أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحمن حسين عوض الله - الحركة الشيوعية في فلسطين















المزيد.....



الحركة الشيوعية في فلسطين


عبد الرحمن حسين عوض الله

الحوار المتمدن-العدد: 5227 - 2016 / 7 / 18 - 14:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الحركة الشيوعية
في فلسطين
عبد الرحمن حسين عوض الله
نشأتها، أهدافها
ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
2
اسم الكتاب:
الحركة الشيوعية في فلسطين
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
اسم المؤلف: عبد الرحمن حسين عوض الله
تاريخ النشر: 21 آذار 2016
اسم الناشر: المركز الفلسطيني لقضايا السلام والديمقراطية
بالتعاون مع مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية
© جميع الحقوق محفوظة للناشر
المركز الفلسطيني لقضايا السلام والديمقراطية
الطبعة الأولى
لا يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو إعادة تخزينه في نطاق استعادة المعلومات
أو نقله أو استنساخه بأي شكل من الأشكال دون إذن خطي من الناشر
All rights are reserved. No part of this book may be reproduced´-or-transmitted in any means, electronic´-or-mechanical, including photocopying, recording´-or-by any information storage, without the prior permission in writing of the publisher
3
المحتوى
المرحلة الأولى : من عام 1919 حتى خريف عام 1943 ............................................. 6 .
المرحلة الثانية : من 1943 حتى أواخر عام 1948 .................................................. 16 .
الأسباب الحقيقية للحرب في فلسطين............................................................................................. 23 .
المرحلة الثالثة : من أواخر عام 1948 م حتى شباط /فبراير 1982 م ........................ 25 .
عصبة التحرر الوطني في الضفة الغربية.......................................................................................... 25 .
دور الحزب في مواجهة الاحتلال..................................................................................................... 29 .
تشكيل الجبهة الوطنية الفلسطينية ............................................................................................... 31 .
عصبة التحرر الوطني في قطاع غزة ............................................................................................... 38 .
تشكيل الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة:......................................................................... 42 .
انفجار هبّة آذار/ مارس ضد التوطين عام 1955 ............................................................................. 43 .
العدوان الاسرائيلي عام 1967 ........................................................................................................ 49 .
اسقاط روابط القرى العميلة: ........................................................................................................ 53 .
منظمة حزبنا في الكويت .............................................................................................................. 55 .
منظمات حزبنا في البلدان الاشتراكية وأوروبا .................................................................................. 56 .
منظمات حزبنا في البلدان الأوروبية............................................................................................... 57 .
يوم الأرض الخالد..........................................................................................................................
59 إعادة تأسيس الحزب الشيوعي الفلسطيني:................................................................................... 61 .
النضال لإلغاء اتفاق ع نّ ............................................................................................................ 62 م .
4
الإبعاد من سورية......................................................................................................................... 63 .
تأسيس شركة “نصّار” للنشر والتوزيع في قبرص.............................................................................. 65 .
المرحلة الرابعة : من شباط/فبراير عام 1982 حتى أواخر عام 2011 .......................... 68 .
الانتفاضة الكبرى ومواقف الحزب.................................................................................................. 68 .
تعديلات فكرية وتنظيمية في المؤتمر الثاني للحزب........................................................................... 73 .
المؤتمر الخامس لحزب الشعب الفلسطيني..................................................................................... 75 .
انعقاد مؤتمر مدريد...................................................................................................................... 77 .
اندلاع «انتفاضة الاقصى 79 ...............................................................................................................» .
اسرائيل دولة أبارتهايد................................................................................................................... 82 .
مواقف تاريخية مشهودة للشيوعيين الفلسطينيين........................................................................... 88 .
المراجع التي جرى الاستفادة منها في إعداد هذا البحث........................................... 94 .
5
لم تحظَ أية حركة سياسية في فلسطين، بدراسة تاريخها وعلاقاتها مع واقعها ومحيطها،
وتطورها، دراسة علمية جادة استندت إلى المنهج العلمي، وإلى اختيار غير انتقائي للمصادر
والمراجع، بمثل ما حظيت به الحركة الشيوعية في فلسطين وبخاصة في السبعينيات من القرن
العشرين، غير أن الأبحاث والدراسات التي ظهرت منتصف وأواخر الخمسينيات من القرن
الماضي في الغرب كانت نتاج المعارك الفكرية والسياسية بين المعسكرين الاجتماعيين المتصارعين:
المعسكر الاشتراكي، والمعسكر الرأسمالي، واتسمت بالتحيز، بينما جاءت هذه الأبحاث والدراسات
التي ظهرت في الستينيات من القرن الماضي في المشرق العربي وأبرزها كتاب )الشيوعية المحلية
ومعركة العرب القومية( للباحث القومي « الحكم دروزة »، في إطار المعركة الإيديولوجية
والسياسية بين القوميين العرب، والحركة الشيوعية والعمالية في البلدان العربية.
ولا نريد في هذا البحث أن نعرض تاريخ الحركة الشيوعية في فلسطين بالتفصيل،
فذلك يحتاج إلى مجلدات ولكننا سنعمد إلى ذلك كلما دعت حاجة البحث، وتحديد المواقف
السياسية والأيديولوجية لهذه الحركة وتطورها. وسنركّز في هذا البحث على مواقفها، والنظر
فيها ومحاكمتها في إطار سياقها التاريخي، والتي يمكن أن نعرض لها من خلال أربع مراحل
تاريخية:-
المرحلة الأولى: من عام 1919 حتى خريف عام 1943
المرحلة الثانية: من خريف 1943 حتى أواخر عام 1948
المرحلة الثالثة: من بداية عام 1949 حتى شباط/ فبراير 1982
المرحلة الرابعة: من شباط/فبراير عام 1982 حتى أواخر عام 2011
6
الحركة الشيوعية في فلسطين
المرحلة الأولى
من عام 1919 حتى خريف عام 1943
أثّر انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا تأثيراً كبيراً على الحركة العمالية اليهودية،
وأدى إلى احتدام عملية التمايز الأيديولوجي والسياسي بين صفوف هذه الحركة، فقد شمل تأثير
ثورة أكتوبر فلسطين كغيرها من بلدان العالم، وساعد على انتشار أفكار الاشتراكية العلمية فيها،
كذلك فإن احتلال فلسطين من قبل الاستعمار البريطاني، ومظاهر العداء الشوفيني للعرب،
خلق ظروفاً موضوعية مؤاتية لبدء نشوء اتجاه يساري ثوري داخل الحركة العمالية اليهودية في
فلسطين، تبلور في تشرين أول )أكتوبر( عام 1919 بتأسيس ) حزب العمال الاشتراكي في فلسطين(
الذي اعتُبر بمثابة النواة الأولى للحركة الشيوعية في فلسطين، وقد أعلن مؤسسوه أنهم سيقفون
إلى جانب ثورة أكتوبر الاشتراكية في مواجهة الإمبريالية العالمية، وإلى جانب الأممية الثالثة
الشيوعية )الكومنتيرن( في مواجهة أحزاب الأممية الثانية الانتهازية والإصلاحية، وأكدوا أنهم
سيناضلون من أجل ضمان انتصار الثورة الاشتراكية في فلسطين وتحقيق مبادئ «الصهيونية
البروليتارية الحقيقية »، كما حاولوا تمييز موقفهم عن بقية الأحزاب العمالية الصهيونية في
فلسطين تجاه العرب، ففي المؤتمر التأسيسي لهذا الحزب حذر قائد الحزب « ماير زون » العمال
اليهود في فلسطين من مغبة الانقياد وراء السياسة الشوفينية المعادية للعرب التي ينتهجها
زعماؤهم الصهاينة، وطالبهم بالبحث «عن طريق سليم للعيش المشترك مع الشعب الآخر
الموجود هنا »، مؤكداً «أن نجاح كل مهاجر صهيوني باحتلال البلاد، واستثمار سكانها العرب
سيؤدي إلى زيادة المادة المتفجرة الموجودة تحت أسس بنائنا »، كما أعلن « ماير زون « أن
هدف حزب العمال الاشتراكي في فلسطين يجب ألا يقتصر على إقامة مجتمع يهودي في البلاد بل
7
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
« يجب أن يتعدى ذلك إلى إقامة مجتمع أسمى، مجتمع عمالي حر قائم على الثورة والسلام،
السلام ليس مع الحكومات فحسب، بل مع الشعوب أيضاً ». وقد استطاع أنصار هذا الحزب،
بعد انسلاخهم عن جسم الحركة العمالية الصهيونية في فلسطين، التحرر من عدة مفاهيم
صهيونية، وتبنوا عدداً من المواقف الثورية من بينها موقفهم من مسألة العلاقة مع الكادحين
العرب.
غير أنهم لم يتحرروا كلياً من الأوهام الصهيونية، ولم يكتشفوا التناقض العدائي بين
الصهيونية والشيوعية، واعتقدوا أن «الصهيونية البروليتارية » أي إقامة دولة اشتراكية يهودية في
فلسطين لا يتعارض مع مصالح الكادحين العرب، وقد تمحور الصراع الأيديولوجي داخل حزب
العمال الاشتراكي حول قضيتين أساسيتين، القضية الأولى: تمثلت في الموقف من « الصهيونية
البروليتارية «، والقضية الثانية: تمثلت في الموقف من المسألة القومية العربية في فلسطين،
أما العامل الرئيس الذي حكم هذا الصراع وأدى في النهاية إلى حسمه فهو انضمام الحزب إلى
صفوف الأممية الشيوعية التي اتخذت منذ ظهورها موقفاً مناهضاً للصهيونية، واشترطت على
المجموعات اليسارية اليهودية الراغبة في الانضمام إلى صفوفها أن تتخلى عن الأفكار الصهيونية،
وتعلن عن إدانتها للمشروع الصهيوني في فلسطين، وقد تضمنت كتابات لينين والبلاشفة تحليلاً
واضحاً وصائباً ) للمضمون الرجعي للأفكار الصهيونية ودورها في خدْمة مشاريع الإمبريالية،
ومآربها( وقد انتقدت جريدة « الإيسكرا « اللينينية في عددها الثامن والعاشر في أيلول )سبتمبر(
1901 أفكار الصهيونيين «الاشتراكيين »، وأشارت إلى أن « الدولة اليهودية لن تكون في الواقع
سوى دولة برجوازية تستلم السلطة فيها البرجوازية الأوروبية بمفردها بمساعدة الزعماء «
العماليين « الصهاينة الذين سيلعبون دور خادم لرأس المال الأوروبي .«
وقد لعب المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية )الكومنتيرن( في تموز )يوليو(-آب )أغسطس(
عام 1920 دوراً مهماً في فضح دسائس الصهيونية والإمبريالية في فلسطين، وصدر عن هذا
المؤتمر أول نص رسمي للأممية الشيوعية يتعلق بقضية فلسطين، ارتبط باسم لينين وتضمن
إدانة واضحة وصريحة للمشروع الإمبريالي الصهيوني. كما دعت جميع الأحزاب والمنظمات
الشيوعية في البلدان المستعمرة والتابعة إلى تقديم كل أشكال الدعم لنضال الحركات القومية
التحررية المناهضة للإمبريالية، وكان ذلك يعني أن انضمام حزب العمال الاشتراكي في فلسطين
إلى صفوف الأممية الشيوعية لا يمكن أن يتم إلا بعد تخلّ الحزب نهائياً عن مقولة « الصهيونية
8
الحركة الشيوعية في فلسطين
البروليتارية « واعترافه بالطبيعة الثورية للحركة القومية العربية، واستعداده لدعم نضالها
المعادي للإمبريالية والصهيونية.
وفي المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي في فلسطين الذي انعقد في تشرين أول )أكتوبر(
عام 1920 أعرب الحزب من جديد عن قناعته بأن «الصهيونية البروليتارية » لا تتعارض مع
مصالح العمال والفلاحين العرب، بل هي على العكس تتوافق مع مصالحهم، وأن إقامة مركز
عمالي يهودي – عربي في البلاد بات يتطلب السعي من أجل قيام حزب اشتراكي ثوري موحَّد في
فلسطين يقوم على قاعدة فرعين قوميين: فرع يهودي، وفرع عربي، وخطا هذا الحزب في مؤتمره
الثالث في نيسان ) أبريل( عام 1921 خطوة عملية على طريق إقامة الحزب الثوري الموحد حين
تبنّى اسم « الحزب الشيوعي اليهودي « معتبراً نفسه «الفرع القومي اليهودي » الذي سيشكل
مع « الفرع القومي العربي « الحزب الشيوعي الفلسطيني.
وفي عام 1921 ، وإثر التظاهرة التي نظمها الشيوعيون اليهود في الأول من أيار/ مايو،
وهجوم العرب عليها، ووقوع عدد من الضحايا العرب واليهود، قام الصهاينة والإنجليز بتحميل
الشيوعيين مسئوليتها، وطرد أعداد منهم خارج البلاد، وأضطر الآخرون إلى الانتقال إلى العمل
السّي. وتعود الأسباب الحقيقية لانتفاضة العرب أيار/ مايو عام 1921 إلى تخُّوف الجماهير
العربية من نجاح المشروع الاستيطاني اليهودي الذي يُثّل خطراً جدياً على وجودها ومصالحها،
هذا بالإضافة إلى تحريض الإمبرياليين والصهاينة والرجعيين العرب على الاحتراب العنصري بين
العرب واليهود.
وفي عام 1922 احتدم الصراع الأيديولوجي في صفوف الحزب، وفي الأساس حول «
الصهيونية البروليتارية « وحول قضية الانتساب إلى الأممية الشيوعية، وقد تمخض هذا الصراع
في المؤتمر الرابع الذي انعقد في أيلول/ سبتمبر عام 1922 عن انسلاخ أقلية عن الحزب، حاول
ممثلوها تمييز موقفهم عن مواقف الحزب تجاه المسألة القومية العربية في فلسطين. ولم يستمر
الانشقاق طويلاً، ففي صيف عام 1923 كانت أوهام أنصار اتجاه الأغلبية حول تحقيق «
الصهيونية البروليتارية « في فلسطين قد تداعت تماماً، وقطع الحزب كل روابطه مع الاتجاهات
« الاشتراكية « داخل الحركة الصهيونية، وأعرب عن استعداده لدعم نضال الحركة القومية
العربية والتعاون معها. وفي التاسع من تموز/ يوليو عام 1923 أقر الاجتماع الذي عقده ممثلو
9
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
الاتجاهين وحدة الحزب وتبنّى اسم: ) الحزب الشيوعي الفلسطيني (. وقد ظل الحزب بعيدا
عن الجماهير العربية، على الرغم من نجاحه في استقطاب عدد من العمال العرب، وبخاصة
بعد تبنيه شعار التعريب، وتقديم كافة أشكال الدعم لحركة التحرير الوطني للسكان العرب في
نضالها ضد الاحتلال البريطاني- الصهيوني، وذلك إثر قبول الحزب في صفوف الأممية الشيوعية
)الكومنترن( عام 1924 التي كانت قد تأسست في موسكو بمبادرة من لينين في آذار عام 1919 ،
باعتبارها تحالفاً للأحزاب الشيوعية في بلدان العالم. لقد أدرك الحزب الشيوعي الفلسطيني
طبيعة الإمبريالية البريطانية، وأهدافها من احتلال فلسطين، وبخاصة هدف إقامة وطن قومي
لليهود في فلسطين، «لتدق إسفيناً في قلب العالم العربي، بهدف منع شعوب البلدان العربية
من التوحد القومي، وضمان مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وخلق قاعدة إستراتيجية قوية
للدفاع عن قناة السويس وعبرها يمر الطريق القادم من الهند، واستغلت الإمبريالية البريطانية
المشروع الصهيوني من أجل تحقيق أغراضها التوسعية الاستعمارية في فلسطين، وقدمت مغريات
عديدة للحركة الصهيونية، ومكافأة كبار الرأسماليين اليهود بوعد بلفور، وإقامة دولة صهيونية
في فلسطين ». وكانت قرارات الحزب منذ تأسيسه عام 1923 قد أكدت على «أهمية إدانة
الحركة الصهيونية، بوصفها رسول الاستعمار البريطاني، وحركة تتجسد فيها تطلعات البرجوازية
اليهودية وتقف في جبهة واحدة مع الاستعمار، وتربط مصيرها بمصير المحتلين الإمبرياليين، وهي
عدوة لحركة الجماهير الكادحة » ودعا إلي مقاومتها، وأشار الحزب إلى «أن تحقيق أهداف
الصهيونية في فلسطين يعني في المقام الأول انتقال ملكية أكبر كمية من الأراضي من أيدي
العرب إلى أيدي اليهود، وأن شراء الأرض هو الشعار الذي يحمله المبشرون الصهاينة في طوافهم
من بلد إلى آخر، وجمعهم الأموال وإقامة الجمعيات لشراء الأراضي، وتمكنت الحركة الصهيونية
عن طريق نشاطها الاستيطاني الكولونيالي في فلسطين من تحويل المهاجرين اليهود الذين هم في
الغالب من العمال إلى قوات بوليسية تستعملها المنظمة الصهيونية التي يقودها القسم الأكثر
رجعية من البرجوازية اليهودية، ضد الفلاحين العرب، وطردهم من أراضيهم .»
وكان الاجتماع الحزبي الذي انعقد في تموز )يوليو( عام 1923 قد أقرَّ بالطابع الثوري
للحركة القومية العربية في فلسطين، ورأى فيها أحد العوامل الأساسية التي تقاوم الاستعمار
البريطاني، ودعا الشيوعيين إلى دعم نضالها ورهن هذا الدعم والمساندة بمدى مقاومتها
للاستعمار. ويعود موقفه هذا إلى طبيعة تركيبة قيادة هذه الحركة التي أخذت حسب رأيه
10
الحركة الشيوعية في فلسطين
تنافس المنظمة الصهيونية في خطب وُدّ الحكومة البريطانية بدلاً من تحمل مسؤولية النضال
ضد الاستعمار البريطاني، وسعتْ في الواقع إلى الاتفاق مع الانجليز، ووجهت انتباه ونضال
الجماهير ليس للمحتلين الإنجليز، وإنما أساساً نحو اليهود.
واستخلص الحزب أخيراً أن التناقض القومي العربي اليهودي هو الأساس الذي تستند
إليه سياسة الإمبريالية الإنجليزية المتواطئة مع البرجوازية اليهودية الصهيونية، ومع القيادة
الإقطاعية العربية، واعتبر الحزب أن تصفية جذور هذا التناقض تتطلب التركيْز على المسألة
الطبقية الاجتماعية كقاسم مشترك يجمع مابين الكادحين العرب واليهود في البلاد. وقد دفعهم
ذلك إلى المغالاة في التركيز على الطابع الاجتماعي، وربطوا إنجاز مهمات الثورة الوطنية
التحررية في فلسطين بإنجاز مهمات الثورة الاجتماعية، كما قرر )الكومنتيرن( الأممية الشيوعية
في مؤتمرها السادس، وبهذا خالفوا تعاليم لينين التي تؤكد على إنجاز مهام الثورة الوطنية
التحررية للتمكن من إنجاز مهام التحرر الاجتماعي.
لقد قام الشيوعيون بدور فعال خلال الصدامات التي وقعت في شهر تشرين الثاني
)نوفمبر( عام 1924 في قرية العفولة بين المستوطنين والفلاحين، ودعوا العمال اليهود إلى عدم
المشاركة في طرد العمال العرب وأخذ مكانهم، فليس من مصلحة العمال اليهود نهب الفلاحين
العرب، ولا أن يعيشوا مع الفلاحين العرب بكراهية وحروب متبادلة، )وقوتنا لا تكمن في
الكراهية القومية، بل بالتضامن الأممي( واعتقدوا أن بإمكانهم عزل العمال اليهود عن الحركة
الصهيونية، وسلخ الحركة القومية العربية عن قيادة العناصر الإقطاعية الدينية، ودعوا في
أواسط عام 1926 م إلى تشكيل منظمة ديمقراطية يسارية تكون قادرة على تسلم زمام قيادة
الحركة القومية العربية. وقد تبنى الحزب شعارات طبقية متطرفة وبخاصة منذ مؤتمر الأممية
الشيوعية )الكومنترن( السادس الذي انعقد صيف 1928 ، عقب مذابح شنغهاي في الصين التي
نظمها شان كاي شيك ضد الشيوعيين عام 1927 ، فقد قرر المؤتمر أن البرجوازية قد خانت قضية
الثورة، وألقت في الوحل أعلام الاستقلال وجرى تعميم هذا الموقف على البلدان المستعمرة
والتابعة دون تمييز ومنها فلسطين، ولم يتغير هذا الموقف اليساري المتطرف إلا بعد قرارات
المؤتمر السابع للأممية الشيوعية )الكومنترن( عقب صعود النازية في ألمانيا. وكان الشعار
الذي رفعه الحزب لبعض الوقت هو النضال من أجل سلطة السوفييتات والاشتراكية للعمال
والفلاحين في فلسطين. وعلى الرغم من الموقف )اليساري المتطرف( فإن الحزب قد عزز علاقاته
11
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
النضالية مع الجناح اليساري الديمقراطي في حزب )الاستقلال( الذي قاده المناضل الوطني
التقدمي حمدي الحسيني ورفاقه: عبد الرحيم العراقي، وعلي الدباغ، وهاشم السبع، ورشاد
أبو غربية، وإسماعيل طوباسي, وأكرم زعيتر, وعجاج نويهض, وعزت دروزة.
كان حمدي الحسيني يسارياً ديمقراطياً، التحق بحزب الاستقلال بعد تأسيسه على يد
زعيتر ونويهض ودروزة وآخرين سنة 1932 ، لكن لا يمكن الزعم أنه كان هناك جناح يساري
ديمقراطي داخل الحزب، «وكان حمدي الحسيني هو همزة الوصل الوحيدة, ولا أبالغ إذا قلت:
«إن الحزب الشيوعي كان يرى الحركة الوطنية من خلال عينيه، وكان يتمتع بسمعة جيدة
داخل صفوف هذا الحزب ». هكذا قال زعيم الحزب رضوان الحلو في مقابلة له مع الأستاذ
الجامعي موسى البديري المقدسي عام 1974 في أريحا في كتابه: )شيوعيون في فلسطين(.وعندما
سأل موسى البديري حمدي الحسيني في لقائه معه في غزة في 1975 - 9- 7عن أن اسمه يتردد في
محفوظات السلطات الانتدابية البريطانية كمحرض شيوعي «وعميل لموسكو » أجاب: ) لم أكن
عضواً في الحزب، ولكنني كنت شيوعياً في أفكاري ومبادئي. وخلال نفيي سنة 1917 إلى أناطوليا
)تركيا(، وهناك سمعت بخبر اندلاع الثورة البلشفية، وقد ترك ذلك أثراً عظيماً في نفسي(.
ويقول الدكتور الطبيب خليل البديري : «لقد زجّت السلطات البريطانية بآلاف الفلسطينيين
في المعتقلات العام 1936 ، وهناك تعرفت على رضوان الحلو)موسى( ومحمد نمر عودة، وفخري
مرقة ، وكذلك حمدي الحسيني وآخرين » وأضاف قائلاً: «لم تكن الحرب العام 1948 حرباً
شعبية كما جرى خلال سنوات الثورة عام 1936 ... والنهاية كانت معروفة. وبالنسبة لي شخصياً
تمَّ اعتقالي لفترة قصيرة في قطاع غزة أسوة بآخرين مثل حمدي الحسيني على أثر توزيع
بيان الأحزاب الشيوعية العربية الداعي إلى قبول قرار التقسيم، والثورة على أنظمة الحكم
العربية الخاضعة للاستعمار البريطاني » )المرجع السابق/ الاستاذ الجامعي موسى البديري في
كتابه صفحة 130 و 133 (.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر عام 1933 حلّل الحزب طبيعة الأحداث الثورية والأسباب
الرئيسة لاندلاعها والتي نجمت في رأيه عن تسارع وتيرة الاستيطان الصهيوني، وفي تفاقم السياسة
الصهيونية الرامية إلى «احتلال الأرض » و «احتلال العمل »، بحيث باتت الجماهير العربية تعاني
من اضطهادين: اضطهاد الإمبريالية البريطانية، واضطهاد الصهيونية، والصهيونية ليست أداة في
أيدي الإمبريالية البريطانية فحسب بل شريكتها في نهب واضطهاد الجماهير الكادحة العربية،
12
الحركة الشيوعية في فلسطين
فالبرجوازية اليهودية تقوم بطرد الفلاحين العرب من أراضيهم، ثم يقوم العمال اليهود القادمون
إلى فلسطين بفضل الصهيونية بطرد العمال العرب من أماكن عملهم. وأن الجماهير العربية
باتت تعي مغزى المسألة الفلسطينية، وتنظر إلى الهجرة الصهيونية كجزء من السياسة العامة
للإمبريالية البريطانية. وقد ساهم الحزب بنشاط في هذه الأحداث، وطالب في التظاهرات التي
قادها إنهاء الانتداب البريطاني، وإلغاء وعد بلفور، ووقف الهجرة الصهيونية، ودعا إلى الاستيلاء
على أرض الحكومة والصهيونيين والملاكين العرب الكبار وتوزيعها على الفلاحين وفقراء البدو،
وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وانتقد بشدة القرار الذي اتخذته اللجنة التنفيذية العربية
التي دعت في الثالث من تشرين الثاني / نوفمبر 1933 إلى تأجيل التظاهرات والإضرابات.
واستمرَ الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالتدهور، وأخذ يضغط على كاهل
الشعب العربي بكل طبقاته وفئاته المعادية للانتداب وحلفائه الصهاينة، على الرغم من سياسة
المهادنة التي اتبعتها القيادة التقليدية، وانحياز بعضها كلياً لصالح سياسة الانتداب، فاندلع
الإضراب العام في نيسان وانفجرت ثورة 1936 وامتدت ثلاث سنوات متتالية، وقد أكد الحزب
منذ لحظة اندلاع الثورة على أن المعركة هي معركة بين معسكرين اثنين: المعسكر العربي
التقدمي، والمعسكر الإمبريالي الصهيوني الرجعي. وأعرب الحزب عن تأييده غير المشروط لقيادة
الحركة الوطنية العربية الفلسطينية، على الرغم من الموقف السلبي لهذه القيادة من الشيوعيين،
ودعا الجماهير الشعبية إلى دعم تلك المجموعات المسلحة، وطالب أعضاءه بالانخراط فيها
والمساهمة بنشاط في نضالاتها، وعلى هذا الأساس فقد التحق عدد من الشيوعيين بالكفاح
المسلح وكان على رأسهم الرفيق محمد نمر عودة، عضو اللجنة المركزية للحزب، وفؤاد نصار
صديق الحزب.
وجاءت سنوات الثورة الثلاث لتبلور ليس فقط الطبيعة العسكرية الصهيونية
العدوانية التي أرست الصهيونية جذورها داخل المجتمع اليهودي، بل والهيمنة شبه الكاملة
على البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني، وانتهجت الحركة الصهيونية في نشاطاتها المتعددة كل
السبل لإقامة جالية يهودية منفصلة ومستقلة، ومكتفية بذاتها، كخطوة على طريق تحقيق
الوطن القومي اليهودي، وكانت سياسة «احتلال الأرض » و «احتلال العمل » ضرورية لتحقيق
تقسيم البلاد، وفصْل السكان العرب فصلاً تاماً، وجاءت سنوات الثورة الثلاث لتضع أسس هذا
الفصل. ويؤكد ذلك تقرير اللجنة المركزية لحزب )مباي( الصهيوني الذي يقول فيه بن غوريون
13
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
آنذاك: )لقد اتضح أن لنا الأكثرية في القدس وحيفا وتل أبيب، وقوة الزراعة الحمضية في أيدينا،
وكل الصناعة عملياً في أيدينا، ولنا ميناء، وميناء حيفا يصبح يهودياً يوماً بعد يوم. ونمتلك معظم
الأراضي الزراعية في البلاد، ومحطات القوة الكهربائية، والبحر الميت في أيدي اليهود وتنمو
قوتنا العسكرية، وقد جندنا »10« آلاف بمساعدة الحكومة ولذلك فإنه لا يمكن إجراء أي تغيير
أساسي في البلاد ضد إرادتنا( وبالتالي وحالما انتهت الحرب العالمية الثانية كانت مقومات الدولة
اليهودية قد وضع أساسها، وراح الشيوعيون اليهود يشيرون إلى المتغيرات التي طرأت، ويربطون
ذلك بحق تقرير المصير، مع أنهم لم يطالبوا بدولة مستقلة، وكان هذا من العوامل الأساسية
لانقسام الحزب وخروج العضوية العربية منه في أيار/مايو عام 1943 . ويمكن القول إنه منذ
العشرينيات وحتى قيام عصبة التحرر الوطني أواخر عام 1943 ، فإن عزلة الفكر الماركسي في
الوسط العربي تعود لثلاثة أسباب الأول: إن الذين ب شّوا بهذا الفكر كانوا في البداية يهوداً
شكلوا جزءاً من المشروع الصهيوني الاستيطاني وبمساعدة الاستعمار الانجليزي، الثاني: السياسة
المتطرفة التي انتهجها الحزب في مراحل معينة من وجوده. والثالث: عداء القيادة الإقطاعية
الفلسطينية للفكر الشيوعي.
وعلى الرغم من ذلك فإن الحزب، وبخاصة بعد تعريبه في المؤتمر السابع الذي انعقد
في القدس في النصف الثاني من شهر كانون الأول )ديسمبر( عام 1930 ، وانتخب المؤتمر نجاتي
حمدي صدقي، ومحمود المغربي، وجوزيف بيرجر «يهودي » في سكرتارية اللجنة المركزية، أي في
قيادة الحزب، وكانت هذه المرة الأولى التي يشكل فيها الرفاق العرب أكثرية في قيادة الحزب،
كما انتخب الرفيق رضوان الحلو )موسى( أمينا عاماً للحزب عام 1934 الذي استمر أمينا عاماً
للحزب حتى عام 1943 , ولم يكن الحزب ذا نفوذ كبير في الوسط العربي.
انضم الرفيق نجاتي صدقي إلى الحزب عام 1925 ، وشارك في مؤتمر الحزب
العام في العام نفسه، وتم انتخابه في اللجنة المركزية للشبيبة الشيوعية، ثم سافر إلى
موسكو للانخراط في دورات حزبية في معهد )الكومنت رن( وكان العضو العربي الأول الذي
قام الحزب بإيفاده إلى الاتحاد السوفيتي لتلقي الدراسة والتدريب، وعاد إلى فلسطين
عام 1929 ، وفي عام 1931 ألقت السلطات البريطانية القبض عليه وع ى رفيقه محمود
المغربي، وحُكم عليه ا مدة سنتين، وخرج من السجن عام 1933 ، ووضع تحت مراقبة
الشرطة، فقرر الهرب إلى باريس حيث أصدر مجلة )ال رق العربي( بالتعاون مع الحزب
14
الحركة الشيوعية في فلسطين
الشيوعي الفرن ي، ثم اغلقت السلطات الفرنسية المجلة.
وعندما نشبت الثورة الشعبية في اسبانيا انضم إلى الألوية الحمراء التي
تشكلت للدفاع عن الجمهورية الاسبانية الوليدة، وهناك استشهد الرفيق ع ي عبد
الخالق التويني الذي أرسله الحزب مع عدد من الرفاق، وعاد الرفيق نجاتي صدقي
عام 1937 إلى سورية، وهناك عمل في صحافة الحزب الشيوعي السوري )الطليعة،
وصوت الشعب(. أما رفيقه محمود الاطرش المغربي الذي ولد في القدس، باسم محمود
الحاج رابح، لأبوي ن جزائري ن هاجرا إلى القدس عام 1903 ، هو شخصية شيوعية بارزة
في فلسطين والم رق العربي والجزائر، وصار عضواً في )الكومنت رن( وساهم بنشاط
في عملية تعريب الحزب، وفي عام 1930 كان محرراً لمجلة )إلى الأمام( وهي المجلة
السرية للحزب الشيوعي الفلسطيني، ومجلة «نضال الشعب »، وفي عام 1937 كتب
سلسلة دراسات بعنوان )فلسطين من الأمس إلى اليوم( وعن )الوحدة العربية( وعن
السودان. واعتقل مرات عدة في فلسطين وسورية، وفي نيسان ابريل عام 1933 سافر إلى
سورية ولبنان، حيث شارك في قيادة الحزب الشيوعي السوري اللبناني حتى عام 1936 ،
وساهم في تشكيل الحزب الشيوعي العراقي، وفي إعادة بناء الحزب الشيوعي الم ري،
وقد اختاره المؤتمر العالمي السابع للكومنت رن في تموز 1935 عضواً في لجنته التنفيذية،
وكان ما ب ن عامي 1936 و 1938 ممث اً للأحزاب الشيوعية في البلدان العربية لدى
اللجنة التنفيذية للكومنت رن، وفي عام 1938 اعتقل في باريس بتهمة )ارهابي فلسطيني(،
وفي عام 1939 أوفدته قيادة الكومنت رن للجزائر فاعتقل هناك بوصفه عضواً في الحزب
الشيوعي الجزائري، ومنذ عام 1946 إلى عام 1955 كان محرراً لصحيفة «الجزائر
الجديدة » الناطقة باسم الحزب الشيوعي الجزائري، وقد اعتقل في الجزائر, وخ ال
الثورة الجزائرية في الف رة ما ب ن 1954 ، و 1962 انتقل إلى العمل الري، ثم اعتقل
عام 1959 ، وعام 1965 ع ى يد النظام الجديد، وافرج عنه عام 1966 بعد اضرابه عن
الطعام لمدة 21 يوماً، ثم صار محرراً لصحيفة «الثورة و العمل » لسان حال الاتحاد
العام للنقابات ما ب ن عامي 1967 و 1968 ، وغادر بعد ذلك إلى المانيا الديمقراطية عام
1988 ، حيث كتب مذكراته، وعاد إلى الجزائر ثم إلى برل ن حيث توفي في السبعينيات.
