|
العراق ينتخب العراق
حسن حاتم المذكور
الحوار المتمدن-العدد: 1405 - 2005 / 12 / 20 - 08:40
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
قدر لي ان اكون احد العاملين في مركز برلين الأنتخابي والذي يتشكل من ثمانية محطات’ ولثلاثة ايام نعمل بين 14 الى 18 ساعة تقريباً يومياً ’ كنا متعبين ومرهقين حقاً لكننا نتنافس مع المحطات الثمانية الآخرى ايهما سينجز معاملات اكثر للناخبين . تمنيت لو كنت روائياً مقتدراً لأدون بعضاً من مشاهداتي وانطباعاتي حول العملية الأنتخابية ’حيث هناك بعض المواقف والتصرفات العفوية من غير الممكن التعبير عنها بما تستحقه بسهولة . مشاعر الناس ابتهاجهم عبرتهم دموع الفرح على خدودهم ’ فهمهم الرائع للديموقراطية وتعلقهم بها’ اصرارهم على تعلم دروسها ’ الفيض الهائل من المودة والأنسجام ووحدة الهدف فيما بينهم . كان واجبي بين الآخوة الثمانية هو توضيح طريقة الأنتخاب وبعد ان اختم ورقة التصويت اترك له الخيار بمفردة ورمي الورقة في صندوق الأقتراع . مرت بي نماذج او بالأحرى دروس قيمة تعلمتها من الناخبين هذبت الكثير من مفاهيمي السياسية والأجتماعية واصلحت مواضع الضعف بثقتي في المستقبل . اكثر المنتخبون كانوا قادمون من خارج برلين ’ شاب وامه وزوجته تحمل طفلاً جاءوا من مدينة درزدن ’ ابتداءت سفرتهم الساعة الخامسة صباحاً ’ انتظروا اربعة ساعات تقريباً عند مدخل مركز الأنتخابات ( ازدحام ) ’ كانوا حقاً متعبين شاحبين . ــ الله يساعدكم . ــ خويه كل شي يهون لعيون العراق . ــ يمه شنقدم للعراق ما نجازيه . ــ خويه هو اشعدنه غير العراق . سأترك تلك الكلمات كما هي لأني واثق من ان اي تعليق ومهما كان بليغاً سوف لن يليق بها . شخص مقعد تحدث لزميلي مشيراً لساقيه ــ ذني اطيتهن فدوه للعراق ’ ابخل عليه ابصوتي ’ هذا الوطن مزروع بكلوبنه ’ عمي عاشكينه . امراءة كردية وزوجها وثلاثة اطفال قالت . ــ احنه كلنه عراقيين ’ عربي كردي تركماني كلنه اخوه نبني عراق ماكو بيه حلبجه ومقابر جماعيه ’ مجاورة لها امراءة عربية ’ قبلتها وهلهلت عاش حلكج خيه ’ وصفق الحاضرون . سألني احد الشباب الأكراد . ــ كاكه احنه نعرف عربي ’ ليش انتم ما تعرفون كردي ... ؟ اعتذرت عنده وقلت . ــ كاكه انه اشعر بالخجل نتعلم كل لغات الدنيا ولا نعرف لغة الأهل ’ انشاء الله اولادنا يتعلمون لغة اخوانهم الكرد والتركمان ’ احنه جيل التسلط العنصري الشوفيني ’ سننقرض ويأتي عراق اجيال المحبة والتسامح والوءآم والتوحد . ــ اعرف كاكه ’ انه امزح وياك ’ احنه حته هذا الجيل اخوه ونحب بعضنه . جلست امامي امراءة وابنتها ’ كانتا على خلاف حول من ينتخبن . ــ بنتي مثل ما كتلج . ــ يمه انه انتخب بحريتي ’ هاي ديموقراطيه . ــ بنتي بس هذا احسن . ــ يمه انتي تشوفين هذا احسن وانه اشوف ذاك احسن ’ كلمن حريته . تدخلت واخبرت الأم ان ابنتها عندها حق . ــ اختي هاي ديموقراطيه واذا ما تبداء من الأسره ما راح توصل للمجتمع وقبلهه لازم تتشكل داخل ذاتنه . ــ خويه اكلك بصراحه انه كلت الهه ننتخب الجلبي ’ بس هي تريد مثال الألوسي ’ طيب يمه هسه انتخبي