|
الأزهر واضطهاد المسيحيين في مصر
سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي
الحوار المتمدن-العدد: 5233 - 2016 / 7 / 24 - 00:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أمس وبعد صلاة الجمعة خرج المئات من الغوغاء في محافظة بني سويف في مصر يعتدون على منازل الأٌقباط بعد شائعة تحويل أحد المنازل إلى كنيسة، والمثير أن ذلك حدث بعد صلاة الجمعة..أي كان للمسجد وخطيب الجمعة دور في ما حدث..إما إيجابي بالتحريض المباشر وإما سلبي بالتقصير في نشر قيم التسامح..
ليس أول اعتداء ففي الأشهر الأخيرة زاد معدل الجريمة الطائفية ضد المسيحيين بشكل مخيف، أشهرها ما حدث في قرية الكرم مركز أبو قرقاص بالمنيا، وبعدها توسعت تلك الاعتداءات لتشمل مراكز وقرى أخرى بالمحافظة أشهرها قرية .."طهنا الجبل"..
عندما خرج السيسي بدعوته لتجديد الخطاب الديني كنت من أوائل من شكك في صدقية دعوته ، وحذرت أن القادم لمصر أخطر، لأنه لا رابط بين التجديد الذي يدعيه وبين تمكين رجال الدين الأزاهرة من حياة المصريين، ومرت الأيام وثبتت صحة الرؤية وأضفت إليها أنه لا رابط بين التجديد وبين تعظيم السعودية وسلفيتها الوهابية في الإعلام ، لا رابط بين التجديد وبين الاصطفاف المذهبي مع المملكة، وقلت بالحرف أن المعنيين بالتجديد هم (رجال الثقافة) وليس (رجال الدين) ولن يحدث ذلك إلا بالحرية وإشاعة قيم الرأي والرأي الآخر..والتفاعل بين المصريين في القضايا المنظورة، بينما الدولة في عهد السيسي تسجن المفكرين والناقدين وأصبحت القوانين سيئة السمعة –كقانون ازدراء الأديان- هو السلاح الذي يقتل كل مجدد وصاحب رأي..بينما الحكومة تكتفي بالأقوال لا الأفعال..وكلما تحدثت كلما زاد الأمر سوء..
والغريب أن يخرج مسئول أزهري يطالب المسيحيين بتغليب مصلحة الوطن، وكأن المطلوب من الضحية أن يصمت ويكتم صرخاته كي لا تُزعج الرئيس والأزهر، وكأن ما يحدث هو (فتنة طائفية) بين طرفين مسلحين غاب الحق عنها ولم يُعرف بالضبط من الفاعل..
إن غاية ما يحدث للأقباط في مصر ليس أقل من (الإرهاب) الذي تتعرض له الدولة، فحسب التعريف الدارج للإرهاب هو .."العنف من طرف واحد بغرض فرض الرأي وإشاعة الخوف والذعر"..وهذا بالضبط ما يحدث للمسيحيين في مصر، فلم نرَ مسيحيا يمنع مسلما من الصلاه أو يهدم مسجد أو يقوم الغوغاء المسيحيون بتعرية وسحل عجوز مسلمة، وهذا يعني أن تصريح المسئول الأزهري يندرج تحت مفهوم.."التدليس والتلبيس"..بغرض إيهام العامة أن ما يحدث خطأ مشترك من المسلمين والمسيحيين معا، وقد أثار ذلك حنق المسيحيين في صفحات التواصل الاجتماعي وصبوا جام غضبهم على الأزهر والدولة..واتهموا السيسي شخصيا بالتسبب فيما يحدث لهم من جرائم متعمدة..
وأنا أسأل هؤلاء الأقباط..ماذا تنتظروا من دولة تعاقب من يدافع عنكم وتُثيب من يُكفركم ويمنع حتى الترحم على موتاكم؟!..ماذا تنتظروا من دولة تحارب طائفياً لأول مرة في تاريخها القديم والحديث؟..ماذا تنتظروا من دولة وصل بها الضعف والوهن لأن تبيع أرضها للأجانب..بل وتطعن على قرار مصرية هذه الأرض في المحاكم؟..ماذا تنتظروا من دولة عاجزة عن وقف تدهور الاقتصاد بينما قادتها متفرغين فقط لشراء الأسلحة؟...ماذا تنتظروا من دولة عاجزة عن تنفيذ أحكام الإعدام في حق قيادات الإخوان؟..ماذا تنتظروا من دولة عاجزة عن محاسبة أي مسئول عن الجرائم الطائفية في حقكم؟..بل وتستعين بالجلسات العرفية في مهزلة لو سمع بها محمد علي باشا الكبير لهبّ قائماً من مرقده يلعن من أوصله لحكم هذه الأرض..!
