|
الحاكمية السياسية في الإسلام ... وهم القراءة وتخريج بلا مخرج _ ح1
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5251 - 2016 / 8 / 11 - 21:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من الشائع في الكتابات السياسية من ضمن دائرة المعرفة الدينية عامة والإسلامية خاصة ان للدين وجه سياسي يمكن ان يكون قاعدة لتكوين نظرية الحاكمية للمجتمع تقوده نحو الكمال النسبي التي تطمح له أهداف الله في الأرض، وقد كثرت البحوث الخاصة و التنظيرات في الشكلية و الماهية لهذه النظرية السياسية و أيضا شكل الحاكمية ومصدريتها معتمدين مثلا على نص قرآني بشكل أساسي وهو ( ان الحكم الا لله )، اما عمليا فهم يرون في التجربة النبوية وملامح الحاكمية السياسية في زمن الدولة الراشدية تطبيق عملي لهذا الزعم وتأكيدا على صلاحية الدين كنظرية سياسية يعتد بها، الملفت للنظر ان جميع هذه النظريات وبجميع توجهاتها القائمة على الخلافة او الامامة لم تتفق على شكل الحاكمية ولا على أساسها التكويني النصي باختلاف هام وجذري بين الطرفين حول القاعدة التكوينية لمفهوم الحاكمية ذاتها. الفقهاء الشيعة من جهتهم ومعهم التيار الإسلامي الذي يعتمد الامامة سلطة دينية ودنيوية قائمة على حق منصوص عليه (على ان الامام وفق السياقات التي يؤمنون بها هو الاحق بقيادة الدولة الإسلامية سواء تمكن هذا الامام من العمل ضمن دائرة الممكن او منع منها) فهي وظيفة أساسية من وظائف الإمامة وحتى تتعدى وظيفة الهداية الأصلية في الفكر الديني، فهو يمارس هذه القيادة فعليا وبالمباشر ان قام بها او من خلال مفهوم السلطة الروحية على المؤمنين تحديد إن قعد أو أقعدته الظروف، فالإمامة غير كونها سلطة روحية هي سلطة زمنية واجبة وضرورية واساسية للمجتمع بناء على مقولة الإمام علي (لا بد للناس من أمير، بر أو فاجر)، الفقيه العقائدي الشيعي يجعل من الإمامة ركن من أركان الإسلام وبالتالي أي تخلي عن فكرة حاكمية الإمام إنما تعني نقصا أساسيا وجوهريا في الإسلام كدين، وهذا الطرح الخطير يؤشر إلى نتائج خطرة تمس حقيقة كون الدين كامل وتام وإن تخلف الإمام أو منعه من الممارسة بدور الهداية ينقص من الكمال والتمام المعلن، وأن النتيجة هو إخراج الكثير من الناس من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر ومن ثم ترتيب أحكام خارج الإرادة الألهية على أنها جزاء لعدم تيقن المسلم بدور الإمامة كونها الركن الخامس من أركان الدين. في المدرسة الأخرى التي ترى في الخلافة هي السلطة الزمنية الواجبة والضرورية ولا تشترط ان تقترن هذه الحاكمية برئاسة روحية ترشد المجتمع وتهديه لكنها ترى فقط أهمية ضرورة أنتظام المجتمع الإسلامي بنظام يكون على رأسه مسلم بر أو فاجر كي لا ينفرط عقد المجتمع، هذه الفكرة البرغماتية أرى فيها وجه صحة من جانب مهم وأيضا فيها خلل من لزوم أن يكون المجتمع محكوما بنظرية الدين التي يؤسسها الفقهاء وهو تخريج ليس له مخرج غي النصوص وتبقى أجتهادات بشرية من التجربة الخاصة وحسب ظروف المجتمع، فقد اباح الفقهاء السنة للحاكم ان يستعين بالمؤسسة الدينية رديف للحاكم ومستشار ملتزم بما تراه السلطة الروحية ومتبعا لرأيها الذي هو أطار لنظرية الحكم والمستند الأساس فيها، لكن هذه النظرية برغم من أبتعادها عن فكرة الإمامة اللزومية وأتجاهها نحو الخلافة التي تعني شكلا طبيعيا وصورة من صور الحكم البشري العادي للمجتمع الديني، إلا أن التفاوت في