|
الحب يصنع الامم
فائز تركي القريشي
(Faiz Turky)
الحوار المتمدن-العدد: 5247 - 2016 / 8 / 7 - 11:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الحب يصنع الامم دخل الدكتور الامريكي ( واين داير ) الى القاعة في منتدى الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان في امارة ابو ظبي التي اعدت لاستقباله ليلقي محاضرة بدعوة منها وهي اول محاضرة في الشرق الاوسط لدكتور خبير في التنمية البشرية وأستاذ في علم النفس وكاتب بهذه الشهرة والمكانة كان دخوله في موضوع المحاضرة اقوى وقعا من دخوله الى القاعة اذ انه افتتح حديثه بالقول (قرأت عن الإمارات قبل قدومي ولفت انتباهي أن النفط تم اكتشافه في الإمارات وليبيا في نفس الفترة، وكلاهما يملك تقريبًا نفس الثروة النفطية، لكن الإمارات استطاعت أن تستثمر هذه الثروة لأن مؤسسها الشيخ زايد كان يملك رؤية لدولته وشعبه ، هل تعلمون لماذا ازدهرت دولة الامارات لأنها بُنيت على الحب.) ثم استطرد قائلا (عندما تُعصر البرتقالة يخرج لنا عصير برتقال ويستحيل أن يخرج عصير تفاح أو شيء آخر. في الحياة ، أنت البرتقالة، والمواقف والأشخاص وغيرها من الأمور الخارجية التي تواجهها هم من يعصرون البرتقالة. فإذا خرج منك غضب أو استياء أو شعور بالإهانة فالموقف أو الشخص الآخر ليس فعلاً السبب، بل هذه أمور موجودة بداخلك وخرجت منك وعليك أن تعالجها. إذا كنت مملوءًا بالحب، فعند أي موقف يعصرك سيظهر منك الحب ولا شيء اخر) ان ما اثارني من حديث الدكتور (واين داير) هو جملة (بنيت على الحب) يقصد دولة الامارات العربية المتحدة ، لاسترسل معكم واذكر ببعض الامم التي خلت من قبلنا وبعض الامم في عصرنا الحالي لأثبت ما استنتجه الدكتور كم من أمة عبر التاريخ أقامت حضارتها بالسيف ولم تنجح بالاستمرار على ديمومة ازدهارها على الاقل فلننظر الى الامبراطورية الرومانية التي دامت سيطرتها على مختلف بقاع الارض لعقود طويلة هل استمرت ام انتهت انها لم تستمر او تزدهر لأنها افتقدت للحب وهذا ما اخبرنا به التاريخ عن تلك الحضارة التي رفعت اساسها على القتل والاستعباد وإذلال الشعوب ولنذهب بعيدا ايضا الى الحضارة الفرعونية والحضارة البابلية والى الصروح الفكرية والمادية العظيمة التي بنيت في عهدها والسؤال هنا هل استمرت وهل كانت ترفل بالعدالة الاجتماعية والحب الجواب كلا لم تستمر ولم تتميز بوجود العدالة الاجتماعية المرجوة والتي بدونها وبدون الحب تصبح العظمة الحضارية منقوصة وبنائها مشوه ثم لنستعرض ما حدث بعد الالاف السنين من تلك الحضارات ونذكر بحكم الاسلام ففي بادي النشوء للدولة الاسلامية كانت الامة بقيادة الرسول الاعظم محمد (ص) حيث تميزت الحضارة الاسلامية بوجود العدالة الاجتماعية بصورتها المثلى وقبل ذلك اسس الرسول الاعظم (ص) نظاماً اجتماعياً مبنياً على الحب لان الرسول لم يقم أمته على السيف كما يروج له بعض المؤرخين وإنما اقام أمته على المحبة والمؤاخاة وأكاد اجزم ان الحروب التي خاضها الرسول كانت دفاعا عن مبدأ الحب لله والإيمان بالله ونشر العدالة اولا فقاتل كفار قريش واليهود والروم وكلها امم كانت تستعبد الانسان وتكرس الظلم والاستبداد ، بقيت الامة الاسلامية على هذا النحو حتى تولى قيادتها من لا يمتازون بالحب وديدنهم الحقد والكراهية والاستبداد وحب السلطة فأشاعوا الظلم والقهر للأمم الاخرى ولامتهم نفسها مما ادى الى نهاية الامة الاسلامية نهاية مأساوية على يد المغول ولا تزال الامة تعيش الظلم وتكيل لها الامم الاخرى كل انواع الاساءة والعدوان الى يومنا هذا ولم تبن اية صروح فكرية