|
العلمانيّون و النُخَبْ والسلطويّة .. من محمد علي باشا ، إلى الآن
عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 5230 - 2016 / 7 / 21 - 03:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العلمانيّون و النُخَبْ والسلطويّة .. من محمد علي باشا ، إلى الآن
يحفل التاريخ السياسي العربي بالكثير من الوقائع التي وقف فيها بعضُ من تمّ تصنيفهم على انّهم "علمانيّون" ، و "نُخَب" علمانيّة ، مع الزعامات الاستبداديّة "الشعبوية" ، وبرامجها ، وطموحاتها السلطوية ، ضدّ من يُفترض أن "الثورات" و "حركات" التغيير ، أو التصحيح ، أو الاصلاح ، قد حدثتْ ، وقامتْ على أكتافهم أصلاً ،و كان يفترضُ بنتائجها أن تصبّ في صالحهم ، وليس لصالح "قيادات" تستخدم الآليات الديموقراطية لتعزيز سلطتها ، و وضعُ كلّ "ثمار" التغيير في "سلّتها" في نهاية المطاف . وبهذا الصدد يشير الأستاذ حارث حسن ، في مقالٍ مهمٍّ له ، الى دور هذه النخب في بروز /أو الحدِّ من/ ظاهرة " تنامي النزعات الفاشية و الشعبوية الى درجة تهدد بعض ما هو قائم من نظم ديقراطية (حالة اردوغان في تركيا وحزب القانون والعدالة في بولندا - المتهم بتمرير قوانين تحد من حيادية القضاء والمؤسسات واعتماد برنامج شبه فاشي- ورئيس وزراء هنغاريا الحالي - الذي اتبع سياسات مشابهة وقام بتأميم بعض المشاريع - وحكومة ناريندا مودي في الهند المتهمة بتعميق الانقسامات الداخلية والصراع بين الهندوس والمسلمين ونظام مادورا في فنزويلا ودونالد ترامب) ". و يطرح الأستاذ حارث حسن وجهة نظر مهمة تتحدث عن "صراع بين الديمقراطية غير الليبرالية (المرتكزة على شوفينية الأغلبية والمتشككة بالتنوع والخائفة من الآخر) وبين الليبرالية غير الديمقراطية (وهي النموذج الذي تتعاطف معه كثير من النخب المعولمة والمتعلمة التي تعتبر ان الديمقراطية سمحت بتنامي تأثير القطاعات الجاهلة والمتخلفة وهو خطاب رائج في أوساط "النخبة" و يُحيلنا الأستاذ حارث حسن ايضاً الى مقال لـ عمرو حمزاوي ، يشير فيه الى أنّ "تشكّل النخب العلمانية في أعقاب نشوء الدولة الوطنية الحديثة (دولة محمد على الذى حكم البلاد بين ١٨٠١ و١٨٤٠) ، كان وثيق الصلة بالتحالف مع نظام الحكم والسلطة القائمة ، وتبلورت (باستثناء فترات عابرة) مقولاتها الكبرى وأنماط ممارستها لدورها السياسي و المجتمعي في سياق الدفاع الدائم عن الحكم ودعم السياسات الرسمية وتبرير إخفاقاتها ونتائجها السلبية. لم تر النخب العلمانية في الدولة الوطنية سوى قوة التنوير والتحديث والتقدم القادرة على تجاوز الجهل والفقر والتخلف وتجاهلت حقائق القهر والقمع وإهدار الحريات واحتكار الثروة التي وصمتها منذ نشأتها، ولم تصنف حكامها إلا كحماة للفكرة العلمانية ولفصل الدين عن الدولة حتى حين وظفت الرموز والمقولات الدينية لإضفاء شرعية قبول شعبى زائفة على الحكام، ولم تمتعض لا من اختزال المؤسسات والأجهزة الفاعلة للدولة إلى المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية ولا من إلغاء حكم ما بعد ١٩٥٢ للتعددية السياسية والحزبية التي تواصلت لبضعة عقود بعد ثورة ١٩١٩ ومن اختلال العلاقات العسكرية ــ المدنية على نحو أسس لسلطوية صريحة، ولم تقاوم امتداد سطوة المكون العسكري ــ الأمني إلى مجمل الفضاء العام والانتهاك المُمنهج للحريات الفكرية والأكاديمية ولحرية الإبداع ــ وهى تأتى تقليديا في صدارة ما تهتم به النخب العلمانية " . ما احوجنا الى الاهتمام بطروحاتٍ كهذه الآن . فمنذ محمد علي باشا ، مروراً بالكثير ممن تم تصنيفهم كزعماء "عرب" ، و تمّ وضعهم في مصاف الآلهة ، تواصلُ "النخب" العلمانيّة العربية تجاهُل " حقائق القهر والقمع وإهدار الحريات واحتكار الثروة التي وصمتها منذ نشأتها، ولم تصنّف حكامها إلا كحماة للفكرة العلمانية ولفصل الدين عن الدولة " .. و تعمل على توظيف حتّى" الرموز والمقولات الدينية لإضفاء شرعية قبول شعبي زائفة على الحكام ". لقد كان محمد علي باشا ، دائماً ، "قدوةً" للكثير من "اليساريين" و " العلمانيين" العرب . كما كان مثالاً يُحتذى من قبل الكثير من الزعماء "الأستبداديين" العرب. كان هذا "الباشا" بمثابة "نمط" تفكير ، و "نموذج" عملٍ ، جعل الكثير من "اليساريين" و "العلمانيين" العرب ، مروجّين مخلصين للفكر الاستبدادي الخالص. ذكّرني الأستاذ حارث حسن بأطروحة دكتوراه تمت مناقشتها في كلية الادارة والاقتصاد / جامعة بغداد عام 1996 ، تمّ توصيف "تجربة" محمد علي باشا ، من خلالها ،بقدرٍ مقبولٍ من الموضوعية ، التي لم تكن تسمحُ بها اشتراطات ذلك الوقت بسهولة ، و كما يأتي : " لم تكن تجربة محمد علي نتاج فكر خاص بمرحلة او بطبقة او بتشكيلة اقتصادية – اجتماعية معينة . وطيلة حياتها لم تستطع ان تقدم ذلك الاسهام النظري الخاص بها. لقد كانت هذه التجربة اجمالا جزءاً من طموح شخصي بالسلطة و بامتدادها الخارجي . ولهذا السبب عانت كثيرا من ردود الافعال المتشنجة ، ومن الاستجابات غير الملائمة للتهديدات الداخلية والخارجية . كما عانت بدرجة اكبر من عدم وضوح رؤية "قائدها" للسياق التاريخي الذي كانت اصلاحاته تعمل ضمنه ، ويفترض ان تحقق هدفا ما من خلاله. لقد كانت التجربة باسرها شخصانية - بطريركية ، يفتقد "الأبُ الأكبرُ" فيها الى حسّ التناسب، والى التفهم العميق للضرورات الاقتصادية والتاريخية . وانسحب الاضطراب الشخصي في التجربة على عملية تقييمها اللاحق . فصنفت على انها تجربة تنموية، او شكل خاص من اشكال رأسمالية الدولة ، او استراتيجية تصنيع، او محاولة اصلاح وتحرر من الحكم الاجنبي . وهذا الخلط في التقييم اللاحق للتجربة انما استمد قوته من حجم التحديات التي واجهتها ، والتي تم التركيز على طابعها الخارجي فقط بحيث اعتبرها الخطاب اليساري العربي شكل من اشكال الحركات المضادة لنزوع بلد الى الحرية والاستقلال . في حين ان محمد علي ذاته كان ينظر اليها باعتبارها تهديدا لسلطته الشخصية وكان يتصرف ازاءها على هذا الاساس . ولأن التجربة كانت شخصية اكثر مما يجب ، وتفتقر الى البنى والمؤسسات المنسجمة معها واللازمة لها ، فقد سقطت في تناقضات عديدة ساهمت في تآكلها وسقوطها فيما بعد. فقد قام محمد علي اولا بسحق الملكية الخاصة وتفتيتها ، وجنّد جميع مصادر راس المال المحلية لخدمة مشاريعه "الانمائية" . ثم اضطر بعد ذلك الى الاعتراف بها تحت ضغط داخلي وخارجي متزايد . واقام احتكاراً صناعيا اضطر الى تطبيقه بأساليب استبدادية ، بحيث ان الأنوال اليدوية كانت هي ايضا وفي كل مكان تعمل لحساب السلطان . ومع ذلك فان هذه المشاريع الصناعية لا تقوم على اساس الربحية وتتكبد خسائر فادحة لان الهدف من اقامتها " ليس الربح ، بل تعليم المصريين وتعويدهم على العمليات الصناعية " . وهكذا تم التحكم في مسار عملية الانتقال عن طريق اقتصاد " تثقيفي " قامت دولة محمد علي بتشييده كطريق الى الرأسمالية . ولم تكن الظروف الاقتصادية ومتطلبات عملية الانتقال الى نمط اقتصادي جديد هي التي املت سياسة احتكار الدولة للصناعة، بل لان محمد علي اراد " الاستيلاء على كل شيء ، بهدف جعله منتجاً " .. لأن " لا أحد يستطيع ذلك سواي" .. ولأن " لا احد كان يمكن ان يفكر بان يأتي الى مصر بالقطن والحرير وشجرة التوت " . لكن الاستيلاء على " كل شيء " وضرب القطاعات الخاصة وتهميشها لا يجعل " الاشياء " منتجة . فالهيكل الاقتصادي ليس " اشياء " . والقطن والحرير وشجرة التوت ليست اعمدة راسخة لاقتصاد صناعي حديث. لهذا فلم تمر سوى سبع سنوات على هذه الثقة الاقتصادية العالمية بالنفس (1833م) حتى عاد محمد علي الى الاشادة بحرية التجارة . وبعد ان سحقت معاهدة 1840 احتكاره الصناعي ، اعترف بان لهذه الحرية فضائلها .. وان هذه الفضائل " حقيقة بديهية " .. وان " ظروف قاهرة كانت قد اضطرتني الى فرض الاحتكار والحفاظ عليه " . (جميع النصوص الواردة بين هلالين مزدوجين ، هي لمحمد علي باشا ذاته ، وليست لأحد سواه) . وكما يحدث دائما في التاريخ ، فان تفكيك الحكم الشمولي (المرتبط بشخصية كارزمية ماحقة) بعد فترة من القمع المنظم للقوى الاقتصادية والاجتماعية الفاعلة (والمحتجزة مؤقتا) ، كان قد ارتّد الى احياء نزعات الاستبداد لدى هذه القوى ذاتها. وهكذا بدأ تعسف ملاك الاراضي ومتعهدي الضرائب يأخذ ابعادا لم تكن دولة محمد علي في اواخر ايامها قادرة على السيطرة عليها، مما الحق المزيد من التمزق بالنسيج الاقتصادي الاجتماعي المصري امتد لعقود طويلة لاحقة . واقترن الاجر الضئيل والاكراه وعمل السخرة بأسلوب الانتاج والادارة الحديثة وامتيازات الشرائح المرتبطة بها . وبذلك تحوّل من يفترض انهم اصحاب المصلحة الحقيقة في التغيير (الفلاحون والحرفيون السابقون والعمال الحاليون) الى قوى مضادة للتغيير ، لم تكتف بالإهمال واللامبالاة والتهرب ، بل سعت ايضا الى تدمير الات المصانع او تخريبها عمدا . .وهكذا فمجرد ان استعادت اوروبا وحدتها عام 1840، وتم حسم الصراع في اوروبا لصالح النفوذ البريطاني، حتّى سقطت تلك التجربة . وقد اسدلت الهزيمة العسكرية الستار على تجربة محمد علي ، وعلى حياته معا. ولم تعش أيّاً من انجازاته بعد موته . ولم تكن الامبراطورية العثمانية " المريضة " ولا الامبراطورية البريطانية " المتعافية " لتسمحا لمحمد علي بتوسيع مجاله الخارجي وتهديد الطريق الى الهند (كتعويض عن محاصرته من الداخل وخنقه قبل ذلك بسنوات) . وسرعان ما تحولت مأثرة التصنيع " المتعجل " الى كمية من " الحديد الخردة " ، وانتكست مصر الى عصور ما قبل الصناعة . شكراً للأستاذ حارث حسن ، لأثارته هذا الموضوع ، في هذا الوقت بالذات . ان " النخب العلمانية " العربيّة ، بحاجة اليه جداً .. الآن .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لديّ الكثير من الأسبابِ لأحزن
-
الأهوار و النفط و الموازنة و لائحة اليونسكو
-
الأهوار ، وأهل الأهوار .. و قرار اليونسكو
-
لا يوجدُ شيءٌ اسمهُ المجد
-
لا مجدَ لاختلاسِ القُبلةِ من شَفَةٍ تشعرُ بالخجل
-
لأنّني من طائفةٍ أخرى
-
نحنُ نواصِلُ احزاننا .. منذ الانفجار العظيم
-
بيانات عن نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية في البنك المركزي ا
...
-
تجارة الحمير الكاسدة
-
عن تقرير لجنة التحقيق بشأن حرب العراق 2003(تقرير تشيلكوت)
-
و لكنّ غداً عيد
-
لينين و 10 كغم من الذهب الخالص
-
كانت هزيمتكم ممتعة
-
هذا هو الموجَز
-
مقالٌ في الحرب
-
قلبي صغيرٌ .. و هَشّْ
-
دائماً نحنُ نموت .. دون استفتاءٍ على موتنا .. و بأرخص الأسعا
...
-
الهجرة ، الاقتصاد ، والأمن .. قضايا الدخول والخروج من التاري
...
-
سِنْكَام
-
وقائع رمضان العجيبة ، في أرض السوادِ العجيب
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|