|
اغترابيّة اللاتواصل اللااجتماعيّ
صلاح الدين مسلم
الحوار المتمدن-العدد: 5234 - 2016 / 7 / 25 - 14:33
المحور:
القضية الكردية
لقد أضحى الشرخ كبيراً بين العالم الحقيقيّ والعالم الافتراضيّ، وهو في توسّع وتمدّد يوماً بعد يوم، بين العالم المرئي والعالم اللامرئيّ، وقد بات النقاش عقيماً دون جدوى بين إنسان بعيد عن روج آفا، وبين إنسان يعيش الواقع والثورة في الحياة الحقيقيّة، بين من غادرها جسداً، لكنّ روحه ظلّت تحوم وتحوم في عوالم الوطن، يتصفّح صفحات التواصل الاجتماعيّ ليعرف ما الذي يحصل في روج آفا؟! ويبني نظريّاته وأفكاره حسب تواصله اللاروحيّ مع النت، وبين من يعانق الروح والحياة، ولا يستبدل مكانه بكل العوالم الأوربيّة. لا يصبّ هذا المقال في بوتقة محاربة الهجرة، إنّما يصبّ في خانة الفارق بين العوالم الإخباريّة التي يعيشها أولئك البعيدون عن حيثيّات الواقع وبين العالم الحقيقيّ، أولئك الراضخون للحرب الإعلاميّة التي تصبّ في دائرة الحرب الخاصّة غير الأخلاقيّة التي تزوّر الحقيقة، وتضخّم حدثاً ما على حساب الحدث الرئيسيّ المحوريّ المركزيّ، وتشوّه الحدث في الأساس، وتظهر المنتصر مهزوماً والمهزوم منتصراً، وتظهر العادل ظالماً والظالم عادلاً، وتظهر الكاذب صادقاً والصادق كاذباً، فيغدو المبتعد عن ساحة الصراع البطل المغوار الذي لا بطل سواه، وتظهر الإعلاميّ غير المنخرط في صفوف الحدث بطلاً عظيماً مضراساً وكأنّه يخوض ساحات الوغى بمتراسه، وتظهر البطل الحقيقيّ غبيّاً ساذجاً لا يعرف شيئاً من الأمور، ولا يدرك كواليس السياسة ولا صولاتها ولا جولاتها المجتمعيّة العظيمة. الطامّة الكبرى في أولئك البعيدين كلّ البعد عن الواقع هي تلك الأوامر والفرامانات التي تصدر منهم، الموجّهة إلى عوام الشعب في روج آفا، وعلى روج آفا أن تنصاع إليه، فهو صوت الحقّ لا محالة، وهو العليم الخبير الذي لا يعلوه عليم، وهو الذي يعيش في المجتمع الأوّلي أو الطبقة العليا التي يعتقد فيها أنّه يرى بوضوح كلّ شيء، وكلّ الناس لا ترى مثلما يرى هو كلّ الواقع الذي يراه هو فحسب، وهي النظرة التي اكتسبها مجدّداً بحكم الغزو الثقافيّ الغربيّ لعقله الشرقيّ الذي أنتج هذا المسخ الفكريّ؛ هذا الفكر الذي يشابه فكر الرهبان السومريين الذين يحصرون الحقيقة في أنفسهم، والكلّ خاطئ لا محالة، وهو يعطف على هذا الشعب المسكين الذي لا يعرف مصلحته. اللغة الثانية السائدة هي لغة تأنيب الضمير، لغة العاجز الذي لا يستطيع أن يفعل شيئاً، فمن جهة لا يستطيع أن يترك مكانه، ومن جهة أخرى يريد العودة إلى تراب الوطن، ويظلّ يعيش هذه المأساة الغريبة، وكأنّه في سجن، لكنّه سجنٌ غريبٌ، فالأبواب مفتوحة لكنّه لا يستطيع أن يغادر السجن، يتلذّذ بعذابته التي يسردها على صفحات النت، يفرّغ حزنه الذي طوّره بالماسونيّة الغريبة، في تلذّذه بهذا الألم. اللغة الثالثة هي لغة من لم يصل إلى مراده، المظلوم التعيس الذي لم يصل إلى مكانه؛ لأنّ هناك أغبياء حسب نظره قد استولوا على مقدّرات الأمور، وهو الأحقّ بهذه المكتسبات، لنظرته الفوقيّة التي ترى الناس أقزاماً لا يعَون ماذا يفعلون؟ وهو الذي يستطيع أن يقتحم الأسوار، يقاتل بدونيكشوتيّة طوباويّة، يعيش في يوتوبيا الأنا الأعلى، فكان الأجدر أن يستلم المكان الفلانيّ، وكان على الشعب أن يهتف باسمه منادياً عليه، كي يستلم المنصب الفلانيّ، ولا يجدر بفلان أن يتسنّم ويتبوّأ هذا المكان أو ذاك. ما يجري على أرض الواقع من حياة حقيقيّة لا يستبدلها ذاك القابع بالخنادق، وذاك المرابط غير المتزحزح، الذي لا يرتضي الهوان، ولا يستبدل مكانه بكلّ كنوز العالم، قد يرى ذاك المنطقيّ الغربيّ أنّه مخدّر لا يعي ماذا يفعل ذاك المتحمّل كلّ أنواع الحصار والتضييق، لكنّ الوجود يتكلّم، ويثبت من هو في سجن الغربة والاغتراب، السجن الذي لا يستطيع الهروب منه، لم يستطع أن ينحلّ كاملاً في هذا الفكر الذي لا يمثلّه في الغرب، ولم يعد إلى وطنه، فبات معلّقاً بين الحياة والموت، بل بات معلّقاً بين الموت والموت فحسب، هو الموت بعينه. ما يهوّله أولئك الاغترابيّون على صفحات التواصل اللااجتماعيّ من سواد يجتاح روج آفا ومن طاقات سلبيّة يبثّونها على صفحاتهم الرعناء، باتت تقضّ مضاجعهم أنفسهم، فكأنّهم هم المحاصرون، لا شكّ أنّ هناك مجموعات تعيش هذا العالم الاغترابيّ في روج آفا، لكنّنا نتحدّث عن المجتمع بشكل عام، ولا نحكي عن الطفرات. كلّ هذه الصولات الفيسبوكيّة لا تؤتي أُكلاً، ولا تنفع بشيء، فالعدو يفهم لغة الحرب فحسب، في الشيخ مقصود وفي قامشلو وغيرها من معارك التضحية والفداء والحياة الحرّة، والحصار هو حصار الفكر لاريب، هو حصار الإرادة، فقد برهن أولئك الأحرار الصامدون أنّ الإرادة الحرّة لا تُحاصَر، وكلّ يوم يُسقط صنم في روج آفا، كلّ يوم تتداعى الأفكار الثابتة غير المتحوّلة، ولمّا تدركْ معنى الثورة إن لم تعش الحياة الحرّة في روج آفا، إن لم تستطع أن تحاور العظمة المتجسّدة في التطلّع إلى سماء الحرّيّة بلون المقاومة ولون التصدّي، لا بلون البكاء والنحيب والتكبّر والانزواء.
#صلاح_الدين_مسلم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطأ فردٍ ما لا يقابل بتشويه المؤسّسة المجتمعيّة التابعة لها
-
تركيا وشبح الانقلابات
-
اللاشيء الكرديّ يصبح شيئاً ويصبح ذاتاً ومضموناً
-
كوباني والزيقورات
-
عامٌ على فجرِ الغدْر في اليوم الأسود
-
الائتلاف السوريّ والأمن القوميّ لدول الجوار
-
المركزيّة عودة إلى نقطة الصفر
-
النظام البعثيّ وروج آفا
-
يريدون أن يرسلوا حصان طروادة إلى أعزاز
-
روج آفا واستعادة المجتمع ذاكرته الأخلاقيّة السياسيّة
-
الانتحار العثمانيّ بين أعزاز وجرابلس
-
وحدة الصف بعيداً عن المجلس الوطني الكرديّ
-
عودة المجتمع
-
قرن على سايكس بيكو
-
الثورة الجزائرية في سوريا
-
الفيدراليّة والمجتمعيّة
-
استقالة أوغلو أم إقالته
-
التواصل الاجتماعي الاغترابيّ وثورة روج آفا
-
بيان العار من مجلس العار
-
الشيخ مقصود وزمن التواطؤ مع الوحوش
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|