|
صروح الإسلام السياسي تتهاوى ... غير مأسوف عليها
صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 5240 - 2016 / 7 / 31 - 15:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
صروح الإسلام السياسي تتهاوى ... غير مأسوف عليها
منذ ان انطلقت فكرة الإسلام السياسي في اوائل عشرينات القرن الماضي من قبل حسن البنا ورفاقه الذين لم يرق لهم سقوط الخلافة الإسلامية بسقوط الدولة العثمانية ، وحاولوا استعادة هذه الخلافة المقيتة التي لم تجن منها الشعوب التي استعمرتها غير الإستغلال الإقتصادي والطائفية الدينية والقمع السياسي، منذ ذلك الوقت ومحاولات الإسلاميين بالسيطرة على الحكم في الدول التي نشطت فيها منظماتهم لم تهدأ ولم تبخل ايضاً في سلوك ابشع الطرق الإجرامية لتحقيق اهدافها السياسية هذه من خلال الدين والتي مارست فيها الإغتيالات وحملات التكفير وشرعية سفك دماء المخالفين. ومن خلال التطور الذي نشأ على هذه الحركة وانبثاق منظمات ارهابية تبنت اطروحات حسن البنا ومن بعده سيد قطب وابو العلاء المودودي وغيرهم من المنظرين للجريمة في اطروحات الإسلام السياسي والتي استندت كل فتاواهم في هذا الأمرعلى اطروحات شيخ الجريمة وإمام التكفير ابن تيمية، من خلال هذا التطور الذي استمر عقوداً من السنين ، والذي لا يسع المجال لشرحه مفصلاً الآن، برز في رحم هذه الحركات التي تبنت العنف كاسلوب اساسي في الوصول إلى السلطة السياسية، حركات واطروحات حاولت تحسين وجه الجريمة لتنظيمات الأخوان المسلمين وما ابثق بعدئذ عنها من منظمات اسلامية، وذلك من خلال طرح فكرة الإسلام المؤسساتي الذي تبنته قوى الإسلام السياسي في تركيا من خلال حزب التنمية والعدالة بشكل اساسي. وقد انطلقت فكرة الإسلام المؤسساتي هذه من ترك العنف، مؤقتاً، واللجوء إلى مؤسسات الدولة كالبرلمان او غيره من المؤسسات التي تسمح لهذه التظيمات الدينية ان تساهم في العمل السياسي دون ان تكشف عن طابعها الديني وايديولوجيتها الإسلامية المتطرفة. وقبل مناقشة هذه الفكرة ينبغي لنا هنا الإطلاع على اساس تبني هذه الأطروحة التي إن دلَّت على شيئ فإنها تدل على الحقائق التالية: اولاً : إن مثل هذا التوجه لا يخلو من الإنتهازية التي يطلق عليها الخطاب الديني مصطلح التقية التي تمارسها معظم التوجهات الدينية السياسية الإسلامية ، حتى وان انكر البعض تبنيه لهذه التقية او سلوكه هذا الطريق الإنتهازي. فإن هذا التوجه إن لم يكن تقية دينية فإنه يمثل اعلى درجات الإنتهازية السياسية. ثانياً : تشير هذه التصرفات إلى مدى إيغال هذه التنظيمات الإسلامية بالكذب والخداع الذي تشرعن ممارسته استناداً إلى ما طوره الفقه الإسلامي لقاعدة : الضرورات تبيح المحظورات. ثالثاً : اثبتت الكثير من الوقائع في مصر وفي تونس وفي تركيا الآن بان هذا الطريق الذي تسلكه عصابات الإسلام السياسي على اختلاف تنظيماتها يستند اساًساً على بعض مظاهر الديمقراطية في بعض الدول التي تمارس الإنتخابات البرلمانية مثلاً ولو بشكلها الصوري، بالرغم من عدم اعتراف هذه المنظمات الإسلامية بالديمقراطية السياسية التي تتبناها القوى السياسية المؤمنة بها، إذ ان خطاب الإسلام السياسي طالما يؤكد على مبدأ الشورى باعتباره البديل عن الديمقراطية، دون ان تبين لنا هذه العصابات ما هي الشورى ومتى مورست ومن يستطيع ممارستها الآن في هذا العالم المتباعد الأطراف والذي يضم كثيراً من المسلمين، بمختلف مذاهبهم وفرقهم التي بلغت المئات، والذين لا علاقة لهم البتة بمثل هذه الأفكار التي يتبناها خطاب الإسلام السياسي. فلإسلام المؤسساتي ، الذي نبع في تركيا اولاً، شكل