بكيفج . جلس امامي رجل واولاده وابنته ’ وانا اشرح لهم واختم الأوراق سمعته يؤكد عليهم . ــ ولدي مثل ما كلت الكم . اعترضت عليه’ حجي هاي مو ديموقراطيه واذا ما تمارسهه مع زوجتك واولادك معناهه ماسوينه شي. ــ اخي مو احنه بهذه المرحله نحتاج رجل قوي . ــ بابه صدام هم جان قوي وهجم بيوتنه ’ احنه محتاجين شعب قوي وقانون قوي وعداله قويه . ــ يالله ولدي بحريتكم وتكلوا على الله . امراءة تحمل طفلاً وآخر بجانبها ’ وانا اشرح لها ’ بكت . ــ لا بارك الله بيهم ما يخلونه نبني وطنه . ــ لا اختي انشاء الله نبنيه . ــ وداعتك من ذوله الجدامك يكبرون راح يفدون الوطن برواحهم . ــ الله يخليهم . واحياناً وبطريقة ما اتحايل على الحاضرين واخفي دموعي ’ ما اجمل المواقف الوطنية والأنسانية اذا ما تدفقت عفوياً من قلوب الناس . مرت علينا نماذج مشابهة كثيرة ’ هناك مثلاً من يريد ان ينتخب قائمة الأئتلاف وبعضاً من اولاده يريد الجلبي او علي الدباغ اوالألوس’ والتعلق بالديموقراطية كان كفيلاً بحسم الآمر . من حين لآخر نسمع هتافات واناشيد وهلاهل في المحطات المجاورة او خارجها ’ هناك من يهتف لكردستان وآخرين للسيد السيستاني او يغني البعض نشيد موطني ’ الجميع يعبروا عن فرحتهم بطريقة سلمية ودية ويشترك الجميع في نكات ساخرة عن مهازل مرحلة النظام البعثي المقبور ويضحك الجميع ويتعارفوا على بعضهم ويطيلوا البقاء في المركز الأنتخابي وشاهدنا بعض النساء يتبادلن العناوين ’ فالتي من السليمانية تدعوا الآخرى لزيارتها في الصيف ’ والآخرى ( تحلفهه ) ان تزورها الى بغداد باقرب فرصة وهكذا بين عوائل اربيل والبصرة او حلبجة واهواروميسان ’ تلك هي ثقافة المودة والآخاء وتجديد العلاقات الأنسانية بين العراقيين تأخذ طريقها الى قلوبهم وتتجذر داخل ذاتهم حيث العراق كما كان امــة وخيمة للجميع . وهنا يدرك المرء ان الديموقراطية تقاتل وتحقق انتصارات داخل الذات والأسرة والدولة والمجتمع ’ وتلحق الهزائم بالموروث السلبي ’ انها تمثل الجديد بكل حيويته وعافيته واصراره على رفع وتجاوز تراكمات اورام القديم واوحاله . كما قلت كنا نحن العاملون في المركز الأنتخابي متعبين مرهقين ’ لكن الناخبون وهم الأكثر تعباً وارهاقاً كانوا يجددون حيويتنا ويجعلوا العمل واللقاء معهم عرساً عراقياً مشتركاً يحتفل به العاملون والناخبون ’ هولاء هم ابناء الجالية العراقية يحتفلون ويفرحون في احضان الهم العراقي المشترك . الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل من يوم 15/12/2005 اي صباح 16/12 انجزنا عملنا وغادرنا المركز الأنتخابي وفي البيت وقبل ان نذهب الى الفارش دفع بعضنا الفضول لمعرفة ما انجزه اهلنا في العراق يوم 15/12/2005 وكيف سارت الأنتخابات ’ وكم نسبة المشاركين ’ وما حجم المعوقات ’ كان كل شي مفرح ’ العراقيون انتخبوا عراقهم وبمشاركة عالية ’ ابتهجنا واحتضنا فرحتنا ونمنا مبتسمين سائلين انفسنا ’ هل ان السياسيون واعني اولائك الذين كانوا معارضون مجاهدون ثوريون مثاليون في برامجهم وادعاءاتهم قد تعلموا شيئاً ’ او اكتسبوا شيئاً ولو متواضعاً من ذلك