هادي فريد التكريتي
الحوار المتمدن-العدد: 1401 - 2005 / 12 / 16 - 10:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كلمة فرهود ، كلمة عراقية بحتة ، يستخدمها العراقيون عندما تتعرض الأموال الخاصة أو العامة ، للنهب والسرقة العلنية ، من قبل ضعاف النفوس ، والحرامية المعتاشين على المال الحرام ، عند غياب السلطة ، أو عندما تغض السلطة النظر عن جرائم النهب والسرقة التي يمارسها الأتباع والأشياع . حصل الفرهود في العراق على عهد النظام الملكي في العام 1947ـ 1948 ، عندما أسقطت الحكومة العراقية الجنسية عن اليهود ، وأجبرتهم على مغادرة العراق ، فتعرضت أملاكهم وممتلكاتهم إلى النهب ، وقد اقترنت لفظة " الفرهود " باليهود ، (فرهود مال يهود ). كما حمل هذا الإسم رئيس الوزراء العراقي ، إبان الحكم البعثي ـ القومي ، طاهر يحيى ، عندما استشرى الفساد المالي والإداري في الدولة العراقية ، وكثر النهب والسطو على المال العام . كما حصل الفرهود عندما احتل الأمريكان العراق ، حيث تعرضت ممتلكات الدولة ، وممتلكات النظام ورجاله للنهب ، ليس من قبل المواطنين فقط ، بل من قبل الاحتلال وجنده ، والعراقيين ، من الأحزاب والمليشيات الحزبية ، حيث قد ُفِكَكت المؤسسات والبني التحتية الإقتصادية ، من معامل ومحطات كهرباء ونفط وغيرها ، وتم نقلها إلى خارج الحدود وبيعها في إيران وتركيا والأردن وسوريا ، كما استولت الكثير من الأحزاب والقوى العراقية ، المتواجدة في السلطة ، وخارجها الآن ، وشخصيات قيادية فيها ، وميليشيات حزبية ، على أموال وممتلكات رجال النظام السابق ،ولا زالت تهيمن على تلك القصور والممتلكات الأخرى ، من بيوت ومزارع ، وقد استحدث اسم رديف ، جديد للفرهود ، هو " الحواسم " ، تيمنا بالإسم الذي أطلقه صدام إبان هروبه من المواجهة .
للحقيقة وللتاريخ ، أقول على الرغم من أن الفساد والنهب للمال العام والخاص كان مستشريا ، إلا أنه لم يبلغ آنذاك ـ زمن طاهر يحيى ـ ما بلغه في عهدنا هذا ، عهد الحكومات التي جاء بها الاحتلال الأمريكي ، وخصوصا حكومة قائمة الائتلاف الطائفي ورموزها ، من أمثال السيد عبد العزيز الحكيم ، وقائد مليشيات بدر ، هادي العامري ، وغيرهم الكثيرون الذين استحوذوا على المال العام والخاص ، مما يجعلنا نقر أن اسم أبو فرهود لا ينطبق بالكامل على المرحوم طاهر يحيى ، وعهده ، بل على آخرين ، جدد ، جعلوا من طاهر يحيى ( كيس تتن ) في أحزمتهم ، وهذا بفضل التوجهات الموسومة بالمظلومية ـ الطائفية ، وقيادة الحكم فعليا ، من قبل أناس لا يهمهم من العراق وشعبه سوى النهب والإثراء والفرهود ..!
