|
حقيقة داعش
عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني
(Abdel Ghani Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 5234 - 2016 / 7 / 25 - 14:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعددت الآراء على نحو مربك بشأن حقيقة "داعش"، والجهة التي صنعتها، ودعمتها بالمال والسلاح؛ فريقٌ يقول إن أمريكا هي التي أوجدتها، لحاجتها إلى "فزاعة" تخيف بها دول المنطقة وتبتزهم بها، تستخدمها ذريعة لاستمرار ما تسميه "مكافحة الإرهاب"، والتي هي في حقيقتها طريقة لحلبِ موارد المنطقة ونهب أموالها.. فريق آخر يقول إن إسرائيل هي التي صنعت "داعش"، وهي التي دربت "أبو بكر البغدادي" (اليهودي المتنكر)، وغايتها في ذلك تدمير جيوش الدول العربية، واستنزاف قدراتها، وجرها إلى حرب طائفية.. فريق آخر يقول إن إيران هي التي خلقت "داعش"، لفرض هيمنتها على العراق وسورية تحت حجة الدفاع عن الشيعة، ودليلهم على ذلك أن إيران لم تشهد أية تفجيرات أو أعمال إرهابية.. وفريق يقول إن تركيا هي التي أوجدت داعش، بدليل أن جميع مقاتليها أتوا من الأراضي التركية وبتسهيلات من مخابراتها، وأنها تتبادل معها تجارة النفط، وغايتها في ذلك السيطرة على الإقليم ومنع إقامة دولة كردية.. وفريق يتهم حكومة "المالكي" بتسهيل مهمة "داعش"، وتسليمهم الموصل لتمكينهم من إقامة دولتهم، التي ستكون ذريعة لإقامة دولة شيعية في وسط وجنوب العراق.. وفريق يتهم الأكراد بالتواطؤ مع المالكي لإنجاح مشروع "داعش"، كمقدمة ضرورية لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات.. وفريق يقول إن "داعش" تكونت من بقايا نظام "صدام حسين"، وضباط كبار من جيشه، وفلول انشقت عن تنظيم القاعدة وجبهة النصرة أتوا لتخليص الموصل من فساد حكومة المالكي، ولنصرة أخوتهم "السنّة" المهمشين والمضطهدين في الرمادي.. وفريق يتهم النظام السوري بخلق "داعش"، ويقولون إن النظام أطلق كوادرهم من السجون ومولهم لمحاربة المعارضة، وتشويه صورة الثورة السورية، وتخويف الأقليات، ودليلهم على ذلك أن النظام لم يتصادم مع "داعش"، بل إنه يتقاسم معها الأدوار، ويستعملها كتكتيكات ميدانية، كما حدث مثلا في سقوط وتحرير تدمر، والتي اعتبروها مسرحية..
وقبل ذلك كله، ألا يمكن أن تكون "داعش" قد تكونت بفعل محلي محض؟ نتيجة تلاقح جملة من الظروف الذاتية والموضوعية! بمعنى أنهم مجموعة من الناس لديهم فهمهم المتزمت للدين، وأسلوبهم المتشدد والعنيف في تطبيقه، وكل ما في الأمر أنهم اشتغلوا بذكاء، واستفادوا من كل التناقضات الموجودة في المنطقة، وبنوا تحالفات تكتيكية خدمتهم بطريقة ما! ولكن كيف أمكن لهذا التنظيم أن يصبح فجأة قوة عظمى، لديها القدرة على مجابهة كل جيوش المنطقة؟! والسؤال المتكرر: كيف يستطيع التنظيم التنقل بقطاعاته وآلياته في صحراء مكشوفة ولا يتعرض لأي قصف؟
أم أن الدول الفاعلة في المنطقة ساهمت بطرق ومستويات متباينة لخلق هذا التنظيم، بحيث توظفه كل دولة بما يخدم مصالحها؟ ولكن، كيف أمكن أن تتلاقى هذه الدول المتصارعة والمتنافسة عند نقطة واحدة (أي تشكيل تنظيم داعش) ثم تتظاهر جميعها بأنها تحاربه، حربا لا هوادة فيها!