15
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
)د.ماهر الشريف الذي أعدَّ مقدمة وخاتمة هذه المذكرات، وأصدرها في كتاب بعنوان:
« طريق الكفاح في فلسطين وال رق العربي. مذكرات القائد الشيوعي محمود الأطرش
المغربي ». وقد قامت بطباعته مؤسسة الدراسات الفلسطينية. رام الله/ فلسطين(.
16
الحركة الشيوعية في فلسطين
المرحلة الثانية
من 1943 حتى أواخر عام 1948
في خريف عام 1943 تأسست في مدينة حيفا )عصبة التحرر الوطني في فلسطين(
كطليعة سياسية للطبقة العاملة الفلسطينية، وجاء تأسيسها وطرحها الديمقراطي للقضية
الفلسطينية وحلّها، في ظلّ الانتصارات التي حقّقها الاتحاد السوفيتي ضد النازية انعكاسا مباشراً
لجملة من التطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي طرأت على بنية المجتمع العربي في
فلسطين، وتحوُّل الطبقة العاملة العربية الفلسطينية إلى قوة رئيسة من قوى النضال الوطني
التحرري المعادي للاستعمار والصهيونية، وكانت كذلك انعكاسا لأوضاع الحزب التنظيمية
وتفكك الحزب على أساس قومي.
وفي شباط )فبراير( 1944 أصدرت العصبة أول بيان رسمي تضّمن ميثاقها وأسماء
أعضاء لجنتها المركزية، برئاسة الرفيق خالد الزغموري الذي استقال عام 1946 ، ليخلفه الرفيق
موسى الدجاني ثم الرفيق د.أميل توما، ونذكر من مؤسسيها الرفاق فؤاد نصار وتوفيق طوبى
وإميل حبيبي وباشرت بإصدار نشرات أسبوعية تتضمن مقالات وتعليقات تبين موقف العصبة
من الأحداث السياسة الجارية في فلسطين والعالم، ثم أصدرت جريدة )الاتحاد( في أيار )مايو(
عام 1944 كلسان حال )اتحاد نقابات وجمعيات العمال العرب( وجميع العمال العرب في
فلسطين، واستطاع هذا الاتحاد بالتعاون مع المنظمات النقابية اليسارية تشكيل )مؤتمر العمال
العرب في فلسطين( الذي تحول إلى أكبر وأهم منظمة نقابية عربية في فلسطين، واستطاع
الحصول على اعتراف اتحاد النقابات العالمي به كممثل للحركة النقابية في فلسطين. وقد تضمن
الميثاق الوطني للعصبة الذي تم إقراره عام 1944 ونشر عام 1946 ما يلي:
17
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
1 .1 جلاء الجيوش الأجنبية وإلغاء الانتداب، وإنشاء حكومة ديمقراطية تحفظ حقوق السكان
دون تمييز.
2 .2 التعاون مع جميع الشعوب العربية للنضال من أجل المحافظة على الاستقلال.
3 .3 رفع مستوى العمال والمستخدمين الاقتصادي والاجتماعي.
4 .4 رفع مستوى الفلاحين الاقتصادي والاجتماعي.
5 .5 تعميم المدارس في المدن والقرى وجْعل التعليم الابتدائي إجباريا.
6 .6 نشر الثقافة في البلاد وإحياء التراث العربي.
7 .7 تعزيز مكانة رجال العلم والفكر والفن.
8 .8 رفع مستوى المرأة الاجتماعي.
هذا الميثاق الذي جرى تفصيل مواده في برنامج العصبة الذي صدر عن المؤتمر الذي
عقد عام 1947 ، وقد أكد البرنامج في الجانب السياسي على:- 1- جلاء القوات الأجنبية. 2- إنشاء
دولة فلسطينية مستقلة حرة ديمقراطية، تستطيع ضمان الحقوق المدنية والديمقراطية لمواطنيها
على السواء. 3- حماية حقوق اليهود الموجودين حالياً في فلسطين والتي لا يمكن حمايتها إلا في
دولة فلسطينية حرة مستقلة. 4- تعارض العصبة الهجرة اليهودية وتعتبر أنه ما من ديمقراطي
يستطيع مساندة الهجرة إلى فلسطين المستعبدة. 5- تعارض العصبة مشروع التقسيم القائم
على إنشاء دولة فيدرالية، كما تعارض كل مشروع يرمي إلى تقسيم فلسطين، وتعترف العصبة
في معارضتها للتقسيم بإمكانية التعاون بين العرب واليهود عندما تتحّرر فلسطين وتصبح دولة
ديمقراطية حرّة مستقلة.
وفي الجانب الاجتماعي الاقتصادي أكدّ البرنامج على :-
1 .1 تأييد العصبة لحركة نقابات العمال العرب في نضالها للحصول على قوانين اجتماعية أفضل،
والاعتراف بنقابات العمال، ومستوى تشريع للعمال من حيث معاش التقاعد والعجز
والبطالة، وتؤيد العصبة كذلك نقابات العمال في نضالها اليومي في المصانع والمعامل.
2 .2 تأييد العصبة للفلاحين في نضالهم لحماية ممتلكاتهم ضد الاعتداء عليها من الصهيونية
الاستعمارية، وفي نضالهم لزيادة إنتاج الأرض، وإيجاد أوضاع صحية أفضل في قراهم، كما
18
الحركة الشيوعية في فلسطين
تؤيد العصبة النضال ضدَّ صفقات شراء الأرض، وتطالب بإصلاح زراعي قادر على حلّ
مشكلات الجوع والإنتاج.
3 .3 تأييد العصبة للمثقفين العرب في نضالهم للحصول على أجور وأوضاع أفضل في العمل،
كما تؤيد العصبة الموظفين المدنيين العرب في الحكومة من أجل أوضاع أفضل، ومن اجل
التخلص من رقابة الحكومة التي تمنعهم من القيام بأي محفل فعَّال في حياة الشعب
الاجتماعية والسياسية.
4 .4 تأييد العصبة لصغار التجار في نضالهم من أجل فرص أفضل، وتشجيع الصناعة العربية
ودعمها ضد الاحتكارات والتغلغل الاقتصادي الأجنبي سواء كان أمريكياً أم بريطانياً.
وفي مجال السياسة الخارجية فقد اعتبرت العصبة نفسها جزءاً من القوى الثورية
والديمقراطية العربية والعالمية، وقد أكدت أن السبيل لتحقيق الهدف الرئيس لنضال الشعب
الفلسطيني هو ضمان حقه في تقرير مصيره واستقلاله، وهو تعبئة الجماهير الشعبية العربية
في جبهة وطنية عريضة ترتبط بالقوى الثورية والديمقراطية العالمية، على اعتبار أن نضال
الشعب الفلسطيني من أجل حريته واستقلاله كان وما زال جزءاً مكملاً لنضال شعوب العالم
في سبيل الحرية ودَكّ صروح العبودية والاستعمار، وعلى الرغم من تحفظاتها العديدة على
تركيبة )اللجنة العربية العليا( وأسلوب تشكيلها التي كانت تمثَّل القيادات التقليدية التي
عارضت انخراط جماهير العمال والفلاحين بنشاط في العمل الوطني الفلسطيني، وأصرت على
عزل ممثليها، ومنعهم من المساهمة في قيادة النضال الوطني والمشاركة في إعادة تشكيل هذه
اللجنة، بالتواطؤ مع جامعة الدول العربية في تشرين الثاني /نوفمبر 1945 ، على الرغم من ذلك
كله، فقد أعلنت العصبة أنها لا ترى أي حرج في تأييد اللجنة العربية العليا، إذا كان برنامجها
ديمقراطياً يستهدف العمل على تحرير هذه البلاد وتخليصها من الاستعمار والصهيونية. غير أن
تزايد تدخل جامعة الدول العربية المتهادنة مع الامبريالية البريطانية عبر وصايتها على اللجنة
العربية العليا، قد دفع عصبة التحرر الوطني إلى التنبه إلى خطورة هذه الوصاية، وأكدت اعتباراً
من شهر آذار/ مارس 1946 أن اللجنة العربية العليا باتت عاجزة عن تحمُّل مسؤولية قيادة
النضال الوطني، بسبب هيمنة ممثلي الاقطاع وكبار ملاك الارض, وسيطرة عائلة الحسيني
عليها بوجود سبعة من ابنائها في هذه الهيئة من اصل ) 13 ( عضوا, والتي كانت تعمل لتامين
19
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
مصالحها وتعادي الشيوعيين والديمقراطيين. ودعت إلى إقامة هيئة جديدة بمشاركة جميع
القوى الوطنية والتقدمية، وذلك بتشكيل لجنة تحضيرية تضع دستوراً ديمقراطياً تجري بموجبه
انتخابات شعبية لتشكيل جبهة وطنية موحدة، وعلى هذا الأساس فقد بادرت العصبة في الثاني
من حزيران/ يونيو 1946 بالتعاون مع أحزاب: الاستقلال، والإصلاح، والدفاع والكتلة الوطنية،
ومؤتمر الشباب، ومؤتمر العمال العرب، إلى إقامة الجبهة العربية العليا في فلسطين التي بدأت
عملياً بقرارين تاريخيين، حيث أقرّت دستوراً ديمقراطياً وسارت على أساليب شعبية، وطالبت
برفع قضية فلسطين إلى مجلس الأمن، ورفضت سياسة المساومة والتفاوض مع الاستعمار.
لقد أكدت عصبة التحرّر الوطني في كل أدبياتها أن القضية الفلسطينية هي قضية
شعب يناضل من أجل استقلاله الوطني وتحرره من السيطرة الاستعمارية، ومخططات الحركة
الصهيونية كحركة رجعية عنصرية عميلة للإمبريالية ومرتبطة بها، وفضحت تواطؤ الرجعية
العربية مع الاستعمار في التآمر على الشعب الفلسطيني، وقد بينت العصبة في مذكرتها التي
رفعتها في ) 10 ( تشرين الأول/أكتوبر عام 1945 إلى المستر أتلي رئيس وزراء بريطانيا إلى أن
«العقدة الفلسطينية » قد نجمت عن السياسة العدوانية التي انتهجتها الحكومة البريطانية،
والحركة الصهيونية التي هي من النوع الرجعي الاحتلالي، فالصهيونية لا تطالب بالاستقلال لأنها
تهدف إلى تأمين الدولة اليهودية أولاً، وأكدت العصبة أن حق تقرير المصير يظل كلاماً مبْهماً إذا
لم تتوفر الشروط لتأمينه، وذلك بالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تحرره الوطني واستقلال
بلاده من كل نفوذ أجنبي استعماري، وأن من حقه أن يقرر مصيره بمحض اختياره، وأن تقوم
على تنفيذ هذا الحق، مؤسسات وطنية شعبية تعكس رأي الشعب بحرية، وقد حذرت العصبة
ومنذ وقت مبكر من مخاطر السياسة غير العملية التي تنتهجها القيادة التقليدية العربية تجاه
السكان اليهود في فلسطين والتي تقود إلى تقسيم فلسطين، ودعت إلى التفاهم معهم، هذا
التفاهم الذي لا يعني التفاهم مع الحركة الصهيونية نفسها.
وفي عام 1946 وصلت لجنة التحقيق الانجلو- أمريكية إلى فلسطين، وكان الغرض
الأساسي من مجيئها محاولة التوفيق بين مصالح ونفوذ الاستعمارين الانجليزي والأمريكي التي
أوصت بإدخال ) 100 ( ألف يهودي إلى فلسطين بضغط من الاستعمار الأمريكي، وقد قررت
العصبة مقاطعتها، ودعت القوى الوطنية والشعب الفلسطيني إلى مقاطعتها وفضْح أهدافها،
في الوقت الذي قررت فيه القيادة الفلسطينية التقليدية العكس، وجرى إعادة السيد جمال
20
الحركة الشيوعية في فلسطين
الحسيني خصيصاً لهذا الغرض، حيث كان منفياً في جزيرة سيشل خلال ثورة 1939 - 36 ، ثم
حضرت عام 1947 لجنة تحقيق دولية تضم دولاً صديقة للشعب الفلسطيني )مثل الهند
ويوغسلافيا( في ضوء بحث القضية الفلسطينية في الجمعية العمومية، وقررت العصبة مقابلتها
ودعت إلى ذلك، وقد قررت القيادة الفلسطينية التقليدية العكس، وذهبت إلى أبعد من ذلك
بتهديد كل ما يقابل هذه اللجنة بالتصفية الجسدية، وتفادياً لشق الصف الوطني والاحتراب
الداخلي عدلت العصبة عن مقابلة هذه اللجنة بإرسال رأيها مكتوبا إلى اللجنة المذكورة،
وأكدت العصبة في شهادتها للجنة التحقيق طرح شعار الدولة الديمقراطية. أما الحزب الشيوعي
الفلسطيني المقتصر على العضوية اليهودية فقد قدم شهادته أمام هذه اللجنة متفقا مع
شهادة العصبة في: إنهاء الانتداب البريطاني، وجلاء الجيوش الأجنبية عن فلسطين، وإقامة دولة
ديمقراطية في فلسطين. أما التمايز بين الطرفين فهو: أنه في حين أن العصبة لم تتجاوز طرح
الدولة الديمقراطية، فان الحزب الشيوعي الفلسطيني قد دعا إلى دولة فلسطينية فدرالية، وإلى
قيام مجلسين: مجلس نيابي يتكون حسب التمثيل النسبي، والآخر مجلس للقوميات يتساوى
فيه عدد ممثلي العرب واليهود.
وفي المذكرة التي قدمتها عصبة التحرر الوطني إلى منظمة الأمم المتحدة في آب/
أغسطس سنة 1947 تحت عنوان )طريق فلسطين إلى الحرية( وكذلك بيان العصبة الصادر
يوم 1947 / 9/ 5 الذي حددت فيه موقفها من توصيات لجنة التحقيق الدولية ومقترحات
أكثرية أعضائها وأقليتهم، والتي قام السكرتير العام للأمم المتحدة بتوزيعها على أعضاء الأمم
المتحدة، تم عرض مسيرة نضال الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة العربية قبل الحرب العالمية
الأولى ضد «الأوتوقراطية التركية » في سبيل حريتها واستقلالها وأشارت إلى معاهدة )سايكس
بيكو( الاستعمارية عام 1916 لتوزيع الأسلاب، ودور الاستعمار البريطاني وأهدافه من استعمار
فلسطين، وتحالفه مع الحركة الصهيونية، وإصدار وعد بلفور، وفتح باب الهجرة اليهودية
إلى فلسطين والعمل على إيجاد الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية
الملائمة لإقامة الدولة اليهودية التي «لن تكون إلا قاعدة لدسائس الدوائر الاستعمارية الأنجلو
أمريكية. إن الصهيونية على أتم أهبة الاستعداد لأن تجعل من دولتها المزعومة قاعدة يهدد
منها المستعمرون الحركات التحررية في الشرق الأوسط ». وخلصت العصبة في نهاية المذكرة إلى
توجيه نداء إلى هيئة الأمم المتحدة تناشدها بحل القضية الفلسطينية على الأسس التالية:-
21
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
1 .1 تصفية الانتداب حالاً وجلاء الجيوش البريطانية.
2 .2 إنشاء حكومة ديمقراطية مستقلة في فلسطين. هذا هو السبيل الوحيد لإيجاد حل ديمقراطي
عادل للمشكلة الفلسطينية «
وقد عرض غروميكو موقف الاتحاد السوفيتي أثناء مناقشة قضية فلسطين في الدورة
الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 نيسان/ أبريل حتى 15 أيار/مايو عام 1947 على
الشكل التالي: «تصفية الانتداب البريطاني، وتكوين دولة عربية – يهودية واحدة ديمقراطية
مستقلة « وقال: «إن بلاده لا ترى من حل لقضية فلسطين إلا بالاستقلال والديمقراطية في
فلسطين » ونبه الحركة الوطنية العربية إلى خطر التقسيم، وأشار إلى أن توتير العلاقات بين
السكان العرب واليهود سيؤدي لا محالة إلى تقسيم البلاد إلى دولتين عربية ويهودية، وقال
غروميكو « وأكرر أن هذا الحال لا يجب الأخذ به إلا إذا ثبت أن العلاقات بين العرب واليهود
تبلغ من السوء حداً لا يرجى منه أي إصلاح. ولدى صدور قرار التقسيم في 1947 / 11 / 29 ،
رفضت العصبة القرار، وبعد قرابة ثلاثة أشهر أي في شباط/ فبراير 1948 ، وبعد اندلاع الأحداث
الطائفية، عادت العصبة في كونفرانس الناصرة لتراجع موقفها في ضوء المستجدات، وفي ضوء
دراسة الأوضاع المحلية والعربية والدولية بما في ذلك موقف الاتحاد السوفيتي، وقررت قبول
قرار التقسيم استناداً إلى المعطيات الجديدة على الأرض في فلسطين، وأكدت أنه رغم الإجحاف
الكبير بحق الشعب الفلسطيني، فإن العصبة تدعو الشعب الفلسطيني إلى الموافقة عليه، لأنها
أدركت أن المؤامرة الصهيونية تستهدف وجود الشعب الفلسطيني بأسره, إذ لم يكن الخيار
بين الدولة الديمقراطية وقرار التقسيم ,بل كان الخيار الموافقة على قرار التقسيم أو التطهير
العرقي, وتشريد الشعب الفلسطيني وتهجيره بالقوة خارج وطنه، وهذا ما حصل فعلاً.
إن الفاصل الزمني بين صدور قرار التقسيم وقبول العصبة له ينفي أن يكون قبول
العصبة بقرار التقسيم ناجماً عن التأثر بالموقف السوفيتي وحده، مع العلم بأن العصبة لم
يكن بينها وبين الحزب الشيوعي السوفيتي أية علاقات رسمية، ولعل من المفيد الإشارة إلى أن
مؤتمر اللاجئين الذي عقد بزحلة لبنان في آب/ أغسطس عام 1949 والذي حضره ممثلون عن
اللاجئين في سوريا ولبنان وشرق الأردن، والضفة الغربية وقطاع غزة قد قرر )كما أشارت جريدة
الاتحاد في 28 آب 1949 ( الموافقة على قرار تقسيم فلسطين عام 1947 ، ودعا إلى إقامة الدولة
22
الحركة الشيوعية في فلسطين
العربية الفلسطينية المستقلة وعودة اللاجئين، ورفض الدعوة إلى ضم المناطق الفلسطينية إلى
شرق الأردن. فالكارثة التي حلت بشعبنا عام 1948 ، كانت نتاج المؤامرة الإمبريالية والصهيونية
والرجعية العربية، ومواقف القيادة الفلسطينية الإقطاعية وشبه الإقطاعية المتهادنة مع
الاستعمار البريطاني، وحرصها على استمرار العلاقة مع بريطانيا وأمريكا، ورفْضها إقامة أي شكل
من أشكال العلاقات مع الاتحاد السوفيتي الذي عرض استعداده لدعم النضال الفلسطيني من
أجل جلاء الاستعمار البريطاني وتحقيق الاستقلال.
وقبل دخول الجيوش العربية وصل إلى مدينة المجدل من قرية بيت جبرين الرفاق:
فؤاد نصار وفهمي السلفيتي وعيسى شاكر وعفاف يمني، ولمّا كانت طريق دير سنيد قد اغلقتها
العصابات الصهيونية فقد اضطر هؤلاء الرفاق إلى استخدام مركب في البحر بمساعدة عبد
العزيز داوُد أحد وجهاء المجدل، وصاحب مصنع نسيج فيها، للوصول إلى مدينة غزة. وأقام
الرفيقان فؤاد نصار وفهمي السلفيتي في بيت حمدي الحسيني، وكان فؤاد نصار يتصور أنه
يمكن من قطاع غزة الإعلان عن قيام دولة فلسطينية مستقلة طبقا لقرار التقسيم، معتمداً في
ذلك على أن قطاع غزة كان تحت إشراف لجنة قومية تشكلت من مندوبي الأحزاب السياسية
ومنها عصبة التحرر الوطني، ومؤتمر العمال العرب، ومجموعة من النوادي والجمعيات، وكان
الشيوعيون هم القوة المسيطرة فيها والتي كان يُشرف عليها الرفيق فايز درويش الوحيدي
الذي كان ضابطا في البوليس الفلسطيني، ولم يكن معروفاً بانتمائه الشيوعي، كما أنه كان يقود
المليشيا المسلحة التي شكلتها بلدية غزة. وبدخول الجيش المصري إلى قطاع غزة في 1948 / 5/ 15
إنهار مشروع فؤاد نصار، فقد أخذت القوات المصرية تطارده وتطارد أعضاء العصبة حيثما
تصل هذه القوات. ودخلت «الجيوش » العربية في 15 أيار / مايو عام 1948 فلسطين، لا
لمنع التقسيم كما ادعت ولا لمساعدة الشعب الفلسطيني، وإنما لتقسيم وطنه كما تريده
بريطانيا والولايات المتحدة والصهيونية واضطهاد الشعب الفلسطيني والمساهمة في تشريده.
وقد أدانت العصبة هذه المؤامرة، وفضحت أهدافها ورأت فيها صراعاً للنفوذ والمصالح بين
الاستعمار الأمريكي وحليفته الصهيونية وعملائهما في المنطقة، وبين الاستعمار البريطاني وعملائه
ودعت أعضاءها للصمود على أرض الوطن وتوعية الجماهير بخطورة الرحيل عن أرض الوطن
وضرورة تمسكها بأرض وطنها مهما ارتكب الصهاينة من مذابح، ونشط أعضاء العصبة في كل
مدن وقرى فلسطين لتثبيت السكان فيها ونذكر منهم في أسدود محمد عبد الرحمن زقوت،
23
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
ومحمد خالد البطراوي، وعبد الله ربيع زقوت وعبد الحميد طقّش وحسين الشيخ محمود نجم
ورفاقهم، ولعبت العصبة دوراً متميزاً في بقاء قرابة ) 150 ( ألف فلسطيني في مدنهم وقراهم
قبل قيام دولة إسرائيل وبعده.
الأسباب الحقيقية للحرب في فلسطين:
وفي أوائل تشرين أول )أكتوبر( عام 1948 التقى ممثلون عن الحزب الشيوعي
العراقي، والحزب الشيوعي السوري، والحزب الشيوعي اللبناني، وعصبة التحرر الوطني،
وأصدروا بياناً سياسياً مشتركاً موجهاً للشعوب العربية، عن القضية الفلسطينية وعن المشاريع
الاستعمارية الحربية الانجليزية والأمريكية في الشرق العربي، وحللوا فيه الأسباب الحقيقية
للحرب الفلسطينية باعتبارها «نتيجة مباشرة للتكالب بين إنجلترا وأمريكا اللتين عملتا على إثارة
هذه الحرب بغية استغلالها لتسوية الحساب بينهما. وأتفق اللصوص الإنجليز والأمريكيون
على اقتسام البترول والنفوذ والأسواق في الشرق الأدنى ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة
وتقاسم أراضيها بين إسرائيل والمستعمرة البريطانية - الأردن « كما كشفت الحرب بصورة
تامة خيانة الرجعية العربية وخضوعها المطلق للاستعمار، وشكلت الحرب نكبة ليس على
الشعب الفلسطيني فقط، وإنما على الشعوب العربية عسكرياً، واقتصادياً، ووطنياً, وذلك
بشن حملة مسعورة من اعتقالات وتصفية للشيوعيين والقوى الوطنية والديمقراطية, وقمع
الشعب الفلسطيني بضراوة وفرض الاحكام العسكرية عليه, واعتقال المئات في المعتقلات
والسجون العربية, كما حصل في مصر والاردن, والعراق حيث اعدم نوري السعيد العميل
البريطاني المعروف الرفيق فهد ورفيقيه حازم وصارم. وقد ساهمت الرجعية الصهيونية أكبر
مساهمة في جرائم الاستعمار ومؤامراته، واستغلت حرب فلسطين لتوطيد حكمها، وللتوسع في
أراضي الدولة الفلسطينية، وتبرير ارتمائها في أحضان الاستعمار الأمريكي، وفتح المجال لتغلغله
الاقتصادي والعسكري في أراضي الدولة اليهودية وفي كل فلسطين، وهاجم البيان جامعة الدول
العربية كأداة في يد الاستعمار ووكر خيانات ودسائس ضد الشعوب العربية، وواجهة مزيفة
تخفي وراءها أبشع المنافسات الحقيرة بين البيوتات الحاكمة والإقطاعية الرجعية المتهالكة
المتكالبة على نيل الحظوة لدى المستعمرين، وبعد أن حدد البيان مشاريع الإنجليز والأمريكيين
الحربية في الشرق العربي، وخطورة تحالف الاستعمار الأجنبي مع الإقطاعية الرجعية الخائنة،
24
الحركة الشيوعية في فلسطين
واعتبارهما سبب تأخر الأقطار العربية وبؤس شعوبها، وبعد أن عرض لنضال شعوب العالم،
والشعوب العربية، وانتصارات الاتحاد السوفيتي، أهاب البيان بالشعوب العربية ودعاها إلى
جمع الصفوف في كل قطر عربي في جبهة شعبية تضم جميع القوى الوطنية والديمقراطية
ضد الاستعمار وعملائه الرجعيين، في سبيل الجلاء عن كل الشرق العربي وفي سبيل الاستقلال
والديمقراطية، ودعا إلى التضامن ضد التكتلات الحربية التي يراد فرضها وإلى التضامن العربي
في سبيل:
1 .1 وقف الأعمال الحربية نهائياً في فلسطين وإعادة اللاجئين إلى ديارهم، وسحب القوات
الصهيونية وكل القوات العسكرية من الأراضي العربية في فلسطين.
2 .2 إقامة دولة عربية مستقلة في القسم العربي ومنع تمزيقه وإلحاقه كلياً أو جزيئاً بأي شكل
كان.
3 .3 الجلاء العسكري والمدني التام عن مصر والعراق وشرق الأردن وإلغاء المعاهدات التي تقيد
هذه الأقطار.
4 .4 إلغاء امتيازات البترول في جميع البلاد العربية.
5 .5 استرجاع استقلال سوريا ولبنان الذي باعه الحكام الرجعيون للإنجليز والأمريكيين، ومكافحة
مشروع سوريا الكبرى الذي يوطد أقدام الاستعمار في الشرق العربي.
6 .6 الكف عن سياسة الاستفزاز والعداء نحو الاتحاد السوفيتي، وتعزيز الصداقة والتعاون
السياسي والاقتصادي مع الدول الاشتراكية.
. 7 مكافحة مشروع الكتلة الشرقية وإحباطه، ورفض كل محالفة مع الرجعية التركية، وتأييد
حق الشعب السوري في لواء الاسكندرونة.
8 .8 إلغاء الأحكام العرفية في كل الأقطار العربية والقضاء على أساليب الإرهاب الفاشي، وتحرير
جميع الوطنيين العرب من السجون واحترام الحريات الديمقراطية والنقابية.
9 .9 محاربة النعرات الطائفية والعنصرية التي يثيرها الاستعمار وعملاؤه لتفريق الصفوف.
25
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
المرحلة الثالثة
من أواخر عام 1948 م حتى شباط /فبراير 1982 م
كان من نتائج المؤامرة الإمبريالية الصهيونية الرجعية عام 1948 تمزيق الكيان السياسي
الفلسطيني وذلك بإحباط قرار التقسيم، ومنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، والإعلان عن
قيام دولة إسرائيل، وهزيمة الجيوش العربية وتشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين وتقسيم
ما تبقى من أراضي الدولة الفلسطينية حسب قرار التقسيم إلى ثلاثة أقسام: الأول استولت
عليه إسرائيل، والثاني )الضفة الغربية( الذي أصبح يشكل جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية،
والثالث )قطاع غزة( الذي خضع للإدارة العسكرية المصرية.
وفي نهاية أيلول/ سبتمبر عام 1948 توحدت منظمات عصبة التحرر الوطني التي
بقيت في المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل، وشكلوا مع أعضاء الحزب الشيوعي الفلسطيني
اليهود، الحزب الشيوعي في إسرائيل الذي أكد برنامجه السياسي ومواقفه على حق الشعب
الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة، ومقاومة سياسة الضغط والتمييز العنصري تجاه
المواطنين العرب والسعي من أجل تثبيت حق اللاجئين بالعودة إلى وطنهم.
عصبة التحرر الوطني في الضفة الغربية.
وبعد موافقة العصبة على قرار التقسيم في كونفرنس الناصرة في شباط 1948 تجمعت
عناصر العصبة في الأراضي التي أصبحت تعرف بالضفة الغربية، بقيادة فؤاد نصار، وواصلت
نشاطها سرياً في فضح المؤامرة الإمبريالية الرجعية ضد الشعب تحت شعار: العودة للاجئين
وتقرير المصير.
26
الحركة الشيوعية في فلسطين
ومع تواصل عملية الضم القسري وتداخل العلاقات بين الطبقات الاجتماعية في
الضفتين، وأخذا بالحسبان الأعداد الكبيرة من اللاجئين الفلسطينيين التي استقرت في الضفة
الشرقية، قامت العصبة بإدانة وفضح أهداف ما سمي «بمؤتمر أريحا » الذي تم عقده في شهر
12 1948 من أجل الدعوة لضم الضفة الغربية الفلسطينية إلى الأردن. حيث شاركت في هذا
المؤتمر عناصر موالية لبريطانيا وللنظام الأردني، وعلى رأسها الشيخ محمد علي الجعبري رئيس
بلدية الخليل آنذاك، وعجاج نويهض، وناصر الدين النشاشيبي، وحنّا خلف وغيرهم.
وقد قرر النظام عقد انتخابات برلمانية يوم 1950 / 4/ 7، لإضفاء الشرعية على
مؤامرة ضم الضفة الغربية لشرق الأردن؛ لكن عصبة التحرر قامت في 1950 / 3/ 31 ،
بحشد مظاهرة جماهيرية في نابلس ضد هذه الانتخابات وفضح أهدافها؛ وكانت العصبة
هي التنظيم السياسي الوحيد الذي تصدى لفضح هذه المؤامرة. وقد تصدّت قوات القمع
الأردنية لهذه المظاهرة وقمعتها بوحشية مفرطة، وساقت العديد من قادتها مكبلين وراء
سنابك الخيل، مشيا على الأقدام، من نابلس الى عمان، ولم يوقف هذه العملية الوحشية
سوى استشهاد الرفيق الشاب روحي زيد الكيلاني من الاعياء في منطقة الباذان.
وفضحت العصبة مؤامرة إجراء انتخابات نيابية عامة في عام 1951 في كل من الضفة
الغربية وشرق الأردن التي كان هدفها إضفاء صفة الشرعية على مؤامرة إلحاق ما تبقى من
أرض فلسطين إلى المملكة الأردنية الهاشمية. وكانت العصبة الحزب السياسي الفلسطيني الوحيد
الذي واصل نضاله بعد النكبة والذي دعا إلى مقاطعة هذه الانتخابات، وقد تم تزييف نتائج
هذه الانتخابات الهزيلة، واتخذ البرلمان المنتخب قراره الوحيد بتكريس هذا الضم وإسدال
الستار على الجريمة المروعة التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني. وبذلك، دخل النضال
الوطني الفلسطيني مرحلة جديدة ، وبدأت جماهير اللاجئين الفلسطينيين تنتقل من الضفة
الغربية إلى شرق الأردن بحثا عن لقمة خبز لها، ومع هذا الواقع الجديد قامت العصبة بتوحيد
نفسها مع الحلقات الماركسية التي كانت قائمة في الأردن، وتشكل الحزب الشيوعي الأردني عام
1951 , وقد حدد الحزب في برنامجه المهام المشتركة للشعبين الفلسطيني والأردني في الدفاع
عن حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه ووحدتها وتقرير مصيره والعودة إلى وطنه
وفق قرارات الشرعية الدولية وبخاصة قراري 181 و 194 . كما دعا الحزب إلى إلغاء المعاهدة
الاستعمارية التي تربط الأردن ببريطانيا وأكد على وحدة أهداف ومصالح الشعبين الشقيقين
27
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
في هذا النضال. ودعا الحزب إلى النضال من أجل الحريات الديمقراطية وحرية العمل السياسي
الحزبي والجماهيري وتشكيل النقابات وحرية الصحافة وحقوق المرأة، وكانت جريدة الحزب
«المقاومة الشعبية » هي بحق صوت الشعب والمدافع عن حقوقه ولقمة خبزه.
وكان الحزب هو المبادر الأول لفضح مخاطر الأحلاف العسكرية التي كانت دول حلف
الأطلسي تسعى إلى جر بلدان المنطقة إليها بحجة مقاومة الخطر الشيوعي المزعوم، وقد ظهرت
هذه الأحلاف تحت تسميات مختلفة، «ومشروع الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط » وأخيراً
«حلف بغداد »، وكان الحزب يربط بين مخاطر هذه الأحلاف وبين محاولات قوى الإمبريالية
والرجعية العربية لتصفية القضية الفلسطينية.
واستخدم الحزب جميع أشكال النضال السري والعلني من أجل الترويج لسياسته
وتعبئة أوسع القوى الشعبية والوطنية لمجابهة المخاطر وللنهوض بالمهام الوطنية، ورفع الحزب
عالياً راية الجبهة الوطنية على قاعدة برنامج وطني تحرري وفي مقدمته التصدي لمؤامرة تصفية
حقوق الشعب الفلسطيني، وأكد الحزب على أن النضال الناجح ضد النفوذ الإمبريالي الرجعي
في المنطقة يخدم نضال الشعب الفلسطيني من أجل استرداد حقوقه في وطنه.
ونجح الحزب في عام 1954 في تشكيل أوسع جبهة وطنية في تاريخ البلاد، وبدأت هذه
الجبهة تصدر جريدتها العلنية باسم «الجبهة » التي رأس تحريرها المناضل الوطني الدكتور
عبد الرحمن شقير، وخاضت الجبهة معركة الانتخابات النيابية التي جرت يوم 1954 / 10 / 16
بعشرات المرشحين في جميع الدوائر الانتخابية، وكان قد اغرق غلوب باشا البلاد ببحر من الدم
لقمع التظاهرات التي انفجرت احتجاجاً على تزوير هذه الانتخابات، وسقط أكثر من ثلاثين
شهيداً في عمان وحدها، ومعظمهم من اللاجئين الفلسطينيين، كما سقط العديد غيرهم في مدن
رام الله ونابلس والزرقاء وأربد، واعتقل العديد من مرشحي الجبهة ومنهم د. عبد الرحمن
شقير، وإبراهيم بكر ود. يعقوب زيادين ود. عبد الرحيم بدر وغيرهم.
