كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1401 - 2005 / 12 / 16 - 10:32
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ليس هدف هذه المقالة اتهام حزب أو جهة ما باغتيال السيد مزهر الدليمي في الثالث عشر من كانون الأول/ديسنبر 2005 وجرح ثلاثة من مرافقيه, فهذه المهمة يفترض أن تنهض أجهزة الأمن والقضاء العراقي بهدف الوصول إلى المسؤولين عن هذا الاغتيال وغيره من الاغتيالات التي رافقت الفترة المنصرمة.
قبل جريمة اغتيال السيد مزهر الدليمي بيوم واحد وجه اتهامه إلى الحكومة العراقية وإلى بعض القوى السياسية وأورد بعض الأسماء التي كما قال أنها هددته أثناء انعقاد مؤتمر الوفاق الوطني في القاهرة بأنها تهيئ له ملفاً أمنياً لاعتقاله ومحاكمته حال عودته إلى العراق. وكان الاتهام موجهاً إلى وزارة الدفاع والسيد جواد المالكي من قائمة الائتلاف العراقي الموحد وهو من قياديي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية.
فمن هو السيد مزهر الدليمي؟ وهل كان لديه من الأعداء من كان يسعى إلى تصفيته؟ يمكن متابعة المحطات التالية في نشاط السيد مزهر الدليمي التي تضعنا وجهاً لوجه أمام الجماعات التي يمكن أن تكون لها مصلحة بالتخلص منه.
ولد السيد مزهر ناجي عفات الدليمي في الرمادي في عام 1959 ومن عشيرة البو خلف الجحيش, ويعتبر والده أحد شيوخ هذه العشيرة. جند في العام 1976, أي كان عمره 17 سنة فقط, للعمل في جهاز مخابرات النظام وساهم في دورة خاصة نظمتها رئاسة المخابرات, عين بعدها في القلم السري لشعبة الاغتيالات, وهي واحدة من أهم دوائر المخابرات العراقية المرتبطة مباشرة بصدام حسين. نقل منها فيما بعد إلى قسم الخدمة السرية. وفي هذا القسم تسنى له تقديم امتحان بكالوريا الصف السادس الثانوي بنجاح.
في العام 1980 نقل إلى شعبة مكافحة التجسس التي كا يترأسها سبعاوي إبراهيم التكريتي وهو الأخ غير الشقيق لصدام حسين. وبسبب الثقة التي حظي بها من أجهزة مخابرات القصر أوفد إلى دورتين في الهند وفرنسا. وبعد نهاية الدورتنين نم نقله في عام 1981 للعمل في قسم مخابرات النظام في باريس وضمن شعبة العمل السري. استمر في هذا العمل حتى عام 1983 حيث نقل إلى بغداد ونسب إلى شعبة الطلبة أو المنكب الخامس. وبعد عامين من العمل في هذا المكتب, أي في عام 185 رشح من قبل قسم مخابرات النظام في باريس التي يطلق عليها بالمحطة, بسبب مؤهلاته وخدماته للنظام, للدراسة في الكلية العسكرية الثالثة التي كان يقع مقرها في حي العامرية ببغداد. تخرج منها في العام 1986 برتبة ملازم, ونسب إلى الحرس الجمهوري الخاص بصدام حسين, ثم شغل منصب ضابط في القصر الجمهوري, حيث كان في سرية التشريفات الخاص بصدام حسين. ثم عاد من جديد إلى الفوج الأول في الحرس الجمهوري الخاص بصدام حسين. ومن هذا الموقع قرر الهرب ونفذ ذلك في العام 1990.
لقد عمل السيد مزهر الدليمي قرابة 14 عاماً في خدمة أجهزة النظام الأمنية والمخابراتية وفي الحرس الجمهوري الخاص بصدام حسين. وخلال هذه الفترة ساهم مساهمة فعالة بكل ما كان يوكل إليه من مهمات, إذ تجول في أغلب الأقسام المهمة التابعة لمخابرات القصر الجمهورية واطلع عليها وتعرف على أنشطتها ومهماتها ومارس المهمات معها. هذه المعلومات وردت في كتابه الموسوم محطة الموت [8 سنوات في المخابرات العراقية] الذي صدر عن دار الأنبار في باريس في عام 1993 وقدم له الكاتب العراقي الدكتور جليل العطية.