تأصيل وتأسيس مفهوم الخلافة وبخلافات جذرية داخل هذه النظرية تقوم على كيفية اختيار الحاكم السياسي ومصدرية هذه الشرعية بموجب ما تم تطبيقه من فهم للواقع النظري قبل الواقع العملي قد أدخلها في مأزق عدة أنتهت إلى أن تتحول نظرية الخلافة إلى نظرية حكم إلهي أستعبادي ملجئ وأقحم الدين بكل خصوصيات وتفاصيل المجتمع وتحول الفقيه إلى مؤسسة رديفة وشريكة في الحكم وداعمة لمبدأ القهر والجبر وتم نسف نظرية لا إكراه في الدين . في كلا المدرستين هناك خطأ أساسي في نقطتين: • في موضوع الامامة او الخلافة وخاصة الذين يمزجون بينهما على انهما شكل واحد او كيان واحد يفسرون الامامة على أنها (سلطة دينية او رئاسة دينية تستلزم من طبيعتها ان تتحول الى رئاسة زمنية)، بمعنى ان الامام سواء جاء بطريق النص والتخصيص او بطريق الانتخاب او الشورى هو امام الامة والرئيس الأعلى المدبر لشؤنها والماسك بكل مفاصل القرار السياسي بالكلية، او عن الطريق الأخر المعروف بالغلبة وعليه التعاون مع الأكثر علمية في شؤون الدين لتطبيق النظرية الحاكمية سواء أبى الناس أو قبلوا به تحت حد الإلجاء والقهر وصولا لحق العبودية للحاكم. لم يلاحظ فقهاء المدرستين وجود قضية مهمة وملحة وذات حساسية خاصة وهي، ان الامامة بالأصل وظيفة هداية وليست وظيفة رئاسة، فالدين كفكر عقلية وخطاب عاقل لعاقل وبالنتيجة هو معرفة إنسانية بأمتياز، لا يمكن ان له يكون مؤسسة أو يتحول لمؤسسة بحاجة الى هيكلية ونظام ورئاسة وبرتوكول وأشياء تحدده في مظهرية مادية خاصة، كما هي الاخلاق والمعرفة البشرية التي ستتحول مع الممارسة الى ثقافة اعتقادية وسلوكية ليس لها علاقة بالهيكل المؤسساتي، فقد اخطأ الانسان وأجرم بحقه وظلم نفسه حينما حول الدين الى مؤسسة ذات شكلية وبناء هيكلي، واخرجه من دائرة الاعتقاد الروحي الذاتي واليقين الوجداني الى دائرة الترميز و السلطة وزجه في صراع مع الانسان من خلال قولبة وقنونة هذا الدين وهذه المعرفة، ففقد فيهما الدين هنا قيمته الروحية وخطابه الذاتي وتحول الى ما يشبه قانون العقوبات ومجموعة قوانين أخرى حاكمة ومتحكمة بغير سبب ولا حاجة غير تمتعها بمفهوم السلطة، الكارثة الكبرى ان هذا الزعم او التحول يجد البعض في نصوص القران ما يفسرونه على انه هو رأي الدين او رأي الله . • النقطة الأخرى التي وقع فيها اللبس موضوع حاكمية الله، وهنا حاكمية الله لا تعني ان ينزل الله للأرض في محاولة لتطبيق احكامه، كما لم يمنح الانسان تحديدا هذه السلطة لا بتخويل نصي و لا من طبيعة الدين ككل، الحاكمية لله تعني ان الامر أولا و أخيرا يعود لله سبحانه وتعالى في تقدير الفعل الإنساني ككل، وهو مسبب لكل حركات الوجود ومتحكم في علل الحياة وهو الذي يتصرف بها وفق قوانين خاصة ويسير بها نحو المصلحة الوجودية للوجود ، فالحكم لله يعني ان الله هو الأول والأخير في تسيير الوجود وفقا لنظرية الخلافة والاستخلاف الأولى دون ان تعني ابدا او مطلقا انه يريد ان يبسط احكامه على عباده وينظم لهم شؤون حياتهم خارج التجربة الإنسانية و خصوصياتها . حتى في موضوع الامامة لو عدنا الى نصوص المحددة ان مفهوم الامامة نجد انها تسير نحو محدد واحد هو، ان تتحول الامامة كفكرة الى نموذج مثالي كامل يوضح للناس معنى الايمان الكامل والنموذجي الذي يجب أن يكون عليه المؤمن ويتحلى بأخلاقياته، دون أن يمنح الإمام أي سلطة لا جبرية ولا قهرية ليتصرف بالمجتمع الإيماني بالشكل الذي يراه