سلمان رشيد محمد الهلالي
الحوار المتمدن-العدد: 5242 - 2016 / 8 / 2 - 15:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اسباب الارهاب والتخلف الاسلامي عند برنار لويس
سلمان رشيد محمد الهلالي
كلنا يعلم ان من اهم الاسس التي استندت عليها الحضاره الغربيه في التقدم والتطور في المسار الفكري والثقافي هو اعتماد (النقد) كمنهجيه راسخه وفاعله في تحليل البنى المعرفيه السائده في النسق الاجتماعي انذاك , والنقد هو عمليه ثقافيه هدفها كشف الاخطاء والسلبيات والاختلالات في اي مجتمع او دين او مذهب او ايديولوجية او نظام سياسي واجتماعي , من اجل تصحيحه وتهذيبه وتقويمه , ومن ثم تجاوزه الى فضاءت من العقلانيه والتنوير . وانعدام النقد سيؤدي حتما الى تراكم تلك الاخطاء والسلبيات الى مديات يصبح فيها الاصلاح والتعديل هو من الصعوبه بمكان . والنقد ليس غاية بحد ذاته , وانما هو وسيله وهدف اولي للاصلاح , فيجب ان يتبع النقد الاراده والعزيمه والغايه لتصحيح الاوضاع والمنظومات السياسيه والاجتماعيه والثقافيه والاقتصاديه . وتميزت المجتمعات العربية والاسلامية بانعدام او ندرة مظاهر النقد او تقبله او حتى الاعتراف بوجود السلبيات او الاخطاء , وهذا يرجع ليس الى تضخم الذات النرجسيه المفرطه عند العرب والمسلمين واعتبار انفسهم (خير امة اخرجت للناس), التي تشكل لهم حصانه ووممانعه عن النقد وامتياز للتباهي والتفرد عن باقي المجتمعات والاديان فحسب , وانما يرجع الى سبب اخر - غفل عنه الباحثون – وهو ماسميته (الخوف من الشماته) . فكلنا يعرف ان الاسلام والمجتمعات الاسلاميه والعربيه تعيش حالة حرب مزمنه ودائميه وغير معلنه (او حتى معلنه) مع الاخر المختلف بالدين والمذهب والثقافه , فالاسلام هو دين محارب على اية حال , وسيف الاسلام يبقى على الدوام مشرعا , (اما للعدو او الاخر المختلف في الداخل اولا , كالاقليات الدينيه والمذهبيه والعلمانيون وغيرهم ممن لايواكب التوجهات التي تنادي بها السلطه او الارثوذكسيه الاسلاميه الرسمية – حسب تعبير محمد اركون – او للعدو في الخارج كاصحاب الديانات الاخرى المختلفه - لاسيما اليهود والنصارى – ومن والاهم ودعمهم من الصهيونيه العالميه والماسونيه والامبرياليه والاستكبار العالمي وغيرها !!! ) . لذا فان هذه المجتمعات الاسلاميه لاتتحمل النقد او كشف السلبيات او الاعتراف بها خوفا من (الشماته) التي تاتي من الاخر , او من الاعداء المفترضون الذين ذكرناهم سابقا . فالمسلم يخشى من اظهارالسلبيات او الاعتراف بها امام الاخرالمسيحي او اليهودي , والسني يحتاط (اشد الاحتياط) من كشف سلبياته او الاقرار بها امام الاخر