وظنّت دوائر الرجعية والاستعمار أن الطريق قد أصبح ممهداً لجر الأردن إلى حلف
بغداد الذي بدأ بين تركيا الموالية لأمريكا، والعراق الموالي لبريطانيا، بإشراف بريطاني ثم انضمت
إليه إيران، وأن الوقت قد حان لتنفيذ مؤامرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في غور الأردن وفق
ما عرف في حينه بمشروع جونستون وفقاً لاسم صاحبه الأميركي الذي يتم بموجبه اقتسام مياه
28
الحركة الشيوعية في فلسطين
الأردن بين المملكة الأردنية وإسرائيل وشق قناة الغور الشرقية لإسكان اللاجئين من حولها.
وقاد الحزب التظاهرات الجماهيرية ضد مؤامرة توطين اللاجئين في منتصف عام
1955 واعتقل العشرات من نشطائه، وكانت هذه المظاهرات بمثابة التمهيد والتدريب على
الانتفاضة الجماهيرية القادمة التي أطاحت بحلف بغداد وحكومته التي رأسها هزاع المجالي،
وفي خريف 1955 هبط على الأردن الرئيس التركي جلال بايار، في محاولة لضم الأردن
إلى حلف بغداد. واجهته مظاهرات جماهيرية رافضة، في مدن الضفتين، و لعب الحزب
الشيوعي الأردني الدور الطليعي في تفجيرها وقيادتها. وفي مدينة القدس استشهدت
الرفيقة الطالبة رجاء أبو عماشة، برصاص حرس القنصلية وهي تحاول انزال العلم التركي
عن ناصية القنصلية التركية في حي الشيخ جرّاح، مما ألهب المتظاهرين كما سقط قتلى
في أماكن أخرى من البلاد ، ما دفع بايار إلى العودة فاشلا من حيث أتى، لتتكرر المحاولة
بعد أيام بمجيء الجنرال البريطاني «تمبلر » رئيس هيئة الأركان البريطانية –آنذاك – للغرض
نفسه.، لتتجدد المظاهرات على نطاق أوسع ، مصحوبة بمزيد من الضحايا ، وليسارع
«تمبلر » بالعودة فاشلا ، وتنهار الحكومة ويهرب بعض وزرائها خارج البلاد، ولتنتصر إرادة
الشعب في الأردن من فلسطينيين وأردنيين. وظنّت قوى الرجعية والإمبريالية أنها قادرة على
إحباط هذا الانتصار الشعبي الساحق فأعلنت الأحكام العسكرية وفرضت نظام منع التجول،
وقامت بحملة اعتقالات شاملة ضد نشطاء الحزب والانتفاضة في مطلع عام 1956 ومنهم
سليمان النجاب وفؤاد قسيس ويعقوب زيادين وصادق الترجمان وفايز بجالي ومحمود الكايد
وغيرهم المئات. ولكن الحركة الجماهيرية تصاعدت ووجهت مخيمات عقبة جبر والزرقاء
والوحدات ومخيم أربد. بعمليات التنكيل والذبح. وهنا اتخذ الملك حسين خطوة استباقية يوم
14/3/1956 حيث أُبعد الجنرال البريطاني غلوب وجميع الضباط الإنجليز في الجيش الأردني،
وهي ما أطلق عليها عملية تعريب الجيش الاردني، في مرحلة جديدة، تم خلالها إبعاد خطر
الأحلاف وخطر تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين ولو مؤقتاً. وترافقت هذه الانتصارات مع
انتصارات أخرى حققتها مصر وسوريا في مواجهة خطر الأحلاف العسكرية وكسر احتكار بيع
السلاح والانفتاح على المعسكر الاشتراكي وتصاعد الانتصارات الكبرى للثورة الجزائرية. وقام
جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس في تموز 1956 ، وتعززت وحدة جميع القوى الشيوعية
والقومية في البلدان العربية، وفي هذه الأجواء جرت انتخابات نيابية في الأردن، وحققت فيها
29
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
القوى الوطنية انتصارات كبرى، ونجح نائبان عن الحزب هما فائق وراد عن رام الله ود.
يعقوب زيادين عن القدس، وتشكلت أول حكومة وطنية في تاريخ الأردن برئاسة المرحوم
سليمان النابلسي، وقامت الحكومة بإطلاق الحريات العامة، وسمحت بتشكيل بعض الأحزاب
والنقابات، وألغت المعاهدة الأردنية البريطانية، وأجبرت القوات البريطانية المرابطة في الأردن
وقواعدها العسكرية على الرحيل، وبدأ الحزب بإصدار جريدته العلنية «الجماهير » ورأس
تحريرها الرفيق بشير البرغوثي، وحين فشل العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على
مصر الشقيقة وقطاع غزة، استغلت الإمبريالية الأمريكية انهيار النفوذ البريطاني الفرنسي في
هذه المنطقة بالإعلان عن نظرية الفراغ في الشرق الأوسط ودعت إلى ملئه بنفوذها وفق ما
سمي بمبدأ إيزنهاور. وأمام هذا الخطر دعا الحزب إلى أوسع وحدة وطنية وقومية لمجابهته،
ولكن القوى الرجعية في الأردن نجحت في انقلابها العسكري ضد حكومة النابلسي ممثلة
البرجوازية الوطنية في نيسان 1957 ، والتي ترددت في مواجهة تجاوزات القصر على الدستور،
الأمر الذي أسهم في نجاح الانقلاب الذي كرس انتقال الأردن بعد مرحلة انتقالية قصيرة، من
التبعية للاستعمار البريطاني إلى التبعية للإمبريالية الأمريكية، حيث ساقت الآلاف من مناضلي
الحركة الوطنية بمن فيهم العناصر الوطنية في الجيش إلى السجون والمعتقلات. وأصدرت بحقهم
أحكاماً تراوحت بين الإعدام والسجن المؤبد والعشرين عاماً، ولم تنفذ أحكام الاعدام، كما أن
جميع المعتقلين باستثناء الشيوعيين تم إطلاق سراحهم خلال السنوات اللاحقة، أما من بقي
حتى نيسان 1965 فهم فقط الشيوعيون، ولم يفرج عنهم جميعاً إلا عام 1965 . ورغم شراسة
القمع، فإن نضال الحزب لم يتوقف. وقد رحّب الحزب بقيام )م.ت.ف( عام 1964 ولكنه
اعترض على ميثاقها ودعا إلى تبني قرار 181 الصادر عام 1947 وإقامة الدولة الفلسطينية في
حدود التقسيم وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفق قرار 194 ، ولم ينضم الحزب رسمياً كحزب
إلى )م.ت.ف( إلا عام 1987 رافضاً الالتزام بميثاقها الذي يطرح برنامجاً غير واقعي لحل قضية
الشعب الفلسطيني.
دور الحزب في مواجهة الاحتلال
عندما وقع العدوان الإسرائيلي على سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان
السوري عام 1967 ، بادر الحزب إلى تشكيل أول تحالف وطني لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
30
الحركة الشيوعية في فلسطين
وتثبيت المواطنين في أرضهم ومنع تكرار مأساة تهجيرهم عام 1948 ، وقاد الحزب أول إضراب
شامل في الأراضي المحتلة ضد ضم القدس العربية في آب / أغسطس 1967 . كما انتقد وحذر
من مخاطر أعمال خطف الطائرات وقتل المدنيين بما يسئ لنضالنا الوطني ويوحد الشعب
الإسرائيلي وراء سياسة حكومته التوسعية العدوانية.
ومنذ أيام الاحتلال الأولى بدأ الشيوعيون الفلسطينيون في الضفة الغربية كالرفيق
فائق ورّاد، وسليمان النجاب، باللقاء والتنسيق مع رفاقهم الشيوعيين في قطاع غزة ومن أبرزهم
الرفاق سمير البرقوني وعطية مقداد وعبد الرحمن عوض الله. كما بدأ الحزب بالاتصالات
المنظمة مع الحزب الشيوعي في اسرائيل حيث كان للطرفين موقف موحد في مواجهة الاحتلال
الإسرائيلي وفي الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني. ومن ابرز قادة الحزب الشيوعي في
اسرائيل الرفاق: مئير فلنر، وتوفيق طوبي، واميل حبيبي، وتوفيق زياد وساشا حنين، وبنيامين
غونين، وفليتسيا لانغر.
وفي آب/أغسطس 1967 عقد الحزب «كونفرانساً » حزبياً لمناضليه في الضفة الغربية
في مدينة نابلس، وهو تكمله لمثيله في الأردن الذي تمخض عن البرنامج المرحلي الداعي لتصفية
آثار عدوان حزيران 1967 ، وتبنى الكونفرنس برنامجاً مرحلياً يدعو إلى دحر الاحتلال وتنفيذ
قرار التقسيم لعام 1947 . وحينما صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 في شهر تشرين الثاني
1967 أيده الحزب بهدف تثبيت المواطنين على ارض وطنهم والحيلولة دون رحيلهم كما حدث
عام 1948 ، وباعتباره يهدف إلى تصفية أثار عدوان الرابع من حزيران 1967 ، ويفتح الأفق
لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، وقد رفضته )م.ت.ف( كما رفضه الحزب الشيوعي في قطاع
غزة، لأنه لم يُشرْ إلى حق شعبنا في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعودة اللاجئين إلى
ديارهم وفقاً للقرار الأممي 194 ، وقد قال الرفيق خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي السوري
ما معناه: «لو كنت في قطاع غزة لاتخذت الموقف نفسه »، كما أعلمني الأخ فيصل حوراني بهذا
الموقف.
31
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
تشكيل الجبهة الوطنية الفلسطينية
بعد الضربة القاسية التي وجّهتها سلطات الاحتلال للحزب والجبهة الوطنية المتحدة
في قطاع غزة باعتقال عمر أحمد عوض الله قائد الجناح العسكري ورفاقه: سمير البرقوني، وعبد
الله أبو العطا )أبو عماد(، وعلي ياغي، ود. رشاد مسمار، ومصطفى البربار أواخر عام 1971 ،
تشكلت الجبهة الوطنية الفلسطينية التي ضمّت مختلف القوى الوطنية في الضفة الغربية
وقطاع غزة بتاريخ 8/ 15 / 1973 بمبادرة وإسهام نشط من الشيوعيين، وكان عربي عوّاد )أبو
الفهد( يقود التنظيم الشيوعي الفلسطيني في الضفة الغربية، وحينها قاد عملية تشكيل الجبهة
فيها، وشارك في قيادتها في الضفة كلّ من: بسام الشكعة، وكريم خلف، وعبد الجواد صالح،
ومحمد ملحم، وعبد المحسن أبو ميزر وغيرهم.
وقد أصدرت الجبهة الوطنية برنامجها السياسي الذي يتلخص )كما ورد في الموسوعة
الفلسطينية/الجزء الثاني/ح. ش( فيما يلي: 1 « . مقاومة الاحتلال الصهيوني والنضال في سبيل
تحرير الأرض العربية المحتلة، واستعادة الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني، ورفض
المشاريع التآمرية والتصفوية كافة. 2. الدفاع عن الأرض والممتلكات العربية في وجه عمليات
المصادرة والتهويد. 3. التصدي لإجراءات الضمّ الاقتصادي، وتخريب المؤسسات الاقتصادية
الوطنية، وطمس الثقافة الوطنية، والعمل على إحياء التراث الشعبي الفلسطيني. 4. الدفاع
عن المعتقلين السياسيين، والعمل على دعم المنظمات الجماهيرية، كالنقابات العمالية والمهنية،
والاتحادات والأندية .»
كما أصدرت الجبهة صحيفة )فلسطين( السرية التي طرحت أهدافها الرئيسة في
العدد الأول الصادر في أواسط آذار/ مارس عام 1974 م، والتي تتمثل في 1. مجابهة الاحتلال
ومخططاته الرامية إلى إنشاء إدارة مدنية. 2. مجابهة كل القوى الرجعية المتساوقة مع هذه
المخططات 3. إحباط كل المؤامرات والدسائس التي تحيكها الصهيونية والإمبريالية العالمية
4.النضال لنيل حقوق الشعب الفلسطيني، ومنها حقه في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني
تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية. ومن الجدير بالذكر أن التنظيم الشيوعي الفلسطيني
كان يتولى إعداد موادها وطباعتها، «انظر كتاب )أولئك أخواني/ فليتسيا لانغر/ منشورات صلاح
الدين/ القدس عام 1976 ، ص .»32
32
الحركة الشيوعية في فلسطين
ونشطت الجبهة نشاطاً مؤثراً أقلق سلطات الاحتلال، فأصدرت العديد من البيانات
السياسية، وقامت بتنظيم التظاهرات والمسيرات، والتوقيع على المذكرات وعرائض الاحتجاج
الجماهيري، وتصدّت بشجاعة لكل المؤامرات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية،
وساهمت بدور فعّال في نهوض وطني واسع، وفي رفع الروح النضالية داخل الأراضي المحتلة،
ممّ أفزع سلطات الاحتلال، فأقدمت على اعتقال الرفيق عربي عوّاد وجريس قوّاس )أبو
القاسم( وضمين عودة )أبو القاهر(، وعبد الجواد صالح، ومحمد ملحم، وعبد المحسن أبو ميزر
وابعادهم في خريف عام 1973 بعد حرب اكتوبر مباشرة خارج وطنهم.
وقد حدّثني الرفيق عربي عوّاد بعد عودته من مصر لاحقاً مع المبعدين الآخرين
الذين التقوا الرئيس أنور السادات عمّ جرى في هذا اللقاء الذي عبّ فيه بعض أعضاء الوفد
للسادات عن أنّ «جماهير الأرض المحتلة تلهج بذكرك، وقالوا له: «إن صلاح الدين الأيوبي قد
عاد »، وحين جاء دور عربي عوّاد في الحديث، قال بلهجته الفلسطينية «الضفاوية « :» أنا لا
أخفي عليك يا سيادة الرئيس أن جماهير الأرض المحتلة كلكانة «قلقة » ممّ يجري ». وأفاض في
حديثه عن مخاطر التساهل مع إسرائيل وربط التسوية بإدارة أمريكا، واستبعاد السوفييت،
وكان حديثه متميزاً داخل هذا الوفد، وردّ عليه السادات بشتم السوفييت والبعثيين العِيال
)الأطفال( الذين لا يفهمون في السياسة، وحذّر عرفات من الاعتماد عليهم، ثم تحدث عن
التسوية المنشودة التي يسعى إليها بمساعدة الأمريكيين، وقال: « لا حرب بعد هذه الحرب،
وليس بقدرتي محاربة أمريكا. وأنا أفاوض من أجل فتح قناة السويس مقابل انسحاب إسرائيل
من سيناء، وإنهاء حالة العداء بين مصر وإسرائيل مقابل الانسحاب من الأراضي العربية التي
احتلت عام 1967 كلها، وإقرار إسرائيل بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. هذا ما يقدر
عليه جيلنا، امّا البقية فعلى الأجيال القادمة تحقيقها ». وقد ادّعت الصحف الصهيونية أن هذا
الإبعاد والاعتقالات )وقائية(، وكشفت الشرطة الصهيونية في القدس النقاب عن أنها «سدّدت
ضربة ماحقة للمتطرفين، فقبضت على أكثر من ) 200 ( مناضل )معظمهم شيوعيون( وهم
«أعضاء شبكة معادية في الضفة الغربية اسمها )الجبهة الوطنية الفلسطينية( » التي أنشأها
الشيوعيون .»
وقد قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بحملة اعتقالات وتعذيب وحشية في 22 نيسان عام
1974 شمل ) 111 ( من كوادر الحزب والجبهة. وقَتلْ الرفيق خضر عبد الله عيسى نمر في سجن
33
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
نابلس، وقامت قبل ذلك وبعده باعتقال وإبعاد عشرات المناضلين على مراحل منهم: الشيخ
عبد الحميد السائح وفائق وراد وإبراهيم بكر ورشدي شاهين ونعيم الأشهب وسحاب شاهين،
وعزام عبد الحق، وداود عريقات، وحسين أبو غربية، وسليمان النجاب، ومحمود شقير، وعبد
الله السرياني.
تقول المحامية الشيوعية فليتسا لانغر في كتابها المشار إليه سابقاً صفحة ) 33 ( ما يلي: « كان
من بين المعتقلين حسني حداد من بيت لحم والمعلم عبد المجيد حمدان وعطا الله الرشماوي
من بيت ساحور. وفي 1974 / 4/ 29 قابلت الرفيقين الأخيريَن اللذين لم يعرفا سبب اعتقالهما،
وقد وصل مدير السجن لاهثاً وأمرني بقطع الزيارة فوراً، لأن تعليمات نائب الحاكم العسكري
للخليل تقضي بمنع مقابلة أي منهما، وفي صبيحة اليوم التالي وصلت إلى سجن رام الله لمقابلة
معتقلين آخرين، فلمحتُ رجلاً وجهه إلى الجدار..أدار وجهه نحوي فجمد الدم في عروقي، إنه
سليمان النجاب الذي كانت قيادة الحزب قد كلّفته بقيادة المنظمة العسكرية للحزب حينذاك,
واعتقل كذلك كل من عادل البرغوثي من قرية كوبر ، وبشير البرغوثي والدكتور فرحان أبو ليل،
وخلدون عبد الحق، وتيسير عاروري، ولبيب فخر الدين، وراجح غنيم السلفيتي وحسني حداد،
وعبد الباسط الخياط، وصلاح سالم وحسين فرح الطويل وراغب البرغوثي وخضر العالم وغسان
حرب ويعقوب فراج وفاروق السلفيتي ومحمد ابو غربية وحسين ابو غربية وداود مطر وعايد
عيسى نمر وعبدالباسط الخياط واحمد دحدول وخليل حجازي وابراهيم الجولاني وعبد الكريم
الشلودي وعمر عودة ومحمد طاهر الشلودي ويحيى ابو شريف ولبيب فخر الدين، وأسعد
سنقرط، وناجي أبو سرّية، وبسمان أبو رميلة ومجيد سدر، ومحمد سعادة، ومحمد البغدادي،
وجمال فريتخ، ومحمد عباس عبد الحق، وخليل توما، وعدنان داغر، وعبدالله النعيرات )البياع(،
ومحمد ياسين الذي قضت المحكمة العسكرية بسجنه ثماني سنوات رغم دفاع فليتسيا لانغر
عنه. كما اعتقل الشاب زياد العزة من مخيم اللاجئين «العزّة » في ضواحي بيت لحم الذي لم
يتجاوز العشرين من عمره، والذي عُذّب تعذيباً وحشياً شلّ يده اليمنى ورجله اليمنى، وأصبح
فجأة لا يرى بتاتاً، واعتقل عشرات آخرون واجهوا أساليب التعذيب التي مورست على رفاقهم .»
وفي 1975 / 2/ 28 أبعد الرفاق: سليمان النجاب، محمود شقير، وعبد الله السرياني.
واعتقلت قوات الاحتلال مجموعة من الرفاق من قطاع غزة، وكان في مقدمتهم الرفاق: فضل
البورنو، وطلعت الصفدي، وسعيد غانم، ومفيد أبو رمضان الذي يدرس في ألمانيا الديمقراطية،
34
الحركة الشيوعية في فلسطين
وعاد لغزة لزيارة أهله، وقد ساومه الاحتلال على إبعاده من الوطن وعدم عودته، ولكنه رفض،
ومحمد أبو وطفة، وحكم عليه بعشرين شهراً، وعمر حمّش، ومحمود نمر السيد، ويوسف ناصر
الذي حكم على كل واحد منهم بسنة سجن.
وجاء في لائحة الاتهام كما ذكرت فليتسيا لانغر في كتابها المذكور: » الانتماء للجبهة
الوطنية الفلسطينية وإصدار جريدة سياسية، وتجنيد أعضاء جدد » وليس لدى الشرطة اية
أدلة تدين المتهمين الذين لم يعترفوا بشيء مما نُسب إليهم تماماً، ولهذا لجأت سلطات الاحتلال
إلى ممارسة شتّى أنواع الضغط على فضل البورنو بهدف إرغامه على الموافقة على أمر إبعاده
خارج الوطن «اختيارياً » وهو مريض بالقلب والكليتين ولكنه رفض، فأُحيل هو وسعيد غانم إلى
المحاكمة في بدايات تشرين ثاني/ نوفمبر 1974 م، ولكن بدلاً من الإفراج عنهما اكتفى القاضي
بتجديد مدة توقيفهما، وجعل أقصى حدّ لإطلاق سراحهما نهاية تشرين ثاني 1974 ، بعد أن
أمضيا ستة شهور في السجن.
وفي عام 1974 ، اُعتقل في البداية رفاقنا في مخيم جباليا، وبيت حانون، وفي مقدمتهم
محمد ذياب وهو من المسمية، وقد اعتقل مرات عدّة سنة 1969 و 1970 لانتمائه إلى الجبهة
الوطنية المتحدة، وفي عام 1973 بتهمة الانتماء للجبهة الوطنية الفلسطينية، وقد حكمت عليه
المحكمة العسكرية ب 6 سنوات سجن، ونُسف بيته في 1970 / 7/ 1، ومحمد أبو وطفة عشرين
شهراً، وعمر مصطفى حمّش وحُكم عليه بسنة وهو من مدينة المجدل، ومعلم في مدارس وكالة
الغوث، وحُكم على زهير رزق رضوان ب 20 شهراً، وهو معلم كذلك في مدارس وكالة الغوث،
وحُكم على يوسف ناصر بسنة وهو عامل من قرية بيت حانون.
إن معظم هؤلاء المعتقلين الإداريين من الضفة الغربية وقطاع غزة الذين ذكرنا
أسماءهم قد خضعوا لأبشع أنواع التعذيب الهمجية التي لا تخطر على بال إلاّ من مورست
ضده، كوضع المعتقل مقيد اليدين والقدمين، أو رفعه وهو مكبّل على الدولاب وجلده على
أخمص قدميه، ولكمه على فكّه وأسنانه بحيث لا يستطيع الأكل، ووضع عضوه التناسلي على
الطاولة وضربه بالعصا مع الضغط بشدّة على خصيتيه حتى تكاد تنفجران، ورشهما بمادة كاوية
ينتج عنها ألم لا يوصف، يجعل المعتقل يقفز كالطير المذبوح وهو عار تماماً يرسف في قيوده،
أو )شبْحه( حيث يُعلّق قدماه إلى الأعلى ورأسه إلى الأسفل والجلادون يضربونه بالسوط. إن
35
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
معظم هؤلاء المعتقلين قد قضوا في المعتقلات والسجون الاسرائيلية مدة سنتين أو أربع سنوات
إداريا، أو حوكموا بأحكام وصلت إلى ثماني سنوات كما حصل للرفيق محمد ياسين من الضفة
الغربية، وإلى ست سنوات كما حصل للرفيق محمد ذياب اللاجئ من المسمية والمقيم في
مخيم جباليا، وإن الكثير من المعتقلين الشيوعيين كانوا قد امضوا في الجفر والسجون الأردنية
ثماني سنوات من عام 1957 وحتى عام 1965 ، تحت تعذيب الخبراء الألمان النازيين الوحشي
الذين استوردهم النظام الأردني للتحقيق مع المعتقلين، ونذكر من هؤلاء الرفاق: بشير البرغوثي،
سليمان النجاب، حسني حداد، عطا الله الرشماوي، خليل حجازي، عبد الله البياع، خضر العالم،
غسان حرب، عادل البرغوثي، محمد سعادة، خلدون عبد الحق، داود عريقات، وأحمد حسن
دحدول.
ونتيجة واستثمارا لهذا النضال البطولي حققت منظمة التحرير على الصعيد الدولي إنجازاً
لعب دوراً حاسماً في اعتراف الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية بمنظمة التحرير
الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وذلك إثر زيارة وفد من
قيادة المنظمة برئاسة ياسر عرفات موسكو في الفترة من 7/ 30 / إلى 1974 / 8/ 9.
وفي الرابع عشر من تشرين أول/ أكتوبر 1974 صوّتت ) 105 ( دول في الجمعية العامة
للأمم المتحدة إلى جانب قرار يدعو «م.ت.ف الممثلة للشعب الفلسطيني إلى المشاركة في
مناقشات الجمعية العامة حول قضية فلسطين في الجلسات العامة ». كما صوتت لاحقاً على
قرارين تاريخين 1. يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني والتأكيد على حق تقرير المصير، وحق
الاستقلال، وحق عودة الفلسطينيين إلى ممتلكاتهم ومنازلهم التي شرّدوا منها، وأن احترام
هذه الحقوق شرط أساسي لتسوية قضية فلسطين، وإقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط
يعطي منظمة التحرير الفلسطينية الحق في أن تتمثل بمراقب دائم لدى المنظمة الدولية.
وبذلك تكرّس حق منظمة التحرير الفلسطينية في تمثيل الشعب الفلسطيني.
وبناءً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة السابق ذكره، دُعي في 1974 / 11 / 13
ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ليلقي خطاباً باسم الشعب الفلسطيني من
على منبرها، وما إن اعتلى المنصة حتى خرج مندوب إسرائيل من قاعة الجمعية العامة من
باب خلفي، وألقى عرفات خطاباً مؤثراً صفّق له مندوبو الدول، وأنهى خطابه بقوله المعروف
36
الحركة الشيوعية في فلسطين
«لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي » تعبيراً عن رغبة الشعب الفلسطيني في السلام العادل.
وفي اليوم التالي أي 1974 / 11 / 14 تفجّرت التظاهرات في جميع الأراضي المحتلة حتى
يوم 1974 / 11 / 22 دعماً للمنظمة، فاعتقلت السلطات المحتلة )حنّا ناصر، وألفرد طوباسي ،
وعبد الرزاق عودة، ومحمود قدري، وغطّاس أبو عيطة( واُبعدوا يوم 1974 / 11 / 21 خارج
وطنهم فلسطين. ودعا حزبنا والقوى الوطنية الأخرى إلى اضراب شامل، وتسيير تظاهرات
في قطاع غزة التي قمعها الاحتلال بشدة، ولكن هذه التظاهرات تجدّدت في 1974 / 11 / 26
إثر النداء الذي وجهته منظمة التحرير الفلسطينية إلى جماهير شعبنا داخل الأرض المحتلة،
وطالبتهم بالتعبير عن مواقفهم بالإضراب والخروج إلى الشوارع للمشاركة في يوم فلسطين في
الأمم المتحدة، ودعم خطاب عرفات في هيئة الأمم المتحدة.
لقد كانت المحاولات الإسرائيلية المحمومة لفصل منظمة التحرير عن الشعب
الفلسطيني في جميع أماكن تواجده وبشكل خاص في الأرض المحتلة، هي حجر الزاوية في
السياسة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وهذا يفسر الضربات المتلاحقة
للقوى الوطنية الفلسطينية المؤتلفة في إطار م.ت.ف في الداخل والخارج، ومحاولات خلق
البدائل منها.
ومنذ الأيام الأولى للاحتلال الإسرائيلي ركّز الحزب على العمل الجماهيري، وتنشيط
النقابات العمالية والمهنية، وعمل على تنظيم الشبيبة والمرأة، وقاد نضال المعلمين الوطني
والمطلبي، وأيد الحزب إضراب المدارس في القدس ضد فرض المنهج الإسرائيلي فيها ، وتكلل
الإضراب بالنجاح وتراجعت سلطات الاحتلال عن ذلك، وحذر من خطر امتداد إضراب
المحامين, بهدف ممارسة مهامهم في الدفاع عن قضايا الجماهير الشعبية والمناضلين المطاردين
والمعتقلين، وأمام المحاكم الإسرائيلية . ودعا إلى العمل بنفس طويل، وعدم قصر النضال على
أسلوب واحد ووحيد، وتعميمه على مواقع التواجد الفلسطيني كافة. وأكد الحزب على أن
ساحة المواجهة الأساس ضد الاحتلال الإسرائيلي هي أرضنا المحتلة. ودعا جميع القوى الوطنية
الفلسطينية إلى المشاركة في الانتخابات البلدية عام 1976 . وكانت نتائج هذه الانتخابات انتصاراً
كاسحاً لقوى )م.ت.ف(، وتشكلت على إثرها لجنة التوجيه الوطني التي كانت بمثابة الجبهة
الوطنية لجميع القوى الفلسطينية المعادية للاحتلال، والمتمسكة بحقوق شعبها، ولم تتمكن
37
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
قوى الاحتلال الإسرائيلي من مجابهة لجان التوجيه الوطني إلا بمحاولة اغتيال رؤساء البلديات
الوطنية بسام الشكعة وكريم خلف وإبراهيم الطويل، وأُبعد الرفيق د. أحمد حمزة النتشة
عشية انتخابات البلديات عام 1976 ، حيث كان يرأس القائمة في الخليل التي نجحت، وقد
خلفه على رأسها فهد القواسمي، فيما اغتيل الرفيق أحمد حسن دحدول حين كان يرأس قائمة
المرشحين لانتخابات بلدية سلفيت الذي حُكم مدة ) 12 ( عاماً في السجون الأردنية لأنه شيوعي،
وقد استشهد في السيارة العسكرية التي أقلّته إلى مركز شرطة طولكرم على أيدي الجنود القتلة،
وأدّعت السلطات الإسرائيلية أنه توفي بالسكتة القلبية، وكان الحزب أول من دعا إلى التحضير
للانتفاضة الجماهيرية. ودعا ومارس العمل التنظيمي والتعبوي طويل النفس، لتحقيق ذلك
مستنداً إلى تجربة كفاحية طويلة للشعب الفلسطيني، وإلى انتفاضات جماهيرية ضد الاحتلال
الإسرائيلي بعد عام 1967 ، والتي كان من أبرزها مظاهرة مخيم جباليا، والشجاعية، والمنطقة
الوسطى، وانتفاضة رفح في نهاية عام 1968 التي فجرتها جريمة الصهاينة المروعة بقتل ثلاث
نساء من رفح، ثم امتدت هذه الهبة الجماهيرية لتشمل قطاع غزة والضفة الغربية حتى
نيسان 1969 .
وبنهوض الحركة الوطنية الفلسطينية، والاعتراف العربي والدولي بمنظمة التحرير
الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، أخذت بعض الأحزاب الشيوعية في
البلدان العربية التي ضمت في صفوفها شيوعيين فلسطينيين تفرز تنظيمات شيوعية فلسطينية
تعمل بين جماهير الشعب الفلسطيني، وتساهم في النضال مع القوى الوطنية الفلسطينية، وفي
حركة المقاومة، وقد شكل الحزب الشيوعي السوري في عام « :1971 التنظيم الفلسطيني للحزب
الشيوعي السوري » الذي اختار لجنته القيادية نذكر منها الرفاق: سعد عزوني وحمد موعد
ومحمد جوهر وعلى أغا ومحمد مجدلاني ومحمود قاسم وسليم الرشيد هذا التنظيم الذي
أصدر جريدة «طريق العودة » الصادرة عن لجنة التنظيم، وحملت شعارات: في سبيل العودة
وتقرير المصير والاشتراكية، كما شكل الحزب الشيوعي الأردني التنظيم الشيوعي الفلسطيني
في الضفة الغربية صيف عام 1975 بقيادة الرفيق بشير البرغوثي الذي أصدر بدوره جريدة
)الوطن(، ومن ثم التنظيم الشيوعي في الضفة الغربية وقطاع غزه والذي شكل الرافد الأساسي
في إعادة تأسيس الحزب الشيوعي الفلسطيني في العاشر من شباط /فبراير عام 1982 م.
38
الحركة الشيوعية في فلسطين
عصبة التحرر الوطني في قطاع غزة
أما بالنسبة لقطاع غزة، فقد بقي المنطقة الفلسطينية الوحيدة أرضاً وشعباً في أعقاب نجاح
المؤامرة الاستعمارية الصهيونية الرجعية عام 1948 الذي لم تنله إجراءات الضم والإلحاق،
وتحدد أرضاً وسكاناً بحكم الضرورة العسكرية وفق اتفاقية الهدنة المصرية الإسرائيلية التي
وقعت بين الطرفين في شباط/ فبراير عام 1949 في رودس، وظل تحت الإدارة العسكرية المصرية
يخضع للأحكام العرفية، وبدون وضع سياسي ودولي محدد، وأما بالنسبة للأحزاب السياسية
والمؤسسات المهنية التي كانت قائمة قبل عام 1948 فقد انهارت تماماً ما عدا عصبة التحرر
الوطني. وقد حاولت الهيئة العربية العليا إحياء الكيان السياسي الفلسطيني عندما أعلنت في
23 أيلول/ سبتمبر عام 1948 تشكيل «حكومة عموم فلسطين » برئاسة «أحمد حلمي باشا ،»
واختير المفتي أمين الحسيني رئيساً لمؤتمر وطني عقد في غزة في الثلاثين من الشهر نفسه، ولم
تستطع هذه )الحكومة( ممارسة سلطاتها بحكم سيطرة إسرائيل على معظم الأرض الفلسطينية،
وسيطرة الجيوش العربية على أجزاء أخرى.
