الرؤيتين , رغم ان الاخير سبق ان ترجمت كتبه الى الفارسية خلال تلك المرحلة , مما يجعل فرضية اقتباس شريعتي لاراء الوردي في حكم المؤكد .
3 – جورج طرابيشي : فقد استعار الكاتب السوري جورج طرابيشي في كتابه (المثقفون العرب والتراث) منهجية الوردي في تحليل المثقف العراقي والعربي نفسيا , ومحاكمة دوافعه ومواقفه وارجاعها الى اللاشعور , وتاثير ذلك على على رؤيته للمتبنيات الفكرية والايديولوجية والسياسية , وادراج العقد النفسية والاجتماعية التي تحدد للمثقف والمتعلم على حد سواء المنطلقات التي ينادي بها او ينافح عنها . وكما تسلح الدكتور الوردي بنظرية فرويد في التحليل النفسي واهمية اللاشعور في تحديد تلك المتبنيات والمنطلقات , فقد استعار طرابيشي ايضا هذا السلاح الفتاك في تحلل وفضح وتعرية الانتلجنسيا العربية , لاسيما اطروحته الخاصه بالخصاء عند المثقفين والحنين للاب الميت والعلاقة المتوترة مع التراث وغيرها .
4 – محمد عابد الجابري : نستطيع القول ان هذا الكاتب المغربي المعروف قد اعتمد في كتابه (العقل السياسي العربي) على منهجية الدكتور الوردي في اعتبار التراث العربي – البدوي – الاسلامي هو البنية الاصلية التي يرتكز الفكر والسلوك العربي في العصر الراهن , وكيف انها تماهت وانصهرت حتى مع الشعارات والاداءات والايديولوجيات القومية والماركسية والاسلامية , وانها تشكل القاعده الاساسية والبنية اللاشعورية الاصلية , ليس للسلوك العربي العنيف والغوغائي والمتهور فحسب , بل حتى للخطاب الثوري والعصابي الذي اكتسح الساحة الثقافية للعالم العربي في الخمسيتيات والستينيات من القرن الماضي . ففي الوقت الذي كان فيه جميع الكتاب والمنظرين العرب منغمسين بالتفسيرات الماركسية والصراعات القومية والثورية والادعاءات الوطنية والتسامي الى المنظورات الغربية والعصرية الوافده كالوجودية والعبثية والعدمية , كان الوردي منعزلا ومنكفئا عن تلك المنظورات الظاهراتية , كنسيج متفرد ومتميز عن السديم او القطيع الثقافي والسياسي السائد انذاك , منشغلا بدراسة وتحليل ونقد الموروث العربي والاسلامي وتاثيره على الذات اوالشخصية العراقية والعربية , ولم تعترف الاوساط الثقافية العربية بتاثير ذلك الموروث والمتخيل على النظام المعرفي والاخلاقي واعتبرته نوعا من المفاهيم الرجعية والبالية التي تجاوزته المجتمعات , حتى الثمانينات من القرن العشرين عندما بدات سطوة الايديولوجيات الثورية واليسارية بالضعف والافول التدريجي , وظهور كتابات اطنبت بالتاريخ والتراث العربي والاسلامي واعتبرته كمرتكز دلالي في تفسير وتشخيص الاحداث اللاشعورية لهذه المجتمعات , اهمها كتابات محمد اركون ومحمد عابد الجابري (وقبلها كتاب ادونيس الثابت والمتحول عند العرب) .
