|
مكة والمدينة وجوهر الصراع الأجتماعي الأول في المجتمع الإسلامي.ح1
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5227 - 2016 / 7 / 18 - 22:40
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مما لا ينكره التاريخ أن مكة كانت المدينة الأولى التي ولدت فيها بشائر الدعوى الإسلامية والخطوة الأولى التي ستكون مفتاح المفاتيح في دراسة الإسلام والتنازع الحضاري الذي شهده كفكر جديد قائم على التوحيد، وهي أيضا موطن الرسول النبي محمد قائد التحولات الأجتماعية القادمة والتي تمخضت عن ولادة ما سمي لاحقا المجتمع الإسلامي أو العربي أبتدأ والإسلامي في الهوية، لذا فتأريخ الإسلام يبدأ من مكة المجتمع ومكة المدينة وهي أيضا سنام الحربة التي قادت الصراع الأجتماعي والفكري داخل المنظومة الدينية الجديدة، ومكة تأريخها يبدأ من النبي إبراهيم ع في المعروف من النص الديني الذي أرخ التوحيد من بابل والدعوة منها تحديدا ولا ينتهي أبدأ إلا بالحتمية التاريخية التي أقرأها بسقوط الإسلام السياسي المحافظ. لا تأريخ للإسلام وأقصد بها تأريخ التنازع الداخلي بمكنوناته السياسية والفكرية وجذرها الحضاري من دون مكة ومن دون دلالتها الأجتماعية ورمزيتها الدينية، فهي ليست فقط مدينة وشعب وليست فقط تجمع بشري وعادات وتقاليد وسلطة، إنها أكبر من ذلك بما تعنيه للفرد العربي والعرباني أيضا دينيا وأجتماعيا وقبليا، وأيضا أقتصاديا كونها أهم مركز تجاري في غرب الجزيرة العربية ونقطة التوسط على الطريق التجاري القديم اليمن الشام، لذا كانت مكة تعتز بوجودها بأنانية مفرطة وتعتز بكونها مركز أستقطاب أجتماعي مهم وفاعل بذاتيتها المتضخمة، مكنها من أن تلعب دورا محوريا في حركة الأحداث السياسية في الجزيرة واليمن وشمالا إلى حدود تخوم بلاد الشام الجنوبية، والسيطرة على القبائل العربة بتحالفات أو بالضرورات أو من خلال المركز الأجتماعي والاقتصادي والديني. هذه الشخصية الأعتبارية لمكة والتي أرتدت بها مظاهر الأنا المتضخمة أنعكست سلوكيا على تصرفات أهل مكة كشعب وكهوية، فصار المكي يعتقد أنه سيد العرب والأعراب وأن وجود بيت الله فيها يعني له طبيعيا وللآخر قهريا أكثر من مسألة مكان ومكين، كانت تعني لديه أنه هو شعب الله المختار والسيد الذي لا ينافس، هذه العقلية وحدت شعب مكة مجتمع منغلق أحادي التفكير وكهوية خاصة أشبه بالهوية العنصرية وصنعت منه طاغية وجبار مقابل الاخر الأجتماعي، لذا لا غرابة مثلا أن ترتبط السدانة والسقاية وخدمة الحجيج بالنمط الأقتصادي في وحدة أجتماعية وفكرية يعلوها عنوان السيادة، أختلطت فيها التجارة بالدين والقوة بالقدرة والشعور بالأنا مع واجب الأهتمام بالمركز الديني ليتحول المجموع إلى توجه نسقي خطير يتمثل بالمغالات بالأعتزاز بالنفس وبشعور الفضالة على الاخرين. من هنا لا غرابة مثلا أن تنازع مكة المدينة والإنسان الرسالة الإسلامية وتعاديها وتحارب الرسول الذي جاء بالعدل ودعوة الإنسانية، والتي في الحقيقة الدينية لا تتناقض مع عقيدة سكانها عامة وخاصة الطبقة الحاكمة المتسيدة بعنوان ديني، فهما على العموم أما موحدين على ملة إبراهيم الخليل أو موحدين من خلال عبادة الأصنام الوثنية، ليس لديهم تعدد في الديانات وليس فيهم تناقض حتى بين الموحدين والوثنين كان كل ما يجمعهم هو تقديس وقدسية بيت الله الحرام، أهل مكة يعرفون الله ويؤمنون به وينطقون بالاسم أما الوثن المعبود في بكة لم يكن بديلا عن العنوان العبادي بقدر ما