|
فى أصول المسألة القبطية
جمال صدقى
الحوار المتمدن-العدد: 1403 - 2005 / 12 / 18 - 11:21
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
أظن أنه ينبغى مناقشة المسألة القبطية بعيداً أولاً عن الحساسيات، وبعيداً ثانياً عن الشعارات الفارغة عن وحدة وطنية مزعومة. وثالثاً، وهو الأهم، الإعتراف بأن هناك مسألة قبطية فعلاً تحتاج للحل.
وبعيداً عن الحساسيات نقصد به أن العلاقة بين المسلمين والأقباط فى مصر ليست حالة خاصة ولكنها حالة تكررت فى التاريخ عشرات بل ومئات المرات بين أقليات وأغلبيات، دينية كانت أم عرقية. وبالتالى فلا ينبغى ان تؤخذ المسألة على أنها حالة خاصة بالإسلام ولا بالقبطية.
وفى الأزمنة المبكرة للحكم العربى فى مصر ـ حين كان العرب أقلية والأقباط أغلبية ـ حكمت العلاقة بينهما تلك القواعد التى تنظم العلاقات بين أقلية أوليجاركية أو أرستقراطية حاكمة (العرب آنذاك ) وبين أغلبية محكومة. وفيما بعد، تحوّل الأقباط لأقلية فأصبح الحاكم هو تلك القوانين التى تحكم علاقة أغلبية حاكمة بأقلية محكومة فى أى مجتمع. وبالتالى، فالتشريعات الإسلامية ـ فيما قبل الدولة الوطنية ـ لم تكن هى الحاكمة للعلاقة بين الطرفين، بل الأمر الواقع. شأنها فى ذلك شأن العلاقة بين الحكام المسلمين والمحكومين المسلمين طوال تاريخ الدولة (الدول؟!) الإسلامية التى صاغتها اللحظة التاريخية بعيداً عن الشريعة وما تقرره.
وحين دخل العرب المسلمون مصر، إستعانوا بالنخبة القبطية فى إدارة شئون البلاد ( شأنهم فى ذلك شأن من سبقهم مثل الرومان واليونان ). وشيئاً فشيئاً تسلل أفراد هذه النخبة القبطية إلى الطبقة الحاكمة وأصبحوا جزءاً منها لا يجرى عليهم ما يجرى على بقية الشعب المصرى ( مسلمين ومسيحيين ). ونادراً ما إضطر أحدهم لتغيير ديانته لتفادى تمييز ما أو للحصول على مكاسب أعلى. وهذا هو الوضع الذى سيستمر حتى اللحظة الراهنة. فى الوقت الذى كانت فيه الصراعات الإسلامية /الإسلامية القائمة على أساس مذهبى (شيعة/ سنة ) أو على أساس عرقى (عرب / بربر) فى الدولة الفاطمية مثلاً، أشد وطأة وأعنف بمراحل مما شهدته مشاحنات المسلمين والأقباط عبر التاريخ.
ينبغى إذن تخليص تلك المشكلات من بعض وجهها الدينى المستعار، ورد بعض وجهها الإجتماعى والسياسى الحقيقى ـ لكن ـ المنفى والمستبعد. فالمسألة فى جوهرها لا علاقة لها بإسلام أو مسيحية.
