|
تقيؤات الطائفيين
صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 5255 - 2016 / 8 / 15 - 18:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تقيؤات الطائفيين
كثيرة هي الأمثال التي تتناول تقييم سلوكية وشخصية الإنسان من خلال ما يقوله او ما يتحدث به في المجتمع الذي يعيش فيه او بين جلاسه ومعارفه. فالمثل الذي ينص على ان لسان الإنسان حصانه يهينه ويصينه، او تجنب الكلام حينما يكون السكوت من ذهب، او الدعوة إلى مضغ الكلام قبل إطلاقه على السامعين، وغير ذلك الكثير من هذه الأمثلة التي تشير حقيقة إلى تربية الشخص البيتية والمدرسية والإجتماعية التي تخوله لأن يكون صاحب حديث محترم وقول مقبول امام مستمعيه او قارئيه. هذه هي المبادئ العامة التي يحرص على الإهتمام بها كل انسان يملك شيئأ من الإحترام لنفسه ولمجتمعه وحتى لتاريخه العائلي او المدرسي . إلا اننا نجد وخاصة في هذا الزمن الذي كثرت فيه وسائل توسيخ المجتمعات بافكار واقوال تعافها المزابل اصلاً، والصادرة من بعض مَن سلكوا طريق الدين ليجعلوا من قذاراتهم الطائفية وتقيؤاتهم المذهبية وخزعبلاتهم واكاذيبهم الدينية حديثاً يخرجون به على الناس بكل ما يحتويه هذا الحديث من ابتذال خُلقي وأدب اجتماعي.
لا فرق هنا بين مذهب وآخر من مذاهب الطائفيين الذين اتخذوا من الدين الإسلامي ومن المجتمعات العربية الإسلامية مواقع ينشرون من خلال ما يتوفر لهم فيها من وسائل النشر والإعلام المرئي والمسموع والمقروء كل ما تحويه عقولهم وافكارهم المتخلفة وشخصياتهم المهزوزة من سموم لا يقوى على تحملها كل من يحمل ولو بقايا عقل او يمتلك ولو مساحة ضئيلة من الفكر الذي يعي ما حوله ويعيش تاريخه بزمانه ومكانه، وليس باحلام فقهاء السلاطين وتجار الدين من رواد الإسلام السياسي الذي اصبح إرهابه الدامي وتصرفات اتباعه المشينة تشكل سمة العصر الذي تعيشه البشرية جمعاء اليوم وليس المجتمعات العربية الإسلامية فقط.
يعتقد بعض هؤلاء الطائفيين بانهم حينما يعتلون المنبر الحسيني مثلاً، فإن قداسة هذا المنبر لدى الكثيرين من افراد مذهبهم ستعصمهم من مواجهة الآخرين الرافضين لمنطقهم الطائفي حتى وإن تحدثوا بلغة لا تنسجم مفرداتها مع الأخلاق والآداب العامة او مع الذوق الإنساني السليم. وهم في نفس الوقت يكشفون عن مدى تخلفهم حينما يتجاوزون على هذه القدسية للمنبر الذي يعتلونه ، ولا تفسير لديهم بمدى إنسجام البذيئ من القول الذي يتحدثون به من على هذا المنبر مع قدسيته. ففي الوقت الذي يبدأون به احاديثهم وخطبهم الدينية بكل ما يدعو إلى الورع والتقوى والمثل العليا، تجدهم ينقلبون مباشرة، وبدون مقدمات، للتفتيش في مخازن افكارهم البدائية حينما يجرهم الحديث إلى الآخر المخالف لهم في المذهب والذي لا يختلف عنهم مطلقاً فيما يسمونه ثوابت دينهم الواحد.
ولا يختلف الأمر هنا لدى الجانب المذهبي الطائفي الآخر حينما يتناول خطباؤه رموز وافكار، ولنقل دين الآخرين، المختلفين معهم في فرعيات دينهم الإسلامي المشترك وليس في اصوله. فقاموس هؤلاء المشايخ واتباعهم الذين طالما يتشدقون باقوال " السلف الصالح " من شيوخهم وأئمتهم ويستشهدون بها لينعتوا مخالفيهم في المذهب بمختلف النعوت والأوصاف التي لا يمكن ان تشكل لغة حوا ر او خطاب في مواقع يطلقون عليها بيوت الله او في مجالس يصنفونها ضمن التوعية الدينية، إن قاموس هؤلاء مليئ ايضاً بكل ما يعافه الذوق الإنساني ويأباه الخُلُق الرفيع.