هو طريق له، تناقض أهل مكة مع الرسالة ومع الإسلام ليس من هذا الباب أبدا، بل كان تناقضا ذاتيا بين أنا متضخمة ترى في نفسها الحق كله وفي الأخر الدونية كلها، وبين مفاهيم الإسلام التي تتجه نحو توحيد الإنسان وليس الله بعنوان "كلكم من آدم وآدم من تراب"، هذا الرفض محوره رفض المساواة ورفض وحدة الإنسان ورفض كل دعوة لنبذ عنصرية مكة، والتي تحسس زعمائها أن الدعوة الإسلامية بالحقيقة موجهة لهم تحديدا ولهوية مكة ولقوة مكة من خلال ربط بيت الله الحرام بالإيمان بالله وليس بالتجارة فقط. كان تصادم مكة مع الإسلام ليس تصاما دينيا بمعنى العبادة أو بمعنى ما هو في جوهر الدين من ماهية معرفية، وهو التسليم لحكم الله أو الخضوع لقوة الله وطاعة الفكرة في توجهاتها العقدية، بل كل الأمر كان تصادما بالقيم السلطوية والقيم التي يجب أن تسود إسلاميا عنوانها العدالة والمساواة والإنسان الواحد، ومكيا عنوانها أهل مكة سادة الأمم وأن بيت الله عنوان السيادة وأن كل شيء لا بد أن يكون له مردود تجاري على أهل مكة وساداتها، هذا التنازع أخرج فكرة التنافس الطبيعي بين القيم المحافظة التقليدية وبين قيم الإسلام التي تعتبر قيمة مستولدة خارج رحم المجتمع وغريبة عن فضاء العقل المكي إلى وجه حدي إقصائي من كلا الطرفين، فتحول التنافس إلى تنازع طارد للأخر ومضاد ونقيض، وصل في مرحلة منه إلى أن يصبح صراع حياة أو موت صراع من أجل البقاء والتمدد وإثبات الذات أيا كانت النتائج الأجتماعية. إذا كان التنازع عميقا جوهريا وفي طول الوضع الأجتماعي والنظام القيمي وليس عرضيا بين مكة الهوية ومكة الأنا، وبين الإسلام الدين الفكر والقيم الأممية بعيدا عن الشخصنة والذاتية السائدة تحت ضغط القوة والمال والسلطة والموقع الديني، ولم تنجح كل المحاولات التي قام بها البعض للتوفيق بينهما لا على سبيل تأجيل التصادم الحتمي ولا حتى على سبيل الجمع على المشترك الديني، وقد بينا أن المشترك هذا موجود وحقيقي ولكن مسألة التوظيف فيه هي عنوان التفرق والتناحر بين الطرفين، لقد كان لزاما على قريش ومعها مكة أن تحارب وأقصد مكة عناوين السيادة وليس الأكثرية المسحوقة التي وجدت في الإسلام متنفس لوجوديتها وأعتراف بها كطبقة فاعلة تستحق الحياة خارج العبودية التي تفرضا الأنا المتسلطة، وأن تدافع عن قيمها مع حركة ظنت قريش ومكة أنها ستنتهي بمجرد قتل زعيمها أو تعذيب أفراد منها ليرتعب المجتمع من اسم الفكرة أو حتى التفكير بدعمها.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفهوم النسقية الأجتماعية والنمطية الاجتماعي ودورهما في بلورة
...
-
الحقيقة الضائعة بين الناسخ والمنسوخ _ح3
-
الحقيقة الضائعة بين الناسخ والمنسوخ _ح2
-
الحقيقة الضائعة بين الناسخ والمنسوخ _ح1
-
أول الخطوات .... أخر الكلام
-
مرة أخرى الإنسان خالقا ......
-
لعنة موت متنقل
-
الخديعة
-
صناعة الفعل وتطور مفهوم الإرادة
-
رجل الدين تفضل خارجا فقد حان وقت الأعتزال
-
من هو الله؟.2
-
من هو الله؟.
-
وما زال في جيبه رصاصة
-
مفهوم الملك والملكية دستوريا ومفهومها في الإسلام
-
الإسلام التاريخي وحراك ما قبل أعلان الموت ح4
-
زعلت الوردة الجميلة .... فأضربت الفراشات عن العمل
-
الإسلام التاريخي وحراك ما قبل أعلان الموت ح3
-
الإسلام التاريخي وحراك ما قبل أعلان الموت ح2
-
صوت الله أكبر في فجر الكرادة
-
الأحد الدامي والإجرام العابر بلا حدود
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|