|
الحاكمية السياسية في الإسلام ... وهم القراءة وتخريج بلا مخرج _ ح2
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5252 - 2016 / 8 / 12 - 09:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من خلال تعقبنا للفهم البشري للنص الديني سواء المتعلق منه بحاكمية الله ومداها وبين مفهوم الإمامة والخلافة بمعنى الحاكمية البشرية المنفذة لحاكمية الله كما يزعم البعض، نجد أن هناك ما هو غريب في تطبيقه لمفهوم واضح وتخريج غير موفق ولا سليم لفكرة بعيدة تماما بنتائجها عن مقدماتها وهذا ما يسمى التطبيق الإعتباطي للفهم الشخصي والذاتي للنص القرآني خاصة والديني عامة، لقد حول الفقيه القضية الفكرية الدينية الخطابية الإرشادية إلى عقيدة أيديولوجية مقننة وأحاطها بالقداسة وكللها بأنها حكم الله، مثلا يورد أحدهم أنه صح عن النبي ص (إنَّ الله هو الحَكَمُ، وإليه الحُكْمُ)، وهو أبا الأعلى المودودي أول من صاغ فكرة الحاكمية الإلهية في الإطار السياسي والاجتماعي والقانوني، وقد قام بتوظيف ذلك من أجل بناء نظرية سياسية تقوم على منظومة عقائدية، حيث تتجلى الحاكمية الإلهية في السلطتين السياسية والقانونية. هذا الرجل ومن خلال ما يؤمن به من “أن الحاكمية في الإسلام خالصة لله وحده"، وبالتالي يجرد الإنسان من حقه الطبيعي في خوض التجربة التاريخية والسياسية لمجتمعه والواردة في نص محكم لا لبس فيه حيث يقول الله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) فهو يؤكد على أن القرآن عندما طرح قضية التوحيد أراد منها أستغراق كل الوجود داخل هذه الدائرة، بمعنى أخراج الإنسان وإرادته وإشاءته من أن تكون حاضرة حتى في التصرف بقضية شخصية تخصه لا علاقة لها بالدين وضرورته الوجودية كخطاب عقلي إرشادي، ويمضي أكثر في تطرفه حين يفسر أو يرى في قول أن الله وحده لا شريك له ليس له حدود داخل الأطار الديني ويذهب به أبعد عندما يدخل فيه بالمعنى السياسي والقانوني كذلك، وهو يزعم بدون أن يتردد أن وجهة نظر الإسلام تنص على إن الحق تعالى وحده هو الحاكم بذاته وأصله!!!، وإن حكم سواه أعتباري وتبعي والغاية منه تنفيذ الحاكمية الأولى وبسطها وجودا، وبالتالي تجريد الإنسان من أي شكل أو صورة من الحاكمية إطلاقا… هذا الفهم المتطرف والمتعدي ليس على حق الإنسان في إدارة وجوده الحر بل تضييق حتى على النص الديني وتعطيل الأحكام العامة والتفصيلية من لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) والكثير من النصوص التي تركت الحاكمية للبشر في جزئها المختص بهم، ويتعارض أيضا مع التجربة العملية التاريخية التي قادها الأنبياء والرسل من قبل حين كانوا أفرادا في أمم وفي أفضل الحالات كانوا قادة وليسوا حكاما تنفيذين، حتى مع تجربة النبي محمد في المدينة لم يكن الرجل سياسيا متدخلا في كل شيء وفي التفاصيل، بل كان معلما وأنموذجا يتعاطى الشأن العام لأسباب عديدة، أولا لغياب السلطة منظمة القادرة على التحكم بالمجتمع وقيادته وفقا للناموس الطبيعي، وثانيا لإرساء تجربة مجتمع سيتحول نوعيا وكيفية من مرحلة الجهل والجاهلية والفوضى إلى مرحلة الأمة التي تحمل رسالة وعليها مهمة بناء مجتمع قادر بذاته على رسم مستقبله بحرية. إذن التجربة والنص تؤكدان أن الدين لم يكن متوجها على تطبيق الحاكمية الربانية بشكل هستيري شامل وعام وتفصيلي كما يزعم مثلا صاحب نظرية سلطة الله وحاكميته الشاملة والتي وصل فيها إلى علة الخلق والجعل