تامر البطراوي
الحوار المتمدن-العدد: 5257 - 2016 / 8 / 17 - 09:46
المحور:
الادارة و الاقتصاد
الآثار الإقتصادية والإجتماعية المترتبة على النظام الإقتصادي في مصر من الدولة القديمة (الفرعونية) وحتى عصر محمد علي
منذ ثلاثين قرناً تقريباً قبل الميلاد بدأت تظهر الدول الموحدة حول الأنهار بمصر والشام والعراق وفارس والهند والصين.. والتي اتسمت بالنظام المركزي الشمولي الذي تملك فيه الدولة متمثلة في رأسها (الحاكم) كافة عناصر الإنتاج وينتقل ذلك المِلك إلى الحاكم الجديد لا بصفة الإرث وإنما بصفة الحكم باعتباره رأساً للدولة ، وقد ساد في تلك الدول نمط إنتاج وصفه مـاركس (مسودات 1875) بنمط الإنتاج الآسيوي (Asiatic mode of production)* ، وهو نمط إنتاج قائم على المجال الزراعي بالري الصناعي ، تقوم فيه الدولة المركزية بتنظيم الري (بناء السدود وشق القنوات) وفرض نفوذها على الأرض ومصادر المياه ، بحيث تصبح الأرض كلها مِلكاً للدولة متمثلة في المَلك بصفته (وقد استمر ذلك النظام في مصر حتى عهد محمد علي) ثم تقوم بتقطيعها وإعادة توزيعها على الأمراء والملتزمين والمعابد (حق الإله) فيما يُسمى "بالروك" ، وهو توزيع يقتصر على التصرف الإداري ويمتنع معه الظهور عليها بصفة المِلك ، بحيث يقوم الملتزمون بتعبئة الفائض إلى الدولة المركزية (مركزة الفائض) من خلال مندوبين (شيخ القرية) بكل وحدة إنتاجية (القرية) ، أما الفلاح فكان تابعاً للدولة لا للمُقْطَع له ولم يكن مُستعبد (Helots) وإنما يعمل على زراعتها مقابل نصيب من الناتج بحد الكفاف ، وكما أن القرية كانت الوحدة الإنتاجية التي تفرض عليها الضريبة ومن ثم يتضامن أفرادها فيما بينهم على تأديتها لمندوب الدولة فبالمثل كانت طوائف الحرف المهنية بمثابة الوحدة التي تجبى منها الضريبة لا من أفرادها ، وتخضع تلك الطوائف لإشراف وتنظيم ورقابة الدولة ، ولذلك فالنمط الآسيوي (أو الخراجي) يختلف عن النمط الإشتراكي وإن اختفت فيه الملكية الفردية لوسائل الإنتاج لأن الدولة فيه لا تساهم في عملية الإنتاج وإنما تقوم بدور إنشاء الأشغال العامة والحماية (خاصة من هجمات جماعات البدو في مصر) ، كما يختلف عن النظام العَبيدي الإغريقي والنظام الإقطاعي لأن الفلاحين يكونون أحراراً بالمعنى القانوني ولهم الحرية في ممارسة الزراعة من عدمها كما أن المُقطع له لا يورث ذلك الحق ولا يظهر عليه بمظر المالك ، أما التجارة الخارجية والتعدين فكانت احتكاراً حتمياً للحاكم كما كانت مزدهرة وضخمة ، وعلى الجانب السياسي والديني فقد اتسمت تلك الحضارات بالمركزية والنفوذ الديني والسياسي وكانت هناك دوماً أيديولوجية حاكمة مصاحبة (على اختلاف تعاقبها) تعمل على تأصيل حق مركزة الفائض ، وكان توسع تلك الأنظمة يقوم على فرض الضرائب والمصادرة وأعمال السخرة ، وأصبحت سلطة الحاكم مطلقة ، ولا تفريق بين حاجات الحاكم الخاصة والحاجات العامة ، إلا أن هناك رأي آخر يذهب إلى أن الأفراد كان لهم حق الملكية الفردية على الأراضي الزراعية وأن الأراضي لم تكن كلها مملوكة للملك وهناك الكثير من الأدلة التي تؤيد هذا الرأي ، فضلاً عن أن الأعمال لم تتم كلها بصورة السُخرة وليس أدل على ذلك من الإبداع الهندسي والفني الذي ظهر بشواهد تلك الحضارات والذي يتعذر معه قبول فرضية السُخرة على طول الخط ، ولو أن العامة كانوا قد شعروا بأنهم ضحية ظلم وجبروت ملوكهم لما حرصوا على بناء قبورهم حول أهرامات الجيزة وتبركوا به عدة قرون بعد أن انتقل إلى جوار رع ، بل إن الملك فتح المجال للثراء والترقي في المناصب الكبيرة للنابهين من أفراد شعبه خاصة في الدولة الوسطى والتي تصنف كعصر رخاء الإقتصادي ، إلا أن عموم الرأي على أن النمط الآسيوي (أو الخراجي) نمط إنتاجي تابع لقوة الدولة المركزية ويعمل على تقويتها ، لكونه قائم على الري الصناعي الذي تقوم الدولة على تنظيمه والإنفاق عليه من ناحية وحماية الثروة من ناحية أخرى فهو يزدهر بقوة الدولة ويضمحل بضعفها ، ولكون الفائض يتم تعبأته لصالح الدولة المركزية فهو نمط إنتاجي قائم على استنزاف المجتمع لصالح تقوية الدولة لا أفراد المجتمع ، فالوفرة لم تتحقق لأفراد المجتمع (بخلاف الحاكم) بل كان النظام قائماً على تفقير المجتمع بما يحصلون عليه من الكفاف مقابل مساهمتهم في عمليات الإنتاج ، والذي انعكس بدوره على انخفاض مستوى المعيشة وانخفاض أعداد السكان ، والتي بلغت نحو 1,61 مليون نسمة بالدولة القديمة (2686-2181 ق.