|
جرائم الإرهاب السياسي في لبنان إلى أين؟
سحر حويجة
الحوار المتمدن-العدد: 1401 - 2005 / 12 / 16 - 10:37
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أولاً وقبل أي قول آخر، على كل من يؤمن بقيم الديمقراطية والحرية ، أن يدين، ويستنكر العمل الإرهابي، التي استهدف أحد رموز الصحافة والإعلام الحر، على اعتبار إن لا حرية ولا ديمقرطية، بدون حرية الصحافة وحرية الرأي، ولأن أحد أهداف هذه الجريمة، زرع الخوف في الجسد الصحفي، وثنيه عن قول الكلمة الحرة، من أجل استقرار وحرية الأنظمة الاستبدادية، والقوى الظلامية، من أجل أن تفعل ما تريد دون معارضة، وإغماض العيون عن الحقيقة، حتى إلى اللذين يختلفون معه في الرأي ، يجب أن ندافع عن الاختلاف فهو الحق ، الذي تبنى عليه الديمقراطية، الاختلاف يؤكد نسبية الحقيقة، والتجربة والحياة هي التي تثبت صحة ما نقول أو نفعل، أما أعداء حرية الرأي فيقولون ، نحن فقط من نملك الحقيقة، وكل ماعدانا يجب إلغائهم، وهذه وسيلتهم للإستئثار الدائم بالسلطة والتحكم بمصير الأوطان، القائم على احتكار السلطة وامتلاك الحقيقة، وفق أهوائهم ورغباتهم، ومن يخالفهم الرأي فهو مارق، ويطعن بوطنيته. لا ريب إن هذه الحادثة ، حلقة من سلسلة بدأت، ولكن لم تنتهي بعد، حوادث كما أنها أثارت الغضب، فقد أثارت الكثير من الأسئلة، والشبهات، حول من يقف وراء كل هذا، ولماذا؟ فهي كما سابقاتها مرتبطة بالسياق السياسي اللبناني، والإقليمي، يجمعها وحدة الاتجاه، فالضحايا يمثلون، أحد أقطاب، السياسة اللبنانية، المتعددة، أهم ما يجمعهم، هو هدف تقويض السلطة الأمنية السابقة، وتعزيز الديمقراطية، واستقلال الموقف اللبناني عن الموقف السوري، لذا فإن المنطق السياسي يشير إلى إن السبب الأول لهذه الجرائم ، هو الصراع من أجل السلطة، حيث إن السلطة التي يبدو إنها هزمت، أقطابها إما خسروا الانتخابات، أو يقبعون في السجن، وقلعتها الأخيرة، أي الرئاسة تهتز تحت ضغط الرفض الشعبي ، ورفض الكثير من القوى السياسية، هذا الاحتمال يبدو الأقرب للعقل والمنطق ، وهو دفاع النظام اللبناني وحلفائه من النظام السوري الأمني، أو أطراف منه ، عبر إضعاف الخصم، ومن أجل إعطاء إشارة الأمان لرموزه القابعين في السجن، أي أنهم مازالوا أقوياء لشحذ عزيمتهم، وصمودهم، في الوقت نفسه، من أجل إضعاف السلطة اللبنانية، عن أداء دورها، وإظهار عجزها ، وعدم قدرتها على تحقيق الاستقرار والأمن، ناهيك عن تداعيات ذلك على الصعيد الاقتصادي، والمراوحة في المكان، وعدم تطوير الأداء والنمو ، وبالتالي إضعاف مكانة السلطة أمام الجماهير. إن الأهداف منتقاة بدقة، لهم تأثيرهم ونفوذهم الكبير، ارتبط اغتيال كل واحد منهم بمناسبة سياسية معينة، إضافة إلى إن هذه الجرائم لم تتم مصادفة، بل تحتاج إلى متابعة ومراقبة، لذلك لا بد أن تكون هناك شبكة مجهزة وقوية، هذا لا يعني أن أهداف هذه القوى، لا تتقاطع مع مصالح قوى أخرى، لكن الاحتمالات الأخرى القائمة تبقى ضعيفة ، لجملة أسباب، منها ما يتعلق بالغاية من هذه الجرائم، و أسباب أخرى تتعلق بالهدف أي الضحية، والسب الأخير يقوم على ثقل من يقوم بهذه الجرائم على الساحة اللبنانية، فلو أشرنا بأصبع الاتهام، إلى إسرائيل أو أمريكا، لخدمة مشروعهما الاستراتيجي في الهيمنة على المنطقة، فإن غايتهم المشتركة إضعاف جميع الفرقاء، حتى يبدءون بالاقتتال بين بعضهم البعض، وليس إضعاف فريق واحد، هذا لا يعني أنه ليس من الممكن لهذا السيناريو أن يبدأ بهذا الشكل