مرحلة من مراحل العمل للوصول إلى السلطة عبر مؤسسات الدولة اولاً ثم الشروع بتقويض هذه المؤسسات واحدة بعد الأخرى. ومن الملفت للنظر ان معقل الإسلام السياسي المتمثل بحركة الأخوان المسلمين في مصر سار على هذا النهج بحيث اخذت عصابات الأخوان المسلمين الإجرامية تتراجع لبعض الوقت عن اغتيالاتها وملاحقتها وعنفها ضد الآخر المختلف ، حتى وإن كان من ناطقي الشهادتين والمؤمنين بهما، وتُرشح ممثليها للإنتخابات البرلمانية باعتبارهم مستقلين سياسياً. وحينما قامت الثورة المصرية على نظام مبارك وركب موجتها الأخوان المسلمون ليستولوا على السلطة بعدئذ، تماماً كما فعل اقرانهم في ايران عام 1979، كشَّرت عصابات الأخوان عن انيابها لتفترس الأسس الديمقراطية التي اوصلتها إلى سدة الحكم ولتقود البلاد إلى احكام شريعتهم التي مارسوا من خلالها كل الموبقات بحق الشعب المصري ومؤسساته السياسية والثقافية والإجتماعية. إلا ان الشعب المصري الذي انتفضت ملايينه ضد حكم العصابات الأخواني اسقط هذا الصرح الذي عوَّل عليه الأخوان كثيراً، ليس في مصر وحدها، ليكون المنطلق الأساسي لنشر افكارهم والحكم بشريعتهم الجوفاء في انحاء مختلفة اخرى من المجتمعات الإسلامية. وسقوط عصابات الأخوان في مصر لم يكن الوحيد في المنطقة، إذ تبع ذلك سقوط اطروحات الأخوان في حزب النهضة التونسي الذي لم يجد قائده راشد الغنوشي بداً من التصريح، حتى وإن كان كاذباً في ذلك كعادتهم جميعاً، بأنه تخلى عن الفكر الأخواني وعن طروحات الإسلام السياسي. وما نشاهده اليوم من سقوط صرحهم الكبير وصنمهم الأعلى المتمثل بحزب العدالة والتنمية الأردوغاني إلا مؤشراً واضحاً لديمومة هذا السقوط الذي اصبح حتمية تاريخية لابد منها. لقد حاول اردوغان وحزبه تمرير ما اطلق عليه اسلمة المجتمع التركي مجدداً وبخطوات بطيئة لم يستطع الإستمرار بها بهذا التباطؤ الذي فرض عليه إختلاق الأجواء التي تمهد له الإسراع في " الأسلمة " على طريقته الخاصة التي تجلَّت في الوقت الحاضر بالموجات الكبيرة من القتل والإعتقالات والملاحقات والفصل لكل فصائل المجتمع التي وقفت ضد الإنقلاب اساساً باعتبارها لا تؤيد السيطرة العسكرية على زمام الدولة، وليس حباً بنظام اردوغان. إلا ان مثل هذه المواقف لا تعني اردوغان وعصاباته التي سبق وأن هيأت قوائم لعشرات الآلاف من المعارضين لحكمه لتخرج بها بعد ساعات من الإنقلاب المُدَبَر ولتنشر رعبها وهمجيتها ودكتاتوريتها البغيضة على كل الأراضي التركية التي اصبحت اليوم مرتعاً خصباً لعصابات حزب التمية والعدالة الإسلامي وممارساته الإجرامية. وكما جرى لصروح الأخوان الساقطة هذه يجري تآكل ما تبقى من هذه الأنظمة التي لم تكسب لحد الآن سوى احتقار العالم لها وتزايد اشمئزاز مواطنيها منها، وما كل ذلك إلا مؤشرات تاريخية صحيحة لزوال هذه الأنظمة مستقبلاً، لا فرق في مذهبها او منطقة وجودها سواءً في ايران او السعودية او السودان او غيرها. اما في وطننا العراق والذي تسعى قوى الإسلام السياسي فيه إلى بناء دولتها الدينية التي لم يفصح البعض عنها لحد الآن، على الرغم من ادعاءات احزاب وتجمعات هذه القوى الإختلاف المذهبي الذي توظفه لقتل الآخر ولنشر الإحتراب بين ابناء الشعب الواحد من خلال محاصصاتهم المقيتة، ومن خلال تخليهم عن الهوية الوطنية العراقية مقابل الهويات الطائفية والمناطقية والعشائرية. إلا ان هذه القوى الشريرة ايضاً سوف لن يكون لها ما تريده في وطننا الذي لفظ بالأمس ويلفظ اليوم وبكل اصرار قوى الإسلام السياسي جميعاً والتي لم تجلب لشعبنا سوى التخلف الفكري والإنهيار الإقتصادي والعداء بين