هذا بالإضافة إلى أن الأنظمة العربية المختلفة التي فرضت وصايتها على الشعب
الفلسطيني منذ عام 1945 لم تكن متحمسة لمبدأ قيام كيان فلسطيني مستقل، وعندما تشكلت
«حكومة عموم فلسطين » التي ولدت ميتة، بحكم تركيبتها الطبقية وطروحاتها السياسية،
وبحكم رفض الجامعة العربية عملياً أن تمارس هذه الحكومة أية سلطة سياسية فعلية على
الأرض الفلسطينية، فقد عارض الأردن تشكيل هذه «الحكومة « وأعلنت الولايات المتحدة
الأمريكية في تشرين أول/ أكتوبر معارضتها لها وأنها لن تعترف بها. وهكذا لم يختلف )مؤتمر
غزة( عن )مؤتمر أريحا( الذي انعقد في تشرين أول/ أكتوبر وكانون أول/ديسمبر عام 1948 ، في
عدم ايجاد حل يحقق للشعب الفلسطيني طموحاته وحريته واستقلاله الوطني، حيث حقق
مؤتمر أريحا غرضه التآمري، وبايع عبد الله ملكاً على فلسطين. بينما فشل مؤتمر غزة، وقد
عارضت عصبة التحرر هذين )المؤتمرين( في الضفة وقطاع غزة الذي لم يبق في ساحة العمل
السياسي فيه سوى عصبة التحرر الوطني التي ظلت تمارس نشاطها، وتناضل ضد المؤامرة في
إطار الموقف السياسي العام الذي اتخذته قيادة العصبة، هذه المؤامرة «التي نفذها الاستعمار
والصهيونية والرجعية العربية للقضاء على مقررات هيئة الأمم المتحدة عام 1947 ، وتسليم
أرض الدولة العربية الفلسطينية إلى الصهيونية وتشريد شعب فلسطين، وضرب حركة التحرر
39
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
الوطني العربية « كما أدانت الحكم الملكي الخائن في مصر، وطالبت بتنفيذ قرارات هيئة الأمم
المتحدة عام 1947 وبإلغاء الأحكام العرفية، ووقف الإرهاب ومطاردة المناضلين والاعتقالات
بالجملة ومصادرة الحريات العامة، وبحلُ مشكلة البطالة، الأمر الذي أثار حفيظة النظام الملكي
المصري وسلطاته العسكرية التي ألقت القبض في أواخر عام 1948 على عدد من كوادر العصبة،
حيث تم اعتقالهم في أبو عقيلة في سيناء، وعندما احتلت القوات الإسرائيلية مدينة بئر السبع،
وتوغلت داخل سيناء أسرتْ هؤلاء المعتقلين ونقلتهم إلى عوجا حفير ثم إلى منطقة الجليل
داخل إسرائيل. ونذكر منهم: أسعد مكي، ومحمد خاص، وعلى عاشور وسعدي هنية، وشعبان
عفانة، وحسن أبو عيشة وعودة الأشهب، وصبحي بلال، وسليم القاسم، وقد تميزت هذه
الفترة بحكم عسكري عرفي معاد لكل أشكال الحريات العامة ولأبسط حقوق الإنسان، وقد
حظر أي وجود للتنظيمات السياسية والنقابية، بالإضافة إلى تطبيق قوانين الانتداب البريطانية
الاستثنائية التي سنها عام 1936 لقمع الثورة، ومطاردة الثوار، وهكذا فقد ألصقت بأي تحرك
سياسي أو اجتماعي أو تجاوز الحدود تهمة )الجاسوسية(، مما دعا العصبة للانتقال للعمل
السري، فاختفى أبرز قادتها واستمروا يناضلون في ظروف اضطهاد وقهر لا مثيل لها.
وفي عام 1949 شنت السلطة العسكرية حملة اعتقالات جديدة، فاعتقلت مجموعة
كبيرة من رفاق العصبة، ورُحّلوا إلى معتقل في )القنطرة شرق( ولم يتم الإفراج عنهم إلا في أواخر
عام 1951 بعد الإضراب الذي أعلنوه، وإثر موجة الاحتجاجات التي طالبت بالإفراج عنهم،
ونذكر منهم: رأفت موسى البورنو، منصور الحداد، عبد المجيد كحيل، حسين مطاوع، فايز
الوحيدي، محمد خالد البطراوي، سمير البرقوني، إبراهيم السمنة، عبد الحميد طقش، محمود
نصر، وعبد الرحمن جودة، وغيرهم.
وفي 1949 / 3/ 24 كان المقدّم المصري لطفي واكد الذي سبق أن كان الحاكم العسكري
لقرية أسدود عندما دخلها الجيش المصري، حاكماً عسكرياً لمدينة بيت لحم في الضفة الغربية،
وكان لهذا الضابط التقدمي المصري علاقات حميمة مع أعضاء عصبة التحرر الوطني في قرية
أسدود، وكان يساعدهم، ويغضّ الطرف عن توزيع منشوراتهم وأدبياتهم، وهو الذي مكّن
الرفيق فؤاد نصّار السكرتير العام لعصبة التحرر الوطني من الإفلات، بعد أن اعتقلته القوات
العسكرية الملكية المصرية في بيت لحم، كما أعلمني بذلك الرفيق محمد خالد البطراوي أحد
أبرز قيادات العصبة في قرية أسدود.
40
الحركة الشيوعية في فلسطين
وحين عاد المقدّم لطفي واكد إلى مصر بعد توقيع الهدنة بين مصر وإسرائيل في
24/2/1949 ، وبعد تشكيل حزب التجمّع التحق بهذا الحزب نائباً لرئيسه المناضل الوطني
والأممي التقدمي العريق، وأحد قادة ثورة تموز/ يوليو عام 1952 الزعيم خالد محيي الدين.
وفي أعقاب إلحاق الضفة بالحكم الملكي الهاشمي تحركت بعض الشخصيات التقليدية
وطالبت بإلحاق قطاع غزة بمصر على غرار إلحاق الضفة بشرقي الأردن، غير أن عدداً من
المناضلين الوطنيين، ورفاق العصبة قد رفضت هذه المؤامرة، وقد نشرت جريدة «النضال » التي
كانت تصدرها عصبة التحرر في قطاع غزة مقالاً تحت عنوان )الكلب الأبيض أخو الكلب الأسود(
يفضح هذه المؤامرة ويهاجم الحكم البوليسي، وكان بعض «رجالات » الهيئة العربية العليا
يركبون السيارات العسكرية المصرية لإرشاد المخابرات إلى بيوت أعضاء العصبة لاعتقالهم، وقد
تم اعتقال مجموعة أخرى في سجن غزة المركزي في ربيع عام 1950 كان منهم )عوني سيسالم،
وعمر كحيل وحسن أبو شعبان، وسعيد الطحطاوي، وعصام سيسالم ومحمد أبو كميل وصلاح
اللبابيدي( وأفرج عنهم بعد ثلاثة شهور مع حكم بإثبات الوجود، بعد إعلانهم الإضراب، وعدم
إثبات أي شيء يدينهم. ويبدو أن النظام الملكي المصري الذي يعاني أزمات سياسية واقتصادية
خانقة لم يكن بحاجة إلى ضم القطاع الفقير اقتصادياً والمزدحم بمئات الآلاف من اللاجئين، وهذا
ما يؤكده موقف رئيس الوزراء المصري آنذاك حسين سري باشا في 20 أيلول/ سبتمبر عام 1949
الذي قال: «إن مصر لا تستطيع أن تجد مكاناً للاجئين الفلسطينيين في مصر » كما نجد تفسير
ذلك في منع أبناء القطاع من دخول مصر، حتى لو سمح لهم، فإن دائرة الهجرة والجوازات
كانت تطبع على وثائق السفر بخط أحمر كبير عبارة )يمنع من العمل ولو بدون أجر(، كما قيل
آنذاك إن الحكم الملكي يريد تسليم القطاع لبريطانيا مقابل نقل قاعدتها من مصر إلى قطاع
غزة.
وفي مطلع عام 1952 نشرت جريدة )النضال( الجريدة السرية للعصبة في قطاع غزة
تحليلاً هاجمت فيه النظام الملكي المصري، ودعت شعبنا في القطاع إلى تشديد النضال ضد
السلطات العسكرية وتدعيم نضال الشعب المصري لإسقاطه، وطالبت الجنود بأن يعودوا إلى
مصر ويشرعوا أسلحتهم في وجه النظام الملكي الخائن لإسقاطه. وفي الثالث والعشرين من تموز/
يوليو 1952 انفجرت الثورة المصرية ولم يمر على قيامها سوى ) 15 ( يوماً حتى وجهت السلطات
العسكرية في القطاع في 1952 / 8/ 5 ضربة شديدة فاعتقلت في البدء فخري مكي قائد العصبة
41
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
في قطاع غزة الذي طورد واختفى منذ دخول الجيش المصري إلى قطاع غزة في 1948 / 5/ 15 ،
وظل يقود تنظيم العصبة حتى قبض عليه، واستولت المباحث العامة على مجمل الأرشيف
الذي كان في مخبئه، وتوصلت المباحث من هذه الوثائق إلى كل أسماء أعضاء العصبة ومراتبهم
التنظيمية، وأسماء الأصدقاء ومبالغ الاشتراكات والتبرعات، وموجز عن نشاط كل رفيق أو
صديق.
وفي 1952 / 8/ 10 اعتقل قرابة »400« مناضل من المنظمين والأصدقاء، ومعظمهم من
مدراء المدارس والمعلمين وبعض العمال، كما اعتقل معظم الطلاب الذين شكلوا «اتحاد الطلاب
السري ». وقد أذاعت إذاعة لندن الناطقة بالعربية في حينه الخبر التالي: )القبض على اكبر خلية
شيوعية في الشرق الأوسط(، وأذكر عدداً من هؤلاء المعتقلين: فايز درويش الوحيدي )أبو
فاعور(، وسمير هاشم البرقوني، ومحمود نصر، وحسن أبو شعبان، وسعيد الطحطاوي، ومحمد
ماضي، وعبد المجيد سليم كحيل، وعبد القادر وأخيه محمد المغربي، وعمر أحمد عوض الله،
ود. عبد الله عبد الرحمن زقوت، وعمر كحيل، وعبد الرحمن عوض الله، ومحمد عيسى جابر،
ومحمد حسن سرور، وحسين ظاهر، وعبد الله عيسى زقوت، وعشرات من المدرسين والطلاب،
ومثل جميعهم أمام المحكمة العسكرية الخاصة برئاسة البكباشي )المقدم( محمد عادل لطفي،
والمدعي العام المصري أسعد سوريال الذي وجّه تهماً منها: محاولة قلب نظام الحكم، وبثَّ
دعاية من شأنها تثبيط الروح المعنوية للجيش، وطالب بإصدار أحكام قاسية تصل إلى عشرات
السنين، وكان المحاميان الغزيّان سعيد زين الدين وفوزي الدجاني، قد أثبتا في مرافعاتهما أن
عصبة التحرر الوطني الفلسطيني هي حزب مشروع ومرخص بالعمل في فلسطين، ولم تصدر
السلطات المصرية قانوناً يُلغي مشروعيته. وأخيرا وبعد صفقة مع الادعاء تمت الموافقة على
أن العصبة حزب مشروع، ولكنها عملت بدون ترخيص. ورغم ذلك فقد أصدرت المحكمة
أحكاماً تتراوح ما بين ستة أشهر وثلاثة أشهر على العديد من الرفاق والأصدقاء، والإفراج عن
المئات لعدم وجود أدلة تدينهم. وحكم على فخري مكي ب 5 سنوات وغرامة 500 جنيه مصري،
وعلى عبد القادر المغربي ب 4 سنوات، وعلى سعيد الطحطاوي وعبد المجيد كحيل وحسن أبو
شعبان ب 3 سنوات و 200 جنيه غرامة لكل منهم، وعلى محمد المغربي بسنتين وغرامة 200
جنيه، وعلى عبد الرحمن عوض الله بسنتين. وقد ألقى الرفيق فخري مكي دفاعاً سياسياً مجيداً
عن سياسة عصبة التحرر الوطني ورأيها في حل القضية الفلسطينية، وفضح مؤامرة الاستعمار
42
الحركة الشيوعية في فلسطين
والصهيونية وعملائهما على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
وفي أوائل العام 1953 رُحّل الرفاق السبعة إلى سجن مصر العمومي في القاهرة ،
فاستقبلهم رفاقهم الشيوعيون المصريون في هذا السجن بالأناشيد الوطنية والأممية، وقدموا لهم
المساعدات والدعم المعنوي كرفاق أمميين، وكان هؤلاء الشيوعيون منظمين في عدة منظمات
متصارعة، وكانت اكبر هذه المنظمات: المنظمة الأم الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني )حدّتو(
التي كان من أعضائها البارزين سرياً العقيد يوسف صِدّيق، أحد أعظم قادة ثورة تموز/يوليو
المصرية الذي لعب دوراً تاريخياً في انتصار هذه الثورة، وكذلك زميله في الثورة خالد محيي
الدين الذي أسس لاحقاً حزب التجمع المصري، وكان زعيم هذه الحركة شهدي عطية الشافعي.
وقد واصلت )لجنة المنطقة( التابعة للعصبة في قطاع غزة اتصالاتها طيلة هذه الفترة
بقيادة العصبة في الضفة الغربية، حيث كان بعض الرفاق يتسلل من غزة إلى الخليل أو نابلس
عبر الأرض المحتلة وبمعونة الإدلاء ليعودوا بوثائق العصبة وأدبياتها، وتعليماتها وفي مقدمة
هذه الأدبيات جريدة )المقاومة الشعبية( لسان حال العصبة، ونذكر من هؤلاء الرفاق البواسل:
محمد خالد البطرواي، وعوني سيسالم، وعبد المجيد كحيل، وحسن أحمد الجبالي، وحامد
الحصري الذي قبض عليه فجراً في أحد شوارع غزة وهو عائد من الضفة الغربية وهو يحمل
كيساً من هذه الوثائق، وقُدّم للمحكمة العسكرية، وحُكم عليه ب ) 12 ( سنة أشغال شاقة،
ورُحّل إلى السجون المصرية، أما الرفيق حسن أحمد الجبالي فقد صدر عليه حكم بالمؤبد.
تشكيل الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة:
مع تزايد التآمر الامبريالي الامريكي الصهيوني الرجعي لتصفية القضية الفلسطينية، وظهور
مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين خارج وطنهم، وبسبب انقطاع الاتصال بالضفة الغربية
إثر إعلان الحزب الشيوعي الأردني عام 1951 والتخلي عن اسم العصبة، وحاجة الشيوعيين
في قطاع غزة إلى تنظيم سري حديدي لمواجهة سياسات السلطة العسكرية المصرية القمعية،
والمعادية للأحزاب والديمقراطية، فقد قررت قيادة العصبة في القطاع في 23 آب/ أغسطس عام
1953 بقيادة الرفيق معين توفيق بسيسو عَقد المؤتمر الأول في بيارة الرفيق خالد أحمد شرّاب،
وكان هدف المؤتمر تحويل عصبة التحرر الوطني إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة،
43
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
وقد اصدر المؤتمر بياناً سياسياً أكد فيه على طبيعته وهويته الفكرية كممثل للعمال والفلاحين
والكادحين والمثقفين الوطنيين والثوريين، ويمثّل استمراراً تاريخياً ونضالياً لعصبة التحرر الوطني،
وتتركز أهدافه في هذه المرحلة على النضال من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة طبقاً
لقرار التقسيم الدولي 181 ، وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وتعويضهم وفقاً للقرار الاممي
194 ، والنضال من أجل اطلاق الحريات العامة، ووقف أساليب القمع والاعتقالات، والغاء
الأحكام العرفية وقانون الطوارئ الاستعماري، والعمل على حماية الحدود من الاعتداءات
الاسرائيلية المتكررة، وقد نشرت جريدة )راية الشباب( السريّة هذا البيان.
انفجار هبّة آذار/ مارس ضد التوطين عام 1955
إثر مذبحة مخيم البريج أواخر عام 1953 التي اقترفتها العصابات الصهيونية، اندلعت
التظاهرات الشعبية في المنطقة الوسطى، وعلى رأسها الرفيقان معين بسيسو ومحمد حسن
عويضة المدرسان في مدرسة البريج الثانوية للاجئين، هذه التظاهرات التي أعلنت غضبها وشجبها
للمعتدين الصهاينة والحكام المتخاذلين، وهتفت بشعارات معادية للصهيونية والإمبريالية
الأمريكية وطالبت بتكوين حرس وطني فلسطيني يحمي الحدود، ثم كانت الغارة الصهيونية
على محطة السكة الحديدية بغزة، والكمين الذي نصبته القوات الصهيونية قرب » البوليس
الحربي » الواقع قبل جسر غزة الشرقي بتاريخ 1955 / 2/ 28 الذي سقط ضحيته العشرات من
الجنود المصريين والسودانيين وأفراد الحرس الوطني الفلسطيني الذي تشكل قبل ذلك.
أدرك الحزب أن الاعتداءات الصهيونية المتكررة على مخيمات اللاجئين كان بهدف
إرغامهم على القبول بالتوطين، حيث كانت الحكومة المصرية قد عقدت في الرابع عشر من
تشرين أول )أكتوبر( عام 1953 مع وكالة الغوث الدولية اتفاقية لتوطين لاجئي قطاع غزة في
سيناء وبدعم أمريكي.
وهبّت الجماهير الشعبية في تظاهرات صاخبة وحاشدة لم يشهدها قطاع غزة من قبل
بقيادة الحزب الشيوعي وأصدقائه وبعض العناصر الشعبية من الإخوان المسلمين، هذه الهبة
التي سميت بحق وثبة مارس/ آذار عام 1955 والتي حملت شعارات )لا توطين ولا إسكان يا
عملاء الأمريكان.. العودة العودة حق الشعب( وقَرَنت مطالبها باستشهاد أكثر من ) 35 ( شهيداً
44
الحركة الشيوعية في فلسطين
كان في طليعتهم الرفيقان حسني بلال، ويوسف أديب طه، وتركزت مطالب الانتفاضة في:
-1 إسقاط مشروع سيناء لتوطين اللاجئين. 2-إطلاق الحريات العامة. 3- تكوين جيش فلسطيني
يحمي الحدود. 4- قطع العلاقات مع الغرب الاستعماري والتحالف مع المعسكر الاشتراكي. 5-
النضال من أجل عودة اللاجئين إلى ديارهم. وكان من نتائج هذه الهبة الشعبية سقوط مشروع
سيناء التصفوي، وكان الحاكم العسكري العام قد وعد بإطلاق الحريات العامة وإلغاء قانون
الطوارئ الاستعماري.
ولم يطمئن الحزب بوعود الحاكم العسكري العام وقسمه بشرفه العسكري أ لَ يعتقل
إ لَ من أحرق وخرب، فحذر من التآمر على حركة الجماهير، وأكد أنه لا ضمانة لحماية المكاسب
التي حققتها الانتفاضة، وتثبيتها وتطويرها إ لَ بتعهد السلطة وإعلانها الصريح بإطلاق الحريات
العامة، وذلك بإنهاء الحكم العسكري العرفي، ولم تمضِ بضعة أيام حتى استُدعيت كتائب من
الجيش المصري المرابطة في سيناء لقمع الشعب، وجرى اعتقال أبرز قيادات الانتفاضة نذكر
منهم: معين بسيسو، واخوته الثلاثة، سمير البرقوني، محمود نصر، عبد الرحمن عوض الله،
منصور الحداد، محمد عيسى جابر، محمد زاهر، حسن أبو شعبان، عمر عوض الله، وعبد الله
عيسى زقوت، ومحمد حسن سرور، وحسين ظاهر، ومحمد أبو زريبة، وعبد الحي الحسيني،
وحسن محمود أبو عاصي، وكمال الطويل، ومحمد البرش، ومصطفى عايش، ومحمود حسن
عويضة، وعبد الله عوض الله، وياسين قفة، وطلابي في مدرسة النصيرات الاعدادية للاجئين:
عبد الوهاب شلبي، واحمد السعدي، ومحمد حسن تمراز، ومحمود أبو حرب، وقرابة سبعة
من الإخوان المسلمين وفي مقدمتهم الاستاذ فتحي البلعاوي، ومحمد يوسف النجار الذين
انضمواً لحركة )فتح(، وكان معظم هؤلاء المعتقلين من الشيوعيين وأصدقائهم، فقد سيق إلى
السجون المصرية قرابة )السبعين( مناضلاً اتهموا بالجاسوسية، وجُلدوا في قسم التأديب على
«العروسة » وبعد فترة أفرج عن العديد منهم في فترات متلاحقة، وبقي عدد من قيادات الحزب
في المعتقلات المصرية كالرفاق: معين بسيسو، وسمير البرقوني، ومحمود نصر، ومنصور الحداد،
وعبد الرحمن عوض الله، وعمر عوض الله، ومحمد عيسى جابر، وغيرهم حتى تحرَّر قطاع غزة
من الغزاة الصهاينة الذين احتلوا القطاع إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وحتى أطلق
سراحهم في مطلع تموز / يوليو عام 1957 .
وبتدريب الحركة الشعبية على مواجهة السلطة العسكرية، والمطالبة بحقوقها الوطنية
45
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
والاجتماعية، وبإطلاق الحريات العامة، ووقف سياسة القمع والإرهاب، وبإسقاط مشروع سيناء
بقيادة الشيوعيين، تهيأت الأرضية السياسية والاجتماعية في القطاع لنشأة الأحزاب الفلسطينية
ذات الطابع القومي سرياً، كحزب البعث، وحركة القوميين العرب، وجبهة تحرير فلسطين.
وبالتساوق مع مشاريع التوطين المختلفة فإن إسرائيل كانت تُصعّد من اعتداءاتها على
قطاع غزة وخصوصاً على مخيمات اللاجئين، فقد هاجمت وحدة عسكرية إسرائيلية تدعمها
الدبابات خانيونس في 1955 / 5/ 31 وقتلت ) 42 ( مواطناً وجرحت ) 25 ( من نساء وأطفال ورجال.
وفي 1955 / 8/ 31 هاجمت قواتها خانيونس مرة أخرى فقتلت ) 46 ( مواطناً وأوقعت أكثر من
) 50 ( جريحا .ً
وفي 29 تشرين أول/ أكتوبر عام 1956 وقع العدوان الثلاثي على مصر، واحتلت
إسرائيل قطاع غزة، وكان حزبنا العدو الألد للغزاة الصهاينة، وإدراكاً منه لأهداف هذا العدوان،
عمد حزبنا ومنذ الأيام الأولى للاحتلال إلى التشاور مع القوى الوطنية والشخصيات الوطنية
والديمقراطية البارزة من أجل تكوين جبهة وطنية لمواجهة العدو وإفشال مخططاته، غير أن
الإخوان المسلمين والبعثيين آثروا التحالف معاً وشكلوا )الجبهة الشعبية(, إذ رفض الإخوان
المسلمون التحالف مع «جبهتنا الوطنية » بسبب رفضهم مشروع الميثاق الذي طرحه الشيوعيون
الداعم لحكومة عبد الناصر الوطنية، وعبارة التنسيق والتعاون مع الشرفاء داخل إسرائيل،
وقد شنت الجبهتان «الوطنية » و «الشعبية » نضالاً لا هوادة فيه ضد المحتلين وجرائمهم،
مما جعل الاحتلال الإسرائيلي يشن حملة اعتقالات واسعة مسعورة حيث اختطف فيها أكثر
من ) 300 ( مناضل فلسطيني في أوائل تشرين ثاني/ نوفمبر وكانون أول/ ديسمبر عام 1956
وأواخر كانون الثاني/ يناير عام 1957 ، وقد شكل رفاق حزبنا وأصدقاؤه أكثر من ثلثي المعتقلين
جميعاً، نذكر منهم: سعيد جعفر فلفل، عطية مقداد، محمد احمد شعبان، خالد أحمد شراب,
صبحي الثلاثيني, حسن عبد الرحمن بدر, د. حيدر عبد الشافي, منير الريس رئيس بلدية غزة,
ياسين قُفَّة، عبد الله عوض الله، عبد المجيد كحيل، جبر فتوح، وغازي ترزي، وطورد الرفاق:
أحمد حسن فليونة وتحسين البورنو وشعبان مهنا. ومن الجدير بالذكر أن الشيوعيين هم
أول من ابتدعوا تشكيل «اللجان الشعبية » الجماهيرية التي كانت تستقطب الجماهير في كل
أماكن تواجدها في المدن والقرى والمخيمات وفي أماكن عملها، وفي المدارس الاعدادية والثانوية
46
الحركة الشيوعية في فلسطين
والمعاهد والجامعات. هذه التجربة التي استفاد منها حزبنا والحركة الوطنية الفلسطينية في
الانتفاضة الكبرى أواخر عام 1987 م.
وفي 1956 / 11 / 9 ارتكبت القوات الغازية الإسرائيلية مجازر مروّعة في خانيونس
لصمودها ومقاومة الغزاة، حيث خسر المعتدون 12 قتيلاً و 60 جريحاً، واستشهد 50 مواطناً.
وفي 1956 / 11 / 12 طلب الجيش الإسرائيلي من المواطنين في رفح رجالاً وشباناً الخروج من
منازلهم وأن يتوجهوا إلى مدرسة رفح الأميرية وهم يركضون فيطؤون جثث القتلى الذين بلغ
عددهم ) 100 ( شهيد، وفي مدينة رفح استشهد قرابة ) 220 ( مواطناً، وفي مدينة غزة استشهد
قرابة ) 300 ( مواطن، وأسفرت هذه المجازر عن استشهاد ) 900 ( مواطن.
وفي 1956 / 11 / 20 اعتقلت عدداً آخر من الرفاق كعطية عمر مقداد ، وزهير بشير
الريس، وعبد الحي محمد الحسيني، ومصباح الحناوي وأخرين، وجرى تعذيب المئات من
المناضلين بهدف تصفيتهم سياسياً وجسدياً، وقد شكل المعتقلون الشيوعيون وأنصارهم أكثر
من ) 300 ( معتقل ، وأخيراً فشل العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة، واضطر )بن غوريون(
رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يُعلن الانسحاب من قطاع غزة أمام الكنيست الإسرائيلي وهو يبكي
إثر إنذار )بولغانين( رئيس الوزراء السوفييتي بضرب تل أبيب بالصواريخ إذا رفض الانسحاب.
وفي الفترة الممتدة ما بين عام 1955 و 1957 ، بدأ الحزب ينهض بمسؤولياته الوطنية في
ظروف جديدة اتسمت بانفراج نسبي في قطاع غزة، حيث شارك عبد الناصر عام 1955 في مؤتمر
باندونغ وطرح حلاً للقضية الفلسطينية طبقاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة عام 1947 ، وعقد
صفقة الأسلحة التشيكية، واعترف بالصين الشعبية، ورفض نظرية الفراغ الأمريكية وحارب حلف
بغداد الاستعماري، وأمم قناة السويس، وقد وقف الحزب يؤيد هذه السياسة ويدعو لتدعيمها
وتطويرها، وفي الوقت ذاته ناضل ضد الحكم الفردي المعادي للديمقراطية وأدان إعدام قادة
العمال المصريين في كفر الدوار )خميس والبقري(، واعتقال حوالي ألف عامل لمطالبتهم بتحسين
أوضاعهم وبالديمقراطية عام 1953 . وبفشل العدوان الثلاثي على مصر واندحار الغزاة، ودخول
القوات الدولية إلى قطاع غزة ومحاولة تدويله، نشط الحزب والقوى الوطنية لإسقاط مؤامرة
التدويل، والمطالبة الفورية بعودة الإدارة العربية المصرية، غير أن الشيوعيين كانوا يرون أنه لا
ضمانة لعدم عودة هذه الأساليب الإرهابية من جديد إلا بإطلاق الحريات العامة، والترخيص
47
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
بتكوين الأحزاب السياسية، ونشاطها العلني، واقترح الحزب والجبهة الوطنية تكوين « حكومة
وطنية فلسطينية » تدير شؤون القطاع الداخلية بالتنسيق مع الحاكم العام المصري، وترك
الفلسطينيين يديرون شؤونهم بأنفسهم، وبقاء مسألة الأمن والدفاع والخارجية من مسؤولية
مصر، فكان رأي بعض حلفائنا من العناصر الديمقراطية تأجيل ذلك، ويكفي في هذه المرحلة
الاعتراف الرسمي بالجبهة الوطنية، وممارسة نشاطاتها بشكل علني، وما إن استتب الأمر للحاكم
العام حتى أصدر أمراً عسكرياً بحظر نشاط الأحزاب والجبهة وإغلاق مكاتبها. وواصل الحزب
نضاله وطالب في مارس 1958 بإقامة مجلس تشريعي منتخب، يعكس إرادة الشعب ويتولى
الأشراف على وضع قوانين جديدة تؤمن الحريات وتلغي قوانين الانتداب البريطاني السارية
المفعول، وانتخب د.حيدر عبد الشافي صديق الشيوعيين رئيساً له.
لقد وقف الشيوعيون المصريون، والقوى الديمقراطية مع نضال شعبنا من أجل حقوقه
الوطنية، وساندوا نضال حزبنا والحركة الوطنية في قطاع غزة، وأدانوا أساليب القمع والإرهاب
التي تمارسها الإدارة العسكرية في القطاع، كما جرى الاتصال بالمناضل الكبير خالد محيي الدين
احد قادة الثورة ورئيس لجنة السلم المصرية الذي حمل للرئيس عبد الناصر مذكرة ضافية
تشرح أوضاع قطاع غزة ومجمل المشاكل الناجمة عن سياسة الإدارة العسكرية، واستفحال
خطر البرجوازية الكومبرادورية في القطاع ومساهمتها في تخريب الاقتصاد المصري، والاستغلال
البشع الذي تمارسه ضد الجماهير الشعبية الفلسطينية، وشراء ذمم بعض الحكام العسكريين في
القطاع. أما في مصر فقد انعطفت القيادة الناصرية إلى تدعيم الاستقلال الاقتصادي بالتمصير
والتأميم، والتقارب مع القطر العربي السوري ثم إعلان الوحدة عام 1958 ، وظن قادة ثورة
تموز/ يوليو أن معركتها مع الاستعمار والرأسمالية المحلية، والرجعية العربية قد انتهت. ومع
انتصار ثورة 14 تموز/ يوليو في العراق عام 1958 ، وظهور تناقضات ثانوية حول أسلوب الوحدة،
والحريات الديمقراطية، وبسبب التحفظات الإيجابية الصحيحة التي أعلنتها الأحزاب الشيوعية
في البلدان العربية واقتراحاتها لتمتين الوحدة المصرية السورية، والتحذير من انهيارها اللاحق
بسبب عدد من الثغرات والأساليب غير الديمقراطية كحل الأحزاب الديمقراطية والتقدمية في
مصر وسوريا، فقد شنت البرجوازية المصرية مدعمة من اليمين الرجعي ومباركة الاستعمار
حرب تصفية ضد الشيوعيين والديمقراطيين، وأحدثت شرخاً عميقاً في الصف الوطني، ووحدة
هذه القوى على النطاق العربي، وأفسحت المجال واسعاً للاستعمار وعملائه لتعميق الهوة بين
48
الحركة الشيوعية في فلسطين
الحركة القومية العربية والحركة الشيوعية، وتغذية الحملة المسعورة ضد الشيوعية والاتحاد
السوفيتي التي راح ضحيتها عشرات المناضلين الشيوعيين في سورية ومصر وفي مقدمتهم شهدي
عطية الشافعي الذي اغتيل هو وبعض رفاقه في سجن أوردي أبو زعبل، ويبدو أن الرئيس عبد
الناصر لم يكن يعلم بقتله حين كان في زيارة ليوغسلافيا حيث كان الشيوعيون اليوغسلاف
يعقدون مؤتمرهم بقيادة الرئيس جوزيف تيتو، وفوجئ عبد الناصر بوقوف أعضاء المؤتمر
دقيقة صمت على مقتل القائد الشيوعي المصري الأممي شهدي الشافعي، وحينها أصدر عبد
الناصر أمراً بوقف قتل الشيوعيين، مع استمرار سياسة تصفيتهم سياسياً.
كما جرى تعذيب الرفيق فرج الله الحلو أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني حتى
الموت، ولم يكتفِ السّفاح عبد الحميد السرّاج نائب المشير عبد الحكيم عامر الذي كان والياً
على سورية بقتله، بل أمر بإذابة جسده في حامض الأسيد ليخفي جريمته، وقد بطش هذا
السفاح بمناضلي الحزب الشيوعي السوري, وجرى اعتقال العديد منهم وتعذيبهم في سجن
)المزّة( الدموي وغيره من السجون السورية. كما شملت الحملة الشيوعيين في قطاع غزة
وأصدقاءهم، وكان في مقدمتهم الرفاق: فخري مكي ومعين بسيسو وخطيبته صهباء البربري
وسمير البرقوني، ومحمود نصر وحسن خير الدين أبو شعبان وخالد أحمد شرّاب، والاستاذ خليل
صالح عويضة المشرف العام على مدارس وكالة الغوث الدولية الذي أعلن انضمامه للحزب،
ونائبه الاستاذ فريد أبو وردة، والاستاذ محمد ابراهيم البرش، ونمر خليل هنية، وعمر السوطري،
وعبد الرحمن عوض الله وغيرهم.
ثم اعتقلت الادارة العسكرية في قطاع غزة دفعة جديدة من الشيوعيين كان في
مقدمتهم الرفاق: عمر أحمد عوض الله ، ومحمد عيسى جابر ومنصور زكي الحداد، وجبرا
جوزيف الترزي، ومحمد سالم الشامي، وعطية عمر مقداد، وعبد الله عيسى زقوت، ومحمد
صالح أبو حمدة، وذيب الهربيطي، وأحمد الحاج مصلح وآخرون، وكان معظمهم من مدراء
المدارس والمعلمين، حيث جرى اعتقالهم في ربيع عام 1959 ، ثم نقلوا إلى السجن الحربي )باستيل
مصر( ثم إلى منفى الواحات الخارجة لمدة أربع سنوات، حيث التقى الرفاق الفلسطينيون بمئات
من المناضلين الشيوعيين المصريين من ذوي الأسماء المرموقة في مصر، أسماء لامعة في الفكر
والثقافة ومختلف العلوم والآداب والفنون كالدكتور فؤاد مرسي، ود. إسماعيل صبري عبد الله،
ود. رفعت السعيد، ود. محمود أمين العالم، ود. عبد العظيم انيس، ود. فوزي منصور، وعبد
49
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
المنعم شتلة، ونبيل زكي، وطاهر عبد الحكيم، والرسام زهدي، وداود عزيز، ومصطفى طيبة،
وصلاح حافظ، والفنان حسن فؤاد، والمسرحي ألِفرد فرج، وميشيل كامل، والشاعر الشعبي
فؤاد حداد، والقائد البارز فخري لبيب، وغيرهم الكثير من المبدعين. وأفرج عن آخر دفعة من
المعتقلين الفلسطينيين في ربيع عام 1963 .