في مقالات سابقة ، ومنذ الانتخابات الأولى ، عالج الكثير من المثقفين والكتاب نزاهة وحيادية المفوضية العليا للإنتخابات ، حيث أُعتبر البعض من أعضائها ، غير محايدين وغير نزيهين كذلك ، إلا أن أغلبية من كتب في هذا الشأن ، آنذاك ، لم يتطرق إلى نزاهة بعض أعضائها ، وتجاوزهم على المال المرصود إنفاقه على ما تتطلبه الإنتخابات من مستلزمات ، فربما كان هذا بسبب أن الإنفاق كان يجري عن طريق موظفي مفوضية الهجرة الدولية ، التي أشرفت على الصرف والإنفاق لكل العملية الإنتخابية ، في الداخل والخارج ، والتي لم تعلن بشفافية عن مصروفاتها وإنما فقط مجمل الإنفاق الذي بلغ 18 مليون دولار ، والذي أعتبر في وقتها مبلغا مبالغا فيه ، لما كانت تتميز به الأجور المدفوعة للعاملين من هدر ، سواء أكان هذا ، للموظفين ، أوللمستلزمات الأخرى ، من مبالغ للإيجارات والنقل ولقضايا تكميلية أخرى ، احتاجتها أو لم تحتجها العملية الإنتخابية ، إلا أن "الفرهود " الجديد هو ما طال المفوضية ـ غير المستقلة ـ العليا للإنتخابات ، حيث بلغت تكاليف ميزانية هذه الهيئة 56 ستة وخمسون مليون دولار أمريكي ، رغم تخفيض أجور العاملين في المراكز الإنتخابية، أي بأكثر من ثلاثة أمثال ما كانت عليه ميزانية الإنتخابات السابقة ، والتي صرفتها مفوضية الهجرة الدولية ، والتي وصفت آنذاك ب "البذخ " ، فالمقارنة بين حرص المفوضية العليا للإنتخابات (العراقية ) وسلفها ، مفوضية الهجرة الدولية ، تبدو غير واردة إطلاقا ، فالسيدة حمدية الحسيني عضو لجنة المفوضية العليا ، مسؤولة الإنتخابات في الخارج ، تتصرف بأربعة ملايين فقط كنفقات دعاية ، فهل هذه حقيقة ؟ كما تتصرف بما وضع تحت تصرفها لإدارة العملية الإنتخابية في الخارج ببذخ بالغ ، تحسده عليها حتى الدول الغنية ، فأجور يوم واحد لحمايتها الشخصية بلغ 7300 سبعة آلاف وثلثمائة دولار في اليوم الواحد ، أي ما يقارب لنصف مليون دولار للفترة المقررة أن تقيمها في خارج العراق مدة 46 يوما ، وشراء سيارة لاستخدامها بلغت قيمتها 134 ألف دولار ، فهل هذه نفقات حقيقية لحمايتها ؟ أم فرهود جديد ؟ ناهيك عن أن النفقات والمخصصات الأخرى ، التي قد تبلغ نصف ما هو مخصص لإدارة انتخابات الخارج ، التي حرم منها الكثير من العراقيين المتواجدين في أقطار أخرى ، لم تتواجد فيها مراكز اقتراع بحجة عدم توفر الإمكانيات المادية لتغطيتها ، ولقلة النفقات المخصصة لهذا الغرض ؟ وهنا أذكر فقط أن الميزانية المخصصة لهذا العام هي أكثر من ثلاثة أضعاف ما خصص للانتخابات الأولى ، فأي " فرهود " أكثر من هذا الفرهود الذي تمارسه عضو واحد في هذه المفوضية ، فما هو إجمالي المبالغ التي تتعرض للفرهود من قبل عموم أو أكثرية اللجنة ؟ برسم الإجابة من السيد فريد أيار بالتحديد ، الناطق الرسمي باسم الهيئة .
الممارسات التي قامت بها السيدة حمدية الحسيني ، لم تكن في نهب المال العام وتبذيره ، ولم تكن كذلك بما هو واقع في ممثلية لندن وتعيين موظفيين من لون معين لإدارة العملية الانتخابية هناك ، بل في مخالفتها لتوجيهات الهيئة العليا ، عندما رفضت هذه اللجنة ترشيح السيد رضا الشهرستاني ، شقيق السيد حسين الشهرستاني ، نائب رئيس الجمعية الوطنية العراقية ، عضو الائتلاف الشيعي ، لأن يكون مسؤولا عن مركز الانتخابات في أبو ظبي ، إلا أن السيدة حمدية الحسيني ، قامت بتعيينه مستشارا لها ومنحته صلاحيات قانونية ومالية واسعة ، يتصرف بكل المال الموضوع في بنك هذه الإمارة . وعندما ُوضعت كل هذه الحقائق والخروقات أمام السيد فريد أيار ، لم ينكر مثل هذه الممارسات ، وعد بدراستها واتخاذ إجراءات بحق من يخالف التعليمات ، والسؤال هو متى وكيف ؟ وهو يعمل وفق الحكمة الهندية " لا أرى ، لا أسمع ، لا أنطق " !..
.؟ يوما بعد آخر تتكشف عدم مصداقية هذه اللجنة وتتجسد عدم استقلاليتها ، وحقيقة انيحازها لجهة دون أخرى ، ومساهمتها بشكل عملي وجدي ، في عملية " الفرهود " الجارية في العراق أسوة بما ( ُيَفرِهُده ) رجال الحكم والضالعون بركبه حاليا ، فلا بارك الله بمن يسرق فلسا واحدا ، من مال الشعب العراقي الذي هو بأمس الحاجة إليه ، ولا بارك الله بمن يتستر على حرامية الفرهود .. !
15 كانون أول 2005
#هادي_فريد_التكريتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