|
رخصة فى القرآن يرفضها المسلمون
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5244 - 2016 / 8 / 4 - 23:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من عجائب الإسلاميين تأويل النصوص الدينية وفق هواهم ، حتى ولو تعارضتْ مع النصوص القرآنية الصريحة ، ومن أمثلة ذلك أنّ القرآن أعطى رخصة صريحة للذين لا يستطيعون الصيام ، وذلك وفق النص التالى بالحرف ((وعلى الذين يـُـطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوّع خيرًا فهو خير له وأنْ تصوموا خير لكم)) (البقرة/184) وهذا النص واضح لا لبس فيه ، حيث أنّ لفظ (يـُـطيقونه) يعنى يستطيعون الصيام ، ومع ذلك ترك لهم حرية الاختيار بين (فدية طعام مسكين) أو الصيام. كما أنّ كلمة (يطيق) فى قواميس اللغة العربية، تعنى الاستطاعة ((طاق الشىء احتمله وقدر عليه)) رغم ذلك الوضوح فى النص القرآنى وفى قواعد اللغة العربية، فإنّ أغلب مُـفسرى القرآن عمدوا إلى التزوير، عندما تدخـّـلوا فى النص القرآنى وأضافوا أداة النفى (لا) قبل كلمة (يـُـطيقونه) ومن أمثلة ذلك ما فعله الإمام جلال الدين المحلى، وجلال الدين السيوطى، فى تفسيرهما المشترك الشهير باسم (تفسير الجلاليْن) شركة الشمرلى للطبع والنشر، بتصريح من مشيخة الأزهر برقم330بتاريخ15/7/1979. وأضافا ((لا يـُـطيقونه لكبر أو مرض لا يـُـرجى برؤه (فدية) هى (طعام مسكين) ورغم ذلك فإنّ الجلاليْن كانت لديهما درجة من الموضوعية عندما كتبا ((وقيل (لا) غير مقـدّرة.. وكانوا مُـخيـّـرين فى صدر الإسلام بين الصوم والفدية)) ثم تراجعا وتخليا عن الموضوعية عندما أضافا ((ثم نـُـسخ بتعيين الصوم بقوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه.. إلخ)) (فى تفسيرهما لسورة البقرة) ولكنهما لم ينتبها إلى المـُـغالطة التى وقعا فيها عندما تدخلا فى النص القرآنى بوضع أداة النفى (لا) قبل (يُـطيقونه) ولم يسألا- لا هما ولاغيرهما من المُـفسرين أمثالهم الذين كتبوا نفس الكلام - هل هما أعلم بالمشيئة الإلهية من (الله) الذى أنزل القرآن ؟ فإذا كان الأمر كما يزعمان ، فلماذا لم تأتِ أداة النفى (لا) فى سورة البقرة؟ ولكنها كانا على درجة من الموضوعية فى تفسيرهما لآية ((أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ)) حيث كتبا بمعنى ((الإفضاء إلى نسائكم ، أى السماح بالجماع ، ونزل نسخـًـا لما كان فى صدر الإسلام من تحريمه وتحريم الأكل والشرب بعد العشاء (وهنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ) كناية عن تعانقهما أو احتياج كل منهما إلى صاحبه (علم الله أنكم كنتم تختانون) أى تخونون أنفسكم بالجماع ليلة الصيام.. وقد وقع ذلك لعمربن الخطاب وغيره واعتذروا إلى النبى (فتاب عليكم) و(عفا عنكم فالآن) حيث أحلّ لكم (باشروهنّ) أى جامعوهنّ (وكلوا واشربوا) الليل كله (حتى يتبيـّـن) أى يظهر (لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) ولا تـُـباشروهنّ، أى نسائكم (وأنتم عاكفون) بنية الاعتكاف فى المساجد ، حيث كان البعض يخرج وهو مُـعتكف فيـُـجامع امرأته ويعود (بعد ذلك للمسجد) (فى تفسيرهما للآية رقم187من سورة البقرة) وهنا تبدو أهمية كتب تفسير القرآن ، حيث كان الوضع فى صدر الإسلام مختلفــًـا ، فأخبرتنا تلك الكتب ومعها كتب (أسباب النزول وهى أهم من الأولى) أنّ (المسلمين) كانوا يبدأون الصيام بعد العشاء ، وليس بعد أذان الفجر، فلما ضجر (المسلمون) من هذه الفترة الوجيزة (بين المغرب والعشاء) ليأكلوا ويـُـباشروا زوجاتهم ، نزلتْ الآية التى صوّبتْ الوضع ، فامتدتْ الفترة الزمنية من بعد الغروب إلى الفجر. ولكن هل صيام شهر رمضان بدأ مع الإسلام؟ أم كان له وجود فى الجزيرة العربية قبل الإسلام؟ الاجابة عند البيهقى فى (دلائل النبوة) وتاريخ الطبرى-ج2والمسعودى (مروج الذهب) وغيرهم حيث ذكروا أنّ نبى الإسلام كان شديد الاعجاب بزيد بن عمربن نفيل وقال عنه أنه دخل الجنة فرآه ((دوحتيْن)) وقال عنه أيضًـا ((رأيته فى الجنة يسحب ذيولا)) وزيد هذا كما كتب المؤرخون (العرب والمسلمون) أنه كان ((حنيفــًـا مسلمـًـا)) وكان ((لا يأتى شهر رمضان إلاّ ويصعد إلى غار حراء مُـتحنفــًـا مُـعتكفــًـا يتأمل ويتعبد)) ومن بين أشعاره ((أسلمتُ وجهى لمن أسلمتُ/ له الأرض تحمل صخرًا ثقالا / دحاها فلما رآها استوتْ/ على الماء ، أرسى عليها الجبالا / وأسلمتُ وجهى لمن أسلمتُ/ له المزن تحمل عذبـًـا زلالا / إذا هى سيقتْ إلى بلدة/ أطاعتْ فصبـّـتْ عليها سجالا)) وذكر ابن هشام أنّ (زيد) حرّم على نفسه الخمر والميتة ولحم الخنزير. وعن إيمانه بالوحدانية التى جاء بها الإسلام قال ((أربـًـا واحدًا أم ألف رب/ أدين إذا تقسّـمتْ الأمور/ عزلتُ اللات والعزى جميعـًـا / كذلك يفعل الجلد الصبور/ فلا العزى أدين ولا ابنتيهما / ولا صنمى بن عمرو أزور/ ولكن أعبد الرحمن ربى/ ليغفر ذنى الرب الغفور)) (د. سيد القمنى- الحزب الهاشمى وتأسيس الدولة الإسلامية- سينا للنشر- عام1990- من ص66- 68) وذكر المفكر الكبير خليل عبدالكريم أنّ صيام شهر رمضان كان أحد الشعائر التعبدية الموروثة عن الحنيفية من بين 14شعيرة أو طقس أو عادة (الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية- سينا للنشر- عام1990- من ص23- 26) 000 أما عن شعبنا ونظرته لشعائر العبادات، فهى نظرة شديدة الخصوصية ونابعة من ثقافتنا القومية ، أى إيمانه بالتعددية وعدم تكفير الآخر المُـختلف عنه دينيـًـا أو مذهبيـًـا ، وهذا ما تعيه ذاكرتى تمامًـا ، حيث تربيتُ فى حارة وسط عمال الفرن (فى أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات) وكان أغلب الفرانين لا يصومون، ومن بينهم أبى وأعمامى ، ولكن ما شدّ انتباهى وظلّ محفورًا فى وجدانى هو: إذا رأى أحدٌ شخصـًـا يأكل أو يشرب فى رمضان ، كان يقول له وهو يضحك ((موش عيب عليك تبقا زى الشحط وفاطر؟!)) أى أنه لم يتناول الموضوع من زاوية (التحريم) الدينية ، وإنما من زاوية (البنيان الجسدى) ومع ملاحظة أنّ ما سمعته كان يتم بين الأصدقاء الحميمين فقط ، بدليل أننى رأيتُ كثيرين يأكلون ويشربون فى رمضان ، ولم أشاهد أى تدخل من آخرين ، وكنتُ أرى عمال الفرن وقد جلسوا على المقهى يشربون الشاى ويـُـدخـنون الجوزة فى رمضان ، والمقهى أمامه مسجد ، ولم أسمع أى كلمة (نقد) أو (توبيخ) ضد هذا السلوك ، حيث كان (الإيمان) فى القلوب قبل أنْ يكون فى (المظهر) أى أنّ شعبنا كان مع (التعددية) وضد (الأحادية) وذلك – بالطبع - قبل الغزو الوهابى. وهذا يدل على أهمية النظر إلى الخصوصية الثقافية لكل شعب ، كما أنه أكبر دليل على وجود أكثر من إسلام ، بتعدد الشعوب التى طبعتْ ثقافتها القومية على الدين. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما الحكمة من تشويه النبى إبراهيم ؟
-
لماذا يرفض العرب أنْ تحكمهم امرأة ؟
-
ما سر الخلاف بين السنة والشيعة حول زواج المتعة؟
-
ما سر تشابه الإسلاميين القدامى والمحدثين؟
-
هل يمكن التوفيق بين المرجعية الدينية والواقع المتغير؟
-
هل يمكن تطبيق الحدود الإسلامية فى العصر الديث ؟
-
رد على السيد (تونسى من تامزغا)
-
لماذا يقول متعلمونا (أندلس) ولا يقولون إسبانيا ؟
-
وقائع ما حدث بين صديقى وصديقته : قصة قصيرة
-
الدكتور محمد عنانى وترجماته
-
مصطفى سويف : العلم بروح إنسانية
-
عداء بنى إسرائيل لمصر
-
ما مغزى بيع الامتحانات ؟
-
النقد العلمى لتأليف التوراة
-
هل عمل الخير يحتاج إلى تشجيع ؟
-
رد على السيد الأمازيغى التونسى الملحد
-
هل سيخرج العرب من التاريخ ؟
-
ما مغزى اعتراض الحكومة على حكم لصالح مصر؟
-
ما مغزى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى ؟
-
المملكة العبرانية فى العهد القديم
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|