الشيعي , وكذا الامر مع الشيعي الذي لايقر ابدا بالاختلالات الموجوده اصلا في مذهبه تحرجا من الشماته السنيه , والاسلامي الملتزم او المتدين من جانبه لايعترف او يظهر مواطن التخلف والتراجع في دينه رهبة وخوفا من الشماته العلمانيه , وهكذا اصبحت هذه المجتمعات والشعوب الاسلامية في الدرك الاسفل من التاخر والاستبداد والارهاب في كافة نواحي الحياة السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه والثقافيه , بسبب تراكم تلك السلبيات والاخطاء , وابلغ دليل على ماذكرناه اعلاه هو الموقف السلبي من الاراء العلميه والعقلانيه التي طرحها المفكر والاكاديمي البريطاني – الامريكي (برنار لويس) حول الاسلام ونظرته الى الحداثه و الحضاره الغربيه , فقد دون هذا المفكر الكبير (الذي احتفل بعيد ميلاده المائه في تموز 2016) اراءه وتنظيراته في العديد من كتبه التي تناولت موضوعة الاسلام و الارهاب والتخلف عند المجتمعات الاسلاميه والعربيه , واهمها ( العرب في التاريخ , ازمة الاسلام الحرب المقدسه والارهاب المدنس , المسلمون يكتشفون اوربا , يهود الاسلام , لغة السياسه في الاسلام , الاسلام في التاريخ , مستقبل الشرق الاوسط , الاسلام والعرب وغيرها ) , بالاضافه الى العشرات من المقالات والدراسات التي تضمنت اراء نقديه وتحليليه وتفكيكية جريئه للمفاهيم والمنطلقات الاسلاميه , واسباب ترددها في استقبال الحداثه الغربيه وارتكاسها في مستنقع الاستبداد والارهاب , الا ان الانتلجنسيا الاسلاميه والعربيه (وللاسف حتى العراقيه التي عانت اكثر من غيرها من الارهاب والاستبداد) استقبلت اراء برنار لويس بشك وريبه وتردد , ليس بسب منهجية التعريه والنقد للمفاهيم والمتبنيات والثوابت الاسلاميه التي طرحها فحسب , بل لان الاصل اليهودي للمفكر لويس قد شكل حاجزا صلدا امام تلك الانتلجنسيا الرثه في استقبال تلك المضامين العميقه التي طرحها , او الاعتراف بوجودها , وذلك تحرجا من الشماته التي قد تاتي من اتباع هذه الديانه التي طالما عدها الاسلام من الفئات المعاديه والضاله عن جادة الايمان والصواب , مما شكل نوعا من المتخيل ضدها ( وهو بحسب ميشيل فوكو – كل شيىء تبلور عبر التاريخ وقابل للاستثارة باي وقت ). ولانريد استعراض جميع الاراء والمفاهيم التي ذكرها وطرحها برنار لويس في كتبه ومقالاته , لان ذلك قد يحتاج الى دراسات متخصصه او رسائل واطاريح جامعيه متعدده , ليس لتعددها وشموليتها فحسب , بل لعمقها والمصداقيه الراسخه التي تتميز بها , الا اننا سنطرح قضيتين مهمتين ذكرهما لويس تخص الاسلام والعالم الاسلامي بصورة عامه وهما : الموقف من الحداثه وقضية الارهاب .
