صباح راهي العبود
الحوار المتمدن-العدد: 5236 - 2016 / 7 / 27 - 15:47
المحور:
الطب , والعلوم
يدور الحديث هذه الأيام حول المغناطيسية الأرضية وإحتمال حدوث إنقلاب لقطبيها المغناطيسيين فيصبح قطبها المغناطيسي الشمالي جنوب الكرة الأرضية ,وقطبها المغناطيسي الجنوبي شمال الكرة الأرضية. و الذي سينقلب (ينعكس) هما قطبا المجال المغناطيسي الأرضي وليس قطبا الأرض الجغرافيين والذي تصوره الكثيرمن سكنة الأرض متوهمين لدى سماعهم التقرير الذي نشرته وكالة (ناسا) الفضائية المتضمن خبرقرب وقوع الحدث المذكوربغضون أقل من (100) سنة والذي دفع بعضهم الى التحدث بقلق عن أن الشمس ستشرق من جهة الغرب لتغرب من جهة الشرق وكثرت معه الأقاويل والحكايات المبالغ بها والتي تبعث على الرعب والفزع. ولتوضيح هذا الموضوع لا بد لنا من توضيح كيفية تولد هذه المغاطيسية الأرضية وأهميتها,وعن المخاطر المحتملة فيما إذا حصل ما أوردته وكالة (ناسا) الفضائية من إحتمال الإنقلاب, وهو لا يعنى بأي حال من الأحوال إنقلاب في قطبي الأرض الجغرافيين, ولا يخص مدارها ولا دورانها.
لتوليد مجال مغناطيسي وحسب النظرية الديناميكية (الكهرومغناطيسية) يلزم وجود تيار كهربائي ومادة مغناطيسية.ولمعرفة سبب المغناطيسية الأرضية فلا بد من توافر تياركهربائي وموصل يسمح بحركة الشحنات خلاله, ومادة مغناطيسية داخل الكرة الأرضية ,وهذا كله موجود فيها, فالأرض مكونة من عدة طبقات على وفق تقسيم جيولوجي معروف . قلب الأرض (اللب) محاط بطبقة سميكة ساخنة هي الطبقة الخارجية للب والذي تتكون من منصهرات معدنية كالحديد وخاماته والنيكل وقليل من الكبريت والسليكون وبعض من نظائرعناصرمشعة كاليورانيوم والثوريوم. أما التيار الكهربائي فهو ينتج من الدوران السريع للكرة الآرضية حول نفسها والذي يجعل المنصهرات المعدنية في القشرة الخارجية للنواة تتحرك ,يضاف إليه ما ينتج جراء حركة تيارات الحمل في المنصهرات التي درجة حرارتها تفوق (5000) درجة مئوية, هذه الحرارة العالية موجودة أصلاً في القشرة منذ نشوء الأرض ,وجزء أصغركثيراً من هذه الحرارة ينتج من النشاط الإشعاعي للعناصر المشعة فيها . ولأن درجة الحرارة مرتفعة جداً فإن تيارات حمل تحصل في هذه المنصهرات التي تتحرك وكأنها ماء يغلي . هذه العوامل مجتمعة تشترك في توليد التيارات الكهربائية التي تسري في مادة القلب الموصلة. التيارات تلك عملت بمحصلتها ( وما زالت) على تمغنط المكونات داخل الكرة الأرضية عبر حقب زمنية مرت على الأرض منذ تكونها ,وتمخض عنها مغانط بإتجاه واحد مشكلة القطبين المغاطيسيين للأرض ( القطب المغناطيسي الشمالي والقطب المغناطيسي الجنوبي), وجدير بالذكر أن نسبة ضئيلة من هذا التأثير المغناطيسي (6%) ينتج من حركة التيارات الكهربائية في منطقة الآيونوسفير أعلى الغلاف الجوي للأرض, أما الديناميكية اللازمة لتوليد المقدار الأكبر من هذا التأثيرفناتج من تأثيرالعوامل الداخلية. يؤكد الجيولوجيون في بحوثهم إن القطبية المغناطيسية الأرضية كانت على عكس إتجاهها الحالي ,وحصل فيها إنقلاب قبل حوالي (786000) عام .وعادة ما يحافظ المجال المغناطيسي الأرضي على شدته لآلاف وربما لملايين السنين ثم تضعف شدته ثم ينقلب إتجاهه في عملية تدريجية بطيئة تستغرق حوالي (2000)عام أوأكثر.وقد تبين للعلماء نتيجة للدراسات والبحوث أن هذا الأمر كان قد حدث مرة بسرعة كبيرة غير متوقعة إذ إستغرقت عملية الإنقلاب حوالي (100) عام مما جعلهم في دهشة وحيرة .
يعزو العلماء االسبب الحقيقي في إختلاف قيمة وإتجاه المجال المغناطيسي الأرضي ثم إنقلابه الى عدم إنتظام حركة المنصهرات في القشرة الخارجية للب الأرض (وهي نفسها مسؤولة عن الحركة الإهتزازية لها),لذا ستنخفض زاوية الميل المغناطيسي الى الصفرومن ثم ترتفع ثانية بالإتجاه الآخر (الجديد) الى أن تعود الى قيمتها السابقة معكوسة. ولا يوجد لحد الآن تفسير لتغير إتجاه حركة المنصهرات في المنطقة التي تحيط بلب الأرض والتي تؤدي الى الإنقلاب .
يقول( جيرمي )عالم الفيزياء في جامعة هارفرد أنه من الممكن عودة قوة المجال المغناطيسي الأرضي الى ماكان عليه ربما بعد عشرة آلاف عام من الآن ,وقد يستمرهذا المجال المغناطيسي بالضعف ويحدث الإنقلاب.والدلائل الحديثة تشير الى أن قيمته تنخفض بصورة منتظمة ومنذ عام (1835) بصورة أسرع عشر مرات عما كان عليه سابقاً .وعلى هذا الأساس فلا بد أن تصل قيمة المجال المغناطيسي الى الصفرخلال بضعة آلاف من سنين قادمة.وقد يبقى منقلباً رأساً على عقب ,أو ربما يعود الى حالته الأولى .ومن الممكن أن يقترن هذا الإنخفاض التدريجي للمجال المغناطيسي الأرضي قبل إنعكاسه الى مشاكل مؤذية لسكان الأرض وبقية الكائنات الحية.
من خلال دراسة النماذج الصخرية في قيعان البحار تم حساب (171) حالة إنقلاب في القطبية المغناطيسية للأرض خلال (76) مليون سنة الماضية , تسع منها حدثت فقط خلال الأربع ملايين سنة الماضية ,وأطول فترة متواصلة لثبات القطبية كانت قد تجاوزت ثلاث ملايين سنة ,في حين أقصر فترة هي (50) ألف سنة .في أثناء فترة الإنقلاب يتشوه المجال المغناطيسي تدريجياً ويتوزع الى مجالات مغناطيسية متعددة الأقطاب خلال فترة مخاضه.
لقد حدث تسارع في حركة المجال المغناطيسي الأرضي مطلع القرن العشرين إذ إنزاح بحدود 16 كيلومتر كل عام لكنها أضحت (64) كيلومترلكل عام من الأعوام الأخيرة . فالقطب المغناطيسي الشمالي تحرك ما بين عامي 2001 و2004 من الإحداثي (81.3 درجة شمالاً ,110.8غرباً) الى الإحداثي ( 82.3 درجة شمالاً ,113.4 درجة غرباً).أما القطب الجنوبي فقد تحرك مابين عامي 1998 و2004 من الإحداثي (64.6 جنوباً ,138.5 درجة شرقاً) الى الإحداثي (63.5 جنوباً ,138.0 درجة شرقاً) . وإذا إستمر هذا التسارع بالمعدل المخيف هذا فستكون العواقب وخيمة وأخطر مما سبق,ويصبح من الصعب تحديد موعد الإنقلاب المغناطيسي.ويلاحظ من هذا الإنحراف إن حركة القطب المغناطيسي الشمالي تتجه نحو الجنوب بإتجاه سيبيريا ,ومع حركته هذه يعاني إنخفاضاً في شدته بحدود 15% مما ترتب معه تغيرات في مناخ الأرض وزيادة العواصف الشمسية التي يمكن أن تؤدي الى حدوث ثقوب في طبقة الأوزون تسمح بنفوذ الإشعاعات المضرة العالية السرعة (300000 كم / ثا) القادمة من الشمس (الرياح الشمسية) وهي في الغالب إلكترونات وبروتونات مشحونة ذات طاقة عالية تشكل قوة مدمرة ,وهذا معناه دخول جرعات زائدة تسبب مشاكل للأقمار الصناعية والمركبات الفضائية وحتى تلسكوب هابل العملاق . وتظهر هنا فائدة المجال المغناطيسي الذي يزيحها بعيداً عن الأرض,كما يوجه بعضها الآخر نحو القطبين الجغرافيين بعيداً عن الأماكن المأهولة وهذا يسبب ظهور أضواء قطبية (اللأورورا) والشفق القطبي وظاهرة حزام فان ألن ,إذ يزيحها بحوالي (10 – 20) درجة عن القطب المغناطيسي للأرض. مما يعمل على تقليل فرصة الإصابة بالأمراض السرطانية التي تسببها هذه الإشعاعات .
وبالمناسبة فإن المريخ والزهرة وعطارد لا تمتلك مجالات مغناطيسية كما هو الحال في الأرض ,أي إنها غير محمية من الأخطار الإشعاعية القادمة من الشمس (الرياح الشمسية) التي تعمل على رفع درجة حرارة كلاً منهما الى عدة مئات من الدرجات المئوية مما سبب تفكك الماء الى عنصريه . فلقد سبق وأن كان للمريخ مجال مغناطيسي كما هو الآن للأرض وقد فقد هذا الكوكب 99% من غلافه الجوي وبحاره ممحيطاته منذ مليارات السنين بسبب التغيرات المغناطيسية ,هذا ما يؤكده الباحث الرئيس لمهمة (ناسا) فيما يخص المريخ.
الخبير البريطاني (تومسون) يؤكد أن ما يحصل للأرض الآن هو ضعف في مجالها المغناطيسي بدأ منذ 160 عام مضى ,وإن الأرض صحيح تتجه نحو تغير خطير في القطبية المغناطيسية وهذا التحول لن يبلغ خطره القاتل قبل (10000)عام من الآن .
ولا بد من الإشارة الى أن المجال المغناطيسي الأرضي حالياً يساعد الطيور المهاجرة في تنظيم وتحديد إتجاه حركتها للإهتداء الى هدفها في أثناء هجرتها في المواسم المختلفة,إذ تستطيع الإحساس به وتراه بطريقة غير تقليدية,ويشاركها في هذا الإحساس حيوانات أخرى مثل النمل والسلاحف والحشرات وبعض الثثديات مثل الكلاب وغير ذلك. وحتى الآن لايوجد توصيف علمي دقيق لكل ما سيرافق تلكم الأحداث لعدم حصول مثلها في عصرنا الحديث بعد ما توصل إليه الإنسان من تكنولوجيا ورقي,وهذا لايمنع المتخصصين بالهندسة الكهربائية والإتصالات من القول أن ضعف المجال المغناطيسي الأرضي ثم إنقلابه سيعيث في الأرض دماراً ,إذ سيدمر التكنولوجيا ويرجعنا الى الوراء لفترة قد تطول, سيسبب مثلاً حرق المحولات الكهربائية ويؤثر على شبكات الكهرباء وأنظمة الإتصالات وأمورأخرى لا يمكن تصورها وحصرها .أما فيما يخص آثار ذلك على البشرفي حالة زيادة التدهورفي المجال فهي تحطيم الخلايا داخل الجسم البشري ويسبقه شعور بالألم وخشونة وإلتهاب المفاصل والصداع والإرهاق ونقص في الكالسيوم يصل الى (80%) ,إضافة الى حدوث تقلصات عضلية وتدهور في الصحة العامة,كما يتأثر الحمض النووي( DNA) داخل الجسم البشري ناهيك عما يفعله في بقية الكائنات الحية الأخرى. وسيظل المجال المغناطيسي منقلباً لفترة قد تصل الى (6000) عام بعد أن تزول الحياة من على الأرض ,ويحصل للأرض ماحصل للمريخ من زمن بعيد.لكن ليطمئن الجميع إن هذه الأحداث ليست وشيكة الوقوع بل تتطلب زمناً نكون فيه قد إستغنينا عن إستعمال مثل هذه الأجهزة وغيرها التي ستتستبدل بتقنيات متقدمة ويكون الإنسان قد إستعد لكل طارئ بما يجعله في مأمن مما قد يهدده من أحداث كونية مدمرة. وربما يحدث مالم يكن بالحسبان فتحصل وكالة( ناسا ) الفضائية على معلومات متفائلة جديدة تجعلها تعيد النظرفي تقريرها الذي بثته أخيراً ولتبشرنا خيراً بتقرير يسعدنا ويبعدنا عن القلق والإضطراب.
#صباح_راهي_العبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