المواطنين واستمرار ما نهجت عليه البعثفاشية المقيتة من تخريب للبد وتراجعه عن ركب الحضارة العالمي. إن رفض شعبنا لزمر الإسلام السياسي وعصابات جرائمه المقيتة لم يأت عن فراغ او صدفة، بل انه يشير إلى التجاوب الذي يطلقه شعبنا مع شعوب العالم الأخرى سواءً تلك التي اسقطت صروح هذه العصابات او تلك التي تنتهج طريق اسقاطها، هذا إذا ما نظرنا للأمر من ناحية موضوعية عامة. اما من الناحية الذاتية فهناك الكثير من المبررات التي طرحتها الساحة السياسية العراقية منذ سقوط دكتاتورية البعث ومنذ ان جاء الإحتلال الأمريكي بعصابات الإسلام السياسي ووضعها على قمة السلطة السياسية في وطننا، والتي تشير جميعاً إلى هذا السقوط الذي لابد منه. ومن اهم العوامل الذاتية هذه هي: اولاً : لقد اظهر الحراك الجماهير الذي بدأ بوضوح اكثر من ذي قبل في صيف العام الماضي، بان هناك توجهاً عاماً نحو الدولة المدنية الديمقراطية ورفضاً واضحاً للدولة الدينية بحيث اضطرت حتى بعض قوى الإسلام السياسي ، ولو عن كذب وتقية كعادتها في مثل هذه الحالات، ان تتبني شعارات الدولة المدنية الديمقراطية الضامنة لكل الحقوق ولكل المواطنين ولجعل الهوية الوطنية العراقية هي العليا بين الهويات الثانوية الأخرى. ثانياً : كما ابرز الحراك الجماهيري بكل صوره واشكاله ومن خلال الكثير من الشعارات التي طرحها تظاهراً واعتصاماً وكتابة واحتجاجاً وحتى من خلال وقفات صامتة احياناً، مدى احتقار الشعب العراقي لعصابات الإسلام السياسي وكل رموزها ومنفذي سياساتها. ثالثاً : لقد ساهمت شخوص الإسلام السياسي واحزابه وكل تجمعاته، مشكورة، بفضح نفسها بنفسها من خلال ممارساتها لقيادة الدولة العراقية، واثبتت بذلك بان هذه العصابات قد سقطت سياسياً واجتماعياً وثقافياً وحتى اخلاقياً، ولم تنفعها كافة التبجحات الدينية والخطاب الكاذب المخادع الذي تتبناه في مختلف المناسبات محاولة منها لتحسين صورتها المشوهة والكريهة في اوساط الشعب العراقي. إن الشعب العراقي بكافة منظماته المدنية الديمقراطية وشخصياته الوطنية وكل الذين عانوا بالأمس من دكتاتورية البعث وقمعها وتهورها واستمرت معاناتهم او تجددت اليوم بسبب سياسات خلفاء البعث من الإسلاميين بكل تجمعاتهم المقيتة وعصاباتهم المجرمة، مدعوٌ اليوم للمساهمة الجدية والفعالة ، وبكل الطرق السلمية الحضارية، في الإسراع بإسقاط ما تبقى من صرح الإسلام السياسي وكل رموزه في وطننا الذي لا طريق له ولشعبه غير طريق دولة المواطنة، الدولة المدنية الديمقراطية. الدكتور صادق إطيمش
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنهيار القادم السريع لأمريكا وبريطانيا
-
إيضاح لابد منه
-
حكومة العراق ليست جبانة فقط ... بل ومنخورة ايضاً
-
لا تقل لي ...
-
جرائم العثمانيين لم تكن بحق الأرمن فقط ...
-
لصوص ونصوص ...
-
صيام اللصوص . . .
-
وهم التمييز بين التطرف والإعتدال في فكر الإسلام السياسي
-
مَن هم المفسدون ... ايها الصغير ؟
-
النص الديني كسلَّم للجريمة ... الأنفال مثالاً
-
النص الديني كسُلَّم للجريمة ... الأنفال مثالاً
-
المَزْعَطة
-
فتاوى الفقهاء في عَورَة ونقص النساء **
-
الإسلام السياسي جرثومة العصر
-
مجرمو شباط
-
إشكالية السياقين التاريخي واللغوي في النص الديني القسم الرا
...
-
إشكالية السياقين التاريخي واللغوي في النص الديني القسم الثا
...
-
إشكالية السياقين التاريخي واللغوي في النص الديني القسم الثا
...
-
إشكالية السياقين التاريخي واللغوي في النص الديني
-
مصطلحات رثة ... - الأقليات - مثالآ ...
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|