فماذا نسمي هؤلاء ناشرو الحقد والكراهية والبغضاء ببذيئ الكلام ونشاز التصرفات ؟ هل نسميهم بناقصي الأخلاق وسيئي الأدب الذين لم تعلمهم مدراسهم الدينية التي تخرجوا منها او عوائلهم التي تربوا بين احضانها او مجتمعاتهم التي شبوا وترعرعوا فيها اية قيمة اخلاقية يمكنهم الإحتفاظ بها او توظيفها في المجتمعات والمواقع التي يتحثون فيها ومن خلالها ؟ فإن كانوا عديمي الأخلاق هكذا، حيث ان الكلام البذيئ الغير اخلاقي لا ينسجم والثوابت الدينية التي يتقولون بها على الناس من ان الدين يعني مكارم الأخلاق، فإنهم والحالة هذه عديمي الدين ايضاً وما على مراجعهم التي تسمح لهم بلعب هذا الدور المُقزز والساكتة عن تهورهم هذا إلا ان تبادر بتنظيف الدين الذي ترعاه من هذه الأفكار التي لا تسيئ إلا إلى الدين اولاً واخيراً.
او انهم ذو شخصيات مزدوجة تعاني من الإنفصام ليس في الدين الذي تتبناه فحسب، بل في التصرفات اليومية التي ترافق مسيرة حياتهم. فهم سادة الخطاب حينما يتعلق الأمر بالدعوة إلى التدين واجتناب المنكرات ، في الوقت الذي يرتكبون هم فيه اعتى المنكرات من خلال تحريض الناس على بعضهم البعض مستخدمين الوسائل المختلفة في تأجيج هذا التحريض، بما في ذلك التدني الخلقي والإنحطاط الأدبي.
في الحقيقة كثيرة هي الأوصاف التي يمكن ان تلتصق بشخصية كل من هؤلاء المهرجين، دعاة الفتنة،متخلفي الفكر، فاقدي المنطق والأخلاق الإنسانية. إلا ان المؤلم حقاً هو ان تجد مثل هذه النماذج البائسة مَن يستمع إليها ويردد وراءها صيحات التكبير استجابة لتفاهاتها واكاذيبها وخزعبلاتها.
إنها مهمة كل مَن يحرص على بناء مجتمع يتسع لجميع الإختلافات الدينية والسياسية والثقافية، ساعياً إلى جعل الإختلاف طريقاً للقاء والحوار والتفاهم والسلم الإجتماعي، ان لا يسكت عن فضح واستنكار والتأليب على مقاطعة مثل هؤلاء الذين يسلكون هذا الطريق الإجرامي بحق المجتمعات كافة وليس بحق المجتمعات العربية والإسلامية فقط.
الدكتور صادق إطيمش
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسلمون بالتقسيط
-
حينما يصبح الدين الإسلامي مهزلة بدُعاته
-
الإسلام السياسي عاهة المجتمعات الإسلامية
-
صروح الإسلام السياسي تتهاوى ... غير مأسوف عليها
-
الإنهيار القادم السريع لأمريكا وبريطانيا
-
إيضاح لابد منه
-
حكومة العراق ليست جبانة فقط ... بل ومنخورة ايضاً
-
لا تقل لي ...
-
جرائم العثمانيين لم تكن بحق الأرمن فقط ...
-
لصوص ونصوص ...
-
صيام اللصوص . . .
-
وهم التمييز بين التطرف والإعتدال في فكر الإسلام السياسي
-
مَن هم المفسدون ... ايها الصغير ؟
-
النص الديني كسلَّم للجريمة ... الأنفال مثالاً
-
النص الديني كسُلَّم للجريمة ... الأنفال مثالاً
-
المَزْعَطة
-
فتاوى الفقهاء في عَورَة ونقص النساء **
-
الإسلام السياسي جرثومة العصر
-
مجرمو شباط
-
إشكالية السياقين التاريخي واللغوي في النص الديني القسم الرا
...
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|