لتغطية الفاعل، أما إذا كان هدفهم توريط سوريا، عبر البوابة اللبنانية، فهم ليسوا بحاجة إلى هذا الكم من الجرائم، إضافة إلى أن هناك الكثير من الملفات اللبنانية، إذا فتحت تكفي لتقوم قائمة سوريا، ولكن هذه الجرائم بالمحصلة تخدم بشكل وثيق المشروع الأمريكي، في الهيمنة على المنطقة، لأنه لا أمل في عودة سوريا مجدداً مهما كان عمق التحولات لصالح القوى حلفاء سوريا، ولكن في حال تدهورت الأوضاع كثيراً، يمكن أن تأتي أمريكا وبتحالف عالمي، وتحقق أكثر من هدف، في الوقت ذاته، أما إذا اتهمنا قوى ظلامية متطرفة، تسعى لتفجير الأوضاع في لبنان، فأساليب هذه القوى كما نعرفها ، في كل مكان فإن ضرباتها ، على الأغلب عشوائية، همها الأول هو قتل أكبر عدد من الناس ، ولا تبحث عن هدفها بدقة، إضافة إلى أنها لا تسعى إلى السلطة مباشرة، خاصة في بلد مثل لبنان، في ظل توازن القوى الطائفية القائم، هذا لا يلغي تحالف هذه القوى مع قوى ذات مصلحة أقوى، أو تلعب أدوار معها. تزامنت حادثة اغتيال جبران تويني ، في اليوم نفسه لتسليم ميليس تقريره الثاني إلى مجلس الأمن، كانت جريمة على المكشوف، على اعتبار أن هناك إخبار سابق بالعمل على اغتياله، فهي رسالة بأن هذا التقرير، وخاصة كما يتوقعه تويني، لا يعني انتصاراً لمن يسعون إلى الحقيقة، بل سيكون ردهم، هو الدفاع عن النفس والتصعيد ، هذا يعطي إشارة إنهم لن يستسلموا ، وقبل أن يحاكموا سيحاكمون ، من يعتبرونهم أعداء لهم . ساهم موت جبران في ارتدادات سياسية مباشرة، أهمها إسراع الحكومة اللبنانية، على اتخاذ قرارين ، بعد إخراجهما من دائرة الحوار والمماطلة، أحدهما يتعلق بتشكيل محكمة دولية لمحاكمة المتهمين، والثاني توسيع إطار محكمة التحقيق الدولية لتشمل كل الجرائم الإرهابية الأخيرة، قرارين مرفوضين من حزب الله وحركة أمل، مدعوماً بموقف سوري ومصلحة سورية في ذلك ، إن هذا القرارين إذ يعكسان عجز المؤسسات اللبنانية، عن القيام بهذه المهمة، هذا السبب مبني على قناعة تامة بوجود أشخاص سوريين مشبوهين، سوريا التي لا تريد أن تخضع إلى مطالب القضاء اللبناني، سواء بذريعة الخوف على الأمن، أو حتى الشعور السوري بالذل عندما يخضع لمطالب اللبنانيين، فالنظام تعود على إخضاع اللبنانيين لسيطرته ومحاكمتهم، وإدانتهم، في نفس الوقت، فإن النظام في سوريا، لا يريد تشكيل محكمة دولية، وقد يرى الحل الكافي المقبول، في أن تقوم السلطات اللبنانية بتقديم طلب للسلطات السورية ، من أجل التحقيق ومحاكمة المشبوهين السوريين ، وهذا يتحقق لو أن السلطة اللبنانية في أيدي قوى متحالفة مع السلطة السورية، حتى لو اختلفت زاوية النظر من قبل حزب الله وأمل عن النظام السوري، إزاء هذين القرارين، حيث أن هدفهما المعلن، هو حماية لبنان من التدخل الخارجي، إذن النظام في سوريا وكثير من القوى في لبنان، وكذلك القوى الدولية، تسعى بقوة إلى إعادة رسم التحالفات السياسية في لبنان ، والعمل على استقطابات جديدة ، بما ينسجم مع مصالح كل منها، فلابد من القول أن اللعب على التناقضات الطائفية ، لإعادة رسم السياسة ، اللبنانية يبدو أمراً صعب المنال، على الرغم من القاعدة الطائفية للقوى السياسية، وعلى الرغم من الخلل في التمثيل الطائفي للقوى في البرلمان، فهو تناقض على مستوى تمثيل القوى السياسية ، وليس على مستوى التمثيل الطائفي، إضافة لنضج الشارع اللبناني، وخاصة شبابه في مواجهة الطائفية، والسعي لإلغاء الطائفية السياسية، والضغط على القوى السياسية الموجودة لتحقيق