أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - خُمرة الطين والحنين














المزيد.....


خُمرة الطين والحنين


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 5241 - 2016 / 8 / 1 - 02:01
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


خُمرة الطين والحنين
نعيم عبد مهلهل

الطين صلصال حياتنا . وأعتقد أنه أول اريكة استراح عندها آدم في هبوطه الى الارض ، وأول وسادة غرام غفى عليها بعد أن شعر في الأطمئنان أن قابيل وهابيل قادمان الى الحياة وربما شعر وهو يضع رأسه على هذه الوسادة أنهما سيتشاجران وأن واحد سيقتل أخيه . فيصيبه حزن فقدان أبن فلا ينام على وسادة الطين ، بل على اكتاف زوجته حواء ليستعيد معها خواطر حياة ماضية كانا فيها الاخوين متصالحين قبل اعلان الحرب بينهما.
الخمرة في فتح خائها تصير خمرة للسكر والعربدة أو الرغبة المفضوحة في انتاج قصيدة ونسيان جوع الحياة ، وهي صنيعة عصر عنب أو التفاح أو التمر ، وربما هي من بعض المكتشفات الأولى لتكون غذاء روحياً للبشر ، وربما هي في العصور الأولى من بعض مستلزمات طقوس المعابد والتقرب الى الآلهة ، وطالما كنا نرى في الواح الطين والحجر والمسلات وحاكايات الاساطير أنَ الالهة والملوك كانوا يجلسون على عروشهم في اليد صولجان وفي اليد الاخرى كأس خمر.
أما الخُمرة برفع حرف الخاء فعرفتُها مع الخبز والطين ، فكليهما لاينضجان إلا من خلال تخميرهما ، ولكن الخبز لا ينضج إلا بوجود فرن الطين ( التنور ) فيما لايحتاج الطين ليخمُرَ إلا أن يضاف اليه التبن ويبقى ليلة واحدة .
مع الطين وخُمرتهْ ، سكرت الذكريات في أيام طفولتنا ، عندما لايجد الفقراء غير الطين والتبن مادة تصنع مكان الايواء من الشمس والمطر وممارسة الغرام ، عندما كانت غرفة الطين هي صالة العرش بالنسبة لي عندما كنت محشورا فيها مع اخوي كما كان ، للنوم والمذاكرة وانتظار جدتي لتزورني آخر الليل وتحمل حكايتها المشبعة بالأساطير والاحلام ونظرات شهية من حوريات بيض تقول جدتي عنهن : أنهن وحدهن كفيلات بتحقيق أحلامنا حين نكبر ونصير رجالا في مفارق الطرق فكانت تقول لاخي الاكبر :ستصير دمعة ، وحقا فقد تحول الى دمعةٍ حين دهسته عجلة جار لنا وهو في الصف السادس الابتدائي ومات .
وقالت لأخي الاوسط : أنت ستكون عامل طين وتموت في عمر الخمسين .وفعلا انتهت حياته وهو عامل في معمل طابوق ، وتوفي وقد خلف نصف درزينة أطفال . أما أنا فقد كانت تقول عني : أنكَ ستلبس أجنحة السنونو وستذهب ابعد من مقام سيد خضير أبو ( حيايه ) والسيد هو مرقد لعلوي جليل يقع في اطراف الناصرية من جهة البصرة.
والأن وأنا بعيد عن قبة السيد الهاشمي بالآف الاميال أتذكر وجه جدتي في شوارع السُحب الماطرة فوق رأسي الآن ، فأمشي في تفاصيل عينيها ابحث عن عمر تحول فيها البرتقال الى دموع ، وثمر البطيخ الى قناني عطر فرنسية ، وربما حاجبيها تقوسا اكثر من هلال العيد فأنكسر ظهرها وجلست في غرفة الطين بدون نديم ولتموت وحدها . والذي شيعها فقط ابي وأنا وأخي ونحن نستعيد صدى نبؤاتها الكهنوية فأسعد لانها ذهبت بي أبعد من مهنة اخي .
هذا البُعد الروحي مكنني لأكون كاتبا وقاصا وشاعرا أسكن كل اتجاهات الرمش الى جهة الطين فيها خمرة الليل وحمرة القبلة ورائحة الهيل ، فتسكنني المحطات عبر النافذة ، لتأخذني الى حاضنة تلك الموهبة التي نشأت بين قصص مكتبة المدرسة والمكتبات الجيران وبفعل النظرات السحرية في وجوه ممثلات السينما المطبوعة على اغلفة المجلات .
وفي نهاية مسافة النظر من ضفاف الراين الى ضفاف الفرات .
جدتي تجدد ضحكتها السومرية حتى عندما صار جسدها رميماً وعظاماً.
والآن عليَّ أنا المتوارث من الغبار وظلال النخيل أن أصعد طيبقات سلم الزقورة لأرى من الأعلى قبر جدتي أن كان لم يزل له شاهدة على التراب ولم تسحقه الدبابات وتحوله مع قبور أخرى الى شوارع للمشاة .
أتوسل اليها بنظرة جنوبية حاسرة الدمعة والبوح والنحيب ، وأتمنى أن أسمع منها نبؤة أخرى فيما يخصني ، فيأتي صدى موجة نهر وموسيقى مطر ورشفة عطر : أبق في مكانكّ ، فأي كانت دورة الأرض فبوصتها الأخيرة قبر.!



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من طفولة صباح مضى..!
- ( محمد الجاسم ..تدوين الشعر ومراثيه بلغةٍ ساحرة )
- الدمعة من أور الى الكرادة
- الناصرية ( المترفون ، الشاي وبوذا )
- الناصرية 51 مئوية
- هايكو الأهوار ، وهايكو اديث بياف
- أور وموبايل اوردغان
- النبي نوح في طفولة الناصرية
- جاموسة الليدي غاغا
- أبراج الحظ
- آثار دمُكَ على النعش
- سريالية موت طائر الكناري
- للرفش عاطفة ايضاً..
- الروح ترتدي ثوبا ابيضا
- نجومٌ خضرٌ في نعشٍ أسود
- شهداء العطر الاخضر
- ناموسيات قُبلاي خان
- الكرادة
- لقالق سمرقند ومنائر الجبايش
- سفرة مدرسية الى التوراة


المزيد.....




- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...
- محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت ...
- اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام ...
- المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - خُمرة الطين والحنين