لكن حكم الأمر الواقع، أو الظرف التاريخى يعنى أن تفقد الشرائع والنظم والقوانين والأخلاق سطوتها لصالح التحولات الجارية أو الواقع الذى يفرض نفسه. كما يعنى أن تتحمل الأقلية أولاً وقبل الآخرين وبشكل مضاعف عبء أى أزمات أو توترات إجتماعية أو سياسية. وتفاصيل هذا موجودة فى كل تاريخ الشعب المصرى وبقية شعوب العالم . وحتى فى حالة الغزو الخارجى، تعانى الأقليات دائماً أكثر من الآخرين. فالغازى دائماً ما يراهن على معاناتهم فيبدأ فى الإتصال بهم وتقديم الوعود، والداخل دائماً ما ينظر لهم بعين الريبة. ففى الحروب الصليبية مثلاً، ورغم أن مسيحي الشرق بشكل عام عانوا الأمرين من هذه الغزوات ( بما فيهم مسيحيو شرق أوروبا، كما حدث لبيزنطة مثلاً )، ورغم تحالف دول وإمارات إسلامية أحياناً مع الغازين لتحقيق بعض المصالح، كان على الأقباط دائماً إثبات ولاءهم للدولة الإسلامية قبل أى شئ آخر. وبرغم معاناتهم من الغازين مثلهم مثل المسلمين فقد ظلوا محل شك وريبة دائماً، وكثيراً ما تحولوا الى رهائن يتم الإنتقام منهم كرد فعل على الغزو. حدث ذلك إبان الحروب الصليبة وتكرر أيضاً مع الإستعمار الحديث. وفى ذلك أيضاً ليس هنالك شئ خاص أو إستثنائى بل هو نفس القانون الذى يحكم علاقات الأقلية بالأغلبية فى مثل هذه الظروف فى العالم كله. علينا إذن أن نناقش المسألة بإعتبارها مشكلة علاقة أقلية بأغلبية دينية متكررة فى كل تاريخ البشرية ولكن بعيداً عن الدين. فالدين لم يكن يوماً هو الذى يقرر طبيعة علاقة الطرفين وإنما الظروف الإجتماعية. وإستبعاد الدين بهذا المعنى ينفى أية حساسيات محتملة من الطرفين.
أما شعار الوحدة الوطنية، فهو شعار حديث. وهو شعار مرتبط ببزوغ آفاق الدولة الوطنية الحديثة، وكان من إرهاصاتها مع بداية أفول الدولة العثمانية (وهذا يفسر عدم ظهور هذا الشعار فى مواجهة الحملة الفرنسية مثلاً ). وقد تم صك هذا الشعار فى مواجهة الإستعمار الإنجليزى كأحد أعمدة الدولة المصرية الحديثة النازعة نحو الإستقلال . لكنه لم يتجاوز أبداً مرحلة الشعار. فحين يصل رافعو أى شعار الى الحكم لابد وأن يترجم فوراً إلى دساتير وقوانين ويتم تفعيله فى الواقع فوراً. ولكن هذا ـ ولأسباب كثيرة ـ لم يحدث أبداً مع شعار الوحدة الوطنية. فلم يتطور أبداً إلى المواطنة الكاملة المتساوية الواجبات والحقوق فظل الشعار مرفوعاً حتى اليوم (وكأن المصريين لم يستقلوا بعد ولم يصلوا لحكم بلادهم بأنفسهم ولازالوا يطالبون بالوحدة الوطنية.! فى مواجهة من؟). وهو أمر مرتبط أساساً بعدم تطور الدولة الوطنية الحديثة فى مصر حتى الآن. وبالتالى عدم تحقق فكرة المواطنة الكاملة للمصريين بشكل عام ( مسلمين ومسيحيين ) ، وظل المصريون مجرد رعايا فى بلادهم..
وشعار الوحدة الوطنية يعنى أن هناك أكثر من عنصر فى المجتمع المصرى معترف بهم وبوجودهم المستقل والمنظم وانهم ( إنهما ) قررا الإتحاد فى مواجهة طرف ثالث. ومجرد رفع هذا الشعار الآن إنما هو إقرار أولاً بعدم إكتمال الدولة الوطنية الحديثة القائمة على المواطنة المتساوية الحقوق والواجبات والمعتمدة على الكفاءة بغض النظر عن الدين واللون والجنس .. إلخ، وهو أيضاً إقرار بعدم الرغبة فى تجاوز ذلك الوضع وإبقاءه على ماهو عليه : عنصرا أمة منفصلان ولا يندمجان وإنما يتحدان فى مواجهة الأخطار ..!!
