|
رمز طائفي قاتل لهجوم إرهابي فاشل
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 5249 - 2016 / 8 / 9 - 15:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن تسمية الهجوم الإرهابي على جنوب حلب منذ أيام ، باسم " إبراهيم اليوسف " لها دلالة طائفية بليغة ، وهي أن الطائفية ما تزال ، بعلم وموافقة وتحريض أولي امر الحرب ، الإقليمين في الشرق ، والدوليين في الغرب . تحرك جيوش الإرهاب العنصرية المتعصبة .
من هو " إبراهيم اليوسف .. ؟ .. إنه السؤال الهام ، الذي يطرح الآن ، بعد هذه التسمية الغبية ، للهجوم الأكثر غباء ، على محيط الكليات في جنوب حلب ، لاسيما من قبل الجيل الجديد الذي لم يعش الزمن ، الذي لعب فيه " إبراهيم اليوسف " ، قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً ، الدور الإجرامي الطائفي الدموي ، الذي كلف به من قبل رؤوس أكبر منه ، مشحونة بأحقاد مزمنة ، ومذهبية متخلفة مشوهة لحركة العصر والتاريخ . وكان ذلك بداية ، لا تنكر ، لحرب مأساوية اشتعلت في أوائل الثمانينات .. دون وجه حق .. وأسست للحرب التي يخوضها هذا الجيل الآن منذ خمس سنوات .. دون وجه حق أيضاً .
فلا الانتقال من حكم مذهبي " منحرف " مزعوم .. إلى حكم مذهبي " سوي " مزعوم آخر . في حرب الثمانينات من القرن الماضي . ولا الادعاء بتغيير الحكم الأحادي " الطائفي " إلى الحكم الديمقراطي " الذي انكشفت طائفيته اللعينة لاحقاً ، عام 2011 يستحق حرباً ، مثل حرب الثمانينات .. والحرب الراهنة .. اللتان تسببتا بكل هذا القتل .. والدمار .. والاعتقالات .. والنفي .. والتهجير . والتشريد ، واللتان لا تفسير لهما إلا في حالة واحدة ، هي عندما يجتمع التعصب المذهبي والأنانية المصلحية الضيقة ، مع الغباء السياسي ، ومع العلاقات الخارجية غير المتكافئة المشبوهة ، ومع روح المغامرة والارتزاق ، والجريمة ، والخيانة المعلنة و المموهة ، للوصول إلى غايات ، لا تنطبق عليها ، أي من الصفات الإنسانية الحضارية ، والغايات والقيم الحميدة .
عرفت حلب اسم " النقيب إبراهيم اليوسف ، مساء ( 16 حزيران 1976 ) ، لما قام ومجموعة من تنظيم " الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين " بذبح نحو " مئة " من الطلاب الضباط في مدرسة المدفعية ، التي سميت فيما بعد " كلية المدفعية . وقد جرت المذبحة ، حسب رواية ابن صديق صادق ، كان حينها منتسباً لنفس الكلية فقال :
- ليلة 16 حزيران .. كان " النقيب إبراهيم اليوسف مناوباً .. آمراً للكلية . وبينما نحن في مهاجعنا سمعنا أمراً عسكرياً للطلاب ، للتجمع في ساحة الكلية فوراً . بعد اجتماعنا في الصف ، أمر النقيب اليوسف بفرز الطلاب إلى قسمين . وكان اللافت أن القسم الأول ممن تليت أسماؤهم ، هم من أصول علوية . ثم أمرهم النقيب اليوسف بالدخول إلى صالة الندوة . وأمر بقية الطلاب بالعودة إلى المهاجع . وبعد قليل .. سمعنا .. ورأينا .. من النوافذ .. " النقيب اليوسف " وآخرين ليسوا من الكلية ، يطلقون النار من نوافذ الندوة .. على الطلاب الذين أمرهم قبل قليل بالدخول إليها .
وكانت المذبحة .. وكانت النتيجة نحو " مئة " شهيد " من الطلاب الضباط العزل من السلاح . فيما كان على النقيب اليوسف حمايتهم بصفته قائدهم المسؤول عنهم .
وتحول الطريق من " الراموسة " .. من محيط حلب الجنوبي ، حيث تقع كلية المدفعية ، إلى المستشفى العسكري ، في حي الرمضانية شمال المدينة .. إلى طريق طوارئ تشبه حالة الحرب . وتعددت آليات النقل العسكري والإسعاف .. حاملة ضحايا المذبحة . وتباينت الآراء من قبل المواطنين على طول الطريق الذي شهد عبور الشهداء والجرحى حول ما يحدث . لكن الرأي الغالب كان ، أن من تنقلهم كل هذه السيارات ، هم ضحايا غارة إسرائيلية . وقد صدق حدس من توصل إلى هذا الرأي . فمثل هذا العمل الإجرامي الوحشي ، لا يقوم به بحق شعبنا وجيشنا إلاّ إسرائيل .
ثم بدأت تتسرب المعلومات الصحيحة في المدينة عن المذبحة .. منها أن منفذها وقائد ها ، هو " النقيب إبراهيم اليوسف ، ومعه قائد " مجموعة من الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين ، التي اشتركت عناصر منها بالمذبحة المدعو " حسني عابو " وخضعت حلب لظلال مأتم حزين ، ومخيف ، وقاتم .. ودخلت زمن حرب .. واغتيالات .. وتفجيرات .. هو غريب عليها .. وطنياً وأخلاقياً . وقد ’دعمت تلك التسريبات بمعطى سياسي سليم هام جداً ، وهو أن الغاية الحقيقية من هذه المذبحة ، هي إشعال حرب طائفية مدمرة في البلاد ، لجر سوريا إلى معاهدة " سلام مع إسرائيل " مماثلة لمعاهدة " كامب ديفيد " بين السادات وإسرائيل .