العدوان الاسرائيلي عام 1967
وبقيام )م.ت.ف(، وجيش التحرير الفلسطيني عام 1964 ، حدث انفراج نسبي
في علاقات الإدارة المصرية مع الحركة الوطنية في القطاع، وما لبث أن أخذت غيوم الحرب
تتجمع، إذ أعلن عبد الناصر في 1967 / 5/ 24 إغلاق خليج العقبة أمام السفن الاسرائيلية، ثم
أمر بانسحاب قوات الطوارئ الدولية، ولم يطل الوقت حتى انفجر الوضع بالعدوان الإسرائيلي
الغاشم في الخامس من حزيران/ يونيه عام 1967 م، واحتل الجيش الاسرائيلي سيناء وهاجم
الغزاة قطاع غزة بشراسة ودمروا في الفترة ما بين 5 – 11 حزيران/ يونيه ما يزيد عن ) 847 (
منزلاً وقتلوا ما يزيد عن خمسة آلاف مدني )كما ورد في تقرير وكالة الغوث الدولية آنذاك(.
وقد هبَ شعبنا بأسره يقاوم الغزاة الذين خططوا لتهجير أكبر عدد من السكان، وفي أسرع
وقت ممكن، وتهويد المرافق العامة ومناحي الحياة الرئيسة في القطاع، والسماح للإسرائيليين
بتملك الأرض والعقارات، وإعطاء الشركات الإسرائيلية الامتيازات لإقامة المشاريع، وعملت
على تأزيم الوضع الاقتصادي، ومارست أقسى أشكال القهر، وتطويق القرى والمخيمات
ومحاصرتها لمدد طويلة، وفرض العقاب الجماعي ونسف المنازل بحجة شق الطرق الأمنية،
حيث هدمت في المرحلة الأولى ) 1011 ( منزلاً، وقذفت بآلاف المواطنين في السجون والمعتقلات،
وأقامت معسكرات العمل داخل إسرائيل، وخططت لتفريغ القطاع من سكانه ثم ابتلاعه.
وقد بادر الحزب الشيوعي بالاتصال بالقوى الوطنية لتوحيد الصف الوطني لمواجهة العدوان
ومخططاته، فتشكلت الجبهة الوطنية المتحدة في آب/ أغسطس عام 1967 في البداية من
القوى السياسية التالية: الحزب الشيوعي، حركة القوميين العرب، حزب البعث العربي الاشتراكي،
جبهة التحرير الفلسطينية )ج. ت. ف(، ثم انضمت إليها قوات التحرير الشعبية التابعة لجيش
التحرير الفلسطيني التي تأسست رسمياً في شباط/فبراير 1968 ، وبعض الشخصيات الوطنية
والديمقراطية البارزة، كالدكتور حيدر عبد الشافي ومنير الريس والرفيق الأستاذ خليل صالح
50
الحركة الشيوعية في فلسطين
عويضة والأستاذ فريد أبو وردة، وأصدرت ميثاقها في العشرين من أيلول/ سبتمبر عام 1967
الذي حدد أهداف العدوان وفي مقدمتها إسقاط الأنظمة الوطنية في مصر وسوريا وتصفية
القضية الفلسطينية نهائياً، وخدمة الأهداف التوسعية للصهاينة، والسعي المحموم لتشريد
الشعب الفلسطيني وبخاصة اللاجئين إلى الأردن، وأكد الميثاق أن الاحتلال مؤقت وسوف
يزول، وأن التصدي للعدوان والاحتلال سياسياً وعسكرياً هو المهمة الأساسية الملقاة على عاتق
الأنظمة الوطنية العربية وعلى عاتق الجبهة المعادية للاستعمار. وحدد مهام القوى الوطنية
الملحة وذلك بإنجاز وحدتنا وحشد كل الجهود والطاقات الثورية في جماهير شعبنا، وتعبئتها
وتنظيمها في عمل يومي دائم، بهدف تصعيد المقاومة ضد مشاريع الاحتلال، والعمل على
تحصين جبهتنا الداخلية وزيادة مناعتها في وجه مخططات العدو، وسحب قوات الاحتلال
دون قيد أو شرط، وعودة الإدارة المصرية، ورفض كل المشاريع البديلة كالضم للأردن والتدويل
وإقامة الكيان الهزيل، وإسقاط كل مشاريع التصفية والتشريد مهما كانت أشكالها، وعدم
التعامل مع العدو ومقاطعته في مختلف المجالات، ومقاومة مؤامرات تهويد الحياة العامة
في القطاع وخاصة في مجالي الاقتصاد والتعليم. ثم أصدرت الجبهة الوطنية المتحدة جريدة
)المقاومة( الأسبوعية السرية في منتصف آب- أغسطس 1967 م، وكان الحزب الشيوعي هو
المشرف على كتابة معظم مواضيعها، وعلى طباعتها، وتسليم أعدادها لقوى الجبهة لتوزيعها،
وقد لعبت هذه الجريدة دور المنظم للجان الوطنية والمُحَرض والمُعَبئ للجماهير الشعبية ضد
إجراءات الاحتلال ومخططاته.
وقد شارك الحزب الشيوعي منذ الأشهر الأولى للاحتلال في مقاومة المحتلين، ولعب
دوراً بارزاً في قيادة وتعبئة الجماهير الشعبية في قطاع غزة، وهو أول من بادر إلى تشكيل
اللجان الوطنية الواسعة في المدن والقرى وأحيائها وفي المخيمات، وفي المدارس والمعاهد، وقاد
الجبهة الوطنية المتحدة. وفي الأول من كانون أول/ ديسمبر عام 1967 أقرَّت اللجنة المركزية في
اجتماعها الموسّع البدء بالتحضير لاستخدام أسلوب النضال المسلّح جنباً إلى جنب مع أساليب
النضال الأخرى، فشكل الحزب الجناح المسلح من الحزب والجبهة، وقاده في البدء الرفيق
طعمة حافظ مشتهى ثم الرفيق عمر أحمد عوض الله، وقد قام هذا الجناح بمئات العمليات
العسكرية منفرداً أو بالتعاون مع قوات التحرير الشعبية التابعة لجيش التحرير الفلسطيني،
مما جعل السلطات المحتلة تشدد من عمليات القمع والاعتقالات والتعذيب الوحشي في
51
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
السجون، ومداهمة البيوت ومطاردة رفاق الحزب والجبهة، مما دعا المطاردين إلى الاختفاء،
ومواصلة نضالهم ومهماتهم الحزبية. وأذكر منهم الرفاق: عمر أحمد عوض الله الذي اختفى
في بيت ابنة عمي )أم محمود عنبر( ، وعطية عمر مقداد، وعبد الحي الحسيني، أما أنا وعبد
الخالق محمود أبو عطوان فقد اختفينا في بيت آل )البواب( في حي الرمال في غزة لمدة أكثر من
ثلاثة أشهر، وقد أعلنت سلطات الاحتلال عن مكافأة مقدارها ) 25 ألف ليرة( لمن يرشدها إلى
مكان اختفائي. كما اختفى الرفيق سمير هاشم البرقوني في بيت الرفيق ياسر بسيسو وزوجته
)أم إيهاب( اللذين قدما للرفيق سمير كل المساعدة والحماية للقيام بواجباته الحزبية السرية.
في الوقت الذي كانت فيه سلطات الاحتلال قد قررت نسف أي بيت يؤوي مطارداً أو مطلوباً
لأجهزتها الأمنية واعتقال أصحابه . وعليه فقد تم نسف أول بيت في قطاع غزة وهو بيت
الرفيق عزات كسّاب، وجرى اعتقاله وإبعاده إلى الأردن، كما جرى سجن المئات من أعضاء
الجبهة واتحاد الطلبة والحكم بالسجن المؤبد على الرفيق عمر أحمد عوض الله، وحكم على
الرفاق: عبد الله أبو العطا، وعبد الحي الحسيني، وعايش عبيد، ونعيم مطر، ومحمد الشرافي،
وفضل البورنو، ومصطفى البربار قائد اتحاد الطلبة السري, ورمضان العصار، وعطية محمد
عنبر، وصالح الكحلوت، وخليل المجدلاوي ما بين سنة و 5 سنوات و 7سنوات و 12 سنة و 15
سنة، ونسْف بيوتهم، حيث نُسف بيت الرفيق خليل صالح عويضة الذي كان في الأردن ، بسبب
اختفاء الرفاق فيه: الرفيق سمير البرقوني وعلي ياغي، ومصطفى البربار . كما استشهد عدد
من الرفاق كان في طليعتهم الرفيق الشهيد عمر أحمد عوض الله عضو اللجنة المركزية وقائد
الجناح العسكري المسلّح للحزب والجبهة الوطنية المتحدة التي وصفها الجنرال » موشيه ديان »
في أحد تصريحاته بأنها تنظيم سري خطير ومنظم على شكل خلايا لا تتعدى ثلاثة أشخاص
بأسماء سرية، فإذا ضُبت إحدى الخلايا انقطعت السلسلة التي تشدّ الخلايا الأخرى. كما جرى
إبعاد وتشريد العشرات من رفاق حزبنا مثل خليل عويضة، عصام سيسالم، عطية مقداد، طعمة
حافظ مشتهى، عزات كساب، أحمد العمصّ، صالح المجدلاوي، عبد الخالق أبو عطوان، عبد
الرحمن عوض الله، وعبد الله الرنتيسي وغيرهم.
لقد شكّل رفاقنا المشرّدون خارج الوطن منظمات حزبية في كل من الأردن، وسوريا
ولبنان، وكانت أكبر وأنشط هذه المنظمات: منظمة الشيوعيين الفلسطينيين في لبنان التي
تشكلت بمبادرة وقيادة رفاقنا: محمود محمد الرَّواغ وحسن عيسى أبو الجديان، ويوسف
52
الحركة الشيوعية في فلسطين
سعيد النملة، ومحمود أنيس »أبو كفاح » في مطلع كانون الثاني «يناير » عام 1974 ، وهم ضباط
في جيش التحرير الفلسطيني، وحملوا لاحقاً رتبة اللواء ، وساهم معهم بعد فترة الرفيقان :
حمد سعيد موعد والمقدم محمد فرحات أبو ماهر من فلسطينيي سورية ، والرفيق اللواء
عمر أحمد عاشور والعميد جميل هاشم الناطور، وكانت مهمتهم الأساسية مواجهة العدوان
الإسرائيلي على لبنان بالتنسيق مع الحركة الوطنية اللبنانية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي
اللبناني، وحماية المخيمات الفلسطينية، وفي الوقت ذاته خلق كوادر طليعية من أبناء شعبنا
الفلسطينيين المقيمين في لبنان، ونذكر منهم: المقدم حامد العبد الكحلوت ووليد حسين العوض
ووليد درباس «أبو ربيع » وعدنان نفاع، وإبراهيم النهيلي وسعود ذياب العلي، ومازن الحاج،
وأيوب غراب «أبو فراس » وغسان أيوب وحسن، وشفيق شميسي، ومن الرفيقات: دنيا خضر
ود.سلوى ازدحمد وراضية عثمان واعتدال غنيم وسهام خضر وفاطمة حجازي، وجميلة )أم
جهاد الناطور(. وقد دعّم الحزبان الشيوعيان الشقيقان اللبناني والسوري نضالات هذه المنظمة
بكل أشكال الدعم والمساندة، وكانت مقرات الحزب الشيوعي اللبناني وبيوت رفاقه تحتضن
رفيقاتنا ورفاقنا وتقدم لهم المساعدات الممكنة. وقد ساهمت المنظمة بدور فعال في جيش
التحرير الفلسطيني وفي حركة المقاومة الفلسطينية واللبنانية وفي الدفاع عن الثورة، وقد واجه
رفاق حزبنا العدوان الإمبريالي الصهيوني على لبنان عام 1978 و 1982 في إطار )م. ت. ف(
والقوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية، وفي مقدمة المقاتلين ضد الاحتلال في المواقع العسكرية
للدفاع عن جماهير شعبنا في المخيمات، حيث ت شّد العشرات من عائلات رفاقنا ودمرت منازلها،
وأبيد أكثر من عائلة منها إبادة كاملة، وأسر ) 23 ( رفيقاً كان على رأسهم الرفيق محمود محمد
الرواغ عضو اللجنة المركزية للحزب، واستشهد خمسة رفاق وفي مقدمتهم المقدَّم حامد العبد
الكحلوت، صبحي عطا الرميض، أحمد موسى الموسى، محمد قاسم المختار، ويوسف خليل نتيل،
وأصدرت هذه المنظمة التي كنت مشرفاً على قيادتها، صحيفتها الشهرية )سنعود( عام 1974
والتي كنت رئيس تحريرها أيضاً فترة من الزمن، وقد شارك في الكتابة فيها الرفيق معين بسيسو
وعدد من الرفاق، وحملت شعارات: يا عمال العالم اتحدوا/ من أجل العودة وتقرير المصير
والاشتراكية/ نحو حزب شيوعي فلسطيني موحد، وبعد عودة الرفاق المؤسسين إلى الوطن بعد
اتفاق أوسلو تسلم هؤلاء الرفاق المقيمون في لبنان قيادة هذا التنظيم.
وفي سورية انضم التنظيم الفلسطيني للحزب الشيوعي السوري إلى صفوف الحزب الشيوعي
53
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
الفلسطيني، وتشكلت منه ومن بعض الرفيقات والرفاق الفلسطينيين من خارج سورية إقليمية
للحزب وتسلم قيادة هذا التنظيم فيما بعد لجنة قيادية برئاسة الرفيق مصطفى محمد الهرش
عضو اللجنة المركزية للحزب، وعضوية الرفاق : سليم علي رشيد ومحمد مجدلاني ومحمد
سعيد عوكل. وقد قامت هذه المنظمة بنشاطات واسعة في المخيمات الفلسطينية في سورية.
اسقاط روابط القرى العميلة:
لقد شكل الاحت ال الاسرائي ي ما يسمى ب ) روابط القرى ( بهدف خلق بديل
من منظمة التحرير الفلسطينية، وقد عاث أزلامها في الضفة الغربية فساداً، ومحاولة
خلق العم اء للإسرائيلي ن وضرب القوى الوطنية المناهضة للاحت ال. ففي صيف عام
1982 نفذ أزلام روابط القرى العميلة للاحت ال الاسرائي ي هجوماً مسلحاً في الوقت الذي
كانت فيه القوات الاسرائيلية تجتاح لبنان، وتستهدف تصفية القوى الوطنية اللبنانية
والفلسطينية، وفي الوقت الذي كانت مباريات كأس العالم تحظى بمتابعة تلفزيونية في
العالم العربي كانت المفارقة التي انطوت عليها حرب رابطة القرى العميلة في بيت
كاحل ) منطقة الخليل(، هي الأخرى جبانة ومروِّعة حيث امتشق أزلام الرابطة الس اح
الاسرائي ي وأطلقوا الرصاص الكثيف ع ى الاطفال والنساء العزل الذين واجهوا هؤلاء
الخونة، وهناك، وفي لبنان كانت حرب اسرائيل الوحشية تدور رحاها ع ى اللحم الحي
للشعبين الفلسطيني واللبناني. وقد بدأ الهجوم الدموي لأزلام الروابط العميلة في قرية
فلسطينية صغ رة من قرى الوطن.
«أنا ذاهب إلى ب روت وعيناي ع ى الضفة » ... قال شارون الذي كان وزيراً
للدفاع في حكومة اسرائيل آنذاك، وهو ي رح هدف الحرب الوحشية التي استهدفت
محاولة القضاء ع ى منظمة التحرير الفلسطينية، وتهيئة «دفيئة » ملائمة ل روز قيادة
بديلة من الشعب الفلسطيني «مطواعة « » وغبية « » وخائنة ». وفي وطننا شرع أزلام
روابط القرى بممارسة البلطجة في قرى نابلس ورام الله وبيت لحم والخليل ع ى أمل
أن يتحقق الوهم، ويصبحوا نسخة ثانية فلسطينية من جيش لحد العميل في جنوب
لبنان.
54
الحركة الشيوعية في فلسطين
وكان أن بدأت «التجربة النموذجية » في قرية بيت كاحل بحجة تنفيذ م روع
لإنارة القرية بالكهرباء القطرية الاسرائيلية في ذلك الح ن، كان لا بد من إظهار شجاعة
فائقة للوقوف في وجه «التجربة النموذجية » وفضح أهدافها، وإنقاذ سمعة قرية
فلسطينية من عملية تلطيخ السمعة التي استهدفت إظهار أهلها ع ى أنهم جمهور
«للروابط العميلة .»
وكان أن برز الشهيد داود العطاونة، الانسان، المعلم والمناضل الشيوعي في
مقدمة المعركة، «لو تطلبت القضية الموت يجب أن لا تتحول بلدتنا إلى مزبلة لروابط
القرى العميلة »، هكذا قال الشهيد داود العطاونة جملته الشجاعة هذه مساء الجمعة
18 حزيران/يونيو 1982 في بيت عزاء «لصبي متوفى .»
وفي الصباح دخل أزلام «رابطة القرى العميلة » ع ن كاحل، في سيارتي جيب
وهم ممتشقون أسلحة «العوزي » و «إم »16 الإسرائيليت ن في ح ن بدأ الذين دخلوا
القرية بذريعة نصب أعمدة الكهرباء القطرية الاسرائيلية بالتمرجل ع ى النساء
والاطفال وإط اق الرصاص في كل مكان، والبحث عن فريسة «صيد » لتنفيذ مهمة
اغتيال محددة.
وبدأت المعركة بتتبع سبعة من أزلام رابطة قرى الخليل الاستاذ والمربي
الكب ر داود العطاونة، وحاصروه في أحد المنازل وهو يسعف الشاب الجريح «هشام
العطاونة »، وأثناء ذلك هاجم أحدهم امرأة مسنة وجرحها، ثم هاجم آخر وانهال
ببندقيته ع ى والدة الشهيد التي ركضت إلى ابنها «داود » المحاصر، وقلبها ينزف أسىً
وحزناً. واستقرت روحه الطاهرة في حضن الوالدة.
كان الرفيق الشهيد مربياً مخلصاً ومتفانياً حيث أشرف وشارك لسنوات عديدة
في برامج الدورات التعليمية المجانية للطلبة الثانوي ن بالتنسيق مع لجان الطلبة
الثانوي ن في المحافظة الإطار الط ابي والنقابي للحزب الشيوعي الفلسطيني في المدارس
الثانوية حينها.
وهو من نشطاء العمل التطوعي في محافظة الخليل ورئيس لجنة العمل التطوعي
في المحافظة، وبدمائه حقق شعار العمل التطوعي الفلسطيني الكفاحي: «الهوية هي الارض
55
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
الفلسطينية والصمود عليها ». وكان عضواً نشيطاً قيادياً وفاعلاً في صفوف التنظيم الشيوعي
الفلسطيني ومن ثم الحزب الشيوعي الفلسطيني وفي صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية. وقد
كرّمته وزارة التربية والتعليم العالي بإطلاق اسمه على مدرسة الذكور الثانوية في بلدته بيت
كاحل تحت اسم «مدرسة الشهيد المعلم داود العطاونة الثانوية للبنين ». وبإرادة شعبنا ونضاله،
وباستشهاد رفيقنا داود العطاونة سقطت روابط القرى وسقطت وستسقط كل محاولات
الاحتلال لخلق بديل من منظمة التحرير الفلسطينية.
وقد لعب الطلبة الشيوعيون وحزبنا دوراً طليعياً, وبالتعاون مع زملائهم المنتمين
لقوى منظمة التحرير الفلسطينية في اندلاع وقيادة التظاهرات والمسيرات الحاشدة، ومواجهة
قوات الاحتلال في جامعة بيت لحم، وجامعة بيرزيت حيث كان الرفيق بسام الصالحي عضوا في
مجلس الطلبة, ومسؤول الثقافة فيه، ورئيس كتلة الحزب في هذه الجامعة. وفي جامعة النجاح
في نابلس حيث كان الرفيق ناصيف معلّم أحد قيادات المتظاهرين الطلبة في هذه الجامعة.
هذه التظاهرات والمسيرات الجماهيرية والمواجهات مع قوات الاحتلال قد ساهمت بدور كبير
في معركة إسقاط روابط القرى التي كانت المعركة الحاسمة التي حققت أهدافها السياسية،
وبعد اشهر عدة تلاشت هذه الروابط. إن تلك الانتفاضة هي التي حفزت شعبنا في الضفة
الغربية للمشاركة في انتفاضة عام 1987 , فمعركة روابط القرى كانت اول انتفاضة فلسطينية
سلمية، كما أرست أسس المقاومة الشعبية.
منظمة حزبنا في الكويت
إن الرفاق في الحزب الشيوعي الأردني الذي يمثّل الشيوعيين في الأردن والضفة الغربية،
والحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة، والتنظيم الفلسطيني للحزب الشيوعي السوري،
والحزب الشيوعي الفلسطيني لاحقاً الذين عملوا في الكويت قد لعبوا دوراً هاماً في مساعدة
الرفاق مالياً في الضفة الغربية وقطاع غزة، ووصل بهم الأمر إلى نجدة ومساعدة رفاقنا المعتقلين
من قطاع غزة في سجن مصر العمومي والسجن الحربي ومعتقل الواحات الخارجة مالياً، ممّ
دعم صمودهم في مواجهة التصفية السياسية والجسدية، وخففّوا من معاناتهم والحاجة الماسّة
لهذه المساعدات، وفي طليعتهم الرفاق: محمد خالد البطراوي، وعبد الله عبد الرحمن زقوت،
وحسين محمود نجم، وعصام سيسالم وغيرهم من الرفاق.
56
الحركة الشيوعية في فلسطين
وفي الستينيات، وبتحريض من البعثيين الذين كانت لهم سطوة في المؤسسات الكويتية،
طردتْ حكومة الكويت هؤلاء الرفاق وعائلاتهم، كما سجنت لمدة أسبوع توفيق بسيسو )والد
معين بسيسو(، وابنه صهيب وطردتهم من الكويت، بتهمة )الشيوعية(.
وفي عام 1971 شكل الرفاق الذين بقى عدد منهم، والرفاق الذين عملوا لاحقاً في
الكويت منظمة سرّية جديدة، كان على رأسها هيئة حزبية من الرفاق: صلاح البرغوثي وعبد
الكريم العاروري )من الضفة الغربية( وعبد الخالق محمود أبو عطوان وصالح المجدلاوي )من
قطاع غزة( وقادها الرفيق لطفي عمر المهداوي، وكان الصديقان الوطنيان التقدّميان ياسر
الشوّا )من غزة( والمحامي محمد عياش ملحم )إبن مدينة حلحول( يدعمانها بكلّ جهودهما
سياسياً ومالياً. وقد قدّمت هذه المنظمة مساعدات مالية سخيّة لقيادة فرع الحزب الشيوعي
الفلسطيني في الخارج، وكذلك لدى الإعلان عن إعادة تأسيس الحزب الشيوعي الفلسطيني في
العاشر من شباط 1982 .
منظمات حزبنا في البلدان الاشتراكية وأوروبا
لقد بلغ مجموع أعضاء حزبنا خارج الوطن، بعد تشكيل الحزب الشيوعي الفلسطيني
) 1250 ( رفيقة ورفيقاً في ) 24 ( دولة، ففي الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية الأخرى، وفي
عدد من الدول الأوروبية حصل المئات من الرفيقات والرفاق على منح دراسية في جميع
التخصصات العلمية والأدبية والفنية. وأذكر للتاريخ على أنه قبل تشكيل الحزب الشيوعي
الفلسطيني، كان الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة قد استطاع أن يحصل على عدد
من المنح الدراسية في البلدان الاشتراكية ومنها كوبا من الحزب الشيوعي السوري، والذي
دعم حزبنا بكل الاشكال، وكذلك فإن الأخ «أحمد الأزهري » المعروف بفاروق القاضي المناضل
التقدمي المصري مدير مكتب الرئيس ياسر عرفات في بيروت قد قدّم لحزبنا في قطاع غزة
العديد من المنح الدراسية في البلدان الاشتراكية ومنها كوبا أيضاً، إذ كان هو المسؤول عن المنح
المقدمة من البلدان الاشتراكية وغيرها للطلبة الفلسطينيين.
لقد أقام هؤلاء الرفيقات والرفاق علاقات نضالية وطيدة مع الأحزاب الشيوعية
والعمالية واليسارية، ومع اتحادات الطلاب، والمشاركة في مؤتمراتها وفي ندواتها، والعمل
57
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
المثابر لكسبها، وكسب الرأي العام الشعبي لقضية شعبنا الوطنية، ونضاله العادل لفضح
جرائم الإمبريالية والصهيونية والرجعية، وإدانة مؤامراتها وأساليب القمع والتمييز العنصري
ضدّ شعبنا داخل إسرائيل، وفي وطننا المحتل، كما أسهم هؤلاء الرفاق في النضال المباشر ضد
الغزو الصهيوني لجنوب لبنان واحتلال بيروت عام 1982 ، حينما دعت قوى منظمة التحرير
الفلسطينية، ومن ضمنها الحزب الشيوعي الفلسطيني مئات الطلاب الذين وصلوا إلى سورية
ولبنان، إبّان التعبئة العامة، لمشاركة الثورة الفلسطينية، والحركة الوطنية اللبنانية في مواجهة
هذا الاحتلال الصهيوني ودحره، وقد استضفنا في بيتنا في مخيم اليرموك ) 90 ( رفيقة ورفيقا من
هؤلاء الطلاب حيث كانوا يتناولون طعامهم وينامون في كل مكان حتى على سطح المنزل، ولن
أنسى المساعدة المشكورة التي قدمها لنا الرفيق سمير غوشة الأمين العام لجبهة النضال الشعبي،
من بطاطين وحرامات وأطعمة مختلفة من المعلبات وأكياس من السكر والزيت والأرز.
منظمات حزبنا في البلدان الأوروبية
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومة البلدان الاشتراكية، وبعد توقيع اتفاق أوسلو،
وعودة قيادة فرع الخارج، وعدد كبير من رفاق حزبنا المدنيين والعسكريين إلى الوطن ما عدا
الرفيق د. ماهر الشريف عضو قيادة فرع الخارج، بقي عدد من الرفاق القياديين في هذه البلدان
وبنوا أسراً وحصلوا على جنسيتها، كالرفيق مازن الحسيني عضو اللجنة المركزية «المُرشّح » الذي
شغل موقع نائب رئيس مجلس السلم العالمي، وتفرّغ للكتابة، وأصدر عدداً من الكتب الفكرية
والسياسية الهامة، ود. عبد الحليم شتات، ومحمد القهوجي في ) تشيكوسلوفاكيا( ود. مفيد أبو
رمضان وغازي ثابت وأبو علي العلاري، وعبد الله حجازي الذي كان يعمل في سفارة فلسطين
في برلين، ونصري البرغوثي وأخيه نظيف البرغوثي في )بريطانيا(. وظلّ جميع هؤلاء الرفاق أوفياء
لمبادئهم، وعلى ولاءٍ تام لشعبهم وحزبهم الشيوعي.
وبعد التغيرات الدراماتيكية التي حصلت في أواخر عام 1989 في دول المنظومة
الاشتراكية، خسر حزبنا جميع منظماته الحزبية في هذه البلدان بسبب رئيس وهو أن هذه
البلدان لم تعد تقدم لحزبنا أية منح دراسية، إضافة إلى أن الموجودين في هذه البلدان إما قاموا
بإنهاء دراستهم والعودة للوطن وهم الجزء الاكبر أو بقوا في هذه البلدان بحكم زواجهم من
فتيات من هذه البلدان وتكوين عائلات فيها، أو لجأ قسم منهم الى العديد من بلدان اوروبا
58
الحركة الشيوعية في فلسطين
الغربية بحثاً عن فرص عمل وحياة أفضل. وفي هذا الاطار فقد انقطعت علاقة الحزب بالأغلبية
الساحقة من الرفاق. وأمام انفتاح هذه البلدان اقتصادياً، فقد لجأ العديد منهم للعمل بهدف
تحسين ظروفهم المعيشية.
وبعد المؤتمر الرابع لحزب الشعب الذي انعقد في آذار 2008 التقى الرفيق د. جمال
العرجا مع الرفيق بسام الصالحي الأمين العام للحزب واقترح عليه ضرورة العمل على الاتصال
مع الرفاق في أوروبا واعادة تنظيم الوضع في هذه البلدان خاصة بعد انتقاله للعمل في سفارتنا
في بوخارست، مما أتاح له المجال للحركة أكثر. وفي شهر أيار 2009 التقى مجموعة من الرفاق
بالرفيق بسام الصالحي في برلين حيث كان في زيارة رسمية لحزب اليسار الألماني وتم نقاش هذه
المسألة من جديد، حيث اقترح الرفيق عبد الكريم مخلوف وهو رجل أعمال ناجح في رومانيا
بضرورة عقد اجتماعات سنوية للرفاق في أوروبا من أجل التعارف وتداول الافكار فيما بينهم،
واقترح أيضا أن يعقد أول اجتماع للرفاق في العاصمة الرومانية بوخارست وعلى نفقته الخاصة،
حيث سيتكفل الرفيق بكل نفقات الاقامة للرفاق خلال فترة الاجتماع . وبدأت الترتيبات
العملية بعد هذا اللقاء، ووُضعت قائمة بأسماء أكثر من 120 رفيقاً لإعادة الاتصال بهم من
جديد ، ولكن واجهتهم مشكلة عدم وجود عناوين معروفة أو ثابتة للعديد من هؤلاء الرفاق،
وبالرغم من تلك المشكلة إلا أن البحث عنهم وعن عناوينهم بقي قائما، وتم الاتصال بعدد
منهم. وقد عقد اللقاء الاول في بوخارست في بداية تشرين أول/ أكتوبر 2009 حيث كان يهدف
بالأساس للتعارف والعمل على الاستمرار بالبحث عن الرفاق والحصول على عناوينهم ومعرفة
أماكن اقامتهم واعادة ترتيب اتصالهم بالحزب، وقد حضر اللقاء أكثر من 27 رفيقاً يمثلون بلدان
أوروبية مختلفة ) رومانيا ، وبلغاريا ، والتشيك ، والدنمرك، والسويد، وبريطانيا، وألمانيا ( وقد
حضره من قيادة الحزب الرفيقان بسام الصالحي الامين العام للحزب وحيدر عوض الله عضو
المكتب السياسي )وقد قدم استقالته من الحزب لاحقاً(. كما عقد المؤتمر الثاني للحزب في أواخر
نيسان 2010 في العاصمة البريطانية لندن على نفقة رجل الأعمال الرفيق نصري البرغوثي المقيم
في مانشستر وحضره الرفاق من الدول الاوروبية و من قيادة الحزب الرفيقان بسام الصالحي
الامين العام ود. ماهر الشريف عضو المكتب السياسي، وقد جرى الاتفاق على ضرورة تنظيم
اللقاءات السنوية للرفاق مما لها أهمية كبيرة في الحياة الحزبية ودورها بتمتين علاقة الرفاق
بالحزب، وقد تم الاتفاق على أن يتحمل كل رفيق التكاليف على نفقته الخاصة. وهكذا، تم
59
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
عقد اللقاء الثالث والرابع والخامس والسادس في العواصم البلغارية والتشيكية والدنماركية
والألمانية والرومانية، أما المؤتمر السابع فقد انعقد في برلين وحضره الرفاق: بسام الصالحي، و د.
ماهر الشريف، ونصر أبو جيش، وانتخب هيئة حزبية تقود عمل الحزب حتى المؤتمر القادم،
بقيادة د. جمال العرجا. ويمكننا القول «إن للحزب رفاقاً يمثلونه في كل من البلدان الأوروبية
التالية: رومانيا ، بلغاريا ، التشيك ، النمسا ، سويسرا ، المانيا ، بلجيكا ، هولندا ، السويد،
الدنمارك، فرنسا ، بريطانيا ، بولندا ، تركيا ، واوكرانيا .»
وقد أنشأت منظمة الحزب في أوروبا صفحة خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي
«الفيس بوك » تنشر فيها أنشطة الحزب وبياناته ومواقفه السياسية، وقد اتصل بنا العديد
من الرفاق من خلال هذه الصفحة لإحياء عملية التواصل الحزبي معهم. كما قامت منظمة
الحزب بالعديد من الانشطة على المستوى الاوروبي ومع المؤسسات والجاليات الفلسطينية
والعربية وخاصة عندما طرحت مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو كامل العضوية
في الامم المتحدة عام 2011 ، وقد لعب رفاقنا في كل من رومانيا والتشيك دوراً مهماً في هذا
الاطار واستمرت هذه الجهود والأنشطة التي كان آخرها افشال توأمة مدينتي أمستردام وتل
أبيب، حيث لعبت قيادة الحزب دوراً مهماً في هذا المجال. كما يشارك الرفاق في أوروبا بشكل
فاعل في أنشطة الأحزاب الشيوعية واليسارية الأوروبية ومؤتمراتها ومهرجانات الشبيبة، وقد
مثلوا الحزب في عشرات المؤتمرات والمهرجانات التي عقدتها الاحزاب الشيوعية وأحزاب اليسار
الأوروبي على نفقتهم الخاصة. كما يتم توزيع مواقف الحزب السياسية لجميع الرفاق في أوروبا
عبر البريد الالكتروني والمشاركة بشكل فاعل في صياغة مواقف وملاحظات سياسية وفكرية
وتنظيمية، ومن الجدير ذكره أن رفاقاً جدداً قد انتظموا في الهيئات الحزبية بعد تفاقم الازمة
السورية وهجرة أبناء شعبنا من سوريا ولبنان إلى الدول العربية وأوروبا.