م) ، و1,96 مليون نسمة بالدولة الوسطى (2055-1650 ق.م) ، و2,88 مليون نسمة بالدولة الحديثة (1550-1069 ق.م) ، وإلى 4 ملايين نسمة عام 1 ميلادي بنسمة 25% من سكان أفريقيا (16,5 مليون) و 1,7% من سكان العالم (230 مليون) ، و5 ملايين نسمة عام 1000 بنسبة 15% سكان أفريقيا (33 مليون) وبنسبة 1,9% من سكان العالم (268 مليون) ، و4 ملايين نسمة عام 1500 بنسبة 8,6% من سكان أفريقيا (46 مليون) و0,9% من سكان العالم (437 مليون) ، و4,5 مليون نسمة عام 1700 بنسة 6,5% من سكان أفريقيا (61 مليون) و0,7% من سكان العالم (603 مليون) ، و4,195 مليون نسمة عام 1820 بنسبة 5,4% من سكان أفريقيا (74 مليون) و 0,4% من سكان العالم (1,04 مليار نسمة) ، مما يعكس تحديات معيشية ظلت مصاحبة للمجتمع وحتى مطلع القرن الثامن عشر والذي ارتبط بنمط الإنتاج الخراجي الذي كان يعتمد على تعبئة الفائض نحو المركزة الداخلية أو الخارجية خلال فترات الإستعمار ، والذي قدر ترتب عليه انخفاض معدلات الإستهلاك والإستثمار ، فالإنفاق الإستهلاكي وتزايد معدلات الإشباع وارتفاع مستوى المعيشة يخلق بيئة من الإستقرار تؤسس لقاعدة إبداع بشرية لتتكامل مع التراكم الإستثماري للفائض لإثراء الحياة الإقتصادية والإجتماعية ، وهو ما لم يحدث في ظل سياسة مركزة الفائض ، حيث ظل متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي في مصر القديمة وحتى عام 1 ميلادي نحو 425 دولار دولي (PPP)* بحجم إنتاج محلي GDP 1,7 مليار يمثل 24,3% من الناتج الإفريقي (7 مليار) والذي يمثل بدوره 6,8% من الناتج العالمي (102,5 مليار) ، وبالرغم من الثبات النسبي لمتوسط إنتاجية الفرد المصري وحتى مطلع القرن الثامن عشر إلا أن نسب مساهمة النتاج المصري والإفريقي بدأت تنخفض بدأ من العام الميلادي الأول وحتى مطلع القرن الثامن عشر لتتسارع بعد ذلك بمعدلات غير مسبوقة ، ففي عام 1000 بعد الميلاد بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج في مصر 416 دولار بإجمالي إنتاج محلي 2,1 مليار تمثل 15,2% من الناتج الإفريقي (13,7 مليار) والذي يمثل 11,7% من الناتج العالمي (116,7 مليار بمتوسط إنتاجية للفرد بالعالم 435) ، وفي عام 1500 بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج في مصر 400 بناتج إجمالي 1,6 مليار يمثل 8,7% من الناتج الإفريقي (18,4 مليار) والذي يمثل 7,4% من الناتج العالمي (247 مليار بمتوسط إنتاج للفرد بالعالم 565 دولار) ، وفي عام 1600 ظل متوسط إنتاجية الفرد في مصر 400 دولار بناتج إجمالي 2 مليار يمثل 9,1% من الناتج الإفريقي (22 مليار) والذي يمثل 6,7% من الناتج العالمي (329 مليار بمتوسط إنتاج للفرد 593 دولار) ، وفي عام 1700 ظل متوسط إنتاجية الفرد في مصر 400 دولار بناتج إجمالي 1,6 مليار يمثل 6,7% من الناتج الإفريقي (24 مليار) والذي يمثل 6,5% من الناتج العالمي (371 مليار بمتوسط إنتاج للفرد 615 دولار) ، وفي عام 1820 بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي في مصر 418 بناتج إجمالي 1,8 مليار يمثل 5,7% من الناتج الإفريقي (31 مليار) والذي يمثل 4,5% من الناتج العالمي (694 مليار بمتوسط إنتاج للفرد 667 دولار)
تامر البطراوي. أبحاث في مبادئ علم الثروة عرض ومناقشة للنظرية الإقتصادية والإدارية، دار السلام للطباعة والنشر، الأسكندرية.
#تامر_البطراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