أقول ذلك لشعوري بأن مصيركم هو مصير هذه الدولة، فمسيحيو مصر هم عمادها، بكم يأتي التوازن وقوة النسيج الاجتماعي، من غيركم لا تعددية ولا تسامح ولا أي اختلاف فكري عقائدي، ويحكم مصر من هو ألعن من البغدادي، وسيلتهم المصريون أنفسهم حتى يقضوا على آخر طفل لا ذنب له إلا أنه ولد في هذه الأرض الحزينة..
إن أي انفجار طائفي أو تهجير جماعي ومجازر مليونية لها مقدمات، ومقدمات ذلك تحدث الآن في مصر بطريقة ممنهجة، ولا مسئول أو غير مسئول قادر على وقف هذه المهزلة التي تهدد الدولة ووحدة ترابها..بل ويستهين البعض بمنتهى السذاجة بما يحدث..على طريقة.."زوبعة في فنجان"..أو.."حدث فردي"..أو.."عيال وغلطوا"..وكأن من قام بالاعتداء على منازل الأقباط في الفشن ليسوا راشدين..بل خرجوا من مسجد يفترض بهم أن يكونوا في قمة الروحانية والتعايش..لا العدوانية والقتل..!
يامسئولي الأزهر: من الذي حرق الكنائس وهجّر الأسر المسيحية؟.. من الذي سحل عجوز المنيا؟..ومن الذي رشق بيوت الأقباط بالحجارة؟..من الذي يحرض على المسيحيين في ميكروفونات المساجد؟..ماذا فعلتم في إطار تجديد الخطاب الديني؟..هل غيرتم نظرتكم للمسيحيين؟..هل أقلعتم عن اعتقاد الفرقة الناجية البذئ؟..هل آمنتم بكذب البخاري ومسلم الذين أمروكم باضطرار المسيحي لأضيق الطرق؟!..ما الحل الأمثل لمواجهة هذه الجرائم بعيدا عن الجلسات العرفية التي لا تصلح فقط لمجتمع الصومال فما بالك بمجتمع مصر المتعدد والأكثر انفتاحا؟!
إن ضمائركم-لو كانت حية-تفرض عليكم الاعتراف بأن أقباط مصر مهددون ومظلومون ، لا أن تشاركوا في حفلة الهجوم عليهم باسم الوحدة الوطنية أو تغليب مصلحة الدولة، ولن ألقي عليكم أي مسئولية لعلمي المسبق أنكم أضعف حتى من إصلاح أنفسكم لا إصلاح مجتمع ضخم ومتنوع كمصر، وما أنتم إلا مجرد ترس في منظومة سلطوية فاسدة تتكرر منذ فجر التاريخ..
#سامح_عسكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدروز.. مجمع الأديان
-
داعش ليست خوارج بل انعكاس للسلفية المعاصرة
-
أكذوبة فضائل السور
-
الانغلاق العربي بين التأمل والواقعية
-
أبعاد الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي
-
جلالة دكتاتور مصر..
-
ويسألونك عن الأقصى..وفي السلام ختام
-
جامع المحاريب في ما اخترعه الأمويون للأقصى من أكاذيب
-
بالأدلة..المسجد الأقصى ليس في فلسطين
-
تسمح لي أخدعك؟..اتفضل
-
عن أثيوبيا وعلاقتها مع السعودية
-
مصر على خطى كوريا الشمالية
-
يازوجتي العزيزة..أنا متشائم..
-
العلمانية في البوسنة والهرسك
-
محاكمة السيسي
-
الثورة المضادة..إلى أين؟
-
نهاية نظام ما بعد الحرب الباردة
-
صراع السلطة في المملكة
-
جمهورية مصر السعودية
-
ولكم في تونس عبرة ياإخوان مصر
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|