يوم الأرض الخالد
إن الصراع على الأرض والمحافظة عليها وحمايتها من محاولات نهبها و مصادرتها بكل اشكال
الخداع والتزوير والترهيب الصهيوني، ظلّ وسيظلّ الاساس في المعركة الدائرة بين الفلسطينيين
و الصهاينة، وكان )يوم الارض( المبادرة الوطنية التاريخية الناصعة في سجل النضال الوطني
الفلسطيني التي اجترحتها جماهير شعبنا المضطهدة في اسرائيل، والتي كانت وليدة الاوضاع
60
الحركة الشيوعية في فلسطين
المأساوية والتمييز العنصري ونهب الارض الفلسطينية بعد نكبة عام 1948 وعام 1972 وعام
1974 حيث صادرت اسرائيل 1.5 مليون دونم من اراضي القرى العربية في الجليل والمثلث
واعلنت مرارا عدم اعترافها بالقرى الفلسطينية في النقب ومصادرة أراضيها وهدمها مرات
عديدة، كما حدث لبلدة )العراقيب( التي هُدمت ) 82 ( مرة, واعاد اهلها بناءها كل مرة من
جديد.
و في عام 1975 أعلنت الحكومة الاسرائيلية عن مخطط سمّته )تطوير الجليل( الذي يهدف
الى تحقيق سيطرة ديموغرافية يهودية في الجليل الذي كانت غالبيته )% 70 ( من الفلسطينيين،
و ردّاً على ذلك قررت الجماهير الشعبية الفلسطينية بقيادة القوى الوطنية والتقدمية وفي
مقدمتها الحزب الشيوعي، إحباط هذا المخطط التصفوي بتأسيس «لجنة الدفاع عن الارض »
في آب/اغسطس 1975 .
وفي يوم 13 شباط / فبراير 1976 صدر قرار من الحكومة الاسرائيلية بإغلاق منطقة
)الملّ( المعروفة بالمنطقة رقم ) 9( أمام أصحابها الفلسطينيين كمنطقة عسكرية مغلقة تمهيدا
لمصادرتها، و في اليوم التالي عُقد في )سخنين( اجتماع شعبي حاشد تحدّث فيه الرفيقان توفيق
طوبي وتوفيق زيّاد، وأدانا هذه القرارات وشجباها بقوة، وطلبا من الجماهير الشعبية والاحزاب
والقوى الوطنية مواجهة هذه المخططات واسقاطها. وقد تفاقم الوضع اكثر فاكثر حين أعدّ
)يسرائيل كينغ( في الاول من آذار/مارس 1976 وثيقة قدّمها كتوصيات الى الحكومة الاسرائيلية،
تستهدف افراغ الجليل من أهله الفلسطينيين، ونهب أراضيهم وتهويدها، ومحاصرتهم اقتصادياً
واجتماعياً، وتوجيه اليهود المهاجرين الجدد للاستيطان فيها.
وفي مواجهة هذا المخطط التصفوي قرّرت لجنة الدفاع عن الارض في 6 آذار-
مارس 1976 عقد اجتماع موسع في الناصرة، ودعت الى الاضراب العام الشامل في 1976 - 3- 30
احتجاجاً و رفضاً لسياسة مصادرة الارض الفلسطينية، وكان في مقدمة هذا الاضراب رفاقنا:
توفيق طوبي و اميل توما واميل حبيبي وتوفيق زياد وغيرهم من قيادات الشعب الفلسطيني
في اسرائيل، وكان الردّ الإسرائيلي على هذا الإضراب الشامل عنيفاً اذ هاجمت القوات الاسرائيلية
المدعومة بالدبابات المدن والقرى الفلسطينية، وأعلنت احتلالها، وردّت الجماهير العزلاء على
هذا الاحتلال وبطشه بمزيد من التظاهرات، واصطدم الشبان بهذه القوات التي أطلقت النار
61
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
عليهم فاستشهد ) 6( مناضلين وجرح العشرات منهم، واعتقل نحو ) 300 ( مناضل، ولم تستطع
هذه الإجراءات الهمجية وقف الغضب الشعبي، فانفجرت التظاهرات الحاشدة في المدن
والقرى الفلسطينية كافة.
لقد ساهم يوم الارض في توحيد الصف الوطني الفلسطيني، إذ قام الشيوعيون
الفلسطينيون في الضفة الغربية و قطاع غزة وقوى منظمة التحرير الفلسطينية في 1976 - 3- 31
بإصدار البيانات و الملصقات وتنظيم التظاهرات والاحتجاجات ضد الاحتلال وعدوانه وجرائمه،
وقد اعتقلت السلطات المحتلة العديد من رفاقنا ومناضلي شعبنا، ومازالت جماهير شعبنا
وقواها الوطنية في الداخل والخارج تقوم كل عام بإحياء هذه الذكرى المجيدة وشهدائها الابرار.
إعادة تأسيس الحزب الشيوعي الفلسطيني:
وفي العاشر من شباط/ فبراير عام 1982 م أعيد تأسيس الحزب الشيوعي الفلسطيني
الذي توحّدت في إطاره جميع التنظيمات الشيوعية الفلسطينية عام 1983 ، والذي عقد مؤتمره
الأول وأصدر برنامجه السياسي وانتخب لجنته المركزية ومكتبه السياسي وأمينه العام بشير
البرغوثي، واذكر بعض أسماء المكتب السياسي )خلدون عبدالحق وتيسير عاروري وعبد المجيد
حمدان في الداخل وسليمان النجاب ونعيم الأشهب في الخارج( واللجنة المركزية، والرقابة
المركزية: ، ومصطفى البرغوثي، ، وفؤاد رزق، ود. ماهر الشريف، وعربي عواد الذي اختلف مع
الحزب وشكل في لبنان وسورية )الحزب الشيوعي الفلسطيني الثوري(، ود. وليد مصطفى،
ومحمود شقير، ومحمد أبو شمعة، وبسام الصالحي، وداود عريقات، ومحمود أنيس، وحسن
عصفور، وسمير البرقوني، وفضل البورنو، وعبد الله أبو العطا، ومحمود الرواغ, وعبد الرحمن
عوض الله.
وقد لعب الحزب الشيوعي الموحد بعد إعادة تأسيسه دوراً متزايد التأثير في الحركة
الوطنية الفلسطينية في الداخل والخارج، وقد وقف الحزب ضد انقسام حركة فتح، وطرْد
ياسر عرفات من سورية كشخص غير مرغوب فيه، كما رفض الحزب وقوى م.ت.ف سفر ياسر
عرفات إلى مصر في 3/ 22 / 1983 ولقاءه حسني مبارك حين كانت مصر محاصرة ومعزولة عربياً
بعد توقيع السادات اتفاقية كامب ديفيد، كما رفض حزبنا وقوى م.ت.ف اتفاق عمان الموقع
62
الحركة الشيوعية في فلسطين
بين قيادة فتح والمملكة الأردنية في 1985 / 2/ 21 ، وعمل الحزب بنشاط مع قوى م.ت.ف ومن
داخلها من أجل توحيد م.ت.ف بعد انقسامها، عبر مجلس وطني توحيدي.
النضال لإلغاء اتفاق عمّان
ومع استمرار لقاءات القوى الثلاث: الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية وفتح،
جرى الاتفاق على صياغة قرار إلغاء اتفاق عمان في الحوار الوطني الموسع، على أن يتم الإعلان
عن هذا القرار أثناء انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني والذي يجب ألاّ يتأخر موعد انعقاده
عن أواسط نيسان/ أبريل 1987 ، على أن يبدأ الحوار الوطني الشامل قبل عشرة أيام من عقد
المجلس الوطني، وعلى هذا الأساس بدأ الحوار الوطني بمشاركة الجبهة الشعبية، وقد توّج هذا
الحوار بالاتفاق على عقد المجلس الوطني التوحيدي في الجزائر على الأسس السياسية التي
جرى الاتفاق عليها.
وبعد أن تحدّد موعد انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في العشرين من
شهر نيسان/ أبريل 1987 ، كلّفت قيادة الحزب الرفاق المقيمين في دمشق: «سليمان النجاب،
ومحمد حسن ابو شمعة، ود. ماهر الشريف، وداوُد عريقات وعبد الرحمن عوض الله » بالسفر
إلى الجزائر لحضور هذه الدورة، وقد حضر الرفيق نعيم ناصر كصحافي، ولم تكن هناك أية مشكلة
لدى الرفاق الذين ذكرتهم، لكنني بصفتي من أبناء قطاع غزة، وأحمل جواز سفر من جمهورية
اليمن الديمقراطي، كان عليّ أن أراجع )الضابطة الفدائية( المسؤولة عن حركة الفلسطينيين.
التقيتُ العقيد الذي ينوب عن رئيس هذا الجهاز العميد عبد الرحمن قاسملو، فسألني العقيد:
إلى أين ستسافر؟ قلتُ له: «إلى الجزائر لحضور المجلس الوطني التوحيدي »، فقال ما مضمونه:
«هل تريدون ترسيم ياسر عرفات على قيادة منظمة التحرير من جديد، وهو الذي زار مصر
كامب ديفيد، ووقع اتفاق عمان التصفوي لقضيتكم، وضرب استقلالية ووحدانية م.ت.ف
بالوفد المشترك الأردني الفلسطيني، وهل هذا هو القرار الفلسطيني المستقل؟ عرفات يريد حلاً
أمريكياً إسرائيلياً بدعم الرجعية العربية ». فقلت له: «إن كل ما تحدثت به عن زيارة مصر
واتفاق عمان، والوفد المشترك، والحل الأمريكي الإسرائيلي الرجعي، قد رفضه حزبنا، وعدد كبير
من القوى الوطنية الفلسطينية، وهي تناضل من أجل إسقاط هذه الاتفاقات والمشاريع، ولكن
م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني هو مكسب تاريخي لشعبنا، والأشخاص
63
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
يزولون، وسنعمل مع كل القوى الوطنية الفلسطينية المشاركة في هذه الدورة على طرح هذه
القضايا واستصدار قرارات بشأنها، والقيادات غير مخلّدة، والصالح منها المتمسك حتى النهاية
بحقوق شعبه ومصالحه هو الباقي »، فقال لي: » طيب، لماذا لم تشارك الجبهة الشعبية القيادة
العامة، وطلائع حزب التحرير الشعبية )الصاعقة( وغيرها في هذا المجلس، وطالبت أولاً إسقاط
عرفات وقيادته اليمينية المفرّطة؟ وما رأيك في موقفهم؟ » فقلتُ له: « هذا شأنهم وموقفهم،
وأنا أختلف معه، والصحيح أنهم كان يجب أن يشاركوا في هذه الدورة، ومعنا، ومع رفاقنا في
الشعبية والديمقراطية والنضال الشعبي وجبهة التحرير الفلسطينية والمستقلين، لنعمل من
أجل التصحيح والإصلاح، وتوحيد المنظمة وهذا أساسي وصحيح ». أعطاني جواز سفري، وغادرت
مقرّ الضابطة الفدائية مهيّئاً نفسي للسفر مع رفاقي.
وحين انعقد المجلس الوطني في دورته الثامنة عشرة في الجزائر جرى التصويت على
انضمام الحزب الشيوعي الفلسطيني رسمياً إلى منظمة التحرير الفلسطينية، واعترضت أو
امتنعت عن التصويت جبهة التحرير العربية التابعة لحزب البعث العراقي، وقد قام أحد
قيادييها المعروفين، محمود إسماعيل « أبو اسماعيل »، وقدّم ورقة لرئيس المجلس الشيخ عبد
الحميد السائح يؤكد فيها باسم جبهته اعتراضهم او امتناعهم عن التصويت لصالح انضمام
الحزب الشيوعي إلى منظمة التحرير، وحين أعلن ياسر عرفات انضمام حزبنا إلى المنظمة
اختصر عضويته في المجلس الوطني إلى تسعة أعضاء، بدلاً من ) 12 ( عضواً كالجبهة الشعبية
أو الجبهة الديمقراطية، وكان هؤلاء الرفاق التسعة: )سليمان النجاب، نعيم الأشهب، ومحمد
حسن أبو شمعة، ود. ماهر الشريف، ومازن الحسيني، ومحمود شقير، ود. وليد مصطفى،
وداود عريقات، وعبد الرحمن عوض الله(. كما شارك في عضوية المجلس الوطني الرفيق حسن
عصفور كعضو في الأمانة العامة للاتحاد العام لطلبة فلسطين.
الإبعاد من سورية
وقد تنامى إلى علمنا ونحن نتابع عملنا في جلسات المجلس الوطني أن السلطة السورية
ستمنع دخول من شاركوا في هذا المجلس من المقيمين في سورية، فما كان من الرفيق د. ماهر
الشريف إلاّ العودة السريعة إلى دمشق، وقد قيل على لسان عبد الحليم خدّام: «إن سورية
ليست فندقاً لهؤلاء ». ويمكن القول: «إن انعقاد هذه الدورة التوحيدية للمجلس الوطني
64
الحركة الشيوعية في فلسطين
الفلسطيني قد سجّلت تطوراً تاريخياً في مسيرة الشعب الفلسطيني النضالية بعد أربع سنوات
عجاف من الانقسام والخلاف عاشتها منظمة التحرير الفلسطينية التي وصلت إلى حدّ الاحتكام
للسلاح، ممّ أفقد المنظمة هيبتها ونفوذها ومصداقيتها فلسطينياً وعربياً ودولياً. وكانت قرارات
هذه الدورة انتصاراً حقيقياً للقوى الوطنية الديمقراطية وخصوصاً لحزبنا الشيوعي، وضربة
موجعة للقوى الإمبريالية والصهيونية والرجعية التي تعمل على إبقاء منظمة التحرير منقسمة
وممزقة، وقد كان الحزب الشيوعي الفلسطيني، مدركاً بوعيه الوطني والطبقي هدف أعداء
شعبنا في تمزيق الصف الوطني الفلسطيني واستمرار انقسام منظمة التحرير .»
وفي بيان اللجنة المركزية لحزبنا الصادر في 1987 / 4/ 26 حول دورة الوحدة الوطنية
للمجلس الوطني أكد الحزب: « أنه يفخر بدوره الفعّال في تحقيق هذا الإنجاز الوطني
التاريخي، وأنّه سيشدد النضال لصيانة الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية،
وفي سبيل حقوق شعبنا العادلة. وقد تم الاعتراف في هذه الدورة بالحزب كتنظيم مستقل في
منظمة التحرير، وكان لهذا القرار التاريخي دلالات كبيرة، حيث اعتبر الشيوعيون الفلسطينيون
هذا الاعتراف بمثابة المزيد من المسؤولية الوطنية على عاتق حزبنا تجاه شعبهم وقضاياه
العادلة ». كما أكّد ذلك الرفيق نعيم الشهب في كلمته باسم الحزب أمام المجلس بأن القرار
الذي اتخذته دورة الوحدة الوطنية بالنسبة للشيوعيين الفلسطينيين هو مزيد من الالتزام تجاه
شعبنا وقضيته الوطنية، رغم أنّ حجم تمثيلنا في المجلس الوطني لم يأتِ موازياً لثقلنا الحقيقي
في ساحات النضال الفلسطيني الفعلية، ولنفوذنا المرموق عربياً ودولياً. وبعد انتهاء الدورة
وانتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية، وأعضاء المجلس المركزي أواخر نيسان/ أبريل 1987 ، غادر
سليمان النجاب مدينة الجزائر إلى تونس ليقيم فيها كونه انتخب عضوا في اللجنة التنفيذية ل
م.ت.ف.، وسافر كلانا )محمد وأبو شمعة وأنا( إلى براغ، واستقبلنا الرفاق هناك وعلى رأسهم
الرفيق نعيم الأشهب.
مكثنا أسبوعاً في براغ، وركبنا الطائرة المتوجهة إلى دمشق، حيث وصلنا مطار دمشق
وهبطت الطائرة، سُمح لرفاق الجبهة الشعبية بالدخول، وأوقفتنا عناصر الضابطة الفدائية
)أنا ومحمد ابو شمعة( داخل المطار، واحتفظوا بجوازي سفرنا، وعندما سألناهم لماذا؟ قالوا:
« أوامر عليا ». مكثنا قرابة خمسة أيام ونحن ننام على كراسي المطار، والمسافرون والمغادرون
والعائدون يمرّون من امامنا، وكانت زوجتي )أم عمر( تُحْضر لنا طعاماً يومياً، وهكذا كانت
65
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
)أم زيد( زوجة رفيقي محمد أبو شمعة، وكان باستطاعتنا الخروج من المطار، ولكننا لم نفعل،
فالأبواب الخارجية مفتوحة.
وبعد أيام معدودة وصل الرفيق قيس عبد الكريم السامرّائي )ابو ليلى( عضو المكتب
السياسي للجبهة الديمقراطية ومعه الرفيق حسين عاصي )ابو ساجي( عضو اللجنة المركزية
لجبهة التحرير الفلسطينية ورفيق آخر لم أعد أذكر اسمه، ودهشوا عندما رأونا محتجزين في
المطار، وقد جاء إلى المطار مسؤول العلاقة بين الجبهة الديمقراطية والضابطة الفدائية، وعندما
عرف باحتجازنا في المطار، قال : » إنّ الرفيق )أبو ليلى( سيعقد مؤتمراً صحفياً يرفض فيه ويدين
احتجازه في المطار لو حصل ذلك » وما إن سمع رجال الأمن هذا الكلام حتى أبلغوا ذوي الأمر
منهم، فاستشاطوا غضباً، وبعد لحظات أمرونا نحن الخمسة بمغادرة قاعة القادمين والمغادرين
إلى قاعة )الترانزيت( العليا بحيث لا نرى أحداً، تهيئة لمغادرة المطار، في حين اشرف الرفيق
)زاسا( السكرتير الأول في سفارة المانيا الديمقراطية في دمشق على حمل حقائبنا إلى طائرتهم،
وتزويدنا بالتذاكر إلى برلين. واستقبلنا الرفاق المسؤولون في قاعة ) VIP ( للشخصيات المهمة.
ومكثنا في برلين أسبوعاً في ضيافة رفاقنا الألمان، وعرضوا علينا البقاء في برلين، فأخبرناهم أن لنا
رفاقاً في براغ ينتظروننا هناك، وشكرناهم، وغادرنا إلى براغ حيث التقانا الرفاق: نعيم الأشهب،
ومحمود شقير ود. عبد الحليم شتات وأبو علي العلاري.
تأسيس شركة “نصّار” للنشر والتوزيع في قبرص
أمضيتُ قرابة شهر في براغ، وبناءً على قرار من قيادة الحزب التي كلفتني بالسفر إلى
قبرص لتأسيس شركة )مؤسسة( نصّار للنشر والتوزيع في نيقوسيا. وصلت إلى مطار لارنكا ومنه
إلى العاصمة نيقوسيا في أوائل شهر تموز/ يوليو عام 1987 ، ونزلتُ ضيفاً في بيت رفيقي نعيم
ناصر وزوجته الرفيقة )فطيمة(.
وبعد فترة من المتابعة، أنجزتُ والرفيق نعيم ناصر تأسيس مؤسسة نصّار للنشر
والتوزيع، واستأجرنا مقرّاً لها، وجهزّناه بكل المتطلبات من هواتف وفاكس، وآلة تصوير...
الخ تحضيراً لإصدار بعض أدبيات الحزب من هذا المقرّ، كجريدة “صوت الوطن” التي كنّا
نصدرها أسبوعياً والتي تحوّلت بعد ذلك إلى “مجلة صوت الوطن”، كما فعلت القوى
الوطنية الفلسطينية التي سبقتنا في هذا المجال، فقد أصدرت فتح “فلسطين الثورة” والجبهة
66
الحركة الشيوعية في فلسطين
الديمقراطية مجلة “الحرية” والجبهة الشعبية مجلة “الهدف” وجبهة النضال الشعبي مجلة
“نضال الشعب” إضافة إلى “شؤون فلسطينية” التي يصدرها مركز الأبحاث الفلسطيني، ومجلة
“بلسم” التي تصدرها جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، و”صوت البلاد” فتح، ثم لاحقاً مجلة
“صوت الوطن” للحزب الشيوعي الفلسطيني.
وقد عمل في هذه المؤسسة الرفاق: عبد الرحمن عوض الله المدير العام، ونعيم ناصر
سكرتير تحرير المجلة، ومحمد صالح خليل المدير الفني، وجورج الكتوت المسؤول عن توزيع
المجلة خارج قبرص، والرفقية “أم عمر” زوجتي مسؤولية المالية. وسوية أخذنا نعمل على
تنفيذ قرار الحزب بإقامة مؤسسة نصّار، وفتح مكتب إعلامي في قبرص تولّيتُ مسؤوليته، وتبوأ
لاحقاً الرفيق د. ماهر الشريف رئاسة تحريرها.
وتابعتُ الإشراف على إصدار نشرة “صوت الوطن” التي كانت تصدر أسبوعياً، وعلى
مجلة “صوت الوطن” التي كانت تصدر شهرياً، وتدقيق موضوعاتها، وترتيبها، وملاحظة صحة
لغتها، وطباعتها، وتوزيعها داخل الوطن وخارجه، وذلك بالطبع بالتعاون مع طاقم المجلة
وبخاصة مع الرفيق نعيم ناصر، وتميزت هذه المجلة فلسطينياً وعربياً كمجلة مرموقة، هادفة
وملتزمة، وكانت الصوت الأبرز إعلامياً، بصدق وواقعية وثورية خطابها السياسي والفكري.
لقد كانت بحق صوت الانتفاضة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت في التاسع من كانون أول/
ديسمبر عام 1987 ، وقدّم كوكبة من كتّابها وعدد من المثقفين الفلسطينيين والعرب أفضل
ما كُتب عن هذه الانتفاضة من تحليلات سياسية وفكرية، وتأثيراتها الإيجابية على الوضع
الفلسطيني والعربي والدولي، مثل نعيم الأشهب، ود. ماهر الشريف رئيس تحريرها، ود. وليد
مصطفى، ود. نصير عاروري، وتيسير عاروري، ومحمود شقير، وحسن عصفور، وعوّاد ناصر،
ود. واسيني الأعرج، وفالح عبد الجبّار، ، والمخرج المسرحي جواد الأسدي، وعبد المجيد حمدان،
وفالح عبد الحميد العطاونة، والشاعر سعدي يوسف، ومحمد مناصرة، وحيدر عوض الله
وغيرهم الكثير.
وقد كلفني الحزب بأن استقبل الطلبة الذين كان يرسلهم للدراسة في البلدان الاشتراكية،
واستخراج تأشيرات السفر لهم، وترتيب أوضاعهم وتأمين سكنهم، أما الطالبات الرفيقات فكنت
استضيفهن في منزل العائلة حتى سفرهن.
67
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
وقد أقمت علاقات حزبية باسم حزبنا مع الرفاق في حزب «أكيل » الشيوعي، وخصوصاً
مع الرفيق «أدونيس » عضو المكتب السياسي للحزب ومسؤول العلاقات الخارجية. وكنتُ أزوّده
بكل المعلومات المهمة حول الانتفاضة، ودور حزبنا فيها، وأطلب من قيادة هذا الحزب، بما له
نفوذ سياسي مؤثر في قبرص، وعلاقات واسعة مع الأحزاب الشيوعية العالمية، بدعم شعبنا في
نضاله العادل ضد الاحتلال، ومن أجل تحقيق حقوقه الوطنية المشروعة، وقد لعب هذا الحزب
دوراً كبيراً في تحريك الشارع القبرصي ضد العدوان الإسرائيلي، وتأييد الشعب الفلسطيني ودعم
نضاله العادل. وقد نظّم الحزب وأصدقاؤه تظاهرة حاشدة أمام السفارة الإسرائيلية في العاصمة
القبرصية نيقوسيا، تندّد بالجرائم الإسرائيلية، وضرورة وقفها، وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من
الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها
إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين إلى ديارهم الني
شُّدوا منها عام 1948 .
وخرجت الجالية الفلسطينية من نيقوسيا بتظاهرات حاشدة تندد بجرائم الاحتلال
وبوقف إجراءاته الإرهابية، وتساند وتدعم نضالات شعبنا من أجل كنس الاحتلال، وكانت
زوجتي تلبس اللباس التراثي الفلسطيني وأنا بجانبها، فأخذت النساء القبرصيات يقبّلنها
ويقبّلن يديها على ما يصيب الشبّان والشابات والأطفال المتظاهرين في الأرض المحتلة الذين
يقمعهم الجيش الإسرائيلي بقسوة وعنف شديدين. كما خرجت الجماهير القبرصية المؤيدة
للحقوق الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، ووقف عدوانه الهمجي
على الجماهير الفلسطينية، وتوجهت للسفارة الإسرائيلية وفي مقدمتها رفاق وجماهير الحزب
الشيوعي «أكيل » ومناصروه وهم يهتفون ضد الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، ويطالبون بوقف
هذه الجرائم وانسحاب قواته من الأرض الفلسطينية المحتلة.
وبدأ دور الحزب الشيوعي الفلسطيني متميزاً في عملية استعادة وحدة )م. ت. ف(
في دورة المجلس الوطني عام 1987 . وتقديراً لهذا الدور النضالي المتميز داخل الأرض المحتلة
وخارجها، تبوّأ مكانه الطبيعي داخل منظمة التحرير الفلسطينية كأول حزب سياسي، وانتُخب
الرفيق سليمان النجاب عضواً في لجنتها التنفيذية، والرفيقان نعيم الأشهب وعبد الرحمن عوض
الله عضوين في مجلسها المركزي.
68
الحركة الشيوعية في فلسطين
المرحلة الرابعة
من شباط/فبراير عام 1982 حتى أواخر عام 2011
الانتفاضة الكبرى ومواقف الحزب
وفي نهاية عام 1987 انفجرت الانتفاضة الكبرى )ومن الخطأ تسميتها بالانتفاضة
الاولى( فقد انتفض الشعب الفلسطيني انتفاضات عديدة بعد عام 1948 في الضفة الغربية
وقطاع غزة والتي جاءت محصلة لنضالات الشعب الفلسطيني على مدار عشرين عاماً من
الاحتلال وأربعين عاماً على النكبة، هذه الانتفاضة التي مثلتْ أعظم انعطاف وطني في معركة
التحرر الوطني ضدِّ الاحتلال، بعمقها الشعبي والديمقراطي التحرري والنتائج السياسية الكبيرة
التي أحدثتها على طبيعة النضال الوطني الفلسطيني بأبعاده الإقليمية والدولية، وصيانتها لدور
ومكانة )م. ت. ف( التي جرت محاولات خلق البدائل منها. وانطلاقاً من هذا العمق الشعبي
والكفاحي الديمقراطي للانتفاضة دأب الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي ساهم بدور طليعي
في بناء اللجان الشعبية التي أبدعتْها الجماهير من خلال تجاربها السابقة، وفي تشكيل القيادة
الوطنية الموحدة التي كان الحزب قد بادر بإصدار بيانه الأول في الأسبوع الأول للانتفاضة باسم
)اتحاد القوى الوطنية( في قطاع غزة، وقد تبعته مجموعة من البيانات تحمل الاسم نفسه.
وبعد تشكيل القيادة الوطنية الموحدة، تْم إصدار بيانها الأول بتاريخ 1988 / 2/ 9 الذي طُبع منه
آلاف النسخ في مطبعة الحزب السرية. كما دأب الحزب على نقد التعامل الفوقي والبيروقراطي
مع جماهير الانتفاضة، والخطاب السياسي غير الواقعي ومسلكيات بعض القوى السياسية
التي أدّت إلى التآكل التدريجي لعمق المساهمة الشعبية الديمقراطية في الانتفاضة، وانتقد بلا
69
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
هوادة محاولة بعض القوى شرذمة الحركة الوطنية، وإغراقها في صراعات داخلية، من خلال
ممارساتها اليومية المعادية للديمقراطية تحت حجج أيديولوجية، كان الهدف من ورائها خلق
قيادة بديلة وموازية ل )م. ت. ف( كما حذرَّ في الوقت نفسه من خطورة عسكرة الانتفاضة.
ولا بد من القول: «إن منظمة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة قد شاركت في فعاليات الانتفاضة
في أيامها الأولى مع رفاقنا في مواقع مختلفة وقد قال ممثلها في لجان التنسيق المشتركة: «إننا
تنظيم مسلح ليس له منظمات جماهيرية مثلكم، ولكننا سنجنّد كل إمكاناتنا. » بينما رفض
)المجمّع الإسلامي( الإخواني الذي انبثقت «حماس » من رحمه المشاركة في الانتفاضة في بدايات
انطلاقتها، وقالوا للرفيق توفيق المبحوح «أبو ياسر » الذي كان يُنسّق مع القوى: « نحن لا
نشارك في انتفاضة شيوعية .»
وحين استدعى الحاكم العسكري الصهيوني في غزة ثلاثة منهم هم: اسماعيل القانوع،
وعامر عرموط، وموسى محمود المطوق، وكان ذلك بعد خروج الجماهير التي تصلي في الجوامع
في تظاهرات حاشدة تندّد بالاحتلال، وتطالب بانسحابه من قطاع غزة، وذلك بترتيب من حزبنا
والجهاد الإسلامي وقوى م.ت.ف، أكد هؤلاء له أنهم لم يفعلوا ذلك، ولا يشاركون في انتفاضة
شيوعية.
وحين قررت «حركة حماس » الإعلان عن وجودها أرسلت رسالة إلى فتح والجبهة
الشعبية والجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي الفلسطيني، ويقول الرفيق تيسير عاروري:
«لقد كُتبت الرسالة بخط يدوي جميل، وتسلمها الرفيق خلدون عبد الحق عضو المكتب
السياسي للحزب من أحد قادة الإخوان المسلمين في نابلس، وقام الرفيق خلدون بعرضها على
المكتب السياسي ». وتنص الرسالة على ما يلي: «لقد قررت حركة الإخوان المسلمين في اجتماعها
الأخير بتاريخ 1988 / 2/ 28 المشاركة في الانتفاضة تحت اسم حركة المقاومة الإسلامية )حماس(،
وبذلك تكون حماس هي ذراع الإخوان المسلمين في الانتفاضة ». أي بعد أكثر من شهرين حسب
هذه الرسالة. ويشير كثير من المناضلين الوطنيين غير المنظمين في صفوف القوى السياسية الذين
أسهموا بنشاط في بداية الانتفاضة ، واعتُقلوا وعُذّبوا ، إلى أنّ مشاركة )حماس( في فعاليات
الانتفاضة قد تأخرت كثيراً، ففي مدينة رام الله مثلا ظهرت لاول مرة بعض الشعارات على
الجدران بتوقيع حماس في أوائل شهر آذار 1988 . وهنا أستشهد بما قاله الأستاذ المربي عمر
حمّش ) وهو من نُشطاء الانتفاضة الذي اعتقل وعذُّب ولم يعترف على زملائه المناضلين( : «وأنا
70
الحركة الشيوعية في فلسطين
أذكر كيف فوجئ الإخوان المسلمون إلى حدّ الذهول بالانفجار الكبير، وكيف أنهم قد لزمهم
من الوقت ثلاثة شهور كاملة ليتَّخذوا قرار المشاركة على طريقتهم، وبقرارات منفصلة تماماً
في الشارع عن قرارات «القيادة الوطنية الموحدة » وكان لذلك الانقسام أسوأ الأثر على الروح
المعنوية للجماهير الشعبية. » وقد استخدمت بعض التنظيمات، وفي مقدمتها «حركة حماس »
ضد المختلفين معها ومَن سمَّتهم )العملاء( أساليب قمع وتعذيب لا توصف في بشاعتها،
وسأذكر مثالاً واحداً من أمثلة عديدة من هذه الجرائم المثيرة للغضب والاستنكار، كما حصل
لأحد المعلمين في احدى المدارس الابتدائية في مدينة دير البلح الاستاذ عبد المعطي البحيصي،
حين أخذ بعض عناصر هذه التنظيمات بتقطيع أوصاله بالبلطات في ساحة المدرسة أمام طلابه
الصغار، والأطفال يصرخون ويبكون مذعورين، وثبت فيما بعد أنه بريء، وقتل )آل البحيصي(
لاحقاً قاتله المجرم.
وعندما بدأت الانتفاضة تخبو وتتراجع بسبب العديد من الممارسات المشينة واستخدام
اللثام في الصراعات العائلية والثأر، وكتابة بعض الشعارات المسيئة للمناضلين، )والزعرنة
والبلطجة( ضد المواطنين والاعتداء عليهم، وازدياد عمليات القتل بحجة العمالة أو سوء
الأخلاق، وفرض الأتوات على التجار وابتزازهم، مما جعل حزبنا يبادر بعقد المؤتمرات الشعبية
الحاشدة لمواجهة هذا التدهور، بالتعاون مع بعض قوى منظمة التحرير الفلسطينية، وأمام
جيش الاحتلال الإسرائيلي في كل محافظات قطاع غزة احتجاجاً على هذه التعدّيات والممارسات
المشينة وضرورة وقفها، والتي يستفيد منها الاحتلال، ويعمل على تغذيتها وتوسيعها وكان
أول هذه المهرجانات الشعبية في مخيم جباليا، في 1992 / 5/ 9 برئاسة الرفيق عايش عبيد عضو
اللجنة المركزية لحزبنا والقائد النقابي المعروف، تلاه مؤتمرٌ آخر في حي الشجاعية بتاريخ 5/ 16 /
1992 ، حيث حضره أكثر من 5 ألاف من المواطنين والذي غطته وسائل الإعلام ومحطات
الإذاعة والصحف والمجلات، كما تلاه مؤتمرٌ ثالث مقابل مخيم الشاطئ، وقد شاركت في هذه
المهرجانات والمؤتمرات الشعبية كوكبة من الشخصيات الوطنية والنقابية والمهنية وممثلي
المؤسسات الوطنية ورجال الفكر والوجهاء والقضاة العشائريين والمخاتير، وكان في مقدمة
هؤلاء جميعاً الدكتور حيدر عبد الشافي، وعايش عبيد، ود.سمير عبد الله الذي قدم من الضفة
الغربية، والمحامي يونس الجرو )الجبهة الشعبية(، والاخ توفيق ابو خوصة )فتح(، والمحامي
رفيق أبو ضلفة )جبهة النضال الشعبي( والرفيق وليد زقوت )الجبهة الديمقراطية(، والرفيق
71
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
طلعت الصفدي عريف الحفل، والمهندس تيسير محيسن، وعبد الله أبو العطا، والمحامي غازي
ابو وردة.
