|
الحاجة ماسة لتيار الإصلاح الديني في الكويت
فاخر السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 1404 - 2005 / 12 / 19 - 10:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إذا استثنينا بعض المحاولات الفردية، وفي بعض الأحيان محاولات خجولة جماعية، لطرح رؤى تبحث في تغيير وتطوير التفسير الديني وإصلاحه ليتعايش في الحياة الجديدة، ورفع ما فيه من شروحات تناهض قيم الحداثة، فإننا نستطيع أن نؤكد بأنه لا يوجد في الكويت تيار واسع وعريض يسعى لتبني تغيير الفهم الديني وإصلاحه، بل كل ما لدينا هو أفرادا معدودين وتجمعات خاصة وفي كثير منها مغلقة، وهو ما يجعلنا نشدد على ضرورة وجود مثل هذا التيار الفكري في المجتمع الكويتي، بوصفه التيار الوحيد القادر على مواجهة التيار الديني الأصولي ذي التفسير التاريخي الذي يسعى لتذويب الشخصية الوطنية في الماضي وتحويلها إلى شخصية أصولية، والمناهض للحداثة ولقيم الحياة الجديدة، والمعرقل لنهوض الكويت باتجاه آفاق جديدة، والمتحالف باستمرار مع القوى التي تسعى لمزيد من التقهقر في المجتمع، حيث عادة ما تتناغم مصالح تلك الأطراف مع الطرف الديني السياسي التاريخي المتمثل في جماعات الإسلام السياسي ومدارسها الدينية. لكن، لماذا تتهم التيارات الدينية السياسية ومدارسها الفكرية في الكويت بأنها مناهضة للحداثة؟ وكيف السبيل إلى معالجة التفسير الديني وتغييره؟. فكريا، أخذ الخوض في موضوع التغيير مداه العريض عربيا ودوليا، حيث ظهرت الدراسات النقدية لمواجهة الأصولية التاريخية وخرجت المناهج التفسيرية البديلة وتم طرح رؤى حديثة ساهمت في تحويل الخطاب الديني وتفسيره التقليدي إلى رؤى متوافقة مع الحياة الحديثة، حيث حافظت بل ودافعت بقوة عن الجانب الأهم في الدين ألا وهو الجانب الروحي الإيماني الأخلاقي، والذي يعتبر ضعيفا عند المدارس الأصولية التاريخية بسبب تركيزها في فكرها وعملها على الجانب القانوني الفقهي المؤسس لرؤى سياسية واقتصادية واجتماعية، وهو جانب لا يتوافق وقيم هذا الزمن. كما أنها دعت إلى فصل العقل الديني عن العقل الطبيعي حيث أخذ الأخير مجاله واستطاع أن ينطلق إلى آفاق بعيدة في التطور والتقدم، فيما قبع العقل الديني في مكانه وموقعه التاريخي من دون قدرة على إحداث حراك حداثي. أما كويتيا، فقد تجاوز الأمر مداه أيضا، غير أنه سار في صالح الأصولية وفي اتجاه مناهض ومعادي لقيم الحرية والديموقراطية والتعددية والمساواة واحترام حقوق الإنسان الفرد. فغالبية الطروحات الدينية السياسية هي أطروحات لا تمت لإنسان الحاضر ولا لقضاياه بصلة. نأخذ مثالا على ذلك ما يسمى بـ"الضوابط الشرعية" التي وضعت في طريق الحقوق السياسية للمرأة الكويتية، لأنها مرغت أنف مفهوم الحرية والمساواة في الوحل بعد تعديل المادة الأولى من قانون الانتخاب، وهو ما جعل المرأة تبتعد عن هدف مساواتها مع الرجل مثلما قرر الدستور الكويتي. فذلك كان إضافة تشريعية من أعداء الحرية والمساواة في مجلس الأمة من المنتمين لتيار الإسلام السياسي في سبيل تجريد القانون من فحواه الحداثي السياسي والاجتماعي. أي أن "الضوابط" عبرت عن اللاحرية وشمرت عن سواعد اللامساواة في قانون كان الهدف الرئيسي منه هو تحقيق ذلك الهدفين. فهو تناقض في التشريع ما بعده تناقض ما يعكس الفهم القاصر لمشرعي البرلمان في إدراك المعنى الحداثي للحرية والمساواة، وبالتالي هو ليس سوى انعكاس لسلوك العقل الديني من أعداء الحرية في أن يشرعوا لمزيد من الحرية. وتجربة الحقوق السياسية للمرأة الكويتية ليست الأولى والأخيرة الدالة على محاربة الحرية من قبل أعدائها في برلمان يتحمّل نوابه المنتخبون مسؤولية سن قوانين لتشريع مزيد من الحرية في المجتمع. ففي جمعية تعاونية (هي جمعية الرميثية التعاونية) توجد تجربة مماثلة لأعضاء منتمين للإسلام السياسي جاءوا أيضا عن طريق الانتخابات بفرضهم "ضوابط شرعية" على العاملات من موظفات وكاشيرات. وتتمثل تلك التجربة في إجبار تلك العاملات على لبس الحجاب (لم تعترض الدوائر الرسمية على ذلك)، لكن ما ان ينتهين من عملهن الرسمي حتى تراهن يرمين غطاء الرأس