|
الدين الإنساني وتحولات الوعي المتجدد
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5245 - 2016 / 8 / 5 - 03:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدين الإنساني وتحولات الوعي المتجدد حينما أراد الإنسان أن ينقذ روحه من الفراغ ويسد الفجوة بينه وبين محدث الوجود أمن أن الطريق لذلك لا يمكن المضي فيه دون منهج محدد وله قواعد وأصول، فأبتكر أول مصطلحات العبادة وهي الأنتماء لذلك السلطان القاهر الذي تخيله بعيدا جدا وغائبا جدا حد الحضور في كل شيء، هنا عرف الإنسان معنى الدين وسار فيه مجربا ومقتبسا وممثلا ومتماثلا حتى وصل اليوم إلى حالة فريدة من الرغبة بفض هذا الاشتباك المتراكم بين الدين والتدين وبين الإنسان والإنسانية بحثا عن ذات واقعية، ليست تلك الذات التي توهم أنها رسم لها أفضل صورة من خلال ما كونها دينيا وكيفها عباديا. هل يعني ذلك أن الإنسان بدأ يعي أن الدين الذي جربه تأريخيا منذ الأزل ولليوم هو في أمتحان البقاء أو الزوال؟، أم أن الإنسان أصلا وهو يدرك أن ذلك الأمر ربما يحتاج إلى وعي أخر وطريقة فهم تتناسب مع وعي العصر وضرورات العقل الذي يحاول كسر قيوده الطبيعية ليتحرر من أسر الخرافة وأسر الأزدواج الظاهري للحقائق الكونية؟، على كل حال أنا أذهب كجواب مفضل عندي أن الدين بما تلبسه من أحمال ثقيلة هو من قاد الإنسان لهذه النتيجة ولهذا المصير، ليس دفاعا عن الإنسان المتدين البسيط بل دفاعا عن حقيقة الدين النبيلة التي شوهها البعض، وقال لا دين حقيقي بلا ألتزام بدي لا رجعة فيه ولا رجوع منه لخيار أخر، من وضع الدين خصما للإنسان هو من يتحمل هذه النتيجة التي تلبست بالدين فأخرجته من إنسانيته الإيجابية البناءة إلى الطغيان السلبي والتجبر والأحدية المقيتة. ما الذي يدعو الإنسان تحديدا في هذا الوقت ليعيد تخطيط وعيه الذاتي بالدين هذا سؤال مهم؟ وسؤال أخر هل أن عقل الإنسان الحالي مؤهل أساسا للبدء من جديد ليفهم بطريقة أخرى ماذا يعني أن يكون إنسان متخلي عن ما يقال أنها جينات تكوينية في تركيبة كيانه الأبدية تسمى جينات التدين؟، طيب إذا كان التدين أو الإيمان هو حد جيني طبيعي هل يكون الخروج عنها نوعا من الجنون؟، بمعنى الجواب أنه سيرتكب حماقة الجنون الإيجابي التحولاتي، هل سيبدأ بنسف الكثير من المسلمات والمفاهيم الطبيعية ليتمرد على ذاته النموذج الأساسي لذاته التي منها كان بالأمس ومنها وسيكون بها غد؟، إنها أسئلة مستعرة ليست أقلا من أشتعال هذا الإنسان وجوديا بمشاكله مع الدين ومع الأخر من خلال الدين. هل ساهمت أزمة الدين والتدين والتناقض بين الصورة والأثر في تعميق إشكاليات الوعي عند الإنسان، من خلال أهتزاز صورة القداسة الملوثة التي أكتشفها الإنسان متأخرا عندما بدأ يقارن بين القانون العلمي والحد الإيماني لديه؟، قد يكون العقل محقا في تأشير هذا التناقض المكتشف والذي لم يجسر حقيقة بما يكفي لترميم قناعات الوعي الإنساني المتجدد، بالرغم مما بذله العقل من جهود لتقريب الحد الإيماني مع القانون العلمي لا سيما وأن المتصدي الديني ما زال متمسكا بمقولاته ويرفض أن يجري مراجعة نقديه لمبدأ الإيمان أساسا، ثم لينطلق منه للمقولات والأساسيات وصولا إلى المناطق الأكثر جدلا وحدة في فكرة الدين، منها مثلا حق التدين وحق الأختيار في البحث وحد القناعة وأخيرا حق الإنسان أن يفهم الدين بطريقة أخرى تتناسب مع وضعية مفاهيمه وتتلاءم مع طرائق التفكير الأكثر حداثة وواقعية مما أعتاد عليها الكهنوت ورجل الدين النمطي. في البحث عن أجابات مقنعة على هذه الحزمة من الأسئلة لا بد لنا من العودة للكثير من التناقضات التي يثيرها أصحاب الوعي الجديد والتي تنحصر غالبها في النقاط التالية والتي أجد ان الكثير منها ليس إشكاليات فقط بل إنحراف حقيقي عن الفكرة الإنسانية الدينية: • العنصرية الدينية، الفكرة الدينية مهما كانت مصدريتها وشكلها وشعارها التي تقوم على خيار ((أما وأما)) شكل من أشكال العنصرية المقيتة، حين تتعمد تقسيم الوجود البشري إلى نقيضين لا يمكن جمعهما على سطح واحد بحالة طبيعية، ما لم يجري الفصل بينهما بمحددات ما على أفضل حالات التصور عند البعض، وبالتأكيد أنها لا تعبر عن حقيقة كون الله رب العالمين جميعا بما فيهم المتدين ونقيضه ولو كان في الإرادة الربانية هذا الخيار فهو الأولى به من تركه بيد من قال عنه أنه ظالم وعجول. • الأنتماء البدي، ونقصد هنا أن الفكرة السائدة اليوم وأمس أن من يدخل الدين أي دين ما لا بد أن يمكث في ذات الدائرة دون أن يحق له البحث عن فكرة أخرى، أما أفضل أو أجدى أو أكثر تمثيلا لفهمه ووعيه عن حقيقة الوجود بما فيه من علاقات بين الخالق والمخلوق (الحادث والحدث)، هذا المنع يتعارض أيضا من حقيقة أن الدين للإنسان وليس لله ولا للمجتمع المتدين، فهو المسئول عن الخيار والمتحمل لنتائجه، عليه فليس من حق أحد في الوجود أن يمنع أحد أستخدام هذا الخيار أو تركه، لأن ذلك يؤدي إلى تدهور في علاقة الله بالناس وتعدي على أختصاصاته القدسية كما يؤمن المتدين وقد ألزم نفسه بها. • التفويض المزعوم، وهي من أكثر الإشكالات التي قادت لتجديد الوعي بما تفرزه من حساسية تشوه العلاقة بين صاحب أو بين الدين والإنسان، الوعي الطبيعي يقول أن الدين فكرة راشدة ومرشدة بينها كمعرفة وبين العقل البشري، الغاية منها ليس إعادة تشكيل وعي العقل وربطه به على أنه القيد الرابط والضابط، وبالتالي من حق من يزعم الولاية على الدين أن يتصرف بالعق الإنساني وفق فهمه الخاص وليس وفق مستلزمات الدين كفكرة، البعض أمن وسلم وتحول من عابد إلى عبد في حين أن العبودية هي الداء الذي يسعى له الدين كهدف أولي ليحرر الخيار الإنساني من ضغط السلبية المنحرفة والمحرفة. ما عدى ذلك فالكثير من الإشكاليات العقلية والفكرية التي تطرح من أصحاب الوعي المتجدد ليس لها قوة التأثير الذي يمكنه من لفت أنظار العقل لها أو تفعل ما يعزز من جدية التحولات، هناك قضايا مع كونها مثاليات وغيبيات وقد تلحق في قسم منها بما يسمى الأساطير والخرافات أو يلحق قسم منها بالعبثية المادية خاصة في بعض الطقوس والعبادات الخالية من معنى جاد وحقيقي، يمكن فهما والعبور عليها إلى أفتراضات تعبيرية أو رمزيات لها مدلول ذاتي، لكن الإشكاليات التي ذكرناها أولا هي الأعمدة الأساسية التي شكلت جوهر التحول النوعي في الوعي الإنساني تجاه الدين وأتجاه التدين الذي هو صورة تعبيرية مادية وبشرية عن فكرة عقلية إرشادية مثالية نبيلة.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق وخيارات المرحلة ح2
-
العراق وخيارات المرحلة.ح1
-
مقهى عبد ننه ... قراءة في تأريخ مدينة يسكنها وهج السياسة ويت
...
-
من أفسد نواب الشعب
-
الأيديولوجيا القذرة
-
النقد الديني بين ضرورة المعيارية النقدية ووحدة الهدف من المم
...
-
غضب .... ليس على وقع الجمر _ قصة قصيرة
-
الدين الأجتماعي وقضية الحرية في المجتمع الإسلامي
-
حروف للقاء ..... لقاء أخر بيننا
-
العمامة والزي الديني توظيف للأنا المتضخمة وخداع للمؤمنين بأن
...
-
هلوسات رجل مهزوم ..... لكنه يحلم
-
أحلام الوطن البديل
-
عوامل التغير وطريق الثورة
-
العصر مفردة الزمن في دلالات النص الديني
-
يوميات عاشق .... مسافر مع الحروف
-
صندوق جدتي وسفينة نوح
-
قوة الأصالة الأجتماعية ونجاحها في مواجهة التغيرات الفكرية وا
...
-
مكة والمدينة وجوهر الصراع الأجتماعي الأول في المجتمع الإسلام
...
-
مكة والمدينة وجوهر الصراع الأجتماعي الأول في المجتمع الإسلام
...
-
مفهوم النسقية الأجتماعية والنمطية الاجتماعي ودورهما في بلورة
...
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|