يؤكد المؤلف ما يلي".. انني انخرطت في جهاز الرعب وأنا طالب لا تجربة ولا ممارسة لي في الشؤون العامة, وبعد أن تقدمت في السن ونضجت بدأت أعي ما يجري!" ثم يقول: وفي الوقت الذي كان العراقيون فيه يساقون إلى ساحات الموت العبثي (يقصد حرب القادسية الصدّامية ضد إيران, ك. حبيب) , كانت الأجهزة تتولى اضطهاد وتصفية الباقين ممن لم يأتهم – دور الموت بعد". ص 15.
وفي هذا الكتاب عمد المؤلف إلى فضح بنية أجهزة مخابرات النظام وأساليب عملها وعمل النظام الصدامي, وتطرق بوضوح غلى الشعب الخاصة بعمليات الاغتيال التي عمل فيها وكذلك شعبة مكافحة التجسس التي كانت تنتزع الاعترافات من الضحايا بالقوة وتفرض عليهم التوقيع على أفعال لم يرتكبوها وعلى أناس لم يتعرفوا عليهم من قبل. ولم تقتصر الاغتيالات على المعارضين السياسيين للنظام من الأحزاب التي كان يلاحقها النظام, بل ولعدد غير قليل من البعثيين ومن أقطاب ووزراء وكوادر النظام.
بعد هروب مزهر الدليمي من العراق التحق ببعض العناصر القومية التي كانت تقف في موقع المعارضة للنظام. وفي عام 1993 أصدر كتابه المشار إليه والذي فضح بعض جوانب عمل المخابرات الصدامية لمن لم يقتنع بجرائمها الفعلية ضد الناس العراقيين. وقد كان لهذا الكتاب أثره الملموس إذ انطلق من مواقع النظام ومن موظف عمل في تلك الأجهزة وساهم فيها بكل حيوية وإخلاص لصدام ونظامه, ولكنه تخلى عنه في الفترة الأخيرة.
وقف مزهر الدليمي, مع بعض القوى القومية والشيوعيين وحزب الدعوة وجمهرة من الناس غير الملتزمين بحزب سياسي معين ضد الحرب على العراق.
بعد سقوط النظام عبر الحرب, تحول مزهر الدليمي إلى معارض شديد للوضع الجديد ومارس مع المجاميع القومية والإسلامية السياسية السنية حملات واسعة ومكثفة ضد الوضع الجديد وضد وجود قوات الاحتلال الأمريكية في العراق متهماً الجميع بالعمالة للدول الأجنبية التي نفذت الحرب ضد العراق! وقد حاول مع مجموع من صحبه منع الجامعة العربية من لعب دورها في تحقيق الوفاق الوطني في العراق لفترة غير قصيرة, إذ كان لا يرى مجالاً لأي حوار مع القوى السياسية المشاركة في الحكم. وكان الدليمي يشارك في المؤتمرات والاجتماعات الإقليمية والدولية المناهضة للوضع في العراق ويحرض الناس على الانخراط في ما يسمى بـ "المقاومة الوطنية المسلحة" ضد الاحتلال, ومن مواقع قومية شوفينية ضد الفيدرالية الكردستانية والشعب الكردي, ومن مواقع مذهبية سياسية ضد قوى الإسلام السياسي الشيعية. ولم يكن الشخصية التي يمكن القبول بها بسبب جموحه الشديد وتجاوزاته على القوى الأخرى.
وأخيراً عاد مزهر الدليمي إلى العراق دون أن يعتقل من قبل أجهزة أمن الدولة العراقية أم من قبل الأجهزة الأمنية للقوات المسلحة الأمريكية, وقرر المشاركة في الانتخابات وشكل قائمة انتخابية لخوض الانتخابات التشريعية. وكان هذا يعني بالضد من بعض القوى البعثية وقوى الإسلام السياسي المتطرفة التي قررت مقاطعة الانتخابات وهددت من يمارسها بالقتل.
ظهر مزهر الدليمي كثيراً على شاشة التلفزة العربية في مناظرات سياسية مع قوى سياسية مختلفة, وبشكل خاص عبر قناة الفضائية العربية والجزيرة والفضائية المصرية وغيرها. وكان آخر مناظرة له قد تمت من خلال شاشة قناة الفضائية العربية في ليلة 12/12/2005, حيث قتل غيلة في صبيحة اليوم التالي وعبر مجموعة مسلحة.
