عادل الداوودي
الحوار المتمدن-العدد: 5237 - 2016 / 7 / 28 - 18:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كنت أمشي معهم فقط , كانوا أصدقائي , عصر ذلك اليوم المشؤوم , جاءت مفارز الأمن والقت القبض علينا كلنا , كانوا يضربوننا بشدة وأمام أعين الناس قرب السوق , لأ ادري الى اليوم لماذا كانوا يفعلون هكذا !! , أُخذنا الى دائرة أمن البلدة في كفري وهناك تعرضنا لأول وجبة ضرب رسمية , ضربٌ كانت تلسع وتلتاع له انحاء اجسادنا التي لم تعتد ذلك من قبل أبدا , ثم وبالسحل سحبونا كل الى علبة سردين , انا وضعوني داخل قفص لا يسع لديك رومي ربما ووضعوني تحت الدرج !! ,, لم يتوقف نزيف انفي وكانت الدماء تتقطر من فمي أيضا , خلته يوم قيامة , التنكيل يفقد الأنسان انسانيته او على الأقل جزءٌ منها , هذا ان كنتَ مذنبا أما ان كنت بريئا فإن بصقة واحدة في وجهك او شتيمة واحدة توجه اليك تقتلك الف مرة في اللحظة ,, لا ادري , لا أتذكر , كيف حدث ذلك ,, كنت قد نمت والنوم هنا تعبير حقيقي عن فقدان الوعي والإنقطاع عن الدنيا والحياة , رأيتُ في المنام وكأني كما في أيام الخوالي مع أبي قرب غدير( كفري )فعطشت فأغترف هو من الماء بكفيه وأشربني بكأس لم أر الى اليوم كأسا بجودته وان كان الكأس مجرد كف آدمية , وهنا انقطعت سلسلة الحدث في الحلم وكأن فاصلا اعلانيا قد حضر !! ,, صراخ عالي جدا داخل دائرة الأمن في تلك البلدة الصغيرة القابعة قرب تخوم (باوه شاسوار ), كان صراخا حقيقيا وكان الصوت صوت أبي , يريدني !! ينادي عليّ بالكوردية ويسبونه هم بالعربية ويشتمونه بقسوة ,, سمعتهم يضربونه , فيزداد هو صراخا ويصرخ فيهم (ان اخلوا سبيله , مالذي فعله ؟) !! اخترق صوت اسقاطه على الدرج السقف الذي كنت مودعا تحته ,, سمعت وقوعه على الدرج وكأن ذلك كان سهما قد اخترق قلبي , والى اليوم أرى هذا الكابوس الذي اود التخلص منه وينتابني في النوم كلما شممت رائحة الظلم او لمست ملمسه القبيح او شاهدت لونه القاتم السواد ,, للظلم لون وللظلم رائحة وطعم حتى وواحدة منها تكفي لتودي بحياة الإنسان , ولكننا عشنا رغم ذلك , عيشة مليئة بالصرخات التي تنسل بقسوة الى رأسي لتحتلها عنوة , ولتنغص عليك عيشتك الى حد تتمنى فيه لو ان الله لم يخلق عالم الأحلام ابدا !! ,, راحت تلك القرية وانتهت وجاءت أخرى لتلعن الأولى وليستمر ويتجدد مسلسل الظلم الطويل الذي يطغي في الطول على الملسلات التركية والمكسيكية القبيحة لتبزها قبحا ولكن أبي أصيب بشيء غريب , لم يكن يسمح لي بالمكوث خارج البيت كثيرا !! حتى وان كان قد اصبح هو جدا لصغيري الذي يشبهه في كل شيء , وحتى ان له ذات الرائحة وهذه الرائحة كلما نفذت الى انفي تبعث في جسدي نشوة تجعلني أُغمض عيناي ولأسمع زئير أبي يتردد ويتشضى ليملأ مسامعي بقوة فتدمع عيناي عن لا شعور ,, أبي , اعتذر منك أمام الله والناس لأني سببتُ لك الألم وان لم اقصد ذلك , أبي , أعتذر لك عن كل لحظة قلق وخوف شعرت بها بسببي ,, آخر ألم وخوف وقلق استقر في نفس أبي كان من ولادة الحادث الأول المتمثل بالاعتقال ! , لهذا لا تعيب على كل سجين سياسي انه يتلقى راتبا من الحكومة لأنها تمنحه راتبا بسبب اعتقاله لشهرين , او شهر , لأن يوما واحدا في الاعتقال في اقبية الأمن لا يعوضها كل قناطير ذهب الأرض لأن الألم والخوف يستقر في المُعتقل وأهله الى الأبد , وان لم أخذ أجرا ابدا على ذلك من اية حكومة ابدا , ولو شئتُ لأتخذتُ عليه اجرا ,, أتذكر شضايا خوف ابي من تلك القنبلة العنقودية التي فجرتها أجهزة القمع القبيحة تلك الشضايا التي ولدت مع الأيام عشرات قنابل الهرع والقلق والخوف والتوجس في نفس أبي , حتى صار يقول لي (بُني حين تذهب لعملك في بداية الأسبوع صباحا , لا تتصل بنا في البيت بالهاتف لأني اتوجس خوفا وقلقا من حدوث حادث او مكروه لك )!!! ,, هذه من ملحقات الخوف ,, كنتُ اسير بسيارة قديمة لست ساعات صباح اول يوم من الأسبوع لأصل مكان عملي الذي اختارته لي حكومة الأقليم واعتقد به البعض من السيئين بأن هذا النفي سيجعلني ارضخ للمصالح الحزبية الضيقة المخيفة التي لا تختلف بالنسبة لي عن ذلك القفص تحت ذلك الدرج اللعين !, (بُني , حين تعود في نهاية آخر يوم من الأسبوع لا تتصل بنا بالهاتف لأني اهرع وأُصاب بقلق قاتل ) ,, هذه كانت النص الثاني للتوسل النابع من الخوف والقلق !! ,, ظللتُ أشم صغيري وأُغمض عيناي كي أشعر بزئير أبي , كي أشعر بأنه لم يمت ولم يرحل , الى ان حانت تلك اللحظة المخيفة لأصبح أنا أبي !! ,, صغيري كان ينزف من انفه ويسقط مغشيا عليه بين الحين والحين ليشخص الأطباء مرضه بورم لا يُعرف كنهه مستقر في كبده الصغير !!,, حينها انا بدأت أؤدي دور ابي في الصراخ الى الله والى الأطباء , كنتُ اشعر دائما بأني سأفقده في كل لحظة !! لم يبق طبيب مختص لم اقصده ,, في نهاية الأسبوع احمله داخل السيارة عبر المدن وأعود به في نهاية الأسبوع كي اذهب غدا الى الدوام الرسمي !! , يجب على الأنسان ان يملك ذاكرة وعقلا وقلبا من حديد كي لا يأبه بما أصابه اثناء تأديته الدوام الرسمي ,, من أين لي بذلك ؟! وبعد سنة من ذلك دلّني الله على ملاك في شكل طبيب آدمي هو (الدكتور قلندر عبدالكريم الكسنزاني ) وزميل شاب له يُدعى (الدكتور محسن أبو بكر ) وكلاهما كورديان ربما لم يكنا معروفين خارج العراق ولكني اكاد أجزم بأن كل العالم وكل الكون ليس فيهما أطباء بذكاءهما واخلاصهما ,, الأول استطاع إزالة الورم الغريب الذي كان يستقر قرب كبد صغيري الذي جزّ واقتطع جزءٌ منه وكأن المشارط تخترق وتمزق احشائي أنا , لتبدأ بعدها رحلة الخوف مجددا , رحلة المراقبة الدائمة له وعليه خوفا من ان لا ينبت الورم مجددا ,, الخوف والقلق والصدمة سببه دائما خوف وقلق وهرع قديم ,, او هو انتقام الهي منّا لآبائنا لما سببناه لهم من رعب في مواضي الأيام ,, والخوف عند الشجعان والرجال ليس مبعثه الخوف فالأسود لا تخشى ولا تخاف أبدا وانما يلد الخوف بسبب الظالم والظلم ,, فالظلم هو غول مخيف ومرض فاحش , وآفة لا تستطيع كل مشارط الأرض أزالتها ,, مؤسسات الأقليم بُنيت على سواعد أُناس اجترعوا ألم الظلم في الماضي على يد أجهزة القمع العراقية الظالمة ولكنها ويا للعجب بدأ بعضها اليوم في تقليد الظالمين القدامى وهذا شيٌ عُجاب لأن الظلم غير متأصل في نفس الكوردي كأصل , وان كان عن عدوى فأنه يزول بسرعة لأن الكوردي يمتلك الضمير دائما ,, أبي ,, في هذه الأيام اسمع زئيرك بإستمرار ,, تكاد مسامعي تتمزق من ألألم ومن رائحة الظلم ومن الأماكن الضيقة ومن الزوايا الحرجة الضيقة التي بدأت اجد نفسي محشورا داخلها ,, هل هذا حلمٌ ؟ أم كابوس لعين لا ينتهي ؟! .
#عادل_الداوودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