بعد عام .. في " 2 حزيران 1982 " قتل " إبراهيم اليوسف " أثناء محاولة القبض عليه .
وخلال تواصل " الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين " للحرب ثلاث سنوات مع السلطات السورية ، في مجالات ومدن أخرى ، كلفت الكثير من القتلى والخسائر المادية ، والكثير من المعتقلين بأحكام عرفية ، في صفوف قوى سياسية متعددة ، وانتشار العنف المتبادل ، انتهى ذكر " إبراهيم اليوسف ميدانياً .. وسياسياً .. وشخصياً .
في أواخر عام 1983 ، انتهت حرب " الإخوان المسلمين وحلفاؤهم الثانية ، لانتزاع السلطة وتحقيق المخطط المتعهدين بتنفيذه ــ الحرب الأولى كانت بقيادة الشيخ مروان حديد 1964 بحماة ــ وبانتهاء الحرب " الإخوانية " الثانية ، انتهى تماماً ذكر " الطليعة المقاتلة " .. وذكر إبراهيم اليوسف " معها .
بعد أكثر من خمسة وثلاثين عاماً ، في غمرة حرب الإرهاب الدولي على سوريا ، انتشر نبأ يقول ، أن الهجوم الإرهابي الكبير على محيط الكليات بما فيها كلية المدفعية جنوب حلب ، قد أطلق عليه الإرهابيون اسم " إبراهيم اليوسف " تأكيدأ على الفعل الإرهابي المماثل " لإبراهيم اليوسف " وارتباط مذبحته الطائفية البشعة ، في كلية المدفعية 1979 ، مع حرب الإهاب الدولي التي ترتكب جرائم مذابح لا تحصى ، يومياً منذ خمس سنوات ، بحق الشعب السوري .
ومن المؤكد ، أن جميع الإرهابيين الذين يقاتلون في هذا الهجوم ، أو معظمهم على الأقل ، لا يعرفون من هو " إبراهيم اليوسف " . وإن عرفوا من أفواه كبارهم ، وقبلوا به ، فقد عبروا عن تبريرهم الغبي لجريمة اليوسف الطائفية الفظيعة . وعن ممارساتهم تجديد وشحذ .. مفاعيل وأسلحة المذهبية البشعة ، وتبرير الحرب التي يخوضونها حالياً ، خدمة للقوى الإقليمية والدولية ، التي ترمي إلى تدمير الكيان السوري وتمزيقه .
ربما رحب الكبار من الإرهابيين من أصول حلبية بهذه التسمية ، للتذكير بماضيهم العنيف ، المتمثل بمذبحة كلية المدفعية ، والحرب التي فجرتها ، وللتأكيد على قدراتهم العنيفة بالهجوم على نفس الكلية ، واستعدادهم لارتكاب أبشع الجرائم الإنسانية والحربية ، لتحقيق نصر هارب من أفق حروبهم .
القيمة الشخصية التاريخية : لإبراهيم اليوسف " أنه قاتل .. ومجرم حرب .. ومجرم طائفي بحق من ائتمنه الوطن عليهم .
المضحك المبكي ، في تسمية هجوم الإرهاب الجديد على كلية المدفعية باسم " إبراهيم اليوسف " . أنها لا تدل على نصر عسكري ضد عدو خارجي ، ولا على أخلاق وانضباط عسكري مشرف ، حسب مقتضيات الشرف العسكري . الدلالة الوحيدة المشينة الصائبة ، هي أن دماء مئة شاب سوري بعمر الورود ، قد ذبحهم إبراهيم اليوسف .. خلافاً لأقدار انتمائهم المذهبي الموروث ، وخلافاً للشرعية الوطنية ، لتطوعهم الشجاع للدفاع عن الوطن .
ما يرتبط باسم " إبراهيم اليوسف " حقاً ، هو جريمة قتل مذهبية جماعية متوحشة ، مع الإصرار والتعمد .. وفشل بالالتزام بالشرف العسكري .. وهزيمة في حرب أرادها أن تدمر بلاده لكنها لم تكتمل .. ولن تكتمل .
وكما ذهب العدوان الأول على كلية المدفعية 1979 هباء مشيناً .. سيذهب العدوان الثاني عليها 2016 ، أكثر فشلاً ومذمة . وسيبقى صمود هذا الصرح الوطني البطولي ، وصمة هزيمة مكررة .. وعار جديد يتبع لعار مضى .. في جبين من تورطوا في التطاول عليها .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آن أوان تجديد رؤى القوى الوطنية
-
حلب تنتصر على القتل والتدمير والتقسيم
-
افتضاح الهوى الإسرائيلي القاتل عند آل سعود
-
- بواية النبي - المجهول
-
ما بعد المعارضة
-
من أجل عالم بلا إرهاب
-
العيد في الحرب .. تحد وكرامة
-
الرفيق ..
-
حتى لا تبقى الخيانة وجهة نظر
-
الحملة الداعشية الأميركية الجديدة على سوريا
-
الخطة - ب - الأميركية والمعارك الكبرى القادمة
-
جرائم سياسية وحربية .. في الحرب السورية
-
ما بين حزيران 67 .. وحزيران 2016
-
حين يستعيد الشعب دوره
-
المعارضات الزاحفة إلى الرياض .. ماذا بعد ؟
-
المحاصرون
-
الحل السياسي سؤال ملتبس بين الداخل والخارج
-
أول أيار السوري الأحمر وفوضى العولمة
-
تراتيل سورية : الجولان . فلسطين . اسكندرون
-
تراتيل سورية : .. عظماء الاستقلال والجلاء والحرية ..
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|