من هذا الاستعراض يتبين لنا بأن هناك بعض القوى السياسية التي كان يهمها بنسب متفاوتة التخلص من مزهر الدليمي, ومنها بشكل خاص:
1. حزب البعث العربي الاشتراكي والمجموعة العاملة في مخابرات القصر الصدامية السابقة, التي لم تغفر لمزهر الدليمي هروبه وخيانته لها فضحه للعمليات التي نفذتها ضد الشعب العراقي والمعارضة السياسية, إذ كان يهمها جداً الانتقام منه بأي ثمن كان. وقد تسنى لها ذلك وفي معاقلها الحصينة. إن هذه القوى تعمل وفق قواعد عمل المافيا الدولية المعروفة في الانتقام ممن يخون القسم الذي يؤديه أمامها.
2. جماعة الزرقاوي التي هددت كل المشاركين في العملية الانتخابية بالقتل, وهي التي تمارس القتل يومياً والاغتيالات في صفوف الحزب الإسلامي العراقي وبقية القوى السياسية بسبب مشاركته في العملية السياسية العراقية وفي الانتخابات الجارية. وقد حاول مزهر الدليمي أن يميز في ما كان يسميه قوى "المقاومة الوطنية المسلحة" وبين قوى الإرهاب في أحاديثه السياسية ومقابلاته الصحفية.
3. لا أعتقد بإمكانية توجيه الأنظار إلى قوى الإسلام السياسي الحاكمة في هذه الجريمة, إذ أنهمها هي أن تجري الانتخابات بهدوء.
4. ولا يمكن توجيه الأنظار إزاء قوى قائمة التحالف الكردستاني, غذ أنها لا تمارس القتل ض المختلفين معها, بل أكدت إمكانية الحوار مع القوى التي تدعي المقاومة, كما صرح بذلك السيد جلال الطالباني, رئيس الجمهورية العراقية. وخلال العامين المنصرمين كانت هناك شخصيات وقفت ضد الفيدرالية الكردستانية أشد وأعنف من مواقف مزهر الدليمي ولكنها لم تتعرض للاغتيال من جانب القوى الكردستانية, ولهذا يفترض إبعادها من القوى التي يشك في ارتكابها جريمة الاغتيال.
ويبدو لي مهماً أن أشير إلى أن المجموعة الأولى والثانية يمكن أن تكون قد لجأت إلى اغتياله لإشاعة الصراع ضد قوى الإسلام السياسي الشيعية لتوتير الأجواء بين القوى السياسية المذهبية واتهامها بالجريمة المرتكبة.
وفي حالات أخرى كان يمكن توجيه الاتهام إلى جماعة ميليشيا المهدي, ولكني أستبعدها في هذه القضية لأسباب عدة لست بصدد البحث فيها, رغم أنها لا تستبعد هذا الأسلوب من عملها السياسي, وقد مارسته حتى الأمس القريب.
ولهذا يفترض التحري عن المسؤولين في إطار المجموعتين الأولى والثانية على نحو خاص.
إن هذا الأسلوب في العمل السياسي ليس غير مجدي فحسب, بل ومضر بالعملية السياسية العراقية ولا يمارسها إلا من يريد الإخلال بالحياة السياسية وبمستقبل العراق والتعايش السلمي والديمقراطي بين مختلف القوى السياسية ذات البنية القومية والاتجاهات الفكرية والسياسية والدينية والمذهبية المختلفة.
إن أسلوب الاغتيال لا يعبر إلا عن همجية مرتكبيه وعدوانيتهم وعجزهم عن خوض الحوار للدفاع عن توجهاتهم الفكرية والسياسية. إنه عمل العصابات الشريرة لا غير بغض النظر عن الشخص المغدور وعن اتجاهاته الفكرية والسياسية أو قوميته ودينه ومذهبه.
إن من حق الرجل علينا جميعاً رغم اختلافنا معه, ورغم تشجيعه للإرهاب دون أن يعي أن هذا الإرهاب سيصله أيضاً وسيصل, مع الأسف الشديد, إلى غيره وإلى قوى أخرى أيضاً وجدت التأييد منه ومن غيره خلال الفترة المنصرمة. لقد رفع الغطاء عن القوى الشريرة, قوى الإرهاب, وها هي تحصد من تريد قتله وهي حرة في فعلها بسبب ضعف الحكومة وضعف القدرة على مواجهة هذه القوى الشريرة حتى الآن. وقد ساهمت قوى هيئة علماء المسلمين وأهل العراق وصالح المطل? وغيره في تشيع قوى الإرهاب باسم المقاومة, وها نحن في العراق نحصد عواقب ذلك.
13/12/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