|
الإسلاميون والولاء للدولة
أحمد عصيد
الحوار المتمدن-العدد: 5231 - 2016 / 7 / 22 - 17:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لاحظ الكثير من المغاربة في سلوك قياديي حزب العدالة والتنمية المغربي وبعض وجوه التيارات الإسلامية الأخرى نوعا من الحماسة في دعم التيارات الشبيهة لهم في العالم، مع فتور ظاهر في دعم القضايا الوطنية مثل قضية الصحراء. ولتفسير ذلك لا بدّ من معرفة الجذور الفكرية والمرجعية الإيديولوجية لتيارات الإسلام السياسي: ـ يعاني الإسلاميون بمختلف مللهم ونحلهم من عقدة الدولة الوطنية الحديثة، حيث لا يجدون في مرجعيتهم الفكرية والدينية ما يسندها، فبما أنهم منغمسون في الفقه التراثي الذي يحدّد مرجعيتهم في النظر والعمل، فإن هذا الفقه بني كله على وجوب قيام الخلافة والولاء للدين، وعلى تدبير شؤون "جماعة المسلمين" في "دار الإسلام"، وهي كلها أمور لم تعد موجودة حيث: 1) انهارت الخلافة الدينية وانتهت منذ بداية القرن العشرين، وتأسست دول وطنية مركزية كثيرة وفق قوميات وهويات وطنية لبلدان مختلفة، أصبحت لها حدود جغرافية وأعلام وجنسيات، وبما أن هذه البلدان تضمّ مواطنين من مختلف الأعراق والألوان والألسن والعقائد، فإن فكرة "جماعة المسلمين" لم يعد لها أساس في الواقع، إذ أصبحت الدولة تخدم المجتمع الذي يتكون من مواطنين هم على قدم المساواة أمام القانون، ولم يعد المجتمع "جماعة" منسجمة، بقدر ما أصبح الحق في الاختلاف واحترام الآخر أساس السلم الاجتماعي.ومع هذا التغير تراجعت فكرة أولبوية الدين على الإنسان المواطن، فأصبح الولاء للدولة يجعل هذه الأخيرة ملزمة بملائمة المضامين الدينية مع مصلحة الإنسان وتحولات المجتمع وحاجاته المتجددة. 2) لم يعد مصطلح "دار الإسلام" أيضا موجودا حيث لم يعد له من معنى، فقد كان يستعمل للتفرقة بين "دار الإسلام" حيث تقوم الخلافة، وبين "دار الحرب" التي تعني البلدان التي يقيم فيها غير المسلمين من اليهود والنصارى والوثنيين، والذين تجب محاربتهم وقتلهم من طرف المسلمين لدفعهم إلى اعتناق الإسلام أو إلى دفع الجزية كما هو حال أهل الكتاب (وهم صاغرون أي مذلولون ومميزون عن المسلمين بأحكام خاصة تسمى "أحكام أهل الذمة"). 3) أصبحت الدولة الوطنية المركزية تعتمد القوانين الوضعية المتعارف عليها في الكثير من بلدان العالم، ولم تعد الشريعة الدينية هي المرجع في القوانين والسياسات، بل أصبحت في بعض البلدان واحدة من المرجعيات بوصفها مبادئ عامة، وفي بعضها بوصفها أحكاما في مجالات دون أخرى، وفي بعضها الآخر تقلص اعتمادها إلى مجال الأحوال الشخصية لا غير، مع تعديلات متتالية لمدونة الأسرة هنا وهناك لصالح المرأة العصرية التي أصبحت عاملة ومنتجة مثل الرجال تماما. وأما اعتماد الشريعة الدينية بوصفها نظاما عاما وشاملا لمرافق الدولة فلم يعد معمولا به إلا في بلدان معدودة على رؤوس أصابع اليد الواحدة، وهي كلها بلدان تعاني من مشاكل لا حصر لها، أولها الطابع الرقابي البوليسي المتشدّد، وآخرها الجهل والجمود الاجتماعي والفكري. غير أنّ الدول الإسلامية الأخرى بدورها، التي اعتمدت قوانين عصرية وقطعت نسبيا مع نظام الشريعة، لم تفعل ذلك في إطار الحسم الديمقراطي بل في إطار أنظمة استبدادية منها العسكري والأوتوقراطي والأوليغارشي والفردي، فلم يستطع الوعي الإسلامي هضم ثمرات التحديث بسهولة بسبب عرقلة مسلسل الدمقرطة الداخلية، ما تمخض عنه التيار الإسلامي بوصفه خطابا احتجاجيا عبّر عن ضرورة العودة إلى الدولة الدينية دولة الشريعة وسلطة الفقهاء ووصايتهم على المجتمع. وقد ساهم في تيسير عمل الإسلاميين وإنجاحه وجود نزوع ماضوي متأصل في المجتمعات الإسلامية، يجعلها كلما واجهتها مشكلة عويصة من مشاكل العصر الحديث تلجأ إلى الماضي بشكل نكوصي للبحث فيه عن "حلول جاهزة"، ولأن الدين كان هو الذي يؤطر الدولة والمجتمع قبل الأزمنة الحديثة، فقد أصبح في المخيال العام يبدو كما لو أنه الملاذ والحلّ. ـ اعتبار الدين حلا