فشوهها وأخرجها من أطار العلة إلى أطار الغاية بقوله، ((وخلافة الإنسان عن الله في الأرض لا تُعطي الحق للخليفة في العمل بما يشير به هواه وما تقضي به مشيئة شخصه، لأن عمله ومهمته تنفيذ مشيئة المالك ورغبته)) ، هذا التطرف هو الذي أولد عبر التاريخ الديني حالة التمرد والإستلاب وظن بعض المتدينين أن وجوده وفهمه الذاتي وإيمانه بالنظرية سيمكنانه من فرضها على الناس ليس من خلال جلب الله ليحكم كما يريد بل من خلال تنصيب نفسه نائبا عن الله في تنفيذ إشاءته المزعومة وليس تكليفا فقط بل وجوب ضروري لأعتقاده أن المؤمنين قد تكاسلوا عن نصرة الله فهو ملزم حسب النظرية أن ينفذها عن الله وبالقوة.. ((فليس لأي فرد ذرة من سلطات الحكم… وأي شخص أو جماعة يدَّعي لنفسه أو لغيره حاكمية كلية أو جزئية في ظل هذا النظام الكوني المركزي، الذي تدبر كل السلطات فيه ذات واحدة هو ولا ريب سادر في الإفك والبهتان)).. لقد قادت هذه النظرية إلى نشوء المدرسة التكفيرية المحافظة والمتطرفة في فهمها للدين وخرجت بذلك الكثير من العقول التي لا ترى للإنسان أي حق في إدارة حتى نفسه، معتمدة على نظرية أن الحكم لله وأن الله خير الحاكمين، فهي تنادي بحكم الله وتنفذه بموجب رغبة وإرادة ومنهج بشري فقد حلت في نفسها محل الله وزعمت أن تخلي المجتمع الطوعي عن إيمانه بالنظرية هو تخلي عن العقيدة وبالتالي فالوجوب القهري يمنحها السلطة والحاكمية، فهي تعتقد أن الله ليس مجرد خالق فقط، وإنما هو حاكم كذلك وآمر ومسيطر ومنفذ وقد خلق الخلق بطريقة قهرية وأوجب عليهم الإيمان بحكمه ولم يهب أحدا حق تنفيذ حكمه فيهم عن طريق نبي ولا عن طريق رسل بل أختص لنفسه وحصر إرادته في التنفيذ، لقد كان هذا المنهج والنظرية عنوان تطرف ومحادة للنص وأخرج كل مفاهيم العقل والتدبر والتفكر من دائرة الوجوب وعطل الكثير من النصوص بلا معطل حقيقي ولا نص مقابل نص ولا حكم مقابل حكم، فقط لأن قراءته الخاصة تذهب نحو أتجاه التشدد الذي يتنافى مع منهجية التيسير والتبسيط والملائمة التي جاءت بها النصوص(إنما يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). إنكار التجربة البشرية بشقيها التنظيمي والقانوني وهو ما يعبر عنها في علم الأجتماع بالتجربة التاريخية الأجتماعية التي أوصلت الإنسان إلى مرحلة التنظيم والتعاون والمشاركة هي أساس فكرة الحاكمية التي نادت بها المدرسة التكفيرية، يرى المودودي ((أن الإسلام يضاد ويعارض الممالك القائمة على المبادئ المناقضة للإسلام ويريد قطع دابرها، ولا يتحرج في استخدام القوة الحربية لذلك))، متناسيا مثلا قول الرسول ص عندما أمر بعض المؤمنين بالهجرة إلى الحبشة ليس فقط لأن فيها ملك عادل، بل أيضا لأن الملك العادل هو نتاج نظام عادل ونتاج ثقافة مجتمعية ساعدت على قيام مملكة تحترم حق الإنسان في التدين، إن هذه المدرسة التي خصصناه في الدراسة ليس لأنها مميزة في تطرفها ولكن لنرى كيفية التطرف الذي أصاب الفهم الأعتباطي للنصوص ومحاولة زج الدين في صراع غير متكافئ مع الإنسان لتجريده من خيار الحرية وتعطي الغالب من نصوص الدين التي تشير إلى حقه في تدبر أمره وتسيير شؤونه. هنا أيضا لا نستثني باقي المدارس الإسلامية السياسية من النتيجة ولا من سوء الأخراج فهي غالبا تتشارك في النهايات وإن أختلفت في التفاصيل، حتى ولاية الفقيه التي صارت جزء مهم من تراث المدرسة الإمامية ومن عقائدها تشترك في كون الإسلام واجب التطبيق أمميا، وعلى المسلمين