إذن فشعار الوحدة الوطنية المرفوع الأن هو شعار بلا معنى ولا مضمون فى ظل إختفاء الظروف التى أنتجته( الإستعمار الإنجليزى وإرهاصات الدولة الوطنية ). ويصبح الإصرار على رفعه ( فى الفاضية والمليانة ) هو إصرار على تجاهل الواقع وتجاوز إستحقاقات حان وقت نقاشها.
ثالثاً، شهد المجتمع المصرى تغيرات وتقلبات عميقة خلال النصف قرن المنصرم، وبالتالى فقد شهدت علاقة الأقباط والمسلمين والدولة تعقيدات كثيرة خلال النصف قرن الماضى. وقد حكم هذه العلاقات خلال تلك الفترة عوامل عدة بعضها تاريخى مما ذكرنا، أومما يستند لميراث الدولة العثمانية فى تنظيم علاقتها بالأقليات، مثل الخط الهمايونى الذى لازال يحكم الكثير مما يخص الأقباط فى مصر. وبعضها يخص علاقة الدولة الناصرية بكل مؤسسات المجتمع ومنها الدينية وتأميمها لتلك المؤسسات. وبعضها يرجع لطبيعة تطور المجتمع بعد هزيمة 67 وتراجع المشروع الناصرى وصعود التيار الدينى، ثم تحالف دولة السادات مع هذا التيار وخضوعه لإبتزازه أو إضطراره لممالئته. وبعضها يخص تلاعب الدولة ذاتها بورقة المسلمين والأقباط فى مصر خلال السبعينات وما بعدها. لكن الأهم هو تدخل الدولة لتنظيم ( فى الحقيقة الحد من) الوجود القبطى فى المؤسسات العامة مثل الجيش ورؤساء الجامعات والمحافظين .. وغيرها، والأكثر أهمية هو ذلك التدهور والإنحطاط الذى أصاب الدولة المصرية فى الثلاثين عاماً الماضية والذى قضى على الكثير مما تحقق منذ بداية القرن العشرين وفكك عرى الدولة المصرية مما أحال المواطن المصرى إلى روابطه الأولى العشائرية والقبلية والإقليمية والدينية وهو ما يعنينا هنا.
تفكك الدولة وتدهورها كان هو العنصر الحاسم الذى أعطى للروابط والمؤسسات الدينية ذلك الزخم. وهكذا نما دور الكنيسة نمواً هائلاً فأصبحت الوكيل المتحدث بإسم الأقباط مع الدولة ومع الخارج. تتدخل لديهما لحل أى مشكلة تواجه قبطياً. فأصبحت دولة ( للأقباط ) داخل الدولة. حدث هذا بمعرفة الدولة ومباركتها ومباركة التيار الإسلامى أيضاً الذى إستنام إلى تحول الأقباط إلى أقلية ذمية بدلاً من تحولهم إلى مواطنين كاملى الأهلية الوطنية. فأوضاع الأقليات أو الطوائف، فى أى مجتمع يعترف بها ومنظم على أساس وجودها، تستوجب وجود تنظيم او مؤسسة تدير شئون هذه الأقلية وتكون وكيلاً عنها فى التعامل مع الدولة. وهذا بالضبط ما حدث للأقباط فى الثلاثين عاماً الماضية.
هكذا تدهورت أوضاع الأقباط فى مصر من مواطنين يعانون بعض التمييز إلى أقلية دينية يحكم علاقتهم بالدولة والأغلبية نفس القانون الذى تحدثنا عنه آنفاً. بمعنى أنهم سيتحملون أولاً، وبشكل مضاعف، آثار كافة التوترات الداخلية والخارجية. وما أكثرها وأحدها فى مصر فى المرحلة القادمة. ولذا فلم يكن صدفة أنه وبينما الأمور تتطور فى هذا الإتجاه ( تزايد إنحلال الدولة ) شهدت مصر فى السنوات العشر الأخيرة عدداً من التوترات الطائفية هو الأكثر والأشد هولاً فى تاريخها الحديث (أحداث الكشح مثلاً ). وزادت الإتهامات المتبادلة بالتنصير أو الأسلمة ووقفت بالأمور على حافة الإنفجار أكثر من مرة. وبقاء الأوضاع على ماهى عليه ينبئ بتفجرات أعنف لأسباب حقيقية أو مخترعة.