وحضارية يشار لها بالبنان وما تزال تتغنى وتتمجد بتاريخها وماضيها دون النظر لواقعها الحالي او النظر للاسباب التي ادت لانهيارها وفي العصر الحديث هنالك امم اخرى غير الاماراتيين بنوا بلدانهم بالحب واكبر مثال يحتذى به في هذا المجال هم اليابانيون لقد كانت الامبراطورية اليابانية امة توسعية عسكرية همها التوسع والسيطرة على الدول المحيطة بهم حتى جاءت الضربة النووية الامريكية (لهيروشيما وناكازاكي) كصاعقة لتلك الامة فتحت امامهم الطريق لإعادة النظر في سياستهم الداخلية مع ابناء شعبهم وسياستهم الخارجية فتحولوا من دولة عدوانية الى دولة مسالمة تهتم بالعلم والتطور والعمل وعززوا من علاقاتهم الاجتماعية فيما بينهم لا بل استغلوا وجود الاحتلال الامريكي لهم واستغلوا الاستثمارات الامريكية افضل استغلال الى ان وصلوا الى ما هم عليه الان وأصبحت الولايات المتحدة وأوربا تستورد منهم حالياً السيارات والالكترونيات بكل انواعها وأصبحوا قوة اقتصادية عالمية فارضة لوجودها واحترامها من قبل كل دول العالم ان بنائهم هذا ببساطة جاء من الحب ، الحب ببساطة الكلمة واتساع معانيها هو العنصر الاساس في عملية البناء الحضاري ثم تجيء العناصر والعوامل الاخرى تباعا اورد هنا مجموعة من مفاهيم الحب الاساسية المهمة (حب الله سبحانه وتعالى ،حب الرسول محمد (ص) وأهل بيته ، حب الدين ، حب الحياة وتقدير قيمتها ،حب الذات ، حب العائلة ، حب الجار ، حب المجتمع ، حب العمل ، حب الانجاز ، حب العلم الخ ...) ولو شئت ان استرسل لذكرت الكثير من المفاهيم المتعلقة بالحب ، ولنتصور مجتمعاً فيه ما ذكرنا من تلك المفاهيم كم سيكون مستوى تطوره وحجم انجازه وشكل الحياة التي يعيشها وشكل العلاقات الاجتماعية لامتنا و طريقة نظر الامم الاخرى لها وتعاملهم معها اما كانت اوضاعنا افضل بكثير مما نعيشه الان من ابتعاد عن الحب بجميع مفاهيمه او البعض من مفاهيمه حتى تكرست المفاهيم المضادة لتلك المفاهيم من كفر وتكفير وتعزيز للحقد والكراهية وعلاقات اجتماعية تبدأ في العائلة وتنتهي بالمجتمع ، ولابد من الاشارة الى ان اهمية الحب لا تنتهي عند حدود المجتمع وإنما لا بد ان يدرك قادة المجتمعات ان العلاقة الاساسية بين القائد وشعبه تنطلق من الحب ابتدءا وان الحكمة تقتضي من القيادة ان تكون نظريتها (احبب شعبك يتبعك) لا ان تكون تبعاً للنظرية السائدة (اخضع شعبك يتبعك) والتي نراها متجسدة على كافة المستويات بوضوح خصوصاً في الدول العربية والصراعات التي نشهدها في الشرق الاوسط تمثل التجسيد الحقيقي لحالة الكراهية وفقدان الحب التي نبعت اساساً من الطبقات السياسية التي تمتلك زمام الحكم ويتحمل المجتمع ايضاً المسؤولية عن تفشي تلك الظاهرة الخطيرة ، انما اردت في طرحي لهذا الموضوع هو التنبيه والتذكير لعل من يقرأ من الناس او السياسيين يتفكر في اهمية الحب ويعيد النظر في طريقة تفكيره من خلال ما ذكرت من تجارب الامم السابقة وتجارب بعض نماذج الامم الحالية ويجري مقارنه ويتخيل مدى دقة وأهمية الطرح ومن الله التوفيق .
#فائز_تركي_القريشي (هاشتاغ)
Faiz_Turky#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الى دولتكم بعد التحية
-
كي لا يتكرر سيناريو رواندا
-
الضبط الانفعالي وتجاوز الغضب طريقك نحو القمة
-
القدر بين الحقيقة والخرافة
-
العطاء سمة العظماء
-
مواطن الخوف
-
تحقيق الانجاز
-
الايجو
-
التغيير الذاتي اولا
-
الفرق بين السلطة والتاثير
-
مفهوم السلطة في العراق
-
البرمجة السابقة للعقل البشري
-
ادراك سلسلة التفكير
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|