ومن الوجهاء والمخاتير ورجال الاصلاح نذكر منهم: المصلح الكبير حسني سلمان
المغني، وحامد ضبان )أبو فؤاد(، وصالح أبو شماس )ابو جمال(، والمختار عياد البطنيجي،
والشيخ ابراهيم أبو سالم وغيرهم. ولقد لاقت هذه المهرجانات دعما وتأييدا وإشادة بموقف
الحزب الشيوعي الفلسطيني. وقد تناول المتحدثون في كلماتهم خطورة الممارسات التي تنفذها
بعض القوى والحركات ضد الجماهير وخصوصا الإعدامات التي تتم دون محاكمة والتي لا
يستفيد منها سوى الاحتلال الإسرائيلي ليحكم قبضته على الانتفاضة الفلسطينية ويجهض
أهدافها الوطنية والاجتماعية.
وكانت الحشود التي حضرت تلك المهرجانات والمؤتمرات هي التي كانت في مخيم
الشاطئ والتي ساندها رفاقنا في المنطقة الوسطى بقيادة الرفيق رائد أبو زايد، وفي منطقة
خانيونس ورفح اللتين كان يقودهما مجلس حزبي واحد بقيادة الرفيق عطا حسن أبو رزق،
ورفيقيه محمد الناقة، وتيسير أبو خضرة، إذ كان الرفيقان نافذ غنيم وحجازي ابو شنب
القياديان المسؤولان عن منطقة خانيونس ورفح، معتقلين في السجون الاسرائيلية.
وفي أثناء كلمة الدكتور حيدر عبد الشافي تسلل احد العناصر الملتحية الى المنصة
وأمسك الميكروفون وصرخ بأعلى صوته «الله أكبر الإسلام هو الحل » وكررها عدة مرات دون
مقاطعة من عريف المهرجان الرفيق طلعت الصفدي، وعندما انتهى المتسلل صرخ عريف
المهرجان وطلب من الحضور ترديد « الله أكبر على الاحتلال « ،» الله أكبر على مغتصبي القدس »
ورددت الجماهير بصوت عالٍ وبضحكات عالية مما دفع الجمهور الى التصفيق الحاد والحار.
وانتهى المهرجان، وخرجت الجماهير الى الشارع العام واصطدمت بجنود الاحتلال وتم إحراق
إحدى السيارات العسكرية الاسرائيلية، وارتفعت صيحات الجماهير ضد الاحتلال وممارساته
الإرهابية.
ومن الجدير بالذكر أن مهرجان مخيم الشاطئ كان عشية عيد الأضحى المبارك حيث
فوجئت الجماهير ببيانات من حركة حماس تتهم الشيوعيين بالدفاع عن العملاء، كما فوجئ
السكان في حي النصر وفي المنطقة التي يسكنها الأخ توفيق أبو خوصة بإعدام شخصين ورميهما
72
الحركة الشيوعية في فلسطين
أمام بيته صباح يوم العيد في 1992 / 6/ 11 ، مما خلق حالة من التذمر الشديد من المواطنين.
واختتم الرفيق طلعت الصفدي المهرجان بتلاوة التوصيات التي نصت على:
1 .1 التوقف كليا عن التحريض الذي يمارسه هذا الفصيل ضد ذاك.
2 .2 وقف حرب الشعارات والبيانات على الجدران وسواها.
3 .3 انتهاج اسلوب الحوار الديمقراطي لحل الاشكالات بين الجماهير وفصائلها، ووقف اي قتال
داخلي.
4 .4 وقف الاعتداءات على الممتلكات والورش والمصانع والمحال التجارية وحرق السيارات.
5 .5 تشكيل لجنة اصلاح من حقوقيين ومشرعين ورجال عرف وعادة ومصلحين اجتماعيين
معترف بها وقراراتها ملزمة للجميع وبديلا للمحاكم المعطلة.
6 .6 الاستمرار في الانتفاضة حتى زوال الاحتلال.
وتجدر الاشارة إلى أن مضمون التوصيات التي خرجت عن مؤتمر مخيم جباليا وحي
الشجاعية ومؤتمر مخيم الشاطئ لا تختلف في شيء عن مضمون المؤتمرات جميعها.
هذا وقد فوجئ عريف المهرجان باستدعائه من «الشؤون العربية الإسرائيلية » وسؤاله
عن هذا المهرجان والغاية منه، فأجابهم بأنهم لا بد أنهم قد سمعوا بكل تفاصيل هذا المؤتمر،
وليس لديه شيءٌ ليقوله.
وقد حاول الاخوان المسلمون كما حاولت إسرائيل خلق البدائل من م.ت.ف، فمنحتهم
رخصة النشاطات المختلفة المعادية ل م.ت.ف والاشتباك مع أعضائها وعناصرها بالجنازير
والسكاكين والهراوات الضخمة، وحاولوا اغتيال د. حيدر عبد الشافي وطعنوا رفيقنا د. تيسير
البرقوني بالسكين في ظهره، وحرقوا مقر الهلال الأحمر الفلسطيني بكل ما فيه من صيدلية
ومكتبة ضخمة وأثاث الذي يرأسه د. حيدر عبد الشافي في السابع من كانون الثاني / يناير عام
1980 ، وتابعت )حماس( هذا النهج بعد عودة قوى م.ت.ف إلى الوطن طبقاً لاتفاق أوسلو
الذي رفضته )حماس(، وتقدمت أخيراً للانتخابات التشريعية على أساسه، ووصل بها الأمر أخيراً
إلى انقلابها الدموي في قطاع غزة عام 2007 ، وأسست إمارتها )الربانية( على حد تعبير محمود
الزهار، وخططت لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وارتكبت المجازر العديدة وفرضت نظاماً
73
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
فاشياً يصعب سرد وقائعه في هذا البحث الموجز، وقد وصف الأخ حمدي شقورة نائب مدير
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في قطاع غزة العام الأول لحكم حماس «بأنه نكبة جديدة،
وتدمير القضية الفلسطينية، بسبب التراجع غير المسبوق في أوضاع حقوق الانسان في قطاع
غزة، وهي تسعى إلى استغلال وضعها الانقلابي لتجييره لصالح التنظيم الدولي لحركة الاخوان
المسلمين، حيث تمارس القمع والاستبداد وإصدار أنظمة ومشاريع وقوانين لفرض أيدولوجيتها
بالقوة على مجمل الشعب الفلسطيني .»
وحين أعلن د. محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين أن الإخوان المسلمين يسعون
لإقامة الخلافة الإسلامية، وأنها السبيل كي تتسيّد جماعة الإخوان العالم، كان فتحي حمّد وزير
داخلية حماس قد سبق مرشده العام، إذ نشرت جريدة )الرأي( الكويتية على موقعها الالكتروني
في عددها الصادر يوم الأربعاء 2011 / 6/ 22 ، أقوالاً على لسان فتحي حمّد في اجتماع سرّي في
31/5/2011 بشمال غزة نقتبس منها ما يلي: «وعندما يسيطر الإخوان على مصر راح تتغير
معالم الدنيا كلها. إحنا رايحين نحكم العالم العربي. والمصريين هبلان. اليوم زمننا وزمن الإخوان،
ومن سيقف في طريقنا سندوسه بلا رجعه .»
تعديلات فكرية وتنظيمية في المؤتمر الثاني للحزب:
وفي أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر 1991 م عقد الحزب الشيوعي مؤتمره الثاني،
وأجرى تعديلات فكرية وتنظيمية على برنامجه ونظامه الداخلي، وجرى تغيير اسم الحزب
ليصبح «حزب الشعب الفلسطيني »، هذه التعديلات التي كانت وما تزال موضع جدل حتى
الآن والتي طالت هويته الفكرية والطبقية. وفي مؤتمره الثالث الذي انعقد في أوائل تشرين
أول/ أكتوبر عام 1998 ، أدخل المؤتمر تعديلاً واضحاً على تعريف الحزب، وهويته الفكرية
والاجتماعية باعتباره حزباً اشتراكياً يسترشد بالمنهج المادي الجدلي، وبمبادئ الفكر الاشتراكي
وبمنجزات العلم والتراث العربي الإنساني التقدمي. وأجرى توسيع الديمقراطية الحزبية بين
صفوفه، كما أقر المؤتمر صيغة أمانة عامة ثلاثية بعد رحيل الأمين العام الرفيق بشير البرغوثي،
وقد تشكلت أولاً من ثلاثة هم: حنا عميرة، ومصطفى البرغوثي )الذي لم تمكّنه اللجنة المركزية
من أخذ موقعه كمنسق للأمانة العامة، لعدة أسباب. فقدم استقالته وشكّل تنظيماً باسم
المبادرة الوطنية(، وعبد المجيد حمدان، ثم تشكلت بعد ذلك من الرفاق فؤاد رزق، وعبد
74
الحركة الشيوعية في فلسطين
الرحمن عوض الله، وطلعت الصفدي، وأضيف إليها لاحقاً الرفيق بسام الصالحي.
وفي مؤتمره الرابع الذي انعقد في اليوم السادس والسابع من آذار/ مارس 2008 في رام
الله، وفي قطاع غزة حيث كلّفني المكتب السياسي للحزب بقيادة مؤتمر فرع الحزب فيه، تابع
الحزب نضاله السياسي والاجتماعي، وتنفيذ قرارات مؤتمره الثالث، وقرر تقاعد الرفيق فؤاد
رزق، وتقاعدي لتقدمنا في العمر. ولا بد من الإشارة إلى القفزة النوعية التي اتخذها هذا المؤتمر
على طريق إنصاف المرأة في الحزب وحقها في الوصول إلى أعلى المراتب التنظيمية بانتخاب عدد
من الرفيقات في اللجنة المركزية للحزب، وهن : فدوى خضر، ورضا نتيل )عوض الله(، وعفاف
غطاشة، ونادية حرب، وخولة عليان ، وحنين زيدان، وسمر الأغبر، وليلى خشّان، ومها المصري،
ودنيا خضر )من مخيم عين الحلوة في لبنان(، كما انتخبت اللجنة المركزية ثلاث رفيقات في
المكتب السياسي لأول مرة منذ إعادة تأسيس الحزب، وهن: فدوى خضر، وعفاف غطاشة، ورضا
نتيل )عوض الله(. وقد نص النظام الداخلي للحزب على تخصيص % 20 من عضوية اللجنة
المركزية والمكتب السياسي للمرأة، كما انتخب المؤتمر أربعة أعضاء في المكتب السياسي من قطاع
غزة هم: طلعت الصفدي، وليد العوض، نافذ غنيم، وتيسير محيسن، وسبعة رفاق من الضفة
الغربية وهم: بسام الصالحي الأمين العام، وحنا عميرة، وغسان الخطيب، وعاصم عبد الهادي،
وحيدر عوض الله، ونصري أبو جش، وخالد منصور، والرفيق د. ماهر الشريف من الخارج.
كما انتخب المؤتمر لجنة الرقابة المركزية بقيادة الرفيق محمود أنيس «أبو كفاح » ونائبه الرفيق
عماد عصفور، وعضوية كل من أحمد الأشقر، وعماد المصري، وهم من قطاع غزة، ويوسف
زيادة امين سر اللجنة، وجابر الطميزي، وباسل منصور، ورياض حَنني، ومحمد بكر، ومعتز
السيد، وهم من الضفة الغربية، والرفيق حسن إزدحمد )وهو من مخيم عين الحلوة / لبنان(،
ولم أذكر أسماء الرفاق الذين استقالوا أو انتظموا في مواقع حزبية اخرى.
75
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
المؤتمر الخامس لحزب الشعب الفلسطيني
نحو تعميق الوحدة الفكرية والسياسية والتنظيمية لحزبنا حزب الشيوعيين
الفلسطينيين من أجل التحرر الوطني والاجتماعي
وقد أقرّت اللجنة المركزية لاحقاً، وبعد مناقشات ومداولات واسعة مشروع البرنامج السياسي
والنظام الداخلي، وتغيير اسم الحزب من )حزب الشعب الفلسطيني( إلى )حزب الشيوعيين
الفلسطينيين(. وما أريد أن أركز عليه بإيجاز هو تعريف الحزب وتحديد هويته الفكرية
والطبقية كما يلي:
الحزب: هويته وأهدافه: هو حزب الشيوعيين الفلسطينيين، رجالاً ونساءً، المناضلين من أجل
التحرر والاستقلال الوطني، والدفاع عن مصالح وحقوق الطبقات والفئات الشعبية والفقيرة
من العمال والفلاحين وجميع الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم، وهو امتداد للتراث الكفاحي
التاريخي المجيد للحركة الشيوعية واليسارية التقدمية في فلسطين، وتقوم الرؤية الإيديولوجية
والفكرية للحزب على مبادئ وقيم وأهداف الاشتراكية العلمية، والقضاء على الاستغلال بكل
أشكاله الطبقية والقومية، واحترام حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ويعتمد
الحزب في تحليله للواقع والمجتمع المنهج المادي الجدلي – الديالكتيكي المستند إلى منجزات
العلم، ويستلهم في ممارسته النظرية والعملية التراث الفكري الماركسي والاشتراكي، وكل ما هو
تقدمي وإنساني في التراث الفكري والتجربة الكفاحية لشعبنا والشعوب العربية والعالمية،
ويناضل الحزب من أجل دولة عصرية وعلمانية تقوم على الفصل بين الدين والدولة، ويناضل
كذلك من أجل تحويلها من دولة فلسطين الديمقراطية المستقلة وكاملة السيادة إلى دولة
اشتراكية، ويناضل الحزب بالوسائل الديمقراطية والسلمية، وعلى قاعدة احترام الإرادة الشعبية
من أجل بلوغ هذا الهدف.
إن إعادة بناء الحزب كحزب شيوعي، تنطلق من حقيقة أنه لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية،
وكذلك من مضمون تحقيق وحدة فكرية وسياسية وتنظيمية راسخة في الحزب، تطغى على
أية أنماط أخرى للعلاقات الحزبية الداخلية أو لعلاقات الحزب على صعيد القوى الاجتماعية
والسياسية، وتؤدي بصورة ملموسة إلى تعزيز إرادة العمل المشترك ووحدة التنظيم الحزبي،
وفعاليته في قيادة حركة الحزب وزيادة تأثيره في المجتمع، وكذلك تعزيز الآلية الديمقراطية في
76
الحركة الشيوعية في فلسطين
التعاطي مع التباينات أو الاختلافات في وجهات النظر التي تظهر لدى أعضاء الحزب في هيئاته
المحلية أو المركزية.
لقد سعدتُ كثيراً للتعديلات التي أحدثتها اللجنة المركزية على البرنامج السياسي والنظام
الداخلي، وآمل أن يقرّها المؤتمر الخامس.
وبهذه المناسبة، نظمْتُ هذه الأبيات الشعرية تأييداً لهذه التعديلات:
هذا هو الحزب الذي باركتهُ والقلبُ مطرقةٌ وكفّي منجلُ
والنجمةُ الحمراءُ تخفقُ في العُلا وتضيئُ دربَ الكادحنَ وتصهَلُ
كي ينهضَ الشّغّيلُ، والفاحُ يَحْضنهُ وحزبٌ للتحررِ يَعملُ
حزبٌ شيوعيٌ عريقٌ في مبادئهِ، عليمٌ، بالإباءِ مكلّلُ
حزبٌ طليعيٌ خبيرٌ في الصراعِ، ومِنْ ندى زهرِ المعارفِ ينهلُ
كمْ أدهشتني تضحياتُ رفاقهِ وعلى أريجِ جِراحهم نستبسلُ
وعلى خُطاهم سوفَ نمضي عصبةً وسلاحُنا فكرٌ سقاهُ المِعْوَل
فكرٌ يحضُّ على التقدّمِ والعدالةِ دائماً وهْوَ السّنى 1، والمِشعلُ
لنذودَ عن وطنٍ وشعبٍ صامدٍ ومناضلٍ، وحُماتهُ تتجندلُ 2
لتحرّرَ الوطنَ السليبَ من العِدى فيُصانَ حقٌّ للفقيرِ مُعجّلُ
ونزفَّ للدنيا بشائرَ نصرنا فيحلّقَ العلمُ المُفدّى الأجملُ
1 السنى: الضياء
2 تتجندل: تقع صرعى
77
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
انعقاد مؤتمر مدريد
لقد انعقد مؤتمر مدريد في 1991 / 10 / 30 ، ولدى تشكيل الوفد الفلسطيني إلى هذا
المؤتمر تقدم الحزب الشيوعي وفتح بقائمتين بأسماء المرشحين للمشاركة في هذا المؤتمر، وقد
تشكلت الهيئة القيادية التي ستشارك فيه من د. حيدر عبد الشافي الذي كان رئيس الوفد
وحازما في مواقفه ومصرا على وضع قضية الاستيطان في البند الاول من المفاوضات، وفي مقدمة
القضايا المطروحة التي جرى تجاوزها دون رأيه, وعضوية كل من الرفيقين تيسر عاروري
وغسان الخطيب ، ود. نبيل شعث وأكرم هنية وعزمي الشعيبي ود. حنان عشراوي و د.
نبيل قسيس. أمّا الوفد المفاوض فقد تشكل من د. حيدر عبد الشافي والرفيق غسان الخطيب
والرفيق د. سمير عبد الله، ود. صائب عريقات ود. ممدوح العكر و د. حسن أبو لبده ونبيل
الجعبري وآخرين، كما تشكلت اللجنة الاستراتيجية التي تعدّ الأوراق والأبحاث للمفاوضات
ويرأسها د. نبيل شعث والرفيق تيسير عاروري، وحين كان يغيب د. نبيل شعث يرأسها الرفيق
تيسير عاروري الذي يقول : «كنت أُنتَدبُ عن الوفد لتقديم التقارير للقيادة الفلسطينية
في تونس وبالتحديد إلى لجنة متابعة المفاوضات التي كان يرأسها محمود عباس «أبو مازن »
وعضوية سليمان النجاب وياسر عبد ربه و د. سمير غوشة. » كما تمّ اختيار الرفيق عبد الهادي
أبو خوصة «أبو أكرم » كعضو استشاري مشارك في المؤتمر، وعضو في لجنة اللاجئين التي حضر
اجتماعاتها الثلاثة في كل من كندا وتونس كممثل لحزبنا, وقد كانت هناك طواقم فنية لدعم
الوفد المفاوض، و كان لتلك الطواقم لجنة توجيهية وعدد كبير من الطواقم الفنية المتخصصة
التي كانت تجتمع وتقدم المعلومات والدراسات للوفد المفوض على مستوى المفاوضات الثنائية
والمفاوضات المتعددة الاطراف، وكان د. حيدر عبد الشافي من أكثر المتحمسين لتلك الطواقم,
لأنها كانت تمده بالمعلومات والدراسات، وقد مثل الرفيقان د. مصطفى البرغوثي وناصيف معلم
)نائب رئيس اللجنة التوجيهية( حزبنا في اللجنة التوجيهية, وعدد كبير من الرفاق في اللجان
كافة, ومنهم من كان يرأس تلك اللجان.
وتواصلاً مع رؤية الحزب التاريخية بضرورة حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حلاً
سياسياً، طبقاً لقرارات الشرعية الدولية، وخاصة قرارات 242 و 338 و 194 ، فقد أيّد الحزب
مؤتمر مدريد، ومبدأ «الأرض مقابل السلام »، وباختصار, فإن هذا المؤتمر لم ينجز من حقوق
الشعب الفلسطيني شيئاً.
78
الحركة الشيوعية في فلسطين
كما أيّد الحزب بتحفظ اتفاق إعلان المبادئ )أوسلو( الذي تم التوقيع عليه في واشنطن
في ايلول -سبتمبر 1993 ، وقد وقع عليه محمود عباس عن الجانب الفلسطيني، وشمعون بيريز
عن الجانب الاسرائيلي، ووزيرا خارجية روسيا وامريكا كشاهدين، وأكد على ترجمة اتفاق
أوسلو ترجمة حقيقية تضمن وتصون الحقوق الفلسطينية الشرعية، وسيعتمد ذلك على الأداء
الفلسطيني وعلى العمل الجاد لتوفير كل عوامل القوة المحلية والعربية والدولية.
ومع تطوّر العملية السياسية التي كان من نتائجها قيام أول سلطة وطنية فلسطينية،
فقد أكد المؤتمر الثالث للحزب على أن المرحلة الراهنة لا تزال مرحلة التحرر الوطني، وأن المهمة
المركزية هي مهمة التخلص نهائياً من الاحتلال، ولكنّ الجديد فيها هو التداخل العميق بين
المهام الوطنية، والاجتماعية، الأمر الذي يُلي ضرورة النضال من أجل إنجاز الاستقلال الوطني،
وكذلك ضرورة مواجهة تأثير وخطر بعض شرائح البرجوازية البيروقراطية والكومبرادورية، على
مستقبل القضية الوطنية وهدف الاستقلال الوطني. وانطلاقاً من هذه الرؤية المركبة لهذه
المرحلة فقد وجّه حزب الشعب الفلسطيني في نضاله الوطني والاجتماعي انتقادات منهجية
لأداء السلطة الفلسطينية على صعيد المفاوضات، وتهميش دور مؤسسات )م. ت. ف(، وعلى
صعيد أدائها الداخلي وبخاصة فيما يتعلّق بسياساتها الاقتصادية والاجتماعية وتجاوُز بعض
الأجهزة الأمنية اختصاصاتها، والتي باتت تهدّد باستمرارها قدرة وجاهزية الشعب الفلسطيني
على مواجهة التحديات الوطنية الخطيرة، الأمر الذي يتطلب معالجة جذرية لأداء السلطة
على المستوى الداخلي، وإعادة الاعتبار لمكانة ودور الجماهير الشعبية، وإشراكها في صنع
القرار السياسي وإشراك أحزابها الوطنية ومنظماتها الشعبية في معركة التحرر الوطني وتنفيذ
استحقاقات المرحلة الانتقالية، وقضايا المرحلة النهائية على أساس الاتفاقات المبرمة، وقرارات
الشرعية الدولية التي تؤَّمن انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من جميع الأراضي المحتلة عام 1967 ،
ومن ضمنها القدس الشرقية، وإزالة جميع المستوطنات، والإقرار بحق الشعب الفلسطيني في
إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على جميع هذه الأراضي وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين
إلى ديارهم طبقاً للقرار الأممي رقم 194 , وتعويضهم.
إن حزب الشعب الفلسطيني الذي يرى في السلطة الوطنية الفلسطينية محطة
أساسية لقيام الدولة المستقلة، باعتبارها أول سلطة وطنية على الطريق نحو الدولة المستقلة،
فإنه يحذر من الهوة الناشئة حالياً بين السلطة والقاعدة الشعبية جرَّاء الممارسات السالفة
79
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
الذكر، ويدعو إلى بناء اصطفاف وطني ديمقراطي واسع من القوى والفئات والمنظمات كافة
المخلصة لهدف الاستقلال الوطني، من أجل مجابهة المأزق الراهن المتمثل في استمرار الاحتلال
والتعنت الإسرائيلي من جهة، وضرورة تعزيز النهج الديمقراطي، واعتماد منهجية عمل تستند إلى
المؤسسات وسلطة القانون من جهة أخرى، للوصول إلى الأهداف النبيلة للشعب الفلسطيني.
اندلاع «انتفاضة الاقصى »
بعد اغتيال اسحق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق عام 1995 ، وتبوء المعادين
لاتفاق أوسلو كإيهود باراك، وأرئيل شارون، وبنيامين نتنياهو سدة الحكم في اسرائيل، أخدوا
يتنكرون لاتفاق أوسلو، ولم ينفذوا مادة واحدة من مبادئه التي جرى التوقيع عليها في واشنطن
في 13 أيلول/سبتمبر 1993 ، والتي تم الاتفاق عليها وفقاً للمادة الرابعة والتي تنص على:
«اقامة مجلس سلطة حكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة لا تتجاوز خمس سنوات »
)أي حتى عام 1998 (، تؤدي إلى تسوية تقوم على أساس قراري مجلس الأمن 242 ، و 338 ،
ومن أجل أن يتمكن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من حكم نفسه وفقاً
لمبادئ ديمقراطية ستجرى انتخابات سياسية عامة مباشرة وحرة للمجلس تحت اشراف ورقابة
دولية، وستشكل هذه الانتخابات خطوة تمهيدية انتقالية هامة نحو تحقيق حقوق الشعب
الفلسطيني ومتطلباته العادلة، وسوف تغطي ولاية المجلس على أرض الضفة الغربية وقطاع
غزة، ويعتبر الطرفان الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة باعتبارها أرضاً فلسطينية
موحدة، وجغرافية واحدة تحت الولاية الفلسطينية.
إن هذه المبادئ وغيرها قد نسفها حكام اسرائيل تماماً. وفي 2000 / 9/ 28 اقتحم ارئيل
شارون المسجد الأقصى، للتأكيد على أن القدس بغربها وشرقها عاصمة اسرائيل الابدية، فتصدى
له المصلون بصدورهم العارية، وقذفوه بأحذيتهم، وعلى إثر ذلك انفجرت انتفاضة الأقصى،
وجرى منذ بدايتها عسكرتها، وهذا ما تمنته السلطات الصهيونية لحسم المعركة لصالحها،
وتصاعدت العمليات الاستشهادية والتفجيرية التي مارستها )حماس( )وكتائب الأقصى - فتح(
في الحافلات والباصات والمطاعم وغيرها داخل إسرائيل، فآخذ جيش الاحتلال الإسرائيلي يحتل
مناطق السلطة الوطنية من جديد، ويدمر البنية التحتية للشعب الفلسطيني، ومقرات الأجهزة
الأمنية، ومؤسسات السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأخذ يقتل ويعتقل آلاف المناضلات
80
الحركة الشيوعية في فلسطين
والمناضلين، ويحاصر البيوت ويداهمها ويروع ساكنيها من شيوخ ونساء وأطفال وشبان،
ولم يترك الإرهاب الصهيوني بيتاً إ لّ وعاث فيه قتلاً وتخريباً، وقد بلغ عدد الشهداء ) 5300 (
والجرحى ) 48,322 ( مواطنة ومواطناً، واعتقلت ) 11 ( ألفاً، ودمرت ) 70,530 ( منزلاً – حسب
مركز الإحصاء الفلسطيني، ووكالة الأنباء الفلسطينية )وفا(. وتم تصفية عدد من قادة الشعب
الفلسطيني المناضلين، وكان في مقدمة الذين اغتالتهم العصابات الصهيونية القائد الكبير أمين
عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين )أبو علي مصطفى(.
وفي 2001 / 5/ 11 عقد المركز الفلسطيني لقضايا السلام والديمقراطية مؤتمره السنوي
الرابع في مدينة قلقيلية، وبلدة جيوس، تحت عنوان «المشاركة الشعبية في الظروف الراهنة ،»
في ظل ظروف غاية في الصعوبة ابان انتفاضة الاقصى، وكانت قلقيلية مغلقة ومحاصرة تماما من
قبل قوات الاحتلال باستثناء مدخلها الرئيسي. وكانت اسرائيل في تلك الفترة معنية بالعمليات
الفلسطينية المسلحة لتبرير اجتياحها للمدن والقرى والبلدات والمخيمات الفلسطينية عام
2002 ، وحين حاولت قوات الاحتلال منع المشاركين في هذا المؤتمر واطلاق الرصاص تقرر عقد
مؤتمرين في قلقيلية وفي جيوس. وذلك بدعم الشباب الذين تم ادخالهم في اليوم الذي سبق
المؤتمر، والوفود الأخرى القادمة من كل أنحاء الضفة الغربية، وكان هذا المؤتمر من أنجح
المؤتمرات، وعدد الحضور كان أكثر من ألف مشارك.
وفي هذا المؤتمر قدمت قيادة المركز خمس أوراق تركز على أهمية المقاومة الشعبية
التي توحد الشعب الفلسطيني، وتعزز وتزيد مشاركة الجماهير الشعبية في الفعاليات النضالية
المختلفة على نمط الانتفاضة الكبرى أواخر 1987 ، ودور المرأة الفلسطينية والشباب في الظروف
الراهنة ودور الهيئات المحلية في تفعيل المشاركة الشعبية، ودور المؤسسات الاهلية في الانتفاضة
الشعبية، ودور القوى الوطنية في تفعيل وتعزيز هذه المشاركة.
لقد كانت أعمال المؤتمر وقوة وجرأة الأفكار التي طرحتها هذه الاوراق الخمس
تصحيحاً ورداً على عسكرة الانتفاضة والعمليات الاستشهادية داخل اسرائيل، فالمقاومة الشعبية
في مواجهة الاحتلال أثبتت أنها هي الاكثر تأثيراً وردعاً للاحتلال، وكسباً للرأي العام الدولي،
فدولة الاحتلال تعمل على جرِّ شعبنا إلى ملعبها، ملعب استخدام السلاح الذي ترى فيه مبرراً
للفتك بشعبنا، ومحاولات اخضاعه، وتجميداً للإعلام الدولي والرأي العام العالمي وتحييده،
81
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
والظهور امام العالم بأنها الضحية، وأن العرب والفلسطينيين يريدون ابادتها، وقد جاء هذا
المؤتمر ليقول نعم للمقاومة الشعبية الواسعة لأنها هي الاداة الرئيسة لفضح جرائم الاحتلال
وحصاره، ودعم المجتمع الدولي لحقوق شعبنا المشروعة.
وفي الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001 تم تدمير برجي «مركز التجارة العالمية »
في مدينة نيويورك، وقد أعلن بوش «الابن » حربه على ما سمّه «الإرهاب العالمي » وعلى الإسلام
الذي يدعو إلى الإرهاب، واتخذ إجراءات أمنية عنصرية ضدّ المسلمين والعرب المقيمين في أميركا.
وبعد يومين من الهجوم على هذا المركز استدعى الرئيس عرفات لجنة المتابعة العليا
التي تضم القوى الفلسطينية كافة إلى مقره في «المنتدى » بغزة، وافتتح هذا اللقاء بالقول: «لقد
وصلت إلينا من سفيرنا «مدير مكتب م.ت.ف في واشنطن » حسن عبد الرحمن رسالة وبدنا
نأخذ رأيكم فيها » وطلب من الطيب عبد الرحيم أن يقرأها، وسأورد هنا المضمون الأساس لها:
«إن الإدارة الأمريكية الآن كالثور المطعون الهائج الذي ينزف دماً، وهي تعلن حرباً شاملة على
الإرهاب، ومَن لا يكون معها في هذه الحرب فهو ضدها، وقد نصَحنا عدد من أصدقائنا بأن
يعلن الرئيس عرفات إدانته الصريحة لمن ارتكبوا هذه التفجيرات، وأن يوقف إطلاق النار من
جانب واحد .»
وكنتُ أول المتحدثين باسم حزبنا، ووجّهتُ كلامي للرئيس وقلت له: «علينا يا أخ أبو
عمار أن ندين الإرهاب ضدّ المدنيين، وأن ندين هنا الهجوم المروّع على البرجين، وفي الوقت ذاته
ندين الإدارة الأمريكية وجرائمها ضد البشرية، وضد شعبنا الفلسطيني والشعوب العربية، ودعمها
المطلق لحكومة شارون، وكي لا تستغل هي وإسرائيل هذا الحادث ضدّ الشعب الفلسطيني،
أرى أن نوقف إطلاق النار من جانبنا كما دعت الرسالة، وأضفتُ قائلاً: إنّ عسكرة الانتفاضة،
والعمليات التي تستهدف المدنيين في إسرائيل وقتلهم، ورغم بسالة الشبان وتضحياتهم، إلا
أنني أرى أن هذا الميدان الذي يتمناه شارون لحسم المعركة مع الشعب الفلسطيني، وتوطيد
احتلاله، ويمكن فهم جدوى هذه العمليات المسلحة ومشروعيتها لو وُجّهت ضد العسكريين
الإسرائيليين والمستوطنين. إن عسكرة الانتفاضة والعمليات المسلحة والتفجيرية داخل إسرائيل
ستلحق أضراراً بالغة بشعبنا وقضيته الوطنية، وستضعف مواقف قوى السلام في إسرائيل
المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، وستزيد من تطرف المجتمع الإسرائيلي، وقد تضع القوى
82
الحركة الشيوعية في فلسطين
المعادية لشعبنا وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها في عهد )بوش الابن( -الذي احتضن
شارون كالصديق المفضل له ورجل السلام- حركتنا الوطنية على قائمة الإرهاب، وبذلك نخسر
تأييد الرأي العام الدولي، وتعاطفه مع كفاح شعبنا وقضيته العادلة .»
وتحدث بعدي ممثلو الفصائل الأخرى, فأكدوا على ضرورة مواصلة الانتفاضة
وعملياتها المسلحة ضد إسرائيل. في الوقت الذي رفض فيه حزبنا عسكرة الانتفاضة, والعمليات
التي كانت تستهدف المدنيين داخل اسرائيل, وقد ثبت لاحقا صحة موقف الحزب. ولعل أصدق
تقييم منصف لمواقف الشيوعيين ما قاله المناضل الوطني العريق د.زكريا الآغا عضو اللجنة
المركزية لحركة فتح، وعضو اللجنة التنفيذية ل م.ت.ف، في أحد اجتماعات قوى م.ت.ف في غزة
بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، وإثر انتهاء مداخلتي حول القضايا السياسية المطروحة
في جدول أعمال الجلسة قال: «إن الرفاق الشيوعيين )قهاقير( في السياسة »، )بمعنى محنكون(
نستمع إليهم فنندهش مما يقولون، ونعتبر ما يقولونه خطأ وغير صحيح على الاطلاق، وتمر
الايام فيثبت أن ما قالوه كان صحيحاً تماماً ». كما كان من نتائج هذه الانتفاضة محاصرة
الرئيس ياسر عرفات في )المقاطعة( في مدينة رام الله, واغتياله لاحقاً.
