|
هل يكون التحدي الأطلسي في وارسو نذير حرب عالمية ثالثة؟
مشعل يسار
كاتب وباحث ومترجم وشاعر
(M.yammine)
الحوار المتمدن-العدد: 5227 - 2016 / 7 / 18 - 02:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في 9 تموز، أنهت أعمالها في وارسو قمة حلف الناتو (28 من الدول الأعضاء في أوروبا وأمريكا الشمالية، ونفس العدد من الشركاء، بينهم دول من آسيا أيضاً هذه المرة) إن قمة حلف شمال الأطلسي كمنظمة عسكرية عدوانية تابعة للإمبريالية العالمية، وقبل كل شيء، لقوتها الرائدة - الأوليغارشيا المالية العالمية الساعية إلى السيطرة على العالم بلا منازع، قد وسعت هذه المرة جغرافية استراتيجيتها العدوانية لتشمل العالم كله ولا تقتصر على دور أوروبي بحت للحلف المذكور. والحلف إياه خطر للغاية وجيشه، كما بينت التجربة، قادر على إبادة الناس بالجملة، وسحق وتدمير سيادة أي دولة من الدول، حتى أكثرها عصياناً، وقتل قادتها. وليس العمال والكادحون وحدهم يجدون أنفسهم اليوم في مواجهة النوايا العدوانية والأفعال الوحشية لمنظمة حلف شمال الأطلسي في ظل الوضع الحالي الصعب والعصيب للغاية، ولكن أيضا الرأسماليون المحليون وحتى الأوليغارشيون الكبار مع حكوماتهم، الذين يرغبون في الانضمام إلى خطط الطغمة المالية العالمية والسير في ركابها، ولكنهم يخشون أن يفقدوا استقلالهم وحتى أن يصبحوا ضحايا طمع الطامعين في الهيمنة على العالم الجدد وأنظمتهم الفاشية. ومن هنا تذبذبهم وتأرجحهم بين الرغبة في الانضمام للناتو، أو على الأقل في إقامة شراكة معه لحماية أنفسهم من جماحه التوسعي من جهة، ومواجهته لأجل حماية مصالحهم الخاصة من جهة أخرى.
هذه الازدواجية في الموقف تميز، على سبيل المثال، القلة الأوليغارشية الروسية التي سمحت حكومتها لنفسها في السنوات الأخيرة القيام بتحركات مستقلة نسبيا، من دون أن تقطع شعرة معاوية في مجال الشراكة مع حلف شمال الأطلسي على أمل تسوية الأمور معه حتى في ظل العقوبات الموجهة ضد روسيا.
وقد سبق أن سلمت الأوليغارشا الروسية مواقعها في حينه للطغمة المالية العالمية في يوغوسلافيا وليبيا والعراق الخ. وهي لا ترغب الآن الاستمرار في تسليم المزيد من مواقعها في سوريا وأوكرانيا مثلا. لكن هذه الإجراءات من جانب الحكومة الروسية تخالف إلى حد ما تطلعات الطغمة المالية العالمية في المدى القصير (عودة القرم إلى أحضان روسيا وهي عودة محقة وعادلة، ودعم حركة التحرر الوطني للمواطنين الناطقين بالروسية في أوكرانيا وإن كان هذا الدعم محدوداً للغاية وودعم الحكومة السورية في مكافحة داعش الإرهابية التي هي بالمناسبة من إفرازات الطغمة المالية العالمية). إن هذه التناقضات الإمبريالية لتمثل تهديدا خطيرا جدا للبشرية، لأنها يمكن أن تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، ستختلف عن الحرب العالمية الثانية، إذ لن يكون بد من استخدام الأسلحة النووية استخداما مكثفا من شأنه تدمير الحضارة أصلا. وها هي قمة الناتو الجديدة تُعقد في تحدٍّ ظاهر خصيصا في وارسو - عاصمة بولندا لترمز إلى انتصار الإمبريالية على منظمة معاهدة وارسو التي كانت أنشئت في عام 1955 من قبل الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية لحماية نفسها من الكتلة العدوانية لحلف شمال الاطلسي. المعاهدة التي تم إلغاؤها خيانياً في عام 1990 من قبل زمرة غورباتشوف، ما فسح المجال واسعاً أمام توسع حلف الناتو شرقا.