الذي يتمتع به المواطنيين من الفة وانسجام ومودة ونكران ذات وحباً صادقاً للوطن . في اليوم التالي وعلى شاشة التلفاز وصفحات الصحف المحلية والألكترونية صفعنا الواقع البائس لرؤساء القوائم الأنتخابية . اعلن الدكتور الفلاني فوز ساحق لقائمته ولم ينسى العروض المحاصصاتية لقائمته ’ وشكك الدكتور العلاني بأن قائمته ستقدم شكوى ضد القائمة الفلانية يتهمها بالتزوير والتدخل ’ ولام البعض المفوضية العليا لأنها كذا وكذا ’ وعبر دكتور القائمة الفلانية عن طبيعة عروضه ومناوراته القادمة وابتداء غسيل المساومات والأبتزازات والمناورات ونوايا التوافق والمحاصصات ينزف من افواه دكاترة الأمية الوطنية والأخلاقية ’ وابتداءت احزاب الفضلات تمسح الساحة السياسية بذيولها وتحصد التراب ’ سياسيي الفوضى والأرباك والتزاحم على ما ليس لها نماذج لا تستحق ذلك الشعب العظيم ’ ما ابعدها عن اخلاق التسامح والتصافي وحب الوطن التي تتصف بها الجماهير العراقية ’ نماذج لم تبقي لصدام حسين ما نلومه عليه من حيث الفساد والأختلاس والرشوة والمحسوبية والفرهود ’ يتسابقون نحو زاوية اللعنة من تاريخ السقوط السياسي والأجتماعي والأخلاقي ’ لكن العراقيون وفي جميع الحالات قد انتخبوا العراق ’ ومهما تكن الصورة القادمة للعملية السياسية فهم يبنون اضعاف ما يهدمه الآخرون ’ ويتعلمون اضعاف ما ينساه المنظرون ’ والديموقراطية وليدة مخاضهم وثمرة معاناتهم وهم جديرون بحمايتها من ضواري الأزمنة الرديئة .
#حسن_حاتم_المذكور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجادرية هلاهل في عرس بعثي
-
الرفيق ابو داوّد اهكذا سنمضي الى ما نريد ؟
-
اشكالية الجالية العراقية في الخارج
-
تفجيرات انتخابية
-
هكذا يسترجع البعث جمهوريته الثالثة
-
هكذا تكون المواقف الوطنية
-
الأنتخابات القادمة: لن تكون موجة لصعود التآمر البعثي
-
البعث : وجهان لعملة الخيانة الوطنية
-
( ثرثرة على ضفاف العملية السياسية ( 3
-
ثرثرة على ضفاف العملية السياسية 2
-
ثرثرة على ضفاف العملية السياسية-1
-
العراق : الخاسر في لعبة المصالحة
-
عودة الى : الأمة العراقية ... لماذا ؟
-
اين المصالحة في مؤتمر الوحدة الوطنية ... ؟
-
مؤتمر المصالحة: مفخخة سيفجرها عمرو موسى
-
نساء المسلمات يتظاهرن في البصرة
المزيد.....
-
الجمهوري أرنولد شوارزنيجر يعلن دعمه للديمقراطية كامالا هاريس
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل
-
كوريا الشمالية: تصرفات الولايات المتحدة أكبر خطر على الأمن ا
...
-
شاهد.. ترامب يصل إلى ولاية ويسكونسن على متن شاحنة قمامة
-
-حزب الله- ينفذ 32 عملية ضد إسرائيل في أقل من 24 ساعة
-
بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعو إلى التجديد العاجل للخدمات الم
...
-
وسائل إعلام: تقدم في المفاوضات حول وقف إطلاق النار بين إسرائ
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل (صور)
-
إعصار كونغ-ري يقترب من تايوان والسلطات تجلي عشرات الآلاف وسط
...
-
ما هي ملامح الدبلوماسية الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|