للوصول إلى الحقيقة نحتاج جهد استقصائي كبير، ومعلومات استخباراتية من مصادر موثوقة، وأغلب الذين تحدثوا عن "داعش"، استندوا إلى توقعات وتكهنات وتحليل لمجريات الأحداث، لذلك جميع وجهات النظر السابقة تحمل قدرا من الصواب.. صحيح أن معرفة حقيقة التنظيم مسألة مهمة، أي معرفة أصوله واتصالاته وهيكله التنظيمي ومصادر تمويله وأسلحته.. لكن هذه تبقى تفاصيل مقابل الجزء الأهم من الحقيقة، وهو مصادر فكرهم المتزمت وأصول أيديولوجيتهم المتشددة، لأن ذلك هو المفتاح الصحيح لمحاربة التنظيم، والقضاء على هذه الظاهرة التي أول ما أضرت، أضرت بالإسلام ذاته..
توضيحا لهذه النقطة، كتب د."محمد أبو رمان" في مقالته على الغد الأردنية: "لم يأتِ تنظيم "داعش" في الفتاوى والأحكام الفقهية التي يتبناها، بجديد خارج المدونة الفقهية الإسلامية. ولو عدنا إلى كتاب العمدة المعتمد لدى التنظيم، لمؤلفه أبي عبدالله المهاجر، شيخ أبي مصعب الزرقاوي، "من فقه الجهاد" (أو "فقه الدماء" كما يطلق عليه)، سنجد أنه من الغلاف إلى الغلاف لا يخرج عن كلام أئمة المذاهب الفقهية والعلماء الكبار في التاريخ الإسلامي، بالرغم من أن الكتاب يطفح بالدم والتكفير واستباحة المدنيين والأبرياء، والتوسع في فتاوى القتل والذبح".
وبنظرة على بعض المناهج الدراسية لدى كثير من الدول العربية، بما فيها التي تدرس في الأزهر، وبتمحيص في المدونات الفقهية القديمة، سنجد الفكر الوهابي المتزمت حاضرا بكل قوة، وهو الفكر الذي تنهل منه داعش، وتستند إليه في تبرير جرائمها.. والتي نجد شبيها لها في التراث الإسلامي نفسه.
لذلك، فإن التركيز على قضية "داعش" من الناحية الأمنية، والاجتهاد في تحديد علاقاتها مع أجهزة المخابرات الغربية، والحديث عن مؤامرات، وتكرار مقولة أن داعش لا تمثل الإسلام.. إنما هو التفاف على جوهر الموضوع، وتمويه على الجزء الأخطر منه.. خاصة وأن بعض المفاهيم الدينية، والفتاوى والأحكام الفقهية لدى أوساط عريضة من مجتمعاتنا، أصبحت تميل إلى الجانب المتشدد أكثر فأكثر خلال العقود الأخيرة، والفكر الديني/السياسي لدى كثير من جماعات الإسلام السياسي لا يتعارض مع الفكر الداعشي إلا في درجة التشدد والتوقيت والإمكانيات.
قد تنجح الضربات الأمنية بإلحاق أضرار فادحة في صفوف داعش، وقد تؤدي إلى هزيمتها عسكريا وتصفيتها تنظيميا كما حدث تقريبا مع تنظيم القاعدة، ولكن أفكار داعش ونهجها سيظل قائما، وستظل المنطقة تفرخ الإرهابيين، وتنتج المزيد من الأحزمة الناسفة والمفخخات.. ولا سبيل للقضاء على الفكر الداعشي إلا بثورة فكرية، تجدد الفقه الإسلامي، وتنقيه من كل الشوائب التي علقت به في عصور الانحطاط..
#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)
Abdel_Ghani_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تسع سنوات من حكم حماس
-
موجات متواصلة من العنف الطائفي
-
تاريخنا المؤدب
-
ماذا يريد راشد الغنوشي ؟!
-
عمدة لندن الجديد
-
في حنان الحرب على حلب
-
حفلات التوبة في مدارس غزة
-
دوافع العمليات الانتحارية
-
خطوط عريضة لإستراتيجية فلسطينية بديلة
-
لماذا يكرهون عيد الحب؟
-
ازدراء الأديان
-
إيران، عدو أم صديق ؟ وما لا نعرفه عن إيران
-
طيار إيراني
-
تقرير التنمية البشرية لعام 2015 والأرقام الصادمة
-
العنف ضد النساء في فلسطين
-
قمة باريس للمناخ، بين مستقبل البشرية وأطماع الشركات الاحتكار
...
-
الموقف الاسلامي من تفجيرات باريس
-
علاج الزوجة المريضة في الفقه الإسلامي
-
حدث في الصين .. قصة قصيرة
-
وصية الحلبي الأخيرة - قصة من حلب
المزيد.....
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|