وعلى الرغم من أن الغرب لم يعد الآن بحاجة إلى حلف شمال الاطلسي، ما دامت قد انتفت الحاجة للدفاع عن نفسه من الاتحاد السوفياتي المدمر، وهو ما طالما زعمه منشئو هذا الحلف العسكري والسياسي، لم تر الطغمة المالية العالمية المشاركة بنشاط في تدمير بنى الدولة السوفياتية من خلال "الطابور الخامس" الذي رعته، من ضرورة لتفكيك حلفها الأمني، بل هي عمدت أيضا إلى تطبيق مفاعيله على العالم كله تقريبا، بدءا من العدوان المسلح والوقح على الدول ذات السيادة بهدف ربطها بسياساتها، وإخضاع جميع الشعوب لإرادتها، والاستيلاء على كل الموارد الطبيعية والبشرية لكوكب الأرض، وعلى طرق مواصلاته المائية والبرية وما إلى ذلك. ومن أجل تبرير استمرار وجود حلفها العسكري، أطلقت الطغمة المالية العالمية المستخدمة هيمنتها على وسائل الإعلام حملة منافقة على الإرهاب الذي تمارسه هي نفسها، كما ابتدعت الخطر الروسي هذه المرة.
هكذا اتخذت في قمة وارسو قرارات قالوا إنها تهدف إلى ردع الخطر الروسي المزعوم، إلا أنها في الحقيقة ترمي إلى نشر 4 كتائب من قوات حلف شمال الاطلسي على أساس دائم عند حدود روسيا يصل إجمالي تعدادها إلى 4000 عسكري (في لاتفيا وليتوانيا وبولندا واستونيا)، وإلى تنفيذ خطط نشر أنظمة الدفاع الصاروخي في أراضي أوروبا الشرقية لزعزعة التوازن الأمني النووي الهش أصلا، والمزيد من دعم ومساعدة النظام الفاشي المعادي لروسيا وللشعب الأوكراني في أوكرانيا، ومواصلة جر جورجيا وغيرها من الدول الى شباك حلف شمال الاطلسي، وما إلى ذلك.
وهكذا ينشر حلف شمال الأطلسي أجنحته الشريرة شيئا فشيئا ودون هوادة شرقاً، واضعا نصب عينيه روسيا على الرغم من أنهم قدموا في حينه للاتحاد السوفييتي لدى توحيد ألمانيا تأكيدات شفهية بشأن عدم وجود نية لتوسيع رقعة حلف شمال الأطلسي في اتجاه الشرق. على هذه الخلفية التاريخية، بدت كل المزاعم حول الطابع السلمي لحلف شمال الاطلسي في القمة وكأنها قمة النفاق والرياء، إذ هي تهدف، كما كان الأمر من قبل، إلى خداع الناس وتخدير يقظتهم كيلا يقفوا ضد خطر الحرب. ويبقى على الشعوب والدول المحبة للسلام وحكوماتها المسؤولة أن تبذل كل جهد ممكن لفرض حل وتفكيك حلف شمال الاطلسي العدواني الذي تقوده الأوليغارشيا المالية العالمية، والنخبة السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة، قبل أن يبدأ حرباً عالمية ثالثة ساخنة ويدمر البشرية برمتها!
=============================
#مشعل_يسار (هاشتاغ)
M.yammine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المنشفي تروتسكي ووقائع ثورة أكتوبر
-
لا ترتبك يا رفيقي!
-
من القصيدة الملحمة -فلاديمير إيليتش لينين- - عام 1924 لشاعر
...
-
سلطة النهب
-
في مثلِ هذا اليومِ هبَّتْ ريحهمْ
-
جهل النظرية باب إلى الانتهازية!
-
روسيا ذاهبة لتبقى!!
-
مصالحهم ليست مصالحنا
-
حول قرار مجلس الأمن الدولي بشأن تشديد العقوبات ضد كوريا الدي
...
-
الحرب السورية وموقف الشيوعيين من التدخل الأميركي والروسي
-
رد على منتقدي الدعوة للتضامن مع جمهورية كوريا الديمقراطية ال
...
-
إلام يمتدحون ويتغنون بهذا الذي -يوقف روسيا على قدميها-!
-
لينين ك-مدمر- للاتحاد السوفيتي وبوتين ك-جامع- له!!!!!
-
لنفهم كوريا ولندافع عنها
-
بيان - حول التفجير التجريبي للقنبلة الهيدروجينية في جمهورية
...
-
طلقة تحذيرية
-
التقدم العلمي والتقني واهتراء المجتمع في ظل الرأسمالية ومهام
...
-
الإرهاب سلاح الامبريالية
-
لنحافظ على الروح الثورية للماركسية!
-
مفاجأة السلطات الروسية- حول مسألة التدخل الروسي في الحرب في
...
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|