أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم فتحي - هل نعيش في زمن ما بعد الحقيقة؟














المزيد.....

هل نعيش في زمن ما بعد الحقيقة؟


إبراهيم فتحي

الحوار المتمدن-العدد: 5253 - 2016 / 8 / 13 - 10:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شاع في السنوات الأخيرة استخدام تعبير سياسة ما بعد الحقيقة لوصف ظواهر سياسية جديدة مثل صعود نجم دونالد ترامب المرشح الجمهوري الذي جاء من خارج المؤسسة السياسية والاستقطاب الشديد لمؤيدي الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة إلى درجة غير مسبوقة دون أن تطرح المسائل الأساسية التي تتوقف عليها معيشة الشعب والسياسات المؤثرة فيها. ويقتصر الأمر في تلك الحملات على قضايا فرعية وإثارية في معظم الأحوال مثل الإجهاض والحق في حمل السلاح، أو يتحول السباق الانتخابي إلى مبارزة في الشعبية أو حتى انعدامها لا منافسة بين برنامجين فعالين. وعلى الجانب الآخر من الأطلنطي وجِّه اللوم إلى سياسة ما بعد الحقيقة إلى الحملة التي انتهت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تلك الحملة التي تميزت باستخدام أساليب خارجة عن تقاليد الجدال السياسي في الإطار المألوف للديمقراطية البريطانية حيث تراجعت الحجج والحقائق لصالح تحيزات لا أساس لصحتها وفي بعض الأحيان استخدمت أكاذيب صريحة. في الحالتين ساد بدرجات متفاوتة عدم الاعتماد على الحقائق أو الحجج المبنية على دراسة الواقع المؤيدة بالإثباتات. فسياسة ما بعد الحقيقة هي سياسة التخلص من الحقيقة وتجاهلها.
فما هو مصدر تعبير ما بعد الحقيقة؟ في بداية السبعينيات نشر ريتيل وويبر، وهما عالمان في تخطيط المدن في أمريكا، ورقة بحثية في محاولة لفهم الانقسام والاستقطاب في الرأي العام تجاه قضايا مهمة. وأرجع الباحثان انصراف الجماهير عن النخب السياسية إلى عدم الثقة في قدرة خبراء المؤسسات على حل مشاكل اجتماعية وبيئية جديدة أي أن الوفرة وحل المشاكل التقليدية في الخمسينيات قادا إلى ظهور مشاكل جديدة. وفي هذا السياق ميز الباحثان بين ما أسمياه “المشاكل الأليفة” حيث المشاكل البسيطة التي يمكن الاتفاق على طرق حلها مثل الأثر الإيجابي للاهتمام بالصحة والصرف الصحي وتحسين الإنتاجية الزراعية على سبيل المثال، وبين القضايا “الوعرة” التي ظهرت بعد الرخاء مثل قضايا التغيير المناخي وطرق محاربة الجريمة وتجريم العقاقير المخدرة حيث لا يوجد اتفاق على طرق حلها، بل يتوقف تعريف الخبراء لها وآراؤهم فيها على تحيزاتهم ومعتقداتهم الشخصية. وأصبح بإمكان السياسيين أن يجندوا خبراء يقدمون حلولا تتفق مع مواقفهم السياسية. وبذلك انتقلت المعارك الإيديولوجية إلى أرض جديدة وظهر الخبراء كلاعبين أساسيين في المجال السياسي حيث لا يستجيبون للطلب على المعلومات والتحليلات فحسب، بل أصبح لهم مصالح تجعلهم مدافعين عن رؤاهم ومصالحهم بل عن بقائهم ذاته. وشاعت بين الليبراليين والمحافظين في الولايات المتحدة على السواء ثقافة البحث عن معلومات من مصادر إعلامية تثبت تحيزاتهم الإيديولوجية المسبقة ولا تتحداها. ومع خلق عالم من الحقائق المتناقضة المتجاورة أصبح من الصعب على الجمهور أن يفرق بين الكذب المغلف بآراء الخبراء والوقائع المجتزأة من جانب والحقيقة من جانب آخر، وحينما يكون الواقع معقدًا يصبح من الصعب البحث في أسباب التعقيد مما يدفع السياسيين إلى اللجوء إلى الحلول السهلة والتبسيطات المباشرة. وأصبح من السهل في عصر شيوع وسائط الاتصال الاجتماعي نشر إشاعات وحقائق مجتزأة يتم استغلالها من المرشحين للترويج لهم وزيادة شعبيتهم.
تخدم الميديا في العالم مصالح القوى التي تمولها وتسيطر عليها لا عن طريق تدخل تلك القوى السافر بل عن طريق معالجة الأخبار بتقديم “خبراء” لتأكيد التحريف الرسمي لها وانتقاء هيئة من الشخصيات ذات التفكير المطلوب والمحررين والصحفيين الذين هضموا الأولويات والتعريف الرسمي لأهمية الأخبار وتطابقها مع سياسة المؤسسة. ومن المعتقد أن ما يراه الصحفيون جديرًا بأن يكون أخبارًا وما يعتبرونه مسلمًا به كمقدمات لعملهم يفسر غالبًا بواسطة الحوافز أو الضغوط والاضطرار. ومن المؤكد أن التصاق الميديا بجدول أعمال رسمي متفق عليه يؤثر في توجيه الرأي العام للاتجاه المطلوب وقد يخلقه خلقًا. ولكن حيث تبتعد مصالح الجمهور بشدة عن الخط الرسمي وحيث تكون له مصادره المستقلة للإعلام فإن الخط الرسمي يصبح محاطًا بشكوك عميقة، فليست كل دعاية تصدر عن الميديا مؤثرة دائمًأ بالدرجة نفسها. ولكن تمركز الميديا ونمو تكتلاتها المسيطرة على أنواعها المختلفة، ستوديوهات سينما وشبكات تليفزيون ومجلات وجرائد ودور نشر كتب تقوي من تأثيرها، فتلك الاحتكارات تستولي على أنظار ومسامع وأذهان الجماهير بأفلامها وعروض تليفزيوناتها وأغانيها ومجلاتها وجرائدها وكتبها، وتخلق معاني الواقع ودلالاته وقيمه الحاكمة وتقوم بتصنيعها.
وليس مصدر السوء ماثلاً في تعدد ووفرة وسائط الاتصال (الميديا)، فهي ذات فوائد عظمى في توعية الشعب وتثقيفه وتوجيه سلوكه، ولكن الخلل ناتج عن المصالح الضيقة الأنانية للقوى الاجتماعية التي تمولها وتحاول السيطرة عليها. وكلما تعمق نفوذ القوى الشعبية ونفوذ ممثليها السياسيين والفكريين في إدارة الميديا ارتفع مستواها في سعيها للموضوعية والبحث عن الحقيقة والتمسك بالحريات والدفاع عن العدالة الاجتماعية.