ويظهر ابلغ تاثير للدكتور الوردي على اطروحة الجابري في استعراض الدوافع الثلاث التي تحرك الفكر السياسي العربي والتي اسماها الاخير (اللاشعور السياسي) . فمن المعروف ان هذا المصطلح قد ذكره المفكر الفرنسي روجيه دوبرية في كتابه (نقد العقل السياسي) الذي اكد فيه ان الظاهرة السياسية لايؤسسها وعي الناس , بل تؤسسها بنية العلاقات المادية الجمعية التي تمارس على الافراد ضغطا لايمكن مقاومته , وقد استعار الجابري هذا المفهوم وطبقه على الفكر السياسي العربي , واكد ان الذي تتحكم به ثلاث دوافع هى (القبيلة , العقيدة , الغنيمة) , ولكن اذا رجعنا الى كتاب علي الوردي (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) الذي صدر – كما قلنا – عام 1964 نجد انه قد ذكر ان مركبات الثقافة البدوية هى ثلاث : العصبية (وتقابل القبيلة عند الجابري) والغزو(وتقابل الغنيمة ) والمروءه (وتقابل العقيدة ) , وهذا يعني ان الجابري قد استعار او اقتبس المفاهيم الثلاث من الدكتور الوردي التي ذكرها قبل (20) عاما دون ان يشير اليه , وقد يجد البعض ان هذا الاتهام فيه اساءه شخصية او مباشرة للجابري , الا ان من يطلع على نقد جورج طرابيشي في (نقد نقد العقل العربي) لطروحاته واراءه وكشف سرقاته وانتحالاته وتزويره للمفاهيم وغيرها , يجد ان هذا الراي الذي ذكرناه ليس واردا فقط , بل هو في حكم المؤكد .
5 – ذكر العديد من الباحثين قضية اقتباس واستعارة اراء وافكار الدكتور الوردي دون الاشارة اليه , واهمهم في ذلك الكاتب العراقي حسين سرمك حسن في كتابه (علي الوردي عدو السلاطين ووعاظهم) وبين ان هناك عددا من الكتاب العرب اقتبسوا افكار الوردي ومنهجه واضافوا اليها لتصبح كتبا مستقلة ذات عناويين مختلفة , وابرزهم الكاتب المصري احمد عباس صالح في كتابه (اليمين واليسار في الاسلام) الذي اعاد قراءة التاريخ الاسلامي وفق ماطرحه الوردي في كتابيه (وعاظ السلاطين) و (مهزلة العقل البشري) حول تبلور الرؤيتين في التاريخ الاسلامي (الاصلاحي والسلطوي) . والكاتب السوري محي الدين اللاذقاني في كتابه (اباء الحداثة العربية) الذي اعتبر الجاحظ والتوحيدي والحلاج اباء مؤسسين للحداثة العربية بما حققوه من انجازات هائلة في حقل الثقافة العربية , فيما سبق ان اشاد الدكتور الوردي قبل خمسين عاما بدور الجاحظ والتوحيدي في مجالات الادب والثقافة في العصر العباسي , ويبدو ان اللاذقاني قد اضاف اسم الحلاج للتغطية والتعمية عن هذا الاقتباس الصريح .
6 – ذكر الكاتب العراقي هشام عدوان في مقالته (العلم والحرية والديمقراطة اعمدة الوطنية العراقية) ان هناك كتابا استعاروا العديد من المفاهيم والمنهجيات التي اعتمدها الدكتور الوردي دون الاشارة اليه امثال : الكاتب الليبي الصادق النيهوم في كتابه (محنة ثقافة مزوره – صوت الناس ام صوت الفقهاء) الذي تبنى رؤية الوردي في ضرورة تجديد القراءة للتاريخ الاسلامي , والكاتب العراقي هادي العلوي في كتابه (شخصيات غير قلقله في الاسلام) الذي اكد فيه على رمزية الامام الحسين وسلمان الفارسي في مواجهة الظلم والتسلط والاستبداد , ومحمد جابر الانصاري في كتابه (تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها) وامام عبد الفتاح امام في كتابه (الاخلاق والسياسة دراسة في فلسفة الحكم) في التاكيد على اهمية الديمقراطية وضرورتها في العالم العربي كحل جذري لمشكلة الصراع على السلطة .
#سلمان_رشيد_محمد_الهلالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