|
خلافة
زين اليوسف
مُدوِّنة عربية
(Zeina Al-omar)
الحوار المتمدن-العدد: 5238 - 2016 / 7 / 29 - 19:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إهدار دم كل من يفكر..قتل المخالفين فكرياً و دينياً بأبشع الطرق لنشر ثقافة الترهيب و الخوف..بتر الأطراف و التمثيل بالجثث..امتهان الأقليات الدينية و الجنسية..إذلال المرأة..الاعتماد على المنطق المكارثي سياسياً و إعلامياً لمصادرة أي تيارٍ فكري يجاهد ليصرح ببعضٍ من أفكاره مع أقل قدرٍ ممكن من الموت..لا..هذه ليست العناصر الرئيسية لحبكة فيلم رعب رخيص الفكرة كما الأداء و ليست بالملخص السريع و شبه الدقيق لفيلم V for Vendetta و لكنها الملامح الرئيسية لدولة الخلافة الإسلامية و التي يؤمن أغلب المسلمون بأن عودتها ما هي إلا البداية لعودة دولةٍ كانوا فيها هم الفئة الأكثر تفوقاً على سواهم..تلك الخلافة التي ستُقام على مبدأ التفرقة بين أفراد رعاياها و ارتكاب الجرائم الإنسانية -كضرورةٍ مُبررة لا كجريمةٍ مُستنكرة- يؤمن المروجون لفكرتها بأنهم في طريقهم نحو بناء دولة الرب على أرضه و بالتالي نحو بناء حضارةٍ خالدة و ليحدث هذا الأمر يجب أن ينصاع الآخرون لهم بصمت و هم ينحرون إنسانيتهم كما حدث في الماضي الذي يعتبرونه مجيداً.
فتلك الفكرة أي فكرة إقامة الخلافة الإسلامية هي فكرةٌ يمكن أن نصفها بأنها فكرة قديمة-حديثة تقوم على مبدأ تفوق الفئة التي تدين فقط بالإسلام على أي فئةٍ أخرى تدين بأي دينٍ آخر سواه أو حتى لا تؤمن به أو بسواه..تلك الفكرة التي تؤسس لفكرة التفوق الإسلامي على الآخرين هي فكرةٌ لا تختلف كثيراً عن ذات الفكرة التي استندت على مضمونها العقيدة النازية لإقامة دولة الرايخ الثالث..و هي ذات الفكرة التي يخالف المسلمون عبر مضمونها بطريقةٍ صريحةٍ جداً ذات الفكرة الإسلامية الأخرى التي تنص على أن جميع البشر ما هم إلا مخلوقات نُفخ فيها من روح الرب من دون أي امتيازاتٍ مُسبقة من قبله نحوهم..و لكن بالرغم من هشاشة قوام تلك الفكرة لأنها تحمل بين ثناياها منطق يلتهم بعضه بعضاً إلا إنها كانت بداية المأساة التي يواجهها الغرب حالياً و التي لا بأس لو عدنا بعجلة الزمن للوراء قليلاً لنرى كيف وصل الغرب لمرحلة المواجهة البشعة مع تلك الفكرة الأبشع أي فكرة الخلافة الإسلامية.
فالبداية كانت عندما قررت نسبة كبيرة جداً من المواطنين المسلمين الفرار من بلدانهم الإسلامية كفرارهم من الجحيم الذي قد يكون في انتظارهم في الحياة الأخرى..فروا من ذلك الجحيم لأنهم فقدوا فيه إنسانيتهم فأصبحوا في ظل تلك الدول الإسلامية كالأنعام أو أضل سبيلا..و لكن لا بأس فمن حق كل إنسان أن يفر من جحيمه الخاص ليحصل على بعضٍ من إنسانية سُلبت منه..و لهذا لا يمكن أن ندين أبداً فرارهم هذا زُرافاتٍ و وحدانا نحو أحضان الدول الغربية "الكافرة" و التي وفرت لهم بيئةً حاضنة تسودها غالباً العدالة الاجتماعية و الإنسانية..فحاولت تلك الدول جاهدةً بدستورها العلماني أن توفر لكل من يفر إليها منهم الحد الأعلى من الإنسانية بغض النظر عن الخلفية الدينية المتوقعة لهم لأنها دول تعلمت من تاريخها و لكن بالطريقة القاسية بأن التطرف الديني تجاه الآخر و قمعه بسببه ما هو إلا الأب الشرعي للمجازر الجماعية.
