|
غضب فاشل في تركيا
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 5226 - 2016 / 7 / 17 - 20:48
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
كنت أظن في الماضي القريب بإن تركيا هي أكمل في الوعي السياسي منا نحن العرب ، وظني كان قائماً على الفلسفة والنهج الذي أتبعه القائد - مصطفى كمال أتاتورك - حين حرر تركيا من جهالة السلطنة ونظامها المتخلف وشعاراته البلهاء ، لكن هذا التحرر لم يكن مجتمعياً ولا ثقافياً بالدرجة التي لم يبلغ معها ان تجعل من الدولة التركية ذات مؤوسسات وأنظمة حكم ثابتة ، بدليل ما حصل قبل يومين ، فهذا الذي حصل كشف عن الخلل في البنيه السياسية والإجتماعية الحاكمة ، إذن هو ليس إنقلاباً ولا تمرداً إنما هو مزيج من هذا وذاك ، هو غضب وتذكير بمبادئ نسوها من يحكمون فتحولت الديمقراطية عندهم إلى شعارات وخطب كتلك الموجودة في بلادنا العربية ، طبعاً لم يكن الإخفاق في هذا الغضب والتذكير دليلا على كراهية الشعب للتغيير ، ولا كراهيته لكي لا يتشبه بدول من العالم الميت ، إنما هي إرادة في التذكير المؤقت ذي الصلاحية المحدودة ، وطبيعي إننا لسنا مع من يُعكر صفو الحياة هناك ، ولا مع من يحاول إنتزاع السلطة بالقوة والعنف ، لأننا مؤمنين بان الشعوب هي التي تحقق ذلك حسب مساراتها وخططها وإرادتها .
لكن الديمقراطية ليست مطية أو شعارات يتلبس بها من يريد الإستحواذ على السلطة وتسخير قوى الدولة لمصلحته ، الديمقراطية هي ممارسة مجتمعية كما هي ثقافة عمل تعتمد البرامجية والتوافقية من قبل الشعب وتقوم على الصلاحية والمصلحة ، ولهذا فهي لا تفرض نفسها بقدر ما تقدم ما يمكنه خدمة الناس وتطوير حياتهم ، فإذا أستعصى هذا أو لم يكن في الإمكان تنحى من يتصدى ليفسح المجال لغيره ، لكن الديمقراطية لا تستقيم ولا تنجح في ظل الحكم الديني والعشائري ، نعم هي ممكنة إن تخلى الديني والعشائري عن مقدماته وفلسفة فهمه للحياة ، ولأننا في الشرق الإسلامي يعتبر الديني والعشائري عندنا مقدساً للحد الذي نتجاوز فيه على القانون والحقوق ، فعندنا الحاكم الديني لا يتغير ولا يتبدل إلاَّ بالموت وكذلك حاكمنا العشائري معنا إلى الموت ، وهذا خلاف الديمقراطية والتي ليس فيها إرادة دائمة أو حاكم دائم ، بل هي طابع ونظام من التجديد والتقدم وصنع المستقبل ، في تركيا التي أسسها أتاتورك كان ممكناً أن تكون فيها ديمقراطية وعلمانية ، ولكن هذا كان بشرط إن يتصدى لحكمها ولثقافتها الجماهيرية من يؤمنون بذلك ، وكان ممكناً ذلك لولا نجاح الحركات الدينية في المنطقة المجاورة بإنتاج أنظمة دينية ، هذا الإنتاج حفز الأتراك للعودة إلى ماضيهم القريب في الهيمنة والسلطنة ، فشجعوا من غير وعي ومن حيث لا يعلمون الحركات والاحزاب ذات الشعار الديني ، معتقدين إنها المُعادل لما حصل في المنطقة والجيران ، فتجربة إيران 1979 في ولاية الفقيه حركت المجتمعات السنية في إنتاج حركات دينية تطالب بإعادة الخلافة ، فكانت القاعدة وطالبان وتعزز دور الوهابية و داعش ، وعرب آسيا هم عبارة عن أنظمة قبلية وعشائرية على النمط القديم لا يمكنها أن تكون المُعادل الطبيعي أو إنها تستطيع خلق فرص للديمقراطية بمفهومها الصحيح ، ولهذا لا يكون للديمقراطية في العالم الإسلامي نصيب وقدرة على التعايش وتأسيس دول صالحة للبناء والتقدم طالما كانت محكومة هي نفسها بما يخالف أسس الديمقراطية وقيمها .
ما حدث في تركيا هو تنبيه يقول للحاكم كفى هذه السنيين من الحكم ، ليس لأنك سيء ولكن ليس لكونك أفضل الموجودين ، إذن فلتدع الأخرين يجربوا برامجهم لعلها تكون نافعة ومفيدة أو تقدم شيئاً جديداً إلى البلد ، أما أن تتمسك بها من العمدة الى الرئاسة فهذه كبيرة من الكبائر في العرف الديمقراطي ، وإذا كان العالم قد غظ الطرف في عدم مساعدة من قاموا بالتحرك هذا ، فلأن هناك ما يكفي من المشاكل في المنطقة ، وخوفاً من أن تتحول تركيا إلى سوريا أو عراق أخر ، لكن في اللحظة التي يرون فيها المصلحة في التغيير وفي التصفير فلا أظن إن هناك ما يمنع إن لم يتعظ ذوي الشأن مما حصل ، وبعيداً عن الشعارات والخطب وبعيداً عن كيف ولماذا ؟ ؟ ، على الحاكم التركي أن يستهل مرحلته الجديدة في الإنفتاح الجدي على سوريا والعراق ، وأن يقطع يد داعش وأعوانه والمحرضين منهم والفاعلين لهم ، فهؤلاء ليس سوى عبء لا فائدة منه ، وسواءُ أكانوا عرباً أو غير ذلك ، وأظن لتركيا الحق ان تعيش بسلام بعيداً عن مخاطرات العرب واحقادهم وطائفيتهم ودينهم البغيض ، على تركيا الإنكفاء على نفسها وتتدرب من جديد على ثقافة الديمقراطية والمهم ان تقوم بمراجعة لخطواتها وما يمكن القيام به ، نحن سعيدون لعدم نجاح هذا التمرد ، وسعيدون لكي يُعاد النظر بالديمقراطية في ظل أسلمة البلد ، وسعيدون لكي تتعلم تركيا كيف لها ان تكون في النادي الأوربي ؟ ، وتتعلم من رئيس الوزراء البريطاني كيف استقال لأنه لم ينجح في إبقاء بريطانيا مع الإتحاد الأوربي ، من يريد ان يكون مع الكبار فيتعلم كيف يكون فعل الكبار ؟ ..
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما بعد العيد
-
بيان صادر عن الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي بمناسبة الإن
...
-
تحرير الفلوجة
-
قبح الله إسلامكم
-
رسالة مفتوحة للأخ رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي
-
أوهام المصطلحات
-
بين إسلام مكة وإسلام المدينة
-
سلاماً شهداء الناصرية
-
تدمر حرة
-
هي آمال
-
عن التغيير والإصلاح
-
سوريا الفدرالية
-
الفدرالية في مواجهة التقسيم
-
في الطريق لليبرالية الديمقراطية ومفهوم الإيمان
-
يا غريب كٌن أديب
-
الشيرازية وداعش وجهان لعملة واحدة
-
العراق والمستقبل المجهول
-
في وداع 2015
-
إنتصارنا في الرمادي
-
في أعياد الميلاد المجيدة
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|