إذن فالدولة والإسلاميون والكنيسة ـ وربما البعض فى الخارج ـ من مصلحتهم بقاء الوضع الحالى على ماهو عليه. فمن مصلحة من التغيير إذن ؟! .. إنها مصلحة الشعب المصري كله، مسلموه قبل أقباطه :
فإذا كان إيقاف هذا الوضع المتردى من مصلحة الأقباط المصريين ( بعيداً عن الكنيسة ) لأنهم سيكونون دائماً اول ضحايا الأزمات الإجتماعية القادمة قبل غيرهم. فإنه أيضاً، وبعيداً عن الدوافع الأخلاقية أو الإنسانية العامة، من مصلحة المصريين المسلمين :
1 ـ إن إقامة الدول الوطنية الحديثة، المتعالية على علاقات القرابة والدين وغيرها، لم يكن هدفاً فى حد ذاته، بل لأن الدول الحديثة هى الأكفأ فى إدارة شئون المجتمعات. فاعتماد معيار الكفاءة بغض النظر عن الدين والجنس واللون من شأنه السماح للمجتمع بالإستفادة القصوى من كفاءة أبنائه.
2 ـ أن الشعب المصرى كله، فى أزماته ومشكلاته، الحالية والتالية، سيجد نفسه ـ وبعد أن تم تزييف وعيه ـ يصوب فى الإتجاه الخاطئ فتنخرط جماهير المسلمين والمسيحيين فى القصاص من بعضهم البعض دون أن تواجه الدوافع والأسباب الحقيقية لما تعانيه. ولابد لأى مسلم فقير أن يسأل نفسه ما الذى يجمعه فعلاً بأحمد عز أو بهجت أو أبو العينين أو غيرهم . ولابد لأى مسيحى أيضاً أن يتساءل مالذى يجمعه حقاً بساويرس وغبور ولكح وآل غالى ( بطرس الأكبر وأحفاده ) وغيرهم. لا شئ يجمع أولئك وهؤلاء. بل العكس، فالذى يجمع العز وساويرس وبهجت وغبور ولكح وابو العينين كثير. والذى يجمع فقراء المصريين وطبقتهم المتوسطة ( مسلمين ومسيحيين ) أكثر.
وفى ضوء ما سبق، تصبح المسألة القبطية موضوعاً يتم نقاشه فى إطار النقاش حول موضوع المواطنة لجميع المصريين ( مسلمين ومسيحيين ). أى فى أطار عملية تحديث الدولة المصرية وإعادة ترتيب العلاقة بين المواطنين والسلطة، أى مقرطة المجتمع بشكل عام.
ولكن إذا ما كان تحديث ومقرطة الدولة والمجتمع شرط للتسامح الدينى المتبادل فإنه لا يعنى أن تحل المسألة الدينية بشكل تلقائى. بل يعنى فقط انها لا يمكن أن تحل بعيداً عن هذا الشرط. فالمسألة الدينية تحتاج نضالاً خاصاً بها وتركيزاً عليها بإعتبارها قضية ذات طابع خاص لأن كثيراً من قوى المجتمع ونخبه ربما تطرح التحديث على أجندتها دون أن تعطى لهذه المشكلة الإهتمام الكافى. وهذا ينقلنا الى التساؤل التالى:
ـ ماهى القوى الإجتماعية المؤهلة لقيادة هذا المشروع ؟ وماهو موقف النخبة ( النخب ؟ ) الإجتماعية والسياسية من موضوع المواطنة ؟
هنا ينبغى أن نرصد عدة حقائق :
ـ أن موضوع تحديث الدولة المصرية لم يكن مطروحاً أبداً بالقوة والزخم المطروح بهما فى السنتين الأخيرتين. وربما يفسر هذا جزءاً من تصاعد التوترات الطائفية حيث تشعر بعض القوى بأن إعادة الترتيب على وشك البدء وأنها لابد وأن تطرح شروطها ورؤاها ممارسة ضغوطها بأشكال عدة.