هذا الطلب، أما التناقض الأساسي الذي يبرز إلى السطح الآن في لبنان، هو التناقض الكياني والوطني، الذي يدور حول دور المقاومة وحدودها ، وحول العلاقة بالمحيط العربي والدولي وشكلها، سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي، في الوقت الذي تميل به معظم القوى اللبنانية، إلى الانفتاح على دول العالم، وخاصة الغرب، لحل مشاكله السياسية والاقتصادية، نرى أن التيار العروبي الممثل بالحكومة أي الحزب التقدمي وتيار المستقبل، يصطدم بالوضع العربي العام، الذي يعبر عن عجزه المستمر في إدارة الأزمات، وبناء علاقات مؤسسية مستقرة ، هذا الوضع يدفع باتجاه انفتاح على العالم الغربي، أما موقفهم من النظام السوري، على الرغم من سعيهم لهذه العلاقة، تبدو هذه العلاقة في ظل النظام القائم ، مليئة بالعقبات لأن هناك لغتين مختلفتين، وحواجز كثيرة وخوف، وهذا أحد نقاط الخلاف مع حزب الله، وحلفاء سوريا العضويين، فهؤلاء العروبة بالنسبة لهم هي علاقة قوية استراتيجية مع سورية، والدفاع عن النظام السوري القائم ، ورفض أي شبهات حوله ، ورفض كل محاولات المساس بسمعته، أو اتهامه، وتحويل كل هذه الأعباء إلى العدو الإسرائيلي، انطلاقاً من أيديولوجيا محاربة إسرائيل ، وإن أي شر في هذه الأمة مصدره إسرائيل، وأمريكا، وفي مواجهة القرار 1959 ، القاضي بنزع سلاح حزب الله على اعتبار أنه ميليشيا، استطاع هذا الحزب بالدفاع عن دوره باعتباره حزب اللبناني جماهيري، ونجح إلى حد كبير بخلق شبه إجماع وطني يقوم على الحفاظ على سلاح حزب الله، وعلى أن حل هذه القضية مسألة داخلية بحتة، وجاء الدعم السوري، من خلال الاعتراف السوري بلبنانية مزارع شبعا، وحق المقاومة في تحرير الأراضي المحتلة، وتوج ذلك بدخوله إلى الحكومة، وهنا بدأ يصطدم مع مشاريع الحكومة الاقتصادية والسياسية، والأمنية، في مد الجسور مع الغرب، على أساس ليس هناك خدمات مجانية، ونهاية المطاف الثمن هو سلاح حزب الله، ولم يتمكنوا من إقناعه، بالتطمينات الخاصة من قبل حلفائه في الحكومة، مما يعكس تباين في الرؤى والمصالح، بين أطراف هذا التحالف، وهكذا الباب مشرعاً الآن لأزمة داخل الحكومة اللبنانية، ستكون الحكومة أمام خيار سد الفراغ السياسي، من خلال إعادة التحالفات والمساومات، مع العماد ميشيل عون، الذي يسعى إلى اعتراف الجميع بزعامته، وقدرته ، وإنه المؤهل للخلافة الرئاسية، ليدخل تياره في الحكومة ويسد فراغاً سياسياً قد يخلقه حزب الله، وحركة أمل، ولكن سيقود ذلك لرسم استقطابات جديدة ، وسياسات جديدة، وتناقضات طائفية سياسية، واقتصادية، لها امتداد إقليمي، دولي تدفع باتجاه آفاق غير واضحة بعد. سحر حويجة
#سحر_حويجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ميليس ينصب فخاً للنظام السوري؟
-
إعلان دمشق تناقض ومسار غير واضح
-
خطاب الرئيس الأسد، غياب الرؤية الديمقراطية
-
ما بعد تقرير ميليس النظام السوري في عنق الزجاجة
-
شروط نجاح الديمقراطية
-
قضية المرأة قضية عامة، لا تنفصل عن قضية الديمقراطية والمواطن
...
-
التحقيق في قضية اغتيال الحريري وخطة دفاع النظام السوري
-
منتدى الأتاسي -مرآة المعارضة السورية-
-
انحسار النفوذ الإقليمي وأزمة النظام السوري
-
العراق والاستحقاق الدستوري
-
أضواء على بعض جوانب أزمة الماركسية
-
الحركة العمالية من الماضي إلى الحاضر
-
الديمقراطية ألد أعداء الأنظمة العربية
-
السلطة الأمنية من سوريا إلى لبنان
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|