فحول الموقف من الحداثه واسباب تخلف المسلمين عن استقبال وهضم وتبني المفاهيم العصريه التي جاءت بها الحضاره الغربيه الحديثه والمنطلقات السياسيه ( الليبراليه) والاجتماعيه والفكريه والاقتصاديه التي جاءت بها , يذكر برنار لويس ان السبب في ذلك هو ثقافي وديني (وليس سياسي او اقتصادي كما يحاول البعض الترويج لذلك ) يختص بمضمون الاسلام نفسه والاحباط التاريخي الذي يعاني منه , فالاسلام عنده ممانعه ذاتيه وجوهريه ضد الحداثه الغربيه والمتبنيات العقلانيه والتنويريه التي جاءت بها , ترجع في الاصل الى ان المسلم يعتبر نفسه هو افضل البشر على وجه البسيطه , واطهر الناس في الكون , واشرف الموجودات على سطح الارض , وان الامه الاسلاميه هى (خير امة اخرجت للناس) , وان الله معه في جميع الحالات والمواقف والحروب فكيف دار عليها الزمان واخذت بالتبعيه والتقليد والخضوع للغرب المسيحي الملحد اوالكافر, لاسيما مع تراكم الموروث والمتخيل الاسلامي ضد الغرب المسيحي , الذي تغذي جذوره العشرات من الايات القرانيه والاحاديث النبويه والقصص التاريخيه ضد اهل الكتاب . واكد برنار لويس ذلك بقوله ( ان المسلمين عاجزين عن مجاراة التحولات الهائله التي فرضتها الحداثه الغربيه من حوله خلال القرون الثلاث الاخيره .. فالمسلم لايتصور نفسه الا سيدا للعالم , وهو بالتالي يجد صعوبه في الاخذ من الامم الكافره او تقليدها في صنائعها وانماط حياتها , لذا تظل نبتة الديمقراطيه ( وهى احدى اهم افرازات الحداثه والليبراليه) نبتة غريبه ذابله في ارض المسلمين بسب ثقافتهم السياسيه التي تحل قيم الطاعه محل الحريه , والمؤمن بدل المواطن , والامه محل الفرديه ) (وقد فصل ذلك في كتابه القيم – صدام الاسلام والحداثة في الشرق الاوسط )
واما رؤية برنار لويس الى افة العصر (الارهاب) فهى اكثر جرأة وواقعيه على اعتبار ان الرجل قضى عمره في دراسة المجتمعات العربية والاسلامية من خلال منهجية معرفيه – تاريخيه – فيللوجيه متميزه , تدل على فهم عميق واصيل في تحليل النصوص الدينيه والتاريخيه ومقارنتها بالمناهج النفسيه الحديثه , فقد نشر لويس بهذا الشان مقاله بعنوان (جذور الغضب الاسلامي) ذكر فيها ان اسباب الارهاب الاسلامي ضد الغرب لايرجع الى اسباب سياسيه كالاستعمار او قضية فلسطين وغيرها , كما يحاول البعض تبرير ذلك من الكتاب العرب والمسلمين , وليس الى اسباب اقتصاديه كالفقر والبطاله والتفاوت بين الشمال والجنوب , او اجتماعيه كالاحساس بالتهميش والاقصاء والاغتراب , لان جميع تلك الاختلالات موجوده عند باقي المجتمعات في امريكا الجنوبيه وافريقيا واسيا من اصحاب الديانات والقوميات الاخرى , ولم تنزلق في مستنقع الارهاب والاباده والاقتتال , وانما يرجع الى اسباب ثقافيه – نفسيه ظاهره بافراط على السطح , اهمها شعور العرب و المسلمين (بالغضب والحقد والحسد) تجاه الحداثه والحضاره الغربيه , وصعوبة هضمها واستيعابها من جانب , او مجاراتها في انجازاتها العظيمة من جانب اخر , لذا كان الحل الاوحد عندهم - لاازالة هذا التوتر الداخلي والارتباك والغليان النفسي - هو في تدمير هذه الحضارة الغربيه كليا , وازالتها نهائيا من الوجود , من خلال القتل والتكفير والارهاب , و اعطى لويس مقاربات مهمه في هذا المجال , اثبتت التجربه والعقود اللاحقه مصداقيتها , منها تاكيده ان الارهاب الجهادي الاسلامي سوف يزداد او ينتشر بصوره كبيره حتى يشمل اغلب الدول , وان الحرب القادمه هى حرب الاسلام ضد العالم اجمع (وان العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون , فوضويون , لايمكن تحضرهم . واذا تركوا لانفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشريه ارهابيه تدمر الحضارات ) , وبين اخيرا ان الحل الوحيد لنهاية تلك الممارست الشاذه في التاريخ هو التغير الجذري لانماط التفكير عند العرب والمسلمين , لان الخلل في اصل القضية هو في العقل الاسلامي , او تحديدا في عقل المسلم .
#سلمان_رشيد_محمد_الهلالي (هاشتاغ)