ويتجهن لممارسة حياتهن الخاصة من تبضع وغيره من دون التزام بـ"الضوابط" والحجاب. وهذا إنما يبرهن بأن هدف القائمين على الجمعية ليس التأكيد على الوازع الأخلاقي بتأصيل ما يسمى بـ"بالستر" والذي يفترض أن يكون نتيجة للبس الحجاب، بقدر ما انه يكشف عن صراع نفسي يعيشه القائمون على الجمعية لتنفيذ "حكم شرعي" ليس إلا، وتعبير عن عدم الحرص على تحقيق "الستر" حينما نجد بأن ليس من شروط العاملات لبس الحجاب بعد انتهاء عملهن الرسمي. فالهدف من كل هذا اللف والدوران هو تطبيق مفهوم "الضوابط" المنطلق من العقل الديني، ولو كان ذلك على حساب الإدراك الضيق للمفهوم والمتمثل بلبس الحجاب، وعلى حساب قيم الحرية والمساواة الواردة قوانينها في الدستور الكويتي. أي أن العملية برمتها ليست إلا لتثبيت "مظهر ديني" وليس لتحقيق هدف أخلاقي. وهو باعتقادي هدف لا يختلف عليه أصحاب "الضوابط " سواء في مجلس الأمة أو في الجمعيات التعاونية، أو في البيوت تجاه الأم والأخت والبنت والخادمة، فهي جميعها "ضوابط" تناهض الحرية والمساواة وتنطلق من العقل الديني وتقوم على الاستبداد المؤسس للانحراف الخلقي. لذا فالضوابط ليست إلا مسعى يعبّر عن تفكير ذكوري نابع من تفسير أصولي تاريخي للدين، وقد استمد فهمه من شكل الحياة الإسلامية القديمة التي كان فيها التمييز الشديد ضد المرأة حالة حياتية طبيعية، وهو ما أفضى راهنا إلى معاداة حقوقها السياسية والاجتماعية التي اختلفت وتطورت حتى أصبحت في الوقت الراهن حقوقا طبيعية أيضا. إن السبب الرئيسي في أن الأصولية الكويتية غير قادرة على التعايش مع الحياة الجديدة بقيمها ووسائلها، أنها تستند في أطروحاتها الفكرية إلى مبدأ يناهض العديد من القيم كالتعددية. فالحقيقة الدينية بالنسبة إليها هي حقيقة يقينية، وأنها واحدة لا يمكن أن تتجزأ إلى عدة حقائق، وتسير في إطار رؤى جازمة ومعلبة تجاه مسائل الحياة وقضاياها، وتستطيع طرح حلول لكل المشاكل وفي أي فترة زمنية، وبالتالي لا مجال لديها لوجود تعايش مع رؤى أخرى مغايرة ومنافسة، كما لا مجال لإخضاعها لحركة النقد والمحاسبة والمساءلة على اعتبار أن منطلقاتها غير بشرية بل منطلقات سماوية مقدسة مرتبطة بما يسمى بصريح النقل، وما لا يتوافق في تفسيرها التاريخي مع صريح النقل فإنه يصبح في الضد منه وفي خانة المعصية المؤدية إلى الفسق والفجور بل والكفر والشرك. فمثلا لو تمعنّا في الرؤية الأصولية وبالذات السلفية للحقوق السياسية للمرأة في الكويت، فسنجد بأنها رؤية سماوية جازمة مرتبطة باحتكار تفسير "الحقيقة الدينية" من خلال استنادها إلى صريح النقل، حيث ترفض أي رؤية تفسيرية (دينية أو غير دينية) مغايرة لها، إذ تلك الرؤية المغايرة ستسير في الضد مما جاء في تفسير "الحقيقة" وطرح النقل، وبالتالي سيصبح الأخذ بها معصية دينية ومخالفة صريحة لأوامر الباري. إن افتقاد وجود تيار في الكويت يهدف لإصلاح وتغيير التفسير الديني الأصولي التاريخي يرجع إلى عدة أسباب، لكن أهم تلك الأسباب يتمثل باعتقادي في عدم وجود ظروف قانونية وثقافية واجتماعية تضمن استمرار عمل القائمين على التغيير الديني وعدم تعرضهم للملاحقة والإلغاء والتكفير والتهميش والطرد الاجتماعي من قبل أنصار"احتكار الحقيقة" ومهندسي "الضوابط الشرعية" وأعداء القيم الحديثة. لكن ذلك لا يعني وقف جهود التغيير، وإنما يعني ضرورة التسلح بسلاح الدستور والركون إلى جهود مؤسسات حقوق الإنسان لا أقل المحلية للوقوف إلى جانبها، وذلك للمضي قدما في هذا الطريق، بوصفه الطريق الوحيد القادر على انتشال التيار من الوصاية الفكرية والاستبداد الديني.
#فاخر_السلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفوضى سياسة البعث من العراق إلى سوريا
-
وقت الدبلوماسية.. بين واشنطن وطهران
-
إخوان مصر.. هل يستطيعون التعايش مع الديموقراطية؟
-
-ديمقراطية- التجمعات الدينية.. هيمنة وإلغاء
-
بين صلاح الدين وصدام والزرقاوي.. لم نتعلم الدرس
-
ادعاءات.. وافتراءات ضد الديموقراطية
-
الاسلام هو الحل
-
إلغاء حكم الإعدام.. وحق الاختلاف
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|