لكن بماذا تمت مقابلة تلك العدالة الإنسانية و الاجتماعية التي وجدها المسلمون في بلاد الغرب؟؟..تمت بالتصرف بالطريقة الإسلامية التقليدية أي بمحاولة خلق مجتمعٍ موازي لتلك المجتمعات من أجل تحقيق هدفٍ واحد فقط و هو محاولة ابتلاعها في يوماً ما لإقامة خلافتهم القمعية جداً..و خلال محاولة الخلق تلك تمت عمليةٌ أخرى و هي عملية نقل مستمرة لجميع المشاكل التي فر المهاجر المسلم بسببها -ظاهرياً- من مجتمعه إلى تلك المجتمعات الغربية العلمانية..فبدأت تظهر ثقافة التحرش الجنسي و ختان الإناث و زواج الصغيرات و التعدد في الزواج و العنف الأسري و التطرف الديني و عدم الخجل من إبراز مظاهر الكراهية تجاه المخالفين دينياً أو فكرياً أو حتى جنسياً بالرغم من إن القانون المدني الغربي يدين جميع تلك الأمور قانونياً و أخلاقياً و بشدة.
و من المثير للسخرية أن الفرد الغربي المعتنق افتراضاً للديانة المسيحية رفض بشدة إقامة دولةٍ دينية على وطنه تستند في قوانينها على مذهبه المسيحي الخاص أو حتى على أي مذهبٍ مسيحي آخر مخالفٍ له..و لكننا في الجهة المقابلة سنجد أن الفرد المسلم غالباً ما يصر على أن الدولة التي استقبلته -برحابة صدر غالباً- يجب أن تستند عندما تتعامل معه على قوانين تستند في مضمونها على الشريعة الإسلامية في الوقت الذي يتجاهل هو فيه حقوق الأقليات الدينية التي تسكن بلده بوقاحةٍ لا تليق إلا به!!.
و هنا سنجد في نهاية الأمر بأن المواطن المسلم الذي فر من مجتمعه المسلم بسبب غياب العدالة القانونية كما الإنسانية فيه أصبح يمارس ذات الثقافة التي كان ينتقدها سابقاً بل و أصبح يدافع عنها باستماتةٍ حالياً بحجة "الحفاظ على الهوية الإسلامية"..و لعله لهذا السبب يحرص على خلق ذلك المجتمع البديل ليمارس فيه ما يصفه بالحياة "الطبيعية" وفقاً لشروط خلافته و التي تنص على أن أي تصرفٍ يبدر منه هو تصرف لا يحق لأي شخص آخر استخدامه ليدينه به طالما أنه "مسلم" فهذه نقطة تفوقه الدائمة و القديمة كالأزل..و ربما ستكون هي حجته أيضاً للترويج -أمام نفسه كما أمام الآخرين- لفكرة بأنه مضطهد و ذلك عندما يحاول ذلك المجتمع الغربي إجباره على إتباع القانون العلماني الذي يُطبق على الجميع لحفظ تلك الإنسانية التي لم يتعود هو كمسلم على ممارستها أو حتى على منحها للآخرين منذ أيام خلافته الإسلامية التي كانت و زالت لحكمةٍ لا يعلمها إلا ربه.
#زين_اليوسف (هاشتاغ)
Zeina_Al-omar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلنجلد زين كثيراً!!
-
مثلي مثلك
-
طابورٌ خامس
-
24 ساعة
-
تحالف
-
إلهٌ تهاوَى
-
بضع ساعات
-
أوهام
-
عن أركانٍ خمسة!!
-
مكعبات
-
الطوق و الأسورة
-
من دون أي شغف
-
نبضةٌ إضافية
-
أريد
-
حرب
-
مغناطيس
-
قصة مذهبين
-
أفكارٌ هشة
-
ختان..اغتصاب و تحرش
-
على جناح ذبابة
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|