ـ ورغم ذلك فإن موضوع المواطنة الكاملة غير مطروح على برنامج أى من القوى الإجتماعية سواء الرأسمالية المصرية الحديثة أو الطبقة الوسطى. فالأولى ليس فى أجندتها حتى الآن سوى تحرير الإقتصاد وفرض شروط السوق دون الإهتمام بأى موضوع آخر. بل إن الشواهد تؤكد أن تلك الطبقة ترتب أوضاعها على أساس ذلك الوجود الطائفى وليس على أساس نفيه. وربما كان ذلك لأن التوترات الطائفية لم تسبب أى إزعاج لصيرورة برنامجها حتى الآن. بل ربما كانت التوترات الطائفية عنصر إلهاء عما قد يتسبب فيه تسريع برنامج التحرير الإقتصادى من توترات إجتماعية شديدة ربما أعاقته.
أما الطبقة الوسطى، ورغم انها ليست شيئاً واحداً إلا اننا يمكننا القول وبإطمئنان شديد أن أغلبها متأثر بخطاب التيار الإسلامى. ونظرة سريعة إلى حجم تواجد هذا التيار داخل النقابات المهنية كافية للتدليل. أما التيار الإسلامى الجديد، الأكثر تسامحاً وإندماجاً فى السوق الرأسمالى العالمى فلازال أضعف كثيراً من أن يغير فى هذا الخطاب بله أن يصبح مؤثراً فى تلك الطبقة.
والحقيقة أن التوترات الطائفية والتجاذب العنيف هو داخل تلك الطبقة بالأساس. ورغم أن الإنفجارات الأشد تكون فى الريف ( الكشح مثلاً ) إلا أن التوتر الدائم هو فى المدن التى ربما تشهد أطرافها إنفجارات أعنف.
وربما كانت الطبقة العاملة مختلفة قليلاً من حيث ضعف توغل الخطاب الإسلامى فيها لأسباب كثيرة، إلا أنها أضعف حتى من أن تدافع عن حرياتها النقابية والتنظيمية، بل إنها أضعف حتى من أن تجعل من بعض القضايا النقابية قضايا عامة للطبقة، فما بالنا بقضايا وطنية مثل الحريات والمواطنة .
هذه الأوضاع الإجتماعية تنعكس فى خطابات النخب وبرامجها. فكل الأحزاب تكتفى بطرح شعار الوحدة الوطنية( ؟! ) والمساواة بين المواطنين (؟!) ولا تطرح خطاباً واضحاً فيما يخص فصل الدين عن الدولة، ولا تسعى لتغيير الدستور الذى ينص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع (وعلى المسيحى أن يشعر بالمساواة ؟! ).
بل أن الوجود الضعيف والغائم لبعض الفقرات الخاصة بالموضوع فى هذا البرنامج أو ذاك سرعان ما يتلاشى تماماً امام براجماتية وعدم مبدأية بعض القوى الليبرالية أو اليسارية ( الوفد والغد والإشتركيين الثوريين مثلاً ) فتسعى للتحالف مع الإخوان المسلمين الذين لم يغيروا خطابهم فى هذا الشأن مطلقاً وتجلى ذلك تماماً فى أحداث الإسكندرية ومظاهرات الأزهر (الجمعة 21 أكتوبر).
ولا يتبقى فى المجتمع سوى بعض قوى اليسار الراديكالى هى التى تطرح برنامجاً جذرياً علمانياً تطالب فيه بفصل للدين عن الدولة وبمساواة حقيقية للجميع دون نفرقة لأى سبب. لكن هذا اليسار ضعيف وغير قادر سوى على الطرح الدعائى ليس أكثر. أى أن يكون ورقة ضغط وليس قوى فاعلة يمكنها أن تكسب أرضاً كل يوم فى إتجاه التغيير الحقيقى.