تجاوز فكرة المجتمع الإسلامي الحالي وعليهم السعي لأن يكون الحكم الإسلامي هو الخلاص النهائي للبشرية، فمثلا هناك رؤى كلية تؤمن بأن الدين لا يريد بهذه النظرية أن يكره من يخالفه في الفكرة على ترك عقيدته والإيمان بمبادئ الإسلام على أقل تقدير مع وجود تدابير أخرى كالجزية مثلا، ولكن يريد أن ينتزع زمام الأمر ممن يؤمنون بالمبادئ والنظم التي يسميها كافرة أو باطلة بمعنى إسقاط التجربة التاريخية الأجتماعية ليبني بدلها الدولة الدينية التي هي تطبيق قانوني لنفس المبادي السابقة مع تغيير العنوان، فالملك ورئيس الجمهورية وما يشابههما من أسماء هو نفسه الخليفة أو الإمام مع فارق أن الأول يعمل ضمن تجربة مجتمع والثاني يعمل وفق أيديولوجية عقائدية تستلب الانسان حقه في تقرير المصير. الفكرة النهائية التي تتبناه نظرية الحاكمية الإسلامية بوضعها الراهن تنص وتؤمن وتعمل على فكرة إن الإسلام ليس له حدود جغرافية مبينة وواضحة حتى نقول عنه انه يذود ويدافع عنها، وإنما لديه مبادئ للإنسانية مرتبط بها وعلى الإنسانية بالوجه المقابل أن ترتبط به هيئة وأصول وتتقيد بأحكامه، ”ومن هنا رفضت الفكرة الإسلامية مفهومي الوطن المحدود بل ووصمتهما بالحس الجاهلي الذي يحبس الدين عن أن يتمدد بكل الوسائل بأعتبار أن حكم الله لا بد ان يسري على كل ملك وخلق الله، وقد تبنى النهج نفسه سيد قطب عندما اعتبر الإسلام «إعلان عام لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد، وذلك بإعلان ألوهية الله وحده، (التي تعني) الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور.. إن معناه تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض»، وإزداد في تطبيق نظرية الحكم الإلهي بأعتبارها إن الإسلام هو الحل الذي ليس دونه حل ليس وفقا للنصوص ولا من التجربة النبوية بل بتقدير نظري مبني على تخريج أعتباطي يزايد حتى على إرادة الله في أن يكون الناس أمة واحدة رضوا أو أبوا أو رضي اله أو أبى فيقول، «مملكة الله في الأرض… لا قيام لها إلا بإزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر، وتحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة أو قهرها حتى تدفع الجزية وتعلن استسلامها والتخلية بين جماهيرها وهذه العقيدة، تعتنقها أو لا تعتنقها بكامل حريتها”.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحاكمية السياسية في الإسلام ... وهم القراءة وتخريج بلا مخرج
...
-
قالها ومضى
-
الحق بين الله ورجل الدين
-
المعرفة الدينية وإشكالياتها التأريخية وأثرها في فشل الإنسان
...
-
العرب والأعراب وتاريخهم المتناقض
-
أنا ورائحة البحر
-
رجالٌ هُويتُهم وَطَن ... قراءة نقدية في قصيدة الشاعر عبد الج
...
-
الدين الإنساني وتحولات الوعي المتجدد
-
العراق وخيارات المرحلة ح2
-
العراق وخيارات المرحلة.ح1
-
مقهى عبد ننه ... قراءة في تأريخ مدينة يسكنها وهج السياسة ويت
...
-
من أفسد نواب الشعب
-
الأيديولوجيا القذرة
-
النقد الديني بين ضرورة المعيارية النقدية ووحدة الهدف من المم
...
-
غضب .... ليس على وقع الجمر _ قصة قصيرة
-
الدين الأجتماعي وقضية الحرية في المجتمع الإسلامي
-
حروف للقاء ..... لقاء أخر بيننا
-
العمامة والزي الديني توظيف للأنا المتضخمة وخداع للمؤمنين بأن
...
-
هلوسات رجل مهزوم ..... لكنه يحلم
-
أحلام الوطن البديل
المزيد.....
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|