جعل فكرة الدولة عند الإسلاميين تظلّ خارج واقع الدولة الوطنية، أي لا تعترف بالحدود الجغرافية، إذ تقوم أساسا على حلم استعادة الخلافة الجامعة، وهذا ما يفسر قرب تيارات الإسلام السياسي من تنظيمات بعيدة عن أوطانها، في إطار النصرة والمؤازرة، وبُعدها عن تنظيمات بلدها الذي تشترك معها في الوطن والدولة والمجتمع والثقافة واللغة، ولكنها تختلف معها في نمط التديّن، حيث تتبنى التيارات الإسلامية تدينا خارجانيا مستوردا من نماذج أجنبية معولمة. ـ ونظرا لغياب نموذج إسلامي ديمقراطي متقدم، حيث أن كل الأنظمة الدينية المتواجدة مثل إيران والسعودية والسودان، والتي تعتبر دولا متخلفة واستبدادية إلى أبعد حدّ، أو تلك التجارب المسلحة العابرة مثل دولة الطالبان وداعش وجبهة النصرة، والتي أبانت عن فشل ذريع في تدبير شؤون المجتمع وفي تحقيق النموذج النبوي كما يتصورونه، نظرا لذلك فقد حدث ارتباك كبير في الوعي الإسلامي بسبب كون كل التجارب والدول الراقية والمزدهرة إنما تحققت في دول علمانية حسمت منذ زمن غير يسير في الفصل بين الدين والسياسة، واعتمدت مبدأ الحرية والمساواة في إطار المواطنة منطلقا للبناء الاجتماعي والقانوني، واعتمدت العقلانية العلمية أساسا للتربية ولتطوير الصناعات المختلفة، وهذا ما يفسر ميل الإسلاميين إلى مساندة تركيا باعتبارها بلدا إسلاميا استطاع ـ بفضل علمانيته ـ أن يخرج من التخلف الشرقي الذي كان يتخبط فيه أيام الأمبراطورية العثمانية، لكن ارتباك الإسلاميين يبقى قائما حتى في النموذج التركي، فهم يساندون تركيا فقط لأن الحزب الحاكم فيها محسوب على التيار الإخواني العالمي الذي ينتمي إليه أيضا حزب العدالة والتنمية المغربي، لكن مشكلتهم هي أن الحزب الإسلامي التركي إنما استطاع أن ينجح في مهمته بفضل علمانيته واحترامه للتعاقد المؤسس في تركيا منذ مدة بين العلمانيين والإسلاميين وهو احترام مبدا علمانية الدولة بوصفها أساسا جامعا للكل، وإطارا موحدا للأمة التركية بغض النظر عن عقيدة أهلها ومذاهبهم الدينية التي تظل اختيارات شخصية. وقد يلقي إردوغان بتركيا في أتون الفتنة والاضطرابات إذا ما قرر في يوم ما، بسبب طموحه الزائد عن الحدّ، أن يمسّ بالأساس العلماني للدولة، لأن من شأن ذلك أن يوقظ الخلافات المذهبية والعقائدية والعرقية لتلتحق تركيا بخريطة الحروب الأهلية في المنطقة. يفسر هذا لماذا يهتم الإسلاميون كثيرا بالتجارب الإسلامية عبر العالم ويصفقون لها بحرارة ويظهرون استعدادا للانخراط فيها والتبعية لها، إنهم يبحثون عن نموذج يعيد لهم الأمجاد الغابرة لماض ليس إلا صورة ذهنية في مخيالهم الجماعي، لكنهم لا ينتبهون إلى أن النموذج الوحيد الذي يمكنهم أن يفخروا به هو النموذج العلماني التركي الذي يمثل درسا لم يستوعبوه بعد.
#أحمد_عصيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يحقق إردوغان حلم -الإخوان- بالاستيلاء الشامل على الدولة ؟
-
متى يتم إقرار الزواج والدفن المدنيين ؟
-
-التربية الإسلامية- أم -التربية الدينية- ما الفرق ؟
-
سيكولوجية الصائم
-
من يسعى إلى التحكم لا شرعية له في محاربة التحكم
-
من الحكومة إلى الجنة
-
حول القانون التنظيمي للأمازيغية، السيناريوهات الممكنة
-
ما قيمة دستور لا يحترمه أحد ؟
-
لماذا الإنسان أولا ؟
-
غوغائية الشارع نتاج سياسة الدولة، لكنها قد تؤدي إلى خراب الد
...
-
لماذا يحتاج الإسلاميون إلى تقنيين لا إلى مفكرين وفلاسفة وفنا
...
-
الأسباب الخمسة لعودة الصراع حول الهوية بعد أن حسم فيها الدست
...
-
هل العنف ضدّ المرأة من تعاليم الإسلام ؟
-
معنى احترام الآخر
-
ما الذي ينبغي مراجعته في مناهج ومقررات التربية الدينية ؟
-
السعودية / إيران، هل دقت ساعة الحقيقة ؟
-
معنى أنّ -الأمازيغية مسؤولية وطنية لجميع المغاربة-
-
لا يجوز تأويل الدستور المغربي تأويلا يجهض مكتسباته
-
التدين والنزعة الانتحارية
-
رئيس حكومة فوق الدستور ؟!
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|