هذا الوضع المعقد والبائس لا يترك سوى القليل مما يمكن فعله الآن، إلا أن أغلبه يتوقف على حركة الأقباط أنفسهم :
ـ ينبغى على الأقباط أن يدركوا أن تحررهم لن يأتى بمنحة من أحد ولكن بنضالهم هم أنفسهم من أجله. كما أن إحتجاجهم ينبغى ألا يكون بمزيد من الإندماج فى الكنيسة ولكن بمزيد من الإندماج فى المجتمع. فينبغى مثلاً أن ألا يتوجهوا بإحتجاجاتهم نحو الكنيسة ولكن نحو المؤسسات المدنية الوطنية مثل مجلس الشعب، مجلس الوزراء، رئاسة الجمهورية .. إلخ. فتوجههم للكنيسة هو إبقاء للمسألة فى حدود الدين ودعم للفصل الطائفى، والعكس صحيح ...
ـ التوقف عن المراهنة الخاسرة على الخارج. لأن هذا الخارج يتعامل تاريخياً بإنتهازية شديدة مع المسألة. فهى بالنسبة له مجرد ورقة ضغط لتحقيق مصالحه ليس أكثر، وسوف يلقيها إذا ماتحققت مصالحه أو إذا تعارضت معها. بل أن التطورات التى شهدها هذا الخارج ( صعود المحافظين الجدد، بروز مفهوم صراع الحضارات ) قد يعطى للمسألة مزيداً من التعقيد.
ـ إعادة الإندماج فى المجتمع تعنى الإنخراط بفعالية فى كل نضالاته من أجل التحديث والإنعتاق. أى إعادة الإنخراط فى مؤسسات المجتمع المدنى ( الأحزاب والنقابات .. إلخ ) خاصة تلك التى ترفع شعار الدولة العلمانية وتسعى من أجل المواطنة الحقيقية والكاملة للجميع بما يعنى:
الكف عن روح المحافظة الدينية التى استشرت فى السنوات الأخيرة .
الكف عن المراهنة على الدولة وتمثيلها النسبى للأقباط فى المؤسسات لأن وجود الأقباط فى المؤسسات بصفتهم أقباط لايعنى سوى تأكيد الطائفية.
من العرض السابق، فإن القوى الإجتماعية وقوى المجتمع المدنى والنخب غير مؤهلة الآن للقيام بدور فاعل فيما يخص المواطنة والمشكلة الطائفية. وبخلاف الأقباط أنفسهم، فليس هناك من أمل سوى فى بعض قوى اليسار الردايكالى القادر على طرح المسألة طرحاً جذرياً علمانياً حقيقياً.
وبغير هاتين القوتين فلا رهان على أحد.
هذا هو قدر الأقباط ( والأقليات عموماً ) واليسار أن يحملوا معاً المشعل فى مجتمع متخلف تعجز برجوازيته عن القيام بأى من مهامها فضلاً عن تزييفها للوعى وتكريسها للتخلف. فهل تنهض القوتان بما قيض لهما أم يشتعل الوطن؟
#جمال_صدقى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذكرى المناضلة الأمريكية راشيل كورى
المزيد.....
-
شركتا هوندا ونيسان تجريان محادثات اندماج.. ماذا نعلم للآن؟
-
تطورات هوية السجين الذي شهد فريق CNN إطلاق سراحه بسوريا.. مر
...
-
-إسرائيل تريد إقامة مستوطنات في مصر-.. الإعلام العبري يهاجم
...
-
كيف ستتغير الهجرة حول العالم في 2025؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق ن
...
-
قاض أمريكي يرفض طلب ترامب إلغاء إدانته بتهمة الرشوة.. -ليس ك
...
-
الحرب بيومها الـ439: اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان وسمو
...
-
زيلينسكي يشتكي من ضعف المساعدات الغربية وتأثيرها على نفسية ج
...
-
زاخاروفا: هناك أدلة على استخدام أوكرانيا ذخائر الفسفور الأبي
...
-
علييف: بوريل كان يمكن أن يكون وزير خارجية جيد في عهد الديكتا
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|