اسرائيل دولة أبارتهايد
قبل صدور قرار التقسيم الدولي رقم 181 ، الصادر في 1947 / 11 / 29 ، وقبل دخول الجيوش
العربية فلسطين في 1948 / 5/ 15 ، بدأت الصدامات بين الفلسطينيين واليهود، ولعبت السلطات
الاستعمارية البريطانية دوراً كبيراً في إشعالها تطبيقاً لسياستها المعروفة )فرّق تسد(، واشتدت
الصدامات المسلحة بين الفلسطينيين والعصابات الصهيونية، وارتكبت هذه العصابات أفظع
الجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين العزَّل، وعمَّ التدهور أنحاء فلسطين كافة، واقترف الصهاينة
مجزرة قرية )دير ياسين( في التاسع من نيسان/ أبريل عام 1948 ، وذبحوا النساء والأطفال
والرجال، مما أسفر عن هروب السكان العرب بأعداد كبيرة من المناطق التي تقع ضمن نطاق
أعمال القوات اليهودية المسلحة. «إن الأعمال الشريرة التي اقترفها الصهيونيون ضد عرب
فلسطين يمكن مقارنتها بالجرائم التي اقترفها النازيون ضد اليهود » هذا ما كتبه المؤرخ البريطاني
الشهير )ارنولد توينبي( في وصف الجرائم الصهيونية.
83
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
ويصف )مناحيم بيغن( هذه المذبحة في كتابه )الثورة( الصادر عام 1951 بقوله:
«لقد ساعدتنا مذبحة دير ياسين على انقاذ طبريا وحيفا بصورة خاصة، ولم يبق أحد من العرب
الذين يقطنون هذه المنطقة التي أصبحت تحت إشراف إسرائيل »، وفي شمال فلسطين سلّم
البريطانيون مدينة حيفا في 1948 / 4/ 1، ويافا في 1948 / 4/ 24 ، وصفد وعكا وبيسان وطبريا
ومئات القرى العربية للصهاينة وطردوا جميع سكانها، وهكذا حصل لعدد من المدن والقرى
في وسط فلسطين وجنوبها بين ربيع عام 1948 ومنتصفه، وما إن حلَّ يوم 1948 / 5/ 15 الذي
دخلت فيه الجيوش العربية السبعة أرض فلسطين التي كان عددها 22 ألف و 900 جندي
)حسب كتاب غلوب باشا – جندي مع العرب(، وبينما كانت القوات الصهيونية المدربة التي
قاتل بعض وحداتها العسكرية مع الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية )بقيادة موشيه
ديان( أكثر من 64 ألف مقاتل, بالإضافة إلى مئات الآلاف من الميليشيا المسلحة حتى كانت
القوات الصهيونية قد احتلت مئات المدن والقرى الفلسطينية وطردت سكانها، بما يؤكد كذب
الدعاية الصهيونية من أن مشكلة اللاجئين نشأت بسبب دخول الجيوش العربية، ويقول الكاتب
الإسرائيلي )بني موريس ( في كتابه )نشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين(: «إن القوات الصهيونية
قامت منذ 1948 / 5/ 15 وحتى 1948 / 6/ 11 باحتلال ) 291 ( مدينة وقرية وطردت ) 500 ( ألف
عربي واستخدمت أساليب إرهابية، وقتل جماعي لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة »، وقد اتهم د.
إيلان بابيه المحاضر في جامعة حيفا في كتابه )التطهير العرقي في فلسطين( إسرائيل بالتورط
في جريمة ضد البشرية عام 1948 ، فقال «إنَّ تنكر اسرائيل لجريمتها بالتطهير العرقي، وطرد
الفلسطينيين من ديارهم يحول دون وصول الشعبين لأية تسوية لا تُنجز بالانسحاب فقط من
الأراضي المحتلة عام 1967 ، ولا حل إلا باعتراف اسرائيل بمسؤوليتها عن النكبة والتطهير العرقي،
والسماح بعودة اللاجئين ». وأشار إلى أن « الصهيونية وضعت خطة مكتوبة للتطهير العرقي في
فلسطين قبل النكبة بسنوات، وتمّ تطويرها بالخطة )د(، وتُجسد القرار بإقامه دولة يهودية
بقوة السلاح، وبتطهير البلاد من سكانها الأصليين، وأنه عند بداية دخول الجيوش العربية أرض
فلسطين كان أكثر من نصف سكانها الفلسطينيين قد شُِّد، مما يؤكد أن الحرب كانت نتيجة
للتطهير العرقي وليس العكس، ويورد «بابيه » في كتابه رسالة ديفيد بن غوريون لابنه عام
1937 التي «أكد فيها رؤيته بضرورة طرد العرب من فلسطين حين تحين اللحظة المناسبة .»
ويعرض )بابيه( بعض الخطط التي قامت بها القوات الصهيونية من أجل تصفية بعض القرى
84
الحركة الشيوعية في فلسطين
حيث كانت تقصفها بالمدافع، وإذا لم يرحل سكانها تقوم باقتحامها، وجمع الشباب والرجال
واعدامهم رمياً بالرصاص.. وأن القوات الصهيونية دمرت ) 530 ( قرية، وأفرغت ) 11 ( مدينة من
سكانها... ولم يستبعد )بابيه( قيام اسرائيل باستكمال مشروعها التطهير العرقي بطرد فلسطينيي
1948 الباقين في وطنهم.
وما إن بدأ عام 1949 إلا وكانت القوات الصهيونية قد استولت على معظم فلسطين
التاريخية ، ولم يبق سوى قطاع غزة أرضاً فلسطينية بسكانها الفلسطينيين المقيمين وعددهم
) 90 ( ألف واللاجئين إليها الذين وصل عددهم إلى أكثر من ) 210 ( آلاف، وأُلحقت الضفة
الغربية قسراً بشرق الأردن، ونُزعت عنها الصفة الفلسطينية.
وفي 1949 / 2/ 24 تم توقيع الهدنة بين مصر وإسرائيل، وبين لبنان وإسرائيل في
20/3/1949 ، ومع الأردن في 1949 / 4/ 3 ومع سوريا، في 1949 / 7/ 20 . وقُبلت إسرائيل عضواً في
هيئة الأمم المتحدة شريطة قبولها بقرار التقسيم رقم 181 وقرار عودة اللاجئين إلى ديارهم
رقم 194 ، وقد أبدت إسرائيل حينذاك موافقتها، وحين أعلنت الولايات المتحدة مع بريطانيا
وفرنسا وصايتها على المنطقة عبر بيان استعماري عُرف بالبيان الثلاثي سنة 1950 بهدف إقامة
حلف معادٍ للاتحاد السوفيتي وحركة التحرر الوطني العربية، رأت من صالحها تأجيج عدوانية
إسرائيل وغطرستها، ولتكون كلب حراسة للمصالح الامبريالية وضرب حركة التحرر الوطنية
العربية والعمل على تصفية القضية الفلسطينية، وقد أكدت وقائع هذه الفترة أن حكام إسرائيل
قد اعتبروا قرار التقسيم لاغياً، وقد عبّ عن ذلك )موسى شاريت( وزير خارجية إسرائيل آنذاك
عن هذا الموقف، أمام الكنيست الإسرائيلي بقوله: “إسرائيل ترفض قرار التقسيم، وإن إسرائيل
ستساعد على توطين اللاجئين في الأقطار العربية وستدفع لهم التعويضات. » نشرته جريدة
«الاتحاد » الحيفاوية في 1949 / 6/ 19 .
لقد أدى نجاح المؤامرة الاستعمارية الانجلو أميركية الصهيونية، وهزيمة الجيوش
العربية إلى استيلاء إسرائيل على % 78 من أراضي فلسطين التاريخية، وتدمير الكيان الفلسطيني
السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتشريد ) 750 ( ألف فلسطيني، وبقي في داخل فلسطين
قرابة) 150 ( ألف فلسطيني، لعب الشيوعيون الفلسطينيون من أبناء عصبة التحرر الوطني
دوراً أساسياً في بقائهم في أرض وطنهم، كما وقفت الأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان
85
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
العربية ضد هذه المؤامرة التي شاركت فيها الرجعية العربية عميلة الامبريالية البريطانية
والأمريكية.
ولم تكتفِ الامبريالية الأمريكية بدعم إسرائيل الشامل بل شجعتها على مهاجمة
الاراضي المصرية والسورية واللبنانية والاردنية والعراقية و التونسية والضفة الغربية وقطاع
غزة، فشنت مئات الاعتداءات ، كالعدوان على منطقة )الحمّة( سنة 1951 ، والمذبحة التي
ارتكبتها عصاباتها في قرية )قبية( في تشرين أول /أكتوبر سنة 1953 حيث نسفت ) 48 ( منزلاً
وقتلت ) 43 ( رجلاً وامرأة وطفلاً وجرحت ما يزيد عن 15 مواطناً، وكذلك مذبحة مخيم
)البريج( في قطاع غزة في آب أغسطس سنة 1953 والتي أدت إلى قتل 20 وجرح 60 مواطناً، وقد
بلغت الاعتداءات الصهيونية على قطاع غزة وحده »1635« اعتداء منذ عام 1949 وحتى عام
1955 . وقد شنت إسرائيل أكثر من ) 21 ( ألف اعتداء على الدول العربية )حسب الاحصاءات
الفلسطينية والعربية(.
ولا يمكن نسيان مجزرة «السَّموع » التي كانت تمهيداً لاحتلال الضفة الغربية وقطاع
غزة، ففي 1966 / 11 / 13 تقدمت نحو قرية «السموع » نحو 80 دبابة إسرائيلية ، وحلقت في
سمائها قرابة 12 طائرة حربية، وأخذت تقصف بيوت المواطنين، ومواقع الجيش الأردني، واحتلت
القوات الصهيونية بلدة )رافات( المجاورة، واعتلت منطقة الحاووز والجهات الشرقية والغربية
من «السموّع »، ورُحل سكانها عنها، وكان عددهم نحو 5 آلاف، وقد دافع الجيش الاردني
ببسالة عن قرية «السَّموع »، وقتل قائد القوات المعتدية، غير أن الطيران الحربي الإسرائيلي
تدخل وقصف الجنود الأردنيين، وسياراتهم العسكرية، وشل قدرتهم الميدانية، واستشهد 21
جندياً أردنياً، واستشهد خمسة من أهالي القرية، وسقط 134 جريحاً وامتزج الدم الأردني
بالفلسطيني، وهدمت عشرات المنازل.
هذا بالإضافة إلى مشاركة اسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، وعدوانها
عام 1967 ، واحتلال سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة، والجولان، كما ارتكبت اسرائيل «مجزرة
بحر البقر » في نيسان/ أبريل عام 1970 ، حيث قصفت طائرات القوات الجوية الإسرائيلية من
طراز فانتوم مدرسة بحر البقر المشتركة في قرية بحر البقر في مركز الحسينية بمحافظة الشرقية
في مصر أدت إلى مقتل 30 طفلً وإصابة 50 آخرين وتدمير مبنى المدرسة بالكامل. كما
86
الحركة الشيوعية في فلسطين
اجتاحت القوات العسكرية الإسرائيلية جنوب لبنان عام 1978 ، واحتلت معظم لبنان وعاصمته
بيروت عام 1982 . وتعتبر مجزرة قانا في لبنان من المجازر البشعة المرتكبة بحق المدنيين عام
1996 حيث أطلقت المدفعية الإسرائيلية نيرانها صوب الكتيبة » الفيجية « التابعة للقوات
الدولية حيث لجأ إليها المئات من المدنيين العُزّل طلباً للحماية بعد أن أطلق الإسرائيليون اسم
“عناقيد الغضب” على عملياتهم العسكرية التي امتدت بين الحادي عشر والسابع والعشرين
من نيسان 1996 , وكانت من نتيجتها مئة وستة شهداء بينهم عشرات الأطفال والنساء.
وكذلك العدوان والحرب على قطاع غزة في ما أطلق عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي
«الرصاص المصبوب »، وهي عملية عسكرية ممتدة شنها يوم 27 ديسمبر 2008 إلى 18 يناير
2009 . مخلفةً في نهاية المطاف أكثر من 1440 شهيداً و 5450 جريحاً وتدمير آلاف المنازل. وتأتي
هذه الحرب بعد الانسحاب من قطاع غزة في عام 2005 .
هذا غيض من فيض الجرائم والمجازر والتطهير العرقي، واستفحال عمليات نهب
الأرض ومصادرتها، وتفشي الاستيطان، وبناء المستوطنات، وجدار الفصل والضم العنصري الذي
يقطع أوصال الضفة الغربية، وهدم المنازل، واعتقال الالاف من المناضلين، ومن ضمنهم عدد
من النساء والأطفال، ونهب المياه لصالح المستوطنات التي تصل إلى % 88 من المياه الفلسطينية،
وتمنح السلطات المحتلة المياه للمستوطنين بما يزيد عن ) 7( أضعاف ما يحصل عليه الفلسطيني
من مياهه، وإتلاف المزروعات، واجتثاث أشجار الزيتون، وتكسيرها، واعتداءات المستوطنين
المسلّحين اليومية على المواطنين والاستيلاء على بيوتهم، وهدم الجوامع والكنائس، والكتابة
على حيطان المنازل )الموتُ للعرب(، وعمليات تهويد مدينة القدس منذ احتلالها عام 1967 ،
والعدوان اليومي على المسجد الأقصى، ومحاولة هدمه، وذلك بالحفريات وشقّ الأنفاق تحته،
لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، وممارسة الضغوطات المنظمة والمخططة ضد جماهير
شعبنا داخل الخط الأخضر، وممارسة أبشع أشكال التمييز العنصري ضدهم، ومنعهم من
اصلاح بيوتهم وتجديدها وتوسيعها، والتضييق المستمر عليهم، وهدم قراهم ومنتجعاتهم في
النقب، وعدم الاعتراف بملكية أرضهم، وتقف جماهير شعبنا بقيادة الحزب الشيوعي والجبهة
الديمقراطية للسلام والمساواة والأحزاب العربية ذات الطابع القومي والإسلامي ....ضد هذه
المخططات صامدة قوية، وعليها أن تتحد في مواجهة هذه التحديات للحفاظ على وجودها
وحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
87
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
ويجري كل ذلك أمام أنظار الدول العربية والعالمية دون محاسبة إسرائيل على هذه
الجرائم العنصرية والفاشية الجديدة، وهي جرائم حرب واضحة المعالم، ممّ شجّعها على مزيد
من التطرف واستفحال موجات العداء للفلسطينيين والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي سنة بعد
أخرى، بحيث أصبح مجتمعاً كولونيالياً نازيّاً أبشع من نظام الابارتهايد في جنوب أفريقيا إبّان
حكم المستعمرين البيض، وشهد شاهدُ من أهله، وهو «كارمي غيلون » الذي ترأس «الشين
بيت- الشاباك »، من عام 1994 حتى 1996 ، وهو الذي كان مسؤولاً عن اغتيال المهندس «يحيى
عياش » في قطاع غزة عام 1996 . قال: «إننا نجعل حياة الملايين من الفلسطينيين غير محتملة في
رحلة طويلة من المعاناة الانسانية ». وجاء ذلك في فيلم «الحراس » وهو فيلم اسرائيلي وثائقي،
ويتضمن مقابلات مع جميع رؤساء «الشاباك » الإسرائيلي الباقين على قيد الحياة، وخاصة في
«حرب الأيام الستة » وحتى اليوم، من منظور أمني، وهو الذي بدا متوتراً خلال التصوير، وحين
استقال بعد اغتيال «اسحق رابين » لشعوره بالمسؤولية، اعترف خلال الفيلم بوجود الابارتهايد
في إسرائيل.
إن هذا كله يستدعي من كل قوى التحرر والديمقراطية والتقدم، ومن قوى السلام
والعدالة وحقوق الإنسان، قطع جميع العلاقات مع هذا الكيان العدواني المغتصب، وعزله
دولياً، ومساعدة الشعب الفلسطيني على تحقيق حقوقه الوطنية التي أقرّتها الشرعية الدولية،
وذلك بإقامة دولته الديمقراطية المستقلة على كامل الأراضي التي احتلّها الصهاينة عام 1967 ،
وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة المشرّدين اللاجئين إلى ديارهم طبقاً للقرار الأممي رقم
194 وتعويضهم، وحماية جماهير شعبنا داخل الخط الأخضر من التغوّل الصهيوني العدواني
ضدهم، والتمييز العنصري، والتهويد والتهديد الدائم بتهجيرهم خارج وطنهم، وسلب أراضيهم
وممتلكاتهم ومدنهم وقراهم كما حصل عام 1948 عام النكبة.
88
الحركة الشيوعية في فلسطين
مواقف تاريخية مشهودة للشيوعيين
الفلسطينيين
أولا: الشيوعيون الفلسطينيون، والموقف من الاستعمار والحركة
الصهيونية:
وقف الشيوعيون تاريخياً موقفاً عدائياً ثابتاً للاستعمار وأدانوا نظامه الوحشي
واستغلاله البشع للكادحين في بلاده وفي بلدان العالم، ودعوا الشعوب لتوحيد نضالها تحت
شعار: يا عمال العالم ويا أيتها الشعوب المضطهدة اتحدوا. كما أدرك الشيوعيون منذ نشوء
الحركة الصهيونية خطر هذه الحركة، وكشفوا طبيعتها كحركة عنصرية رجعية، وفضحوا
ارتباطها العضوي بالاستعمار وبقوى الرجعية العالمية، واستخدامها الدين ومعاناة اليهود ستاراً
لمطامعها، وأكدوا أن مصالح الجماهير الكادحة اليهودية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بانتصار الحركة
الديمقراطية والثورية التي يعيشون معها، ومن ضمنها فلسطين حيث ترتبط مصالح هذه
الجماهير بانتصار الحركة الوطنية التحررية الفلسطينية في نضالها العادل ضد الإمبريالية وضد
الصهيونية، وبالتحول الديمقراطي للنظام الاجتماعي الذي سيسود لاحقاً، وقد اعتبر الشيوعيون
الفلسطينيون ومنذ مطلع العشرينيات والثلاثينيات وما بعدها، أن النضال ضد الغزوة الصهيونية
المحمية بالقوة العسكرية والسياسية البريطانية والأمريكية هو المهمة العاجلة المطروحة أمام
الحركة الوطنية العربية التي أكدها النداء الصادر في العاشر من حزيران/ يونيو عام 1936 تحت
شعار )الانتفاضة الفلسطينية( بقوله:
« إن الاحتلال البريطاني الصهيوني الذي يتوسع باستمرار بات يتطلب مقاومة سريعة
89
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
وفعالة، وإلا سيفقد الشعب العربي من جراء سياسة النهب الصهيونية بلاده فلسطين إلى
الأبد، ومن هنا يجب أن تضع الحركة العربية التحررية على رأس مطالبها مطلب الإيقاف
الفوري للهجرة اليهودية باعتبارها هجرة صهيونية ترمي إلى تشكيل أغلبية يهودية في البلاد .
وحذروا الأقطار العربية المجاورة من أخطار التوسع الصهيوني. )الحزب الشيوعي الفلسطيني
«الانتفاضة في فلسطين » المراسلات الصحفية الأممية العدد ) 30 ( الصادر في الرابع من تموز/
يوليو عام 1936 (.
ثانياً: الشيوعيون الفلسطينيون والموقف من حل القضية الفلسطينية:
لقد حدد الشيوعيون الفلسطينيون منذ نشأة القضية – أن الهدف الرئيس لنضال
الشعب الفلسطيني هو تصفية الانتداب البريطاني وجلاء الجيوش الأجنبية، وضمان حق الشعب
في تقرير مصيره بنفسه، وذلك بإنشاء دولة ديمقراطية مستقلة في فلسطين، باعتباره السبيل
الوحيد لإيجاد حل ديمقراطي للمشكلة الفلسطينية، ورفضوا كل مشاريع تقسيم فلسطين،
ولكنهم في ضوء الأوضاع المحلية والعربية والدولية ومواقف القوى المختلفة المتصارعة وموازين
القوى وحجم المؤامرة قد وافقوا على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 عام 1947
رغم إجحافه بحقوق الشعب الفلسطيني، ورأوا فيه )أفضل الحلول السيئة( فهو يؤّمن إمكانية
بقاء الشعب الفلسطيني في مدنه وقراه وعلى أرض وطنه، وإقامة دولته المستقلة، ووقف
توسع المشروع الصهيوني في الأرض الفلسطينية والعربية، وتنبّأوا بفداحة الكارثة التي ستصيب
الشعب الفلسطيني إذا لم يُنفّذ هذا القرار، وظل موقفهم منسجماً مع قرارات الشرعية الدولية
حتى بعد عدوان الخامس من حزيران عام 1967 واحتلال جميع الأراضي الفلسطينية وأجزاء
واسعة من أراضي البلدان العربية المجاورة، وطالبوا بتنفيذ قراري مجلس الأمن رقم 242 و
338 وإزالة آثار العدوان، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة ذات
السيادة على كامل أراضي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة وعودة اللاجئين
إلى ديارهم طبقاً للقرار الأممي رقم 194 , وتعويضهم.
90
الحركة الشيوعية في فلسطين
ثالثاً: الشيوعيون الفلسطينيون والموقف من الوحدة الوطنية:
أعار الشيوعيون الفلسطينيون تاريخياً اهتماماً بالغاً بهذه المسألة، ونظروا إليها
كقضية محورية من قضايا النضال الوطني والاجتماعي باعتبارها محصلة لتحليل علمي ملموس
لواقع الطبقات والفئات الاجتماعية ومصالحها في كل مرحلة من مراحل النضال. ولقد أدرك
الشيوعيون الفلسطينيون مبكرا أنه من اجل هزيمة القوى الاستعمارية والصهيونية والرجعية
لابد من تحالف القوى الوطنية الفلسطينية على أساس العداء للاستعمار والصهيونية فأقاموا
)الجبهات الشعبية والوطنية المتحدة( ونذكر هنا أنه في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1935 أن
الرفيق رضوان الحلو الأمين العام للحزب الشيوعي الفلسطيني قد أكد في حديثه في الاجتماع
الموسع للكادر الحزبي أهمية إقامة جبهة متحدة مع أحزاب الحركة الوطنية العربية التي يجب
أن تقوم في الأساس على قاعدة الأهداف المشتركة التي تجمع الشيوعيين والقوميين العرب
كالنضال ضد الإمبريالية الإنجليزية وضد الصهيونية، وليس على قاعدة البرنامج الاجتماعي
للحزب، وشدد على أهمية التحول من التحريض الطبقي الاجتماعي إلى التحريض الوطني بين
أوساط الجماهير العربية، كشرط مسبق للنجاح في إقامة الجبهة الشعبية المتحدة، وأن هذا
الأسلوب هو الأسلوب الوحيد لتحويل الحزب إلى منظمة جماهيرية )كتاب: موسى البديري /
الحزب الشيوعي الفلسطيني 1919 – 1948 الصادر في لندن عام 1979 صفحة 92 - 88 (، وهكذا
لعب الشيوعيون الفلسطينيون دوراً أساسياً وقيادياً في إقامة الجبهات الوطنية ضد الاستعمار
والصهيونية وضد الاحتلال الإسرائيلي في أعوام 1946 )الجبهة العربية العليا( و 1955 )الجبهة
الوطنية(، و 1956 )الجبهة الوطنية(، و 1967 )جبهة المقاومة الشعبية والجبهة الوطنية
المتحدة(، و 1973 وما بعدها )لجان التوجيه الوطني، والجبهة الوطنية الفلسطينية(. وعلى
قاعدة هذا الفهم جرى تطويره مع تطور القضية الفلسطينية، وقد وجه حزبنا انتقادات جدية
للفهم الذي يحصر الوحدة الوطنية في الفصائل الفلسطينية المسلحة، وأعطى أبعاداً جديدة
لهذه الوحدة بالتركيز على مضمونها السياسي والاجتماعي، وضرورة أن تشمل في هياكلها قوى
شعبية واجتماعية واقتصادية معادية للاحتلال، ومن هنا فقد ركز حزبنا على ضرورة توسيع
القاعدة التمثيلية لمؤسسات وأطر )م. ت. ف( ليس هذا فقط وإنما مؤسسات السلطة الوطنية
ودمقرطتها.
91
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
رابعاً: الشيوعيون الفلسطينيون والوحدة العربية:
لقد حاول المستعمرون وقوى الرجعية – انطلاقاً من مصالحهم وعدائهم للشيوعية
– أنْ يشوهوا مواقف الشيوعيين العرب والشيوعيين الفلسطينيين من هذه القضية المحورية،
ولكن الوقائع التاريخية ومواقف الشيوعيين المبدئية تدحض هذه الافتراءات، وتؤكد أن موقفهم
– منذ الثلاثينيات – قد تميز بالتركيز على أهمية النظر إلى القضية الفلسطينية بارتباطها العميق
بالقضية العربية العامة، واعتبروا أن هذه القضية القومية تكمن في أن الإمبريالية الإنجليزية
والفرنسية والإيطالية والاسبانية والأمريكية فيما بعد، قد مزقت أوصال هذا الجسد الحي الذي
يتشكل من الشعوب العربية، وأبقت البلدان العربية في حالة انقسام إقطاعي، وحرمت كل
بلد على حدة من أحد الشروط الضرورية لضمان تطوره الاقتصادي والسياسي المستقل، وحالت
دون تحقيق الوحدة القومية وقيام دولة موحدة للشعوب العربية.
ومن الجدير بالذكر أن نشاط الشيوعيين الفلسطينيين قد أثار حفيظة المستعمرين
البريطانيين والفرنسيين لترابط هذا النشاط في فلسطين بعمقه العربي، ففي تقارير السلطات
البريطانية، أشار أحد هذه التقارير في منتصف العشرينيات إلى ذلك بقوله: «إذا استثنينا الحزب
الشيوعي المصري، فإننا نرى أن الحزب الشيوعي الفلسطيني هو الحزب النشيط الوحيد في
البلدان العربية، فهو يقوم بتوجيه النشاط في سوريا ولبنان وشرقي الأردن ويُعتبر أكثر نشاطاً من
العناصر الشيوعية المصرية. كما أن إعطاء التقارير والمعلومات حول الوضع في العراق، وتعُّقب
الحوادث، وإرسال المعلومات حول ما يجري في الجزيرة العربية يقع في إطار صلاحياته ». وقد
أدّى هذا كله باللورد لويد المندوب السامي البريطاني في مصر إلى الإقرار بصعوبة المواجهة مع
هذا الحزب، بعد أن كان قد تمكّن من تصفية الحزب الشيوعي المصري، إذ يقول: «وفي حين
يسُّني القول إننا قد تمكَّنا من وضع حدّ لهذا التغلغل الشيوعي في مصر، نتيجة لنشاط وزارة
الداخلية الدؤوب هنا، فإننا قد وجدنا أنه من المستحيل اتخاذ الخطوات اللازمة لما أصبح الآن
مركزاً خطيراً للعدوى الشيوعية في فلسطين .»
وهنا لابد من التأكيد «على فهم الحزب الشيوعي الفلسطيني لمسألة الترابط في
فلسطين والعمل في المنطقة العربية. ففي فترة مبكرة تمكن الشيوعيون الفلسطينيون من رؤية
هذا الترابط والوحدة بين الأقطار العربية، إذ كانوا ينظرون إلى المشرق العربي في تلك الفترة
92
الحركة الشيوعية في فلسطين
كوحدة سياسية واحدة ذات قضايا ومصالح قومية وسياسية واجتماعية واقتصادية مشتركة،
وإن تجزئته إلى مناطق انتداب ونفوذ مختلفة نتجت بالدرجة الأولى عن تسوية المصالح
الاستعمارية المتضاربة لبريطانيا وفرنسا، لذلك فقد تبنى الحزب استراتيجية التضامن مع الحركة
الوطنية العربية الهادفة إلى تحرير وتوحيد المشرق العربي بأكمله ». )سميح سمارة/ العمل
الشيوعي في فلسطين. ص: 133 _ 134 (.
إن الشيوعيين الفلسطينيين، آخذين بالاعتبار فشل التجارب الوحدوية الفوقية وعدم
نجاعة الأطر الوحدوية )الجامعة العربية ولجانها المختلفة( واستمرار العداء للديمقراطية
والتعددية في معظم البلدان العربية، والاحتماء بالقوى الأجنبية والتبعية لها، يرون اليوم أن
التحديات الكبيرة التي تواجهها الشعوب العربية في ظل استمرار تعمق مظاهر الانقسام والفقر
والتخلف وتبديد الثروات العربية وسوء توزيعها، بات يستدعي حشد جميع الطاقات العربية
من أجل أوسع تضامن بين الدول العربية والبدء بإرساء أسس التكامل الاقتصادي، وصولاً إلى
سوق عربية مشتركة ترتقي إلى مستوى القدرة على التعامل ومواجهة )العولمة( التي تهدد
دول الجنوب كافة، ويرى حزبنا في أن الديمقراطية السياسية والاجتماعية التي تؤمِّن حقوق
وحريات الأفراد والهيئات والمنظمات وتضمن مشاركة الجماهير الشعبية في إدارة السياسة
والاقتصاد، مدخل لا غني عنه لحل المعضلات التي تواجهها الشعوب العربية، وسلاح فعال
للتقدم الناجح نحو مشاريع التكامل والوحدة العربية، بدءاً باتحاد كونفدرالي أو فيدرالي وعلى
أساس ديمقراطي واختيار شعبي طوعي، وصولاً إلى دولة متحدة أو موحدة تحقق المصالح العليا
للأمة العربية وأهدافها المشتركة، وتحمي الأمن القومي وتصد المعتدين والغزاة، وترسي أسس
العدالة والتقدم، والمساهمة بدور فاعل في تطور بلدانها والبشرية جمعاء.
خامساً: الشيوعيون الفلسطينيون وقضايا الحرية والديمقراطية
والتقدم:
لقد شكّل الشيوعيون الفلسطينيون تاريخياً وما زالوا تياراً مؤثراً في الواقع الفلسطيني،
ومدرسة ثورية أنجبت وتنجب على النطاق الوطني والعربي والعالمي كبار المفكرين والباحثين
والمثقفين والمبدعين الثوريين من شعراء وأدباء وكتاب وصحفيين وفنانين، وقادة شعبيين رسّخوا
جذورهم في أعماق الشعب وتراب الوطن، وقدموا نماذج ثورية بذلت ومازالت تضحيات
93
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
هائلة تُضرب بها الأمثال في التفاني والشجاعة دفاعاً عن مصالح شعبهم وأهدافه، وعن حقوق
الكادحين والفقراء المعيشية والنقابية والسياسية، وعرفوا كيف يربطون جدلياً بين نضالهم
الوطني والنضالات المطلبية، مركزين دوماً على الحلقة المركزية في كل مرحلة من مراحل
النضال، وعلى التناقض الرئيس، وكانوا الرواد الأوائل في نشر المفاهيم العلمية لقيم الحرية
بما فيها حرية المعتقد الديني، والسلم والديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي، وحقوق
الإنسان والتقدم الاجتماعي والاشتراكية، وتحديد مضامينها، وناضلوا وما زالوا يناضلون ضد
قوى الاستعمار والعدوان والاحتلال والحرب، ومن أجل الحرية والسلم والديمقراطية والعدالة
والحفاظ على البيئة من جميع الأخطار التي تهددها، وحق الشعوب في اختيار طريق تطورها
المستقل والتضامن الأممي لصالح بني البشر.
انتهى
رام الله، فلسطين
94
الحركة الشيوعية في فلسطين
المراجع التي جرى الاستفادة منها في إعداد هذا البحث
•الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919 – 1948 / د. ماهر الشريف.
•الأممية الشيوعية وفلسطين 1919 – 1928 / د. ماهر الشريف.
•البحث عن كيان )دراسة في الفكر السياسي الفلسطيني 1908 – 1993 ( / د. ماهر الشريف.
جذور القضية الفلسطينية / د. إميل توما.
•عصبة التحرر الوطني 1945 – 1948 ) ثلاثة وثائق تاريخية – إعداد وتقديم ( صدر عام 2001 – نعيم
الأشهب.
•موجز تاريخ العصبة 2008 نعيم الأشهب.
•الهزائم ليست قدراً – تيسير عاروري – طبع في مطبعة آدم – رام الله فلسطين 2013 .
•المراسلات الصحفية الأممية. العدد الأول والثالث الصادران في كانون الثاني )يناير( 1933
طريق فلسطين إلى الحرية / عصبة التحرر الوطني في فلسطين، )مذكرة( أب / أغسطس 1947 م.
برنامج حزب الشعب الفلسطيني ومنشوراته وقرارات لجنته المركزية.
•أعداد من صحيفتي )النضال، وإلى الأمام( السريتين للعصبة وللحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة،
وبرنامجه السياسي عام 1971 .
•) صوت الوطن( الصادرة عن قيادة فرع الخارج للحزب الشيوعي الفلسطيني في قبرص.
مقابلات واتصالات شخصية مع الرفاق: نعيم الاشهب، د.ماهر الشريف, وتيسير عاروري، ومحمود
شقير، وناصيف معلم لتدقيق المعلومات الواردة في البحث.
•مشاركة عبد الرحمن عوض الله الشخصية منذ عام 1950 في نضالات عصبة التحرر الوطني والحزب
الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة، وفي صفوف الشيوعيين الفلسطينيين في الأردن وسوريا ولبنان، وقبل
إعادة تأسيس الحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1982 ، وبعده، وحزب الشعب الفلسطيني، وفي إطار
م.ت.ف كعضو في المجلسين الوطني والمركزي.
95
نشأتها، أهدافها ومواقفها الفكرية والسياسية والاجتماعية
96
الحركة الشيوعية في فلسطين



#عبد_الرحمن_حسين_عوض_الله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد ...
- الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي ...
- فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
- آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
- حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن ...
- مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
- رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار ...
- وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع ...
- -أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحمن حسين عوض الله - الحركة الشيوعية في فلسطين