مناسبا، مع الأعتقاد التام بأن الإمام المؤمن والقادر على فهم الحياة بصورة أفضل هو الأنجح والأكثر قدرة على تجسيد روح الإيمان في المجتمع ونشر ثقافة الدين فيه، (وأجعلني للمتقين إمام )هذا الطلب يوضح قيمة الإمام لمن يريد أن يكون متقيا والمتقي كما نعرف هو الأعلى درجه في إيمانه عن غيره، كما أن النص لم يأت بصيغة أجعلني للمسلمين إماما أو لمؤمنين إماما تفريقا في درجة القوة الإيمانية. وحتى في النص الأخر الذي ورد في القرآن الكريم (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) أتاح لنا هذا المفهوم إدراك وظيفة الدين على أنها الهداية وليست الحكم، والفرق كبير بين الهادي المؤمن وبين الحاكم الذي يستعمل الدين سلطة ليفرض على الناس محددات وخيارات، بل أن أستخدام الدين كسلطة يفسد مبدأ الاختيار الحر ويعطل قانون (من شاء فليؤمن) وبالتالي التخلي عن قاعدة (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، الرشد هنا الهداية الطبيعية والغي هي إجبار الناس على الإيمان وإن كان لمصلحتهم، ولو كان إجبار الناس على الإيمان مشروعا بناء على تحقق مصلحتهم لجعل الله الناس أمة واحدة وأنتهى الأمر دون الخوض في الدين والتدين والإيمان أصلا. كما لا ننسى وأستنادا للتجربة التاريخية ومن خلال النصوص أن الإمامة الدينية نوعان نوع أولي جعلي من الله (وجعلناهم, وأجعلني)، وهي حالات فردية وزمنية مخصوصة لا يمكن أن تكون دائميه لممارسة دور الإمام كرئاسة دينية روحية وزمنية سياسية، طالما أنها محدودة في النوع الكيفي والمدى الزمني المؤقت، وهنا نرجع إلى النوع الأخر من الإمامة وهي الإمامة الوصلية أو الظرفية التي يكون فيها الإنسان عامة سواء المؤمن أو كعموم المجتمع هو الجاعل وهو المختار لها بموجب محددات وضعية، تختلط فيها مفرزات الواقع مع الفهم البشري للمعنى، ومن خصائص هذه الإمامة الديمومة والأبدية وهي القاعدة التي ستكون لاحقة ودائمة والغالبة بعد الإمامة الجعلية، بمعنى أن الأمر سيعود بعد الجعلية إلى (أمرهم شورى بينهم) أي أن الإنسان هو الذي سيكون صالحا لخوض وتأسيس التجربة بعد أن أستنفذت الإمامة الجعلية أهدافها في هداية الناس للثقافة الدينة، وترسخ مفاهيم ورؤى كلية في الواقع الأجتماعي قادرة على قيادة الناس نحو الأصلح والأجدى في حياتهم بناء على مخاضات ونتائج التجربة الإنسانية وفلسفة الخيار الواقعي.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قالها ومضى
-
الحق بين الله ورجل الدين
-
المعرفة الدينية وإشكالياتها التأريخية وأثرها في فشل الإنسان
...
-
العرب والأعراب وتاريخهم المتناقض
-
أنا ورائحة البحر
-
رجالٌ هُويتُهم وَطَن ... قراءة نقدية في قصيدة الشاعر عبد الج
...
-
الدين الإنساني وتحولات الوعي المتجدد
-
العراق وخيارات المرحلة ح2
-
العراق وخيارات المرحلة.ح1
-
مقهى عبد ننه ... قراءة في تأريخ مدينة يسكنها وهج السياسة ويت
...
-
من أفسد نواب الشعب
-
الأيديولوجيا القذرة
-
النقد الديني بين ضرورة المعيارية النقدية ووحدة الهدف من المم
...
-
غضب .... ليس على وقع الجمر _ قصة قصيرة
-
الدين الأجتماعي وقضية الحرية في المجتمع الإسلامي
-
حروف للقاء ..... لقاء أخر بيننا
-
العمامة والزي الديني توظيف للأنا المتضخمة وخداع للمؤمنين بأن
...
-
هلوسات رجل مهزوم ..... لكنه يحلم
-
أحلام الوطن البديل
-
عوامل التغير وطريق الثورة
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|