#إبراهيم_فتحي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (1)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صعود وانهيار النموذج التركي
- ما بعد العاصفة / توابع الاستفتاء البريطاني على الخروج من الا ...
- رواية الجريمة النشأة والتطور
- علاء الديب وتمجيد الحياة
- صناعة الثقافة
- أدب نسوي أم أدب إنساني
- إردوغان والسلطنة التركية الجديدة
- السلالات الحاكمة في السياسة والاقتصاد
- -الاختلال- العالمي الجديد
- تطور تقنيات الرواية في مصر
- صعود اليسار في جنوب أوروبا
- كيف قرأت أمل دنقل
- الحرب العالمية والأدب
- اليسار الراديكالي والسلطة جنوب أوروبا
- هنرى كورييل ضد الشيوعية العربية فى القضية الفلسطينية -
- الحاضر والتاريخ عند نجيب محفوظ
- حيرة ومتاهات موقتة في القاهرة
- إبراهيم أصلان ساحر البيان
- الشباب والسلطة في مصر
- مشاكل الشريعة الإسلامية والدستور المصري


المزيد.....




- أمريكا.. آخر تطورات احتجاز الطالبة التركية أوزتورك بعد فيديو ...
- ماكرون يشعل تفاعلا بفيديو عناق زيلينسكي وما قاله بتعليق
- بوتين يقترح إجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول وماك ...
- مضاعفات خطيرة لارتفاع مستوى ضغط الدم
- ظاهرة غريبة في أنتاركتيكا تحير العلماء!
- محادثات الرسوم الجمركية بين واشنطن وبكين ستتواصل الأحد بعد إ ...
- إسبانيا.. سحابة سامة تحبس 150 ألف شخص في منازلهم (فيديو)
- وزير خارجية ألمانيا يلتقي بعائلات الرهائن في أول زيارة له لإ ...
- هل تنجح ثورة تونس الجديدة؟
- عاجل| أ.ف.ب عن ترمب: سنواصل العمل مع موسكو وكييف لإنهاء الحر ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم فتحي - هل نعيش في زمن ما بعد الحقيقة؟