|
مأساة النمذجة في عقل المسلم الأرثوذكسيّ.
رضا كارم
باحث
الحوار المتمدن-العدد: 5236 - 2016 / 7 / 27 - 13:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الفكرة القائمة على مبدإ النقاء و الصفو المطلق ، تنزع إلى مغادرة الواقع و صناعة بديل مختلف يمكن لها السيادة عليه. فكرة إسلام السلف الصالح او صدر الإسلام ، تمثل هذه المقولة تمثيلا دقيقا. الآن ، إشكاليّات عديدة يطرحها هذا المستوى من الفكرة. 1-هل السلفيّة غالبة أم معزولة؟ 2-لماذا تهمين السّلفيّة على الواقع؟ 3-ما الفرق بين السلفية المقاتلة و السلفية المرجئة؟ 4-و إذن هل المسألة متعلقة بالتأويل المجرّد الغائيّ أم برهانات سياسيّة أقصد رهانات الهمينة؟ 5-كيف تحصل تلك الهيمنة على التاريخ العينيّ؟ -------------------- من الجليّ أنّ السّلفيّة حقيقة ثابتة في تاريخنا الرّاهن. و هي غير منبنية على مبادئ ثابتة مهما حاولت القراءة الوهابية ادعاء العكس. غالب المسلمين سلفيّون بمعنى تقليديّون و أرذوكس متمسّكون بالنتائج الكبرى التي توصّل إليها الشّافعي مثلا و دعّمها الجمهور من بعده. مقولة السلف الصالح وجدت أوجها في مراحل الهزيمة العربيّة أي أثناء الغزو المغوليّ مثلا. و التحمت تلك الرؤى مع التصوف تارة و التشيّع تارة أخرى و حتّى مع الإباضية ... المالكية في إفريقية و في القيرون تحديدا غالت في تشدّدها في فهم الحقيقة الدّينية و معلوم أن أئمّة الحنفيّة لم يجدوا فرصا كبيرة لنشر مذهبهم بها، لتماسك الخطّ السّحنونيّ و استماتته في فرض مالكيّة محدّدة، ربّما ليست مالكيّة مالك ذاته كما سيتبيّن بعد ذلك. السلفية ليست معزولة أبدا عن التاريخ و هي تهمين عليه انطلاقا من خطابها البسيط و القائم على اشتراطات يسيرة لا تستحق اطلاعا من اي مستوى على اي نص. بل لعلها تستنتد اساسا الى الحديث النوبي و تتمسك به و برواته و اسانيده جميعا و تنزّه البخاري و مسلم و الترمذي مهما ورد في أعمالهم من مفارقة للدين ذاته و تناقض صارخ مع القرآن و بعض الأحاديث المنقولة في نفس الكتب. الخطاب السلفي شديد الارتباط بمشكلات التاريخ . هو ينطلق من أزمة المجتمع النفسية و عوائقه التاريخية و يطرح حلولا منشدّة إلى كينونة مطلقة. القول بأن الإسلام هو الحلّ أبرز مثال على ذلك. لم تستطع حركة الإخوان المسلمين و هي حركة سلفية بامتياز كبير، أن تؤمّن إجابات على مقولتها تلك. و لا حماس و لا النهضة و لا حسن الترابي و لا البيانوني و لا إخوان الأردن و حماس الجزائريّة. جميع هذه الحركات السلفية المنشدة الى نموذج تاريخي صرف ، عاجزة بالمطلق عن تقديم بدائل للواقع غير السفسطة. اسأله عن رأي الإسلام في المراة سيجيبك بتخريف كبير فيه نقل سطحي غير أمين لمنتجات العقل الغربي ، و كذلك الشأن لو سألته في الاقتصاد و الصناعة و الفلاحة. سيخبرك أن الرسول عمل بالتجارة و أنها لذلك مباركة و خير العمل التجارة إذن. ما معنى مباركة؟ في اي سياق تتنزل هذه العبارة الغريبة عن الاقتصاد؟؟ و الإخوان سلفيون مرجئون . لا يجاهدون الكفار و المشركين و المرتدين . بل لعل تكفيرهم بات قاعدة عامة. فهم يتعاملون مع مرتدي البلاد العربية قاطبة ويشاركونهم الحكم و يتزوجون نساءهم و يزوجونهم بناتهم و أخواتهم و قد حقّ عليهم قوله تعالى:......................... هذا الخطاب السلفي المقاتل التقليدي فشل كثيرا في السيطرة على الواقع. ليس فقط لانه غير متماسك نظريا او منطقيا او دينيا بل لان الالتزام به يفترض حياة قاسية و جهدا يوميا للبقاء و التزامات قتالية و تدريبية و قوة نفسية و شجاعة عالية ليست متوفرة للجميع. ان السلفي المقاتل يمتلئ بشحنات دافعة الى اعتماد السيف حلا ضدّ الآخر . و قد انتبه أخيراالى أن الشيعة صفويون و مناجيس و أن الأكراد كفار و ملاعين و أن جميع الأقليات حقيقة بالتقتيل و الذبح و تغيير الجغرافيا كاملة لسيادة الإسلام الذي يرونه صحيحا. من الجلي ان هذا المقاتل يبحث عن شرعية داخل النص . و آية السيف توفرها في سلام و أمان و سرعة. ثم يعتمد أحاديث متناثرة تؤكد على معنى غلبة الإسلام و هيمنته. و هو يستبطن إسلاما محددا لا يرى غيره دقيقا. و بذلك يربط ذاته التاريخية بالتصور اللالتاريخي المطلق للدين ، و يؤسس رهاناته على السيطرة على الواقع و الهيمنة عليه و تسيّده بالمحصّلة. انه رهان سياسي بامتياز . رهان السلطة و إثارتها القوية و ارتباطها بالنجاة الارضية و الخلاص النهائي. لذلك يصرّ السلفي المقاتل على الحرب حتى النهاية و يفدي فكرته و مشروع بدمائه ، و لا يهمّه كثيرا ذلك. هذا السلفي المقاتل قنبلة متفجرة حقيقية و لذلك السيطرة عليه شبه مستحيلة، و كل حرب ضده طويلة دون شكّ. يحمل فأسا و يقتل. ليس في حاجة إلى أرض أو جبهة أو تمرين عقلي او بدين مختصّ. يحمل سكينا ويقتل. يسوق شاحنة للقتل. يقتل و يقتل و يستثمر في الدم و يسود . يحقق شهرة ما ، يؤسس مشروعه على الخراب. و له أنصار بلا حساب. لكننا نغض البصر كثيرا كثيرا. انه ينطلق من خطبة عصماء في مسجد مختطف خارج الإرادة الجماعية للمصلين. سلبيون كثر يراقبون خلع إمام و تنصيب آخر. يصمتون و يعودون الى الصلاة في هدوء و تناغم. (لاحظ معي ان النهضة في صفاقس قاتلت لكي لا يسقط الإمام. و لم ترض بغير خلع إمام الدولة و تنصيب ثالث من خارج الصراع افتراضا. النهضة تصدت لدولة باسرها هي جزء رئيس منها...نلاحظ حقيقة العقل السائد في النهضة . هي حركة سلفية بامتياز كبير. لكن التصنيفات السائدة متخلفة عن التاريخ و مكتفية بتسميات سياسية صحفية متخلفة و بائسة) يبني على مضمون الخطبة فكرة بلغوا عني و لو آية. يتحفز جدا لتعقيد التبليغ ذاك. ينتشر ضمن حلقة ليوصي خيرا بالإسلام. لا يجد براهين غير الجيران "التجمعيين" أو زميل الدراسة "اليساري" . يبحث في التاريخ عن صراعات و يسلط عليها فهمه و ينقلها الى المسجد عارية عن كل نقاش غير السلطة النفسية التي منحها للنصوص ثم فرضها على المستمعين. ننتقل يسر ديد من سلفي مقاتل الى سلفيين ينتظرون مستقبلا مماثلا. هنا يوصيهم بالذهاب الى الانترنت للاستماع الى فضائل الشيوخ، و من ثمة يبني معهم حقائق انطلاقا من تلك المشاهدات . قليلون يتراجعون فورا و الأإلبية تقتل قبل أن تجد الفرصة لتغيير مواقفها و العودة الى الآدمية. السلفية المقاتلة استثمر فيها راس المال حتى الثمالة. فغدت سلفيته. إننا في الحقيقةيجب أن نعيد فهم السلفية المقاتلة بما هي تصور داخل راس المال و ليست شيئا له علاقة بالإسلام. القتال لا يحتاج سيفا فحسب. الحرب تحتاج دبابات و مدافع و رشاشات و مسدسات آلية و كل هذا متوفر. و التدريب ممكن و التمويل قائم و الدولة الإسلامية واقع . يستحيل ان يقه هذا بجهود بعض الشبان المخلصين لفكرتهم. إنها رهانات اخرى للهيمنة تقتضي نشر الخراب و جعله امرا واقعا. يزرعون سلفيين مقاتلين منبوذين لسنوات ثم يرسلون طائراتهم "لمساعدة العراق و سوريا على مكافحة الإرهاب" و يرسلون مقالولاتهم و رؤوس اموالهم لبناء العراق و سوريا و يرسلون شركاتهم النفطية لنهب العراق و سوريا و إخافة إيران و السيطرة عليها و إرهاب السعودية و توابعها السافلة المفلسة. السلفي المقاتل انطلق من بيئة هشة تغيب فيها الانسانية و مبدؤها الاول اي الكرامة. ثم وجد نفسه منشدا الى مقولات منصفة سيكولوجيا و يسير بلعها ذهنيا و متماسكة في ظاهرها . و ينتقل الى مستوى الاتصال بنواتات هنا و هناك ليجد نفسه في النهاية في تركيا و عبرها إلى مناطق القتال ضد "الشيعة الصفويين المجوس الرافضة المبتدعة على الله و رسوله". السلفية او النظرة الارثوذكسية للإسلام ليست سائدة فقط بل هي الإسلام ذاته. المحاولات الصادقة للبحث عن "إسلام حقيقي" فاشلة مهماكانت النوايا مخلصة. السبب بسيط. لا وجود لإسلام نموذجي. ثمة إسلامات بلا عدد. لاحظ الدروز و البهائيين و بعض الفرق الشسيعية في الهند و باكتسان و إسلام الصين و خصوياته... المخرج الوحيد الممكن هو انتزاع الدين من الحقل العام المشترك و تركه للخيار الفردي للانسان. غير ذلك سنعود الف مرة لمعاودة هذا الكلام دون فائدة كبرى.
#رضا_كارم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخيارات محدودة: إنسان أو دولة .
-
الإقليم يتغيّر و السعودية تكتشف الجريمة فجأة
-
دولة إسلامية ردّا على دولة إرهابيّة
-
النّسيان :جوهر الأزمة الإنسانيّة
-
17ديسمبر و صيحة أخرى
-
حول الإصلاح التّربويّ
-
فوضى الأسئلة و مشروع السّؤال
-
امرأة مهمّشة ،إنسان مستعبد
-
بورقيبة التاريخي لا بورقيبة المفبرك في معامل الإديولوجيا
-
الجبهة الشّعبيّة بحاجة إلى -فضيلة القتل- أو عليها انتظار-رذي
...
-
المثلّث الخبري المعرفيّ : من يملك الحقيقة يسيطر على التّاريخ
...
-
23أكتوبر في مقاهي الهزيمة القرار، و الهزيمة المختارة
-
العشرون من مارس 56: بنود -استقلال دولة- أو شرعنة احتلالها؟من
...
-
لماذا هي كتابات أخرى؟ و لماذا يعلو الصّوت؟
-
التوافقات الطّبقيّة تشكيل من خارج دائرة الحرمان لموجبات عناص
...
-
لكن الكاميرا سقطت
-
المعركة عميقا ، الصّراع متواريا ، المقاومة هناك أيضا
-
17 ديسمبر يا 20 فبراير:معركتنا واحدة يا جماهير التغيير اللاط
...
-
فري كربول، فري عبد المجيد الشرفي
-
أيّ مشروع لأيّة صيرورة؟
